1 لا يكفي النظر فقط لأزمة " سد النهضة" من ناحية فنية ، وحصر فوائده ومضاره علي السودان ومصر، فضلا عن أن القضية ليست خلاف حول أهمية التوزيع العادل لمياه النيل ، وحفظ حقوق ومصالح دول المنبع والمصب فيها، لو كان الأمر كذلك فالحل سهل ، ولكن الأمر اصبح متعلقا بمصالح اسرائيل وأمريكا والبنك الدولي لخصخصة مياه النيل والاستيلاء عليها وبيعها باعتبارها اصبحت سلعة لا تقل عن النفط أو الذهب أو الثروات الأخري ، اضافة لاطماع اسرائيل في السيطرة علي مياه النيل ومحاصرة مصر والسودان، ومد اسرائيل بمياه النيل ، فشعب اثيوبيا لن يستفيد شيئا من مشروع ابي أحمد الذي يسير في تنفيذ سياسات البنك الدولي واغراق اثيوبيا في ديون تكلفة السد التي تقدر بأكثر من 4 مليار دولاروغيرها ، تؤدي لفقدان استقلالها وسيادتها الوطنية ، والمزيد من افقارها ، وتأجيج الصراعات الأثنية بهدف تفكيكها والسيطرة عليها ، والتواجد الدائم فيها بحجة المحافظة علي الأمن، كما حدث في الصومال، باعتبار اثيوبيا قوي مؤثرة في منطقة القرن الأفريقي، ولها تاريخ وحضارة عريقة. 2 كما لا يمكن تناول أزمة " سد النهضة" بمعزل عن الوضع في القرن الأفريقي الذي تتصارع القوي الدولية والاقليمية من أجل الوجود فيه لموقعه الاستراتيجي، ولأهميته في ربط التجارة الدولية ، ونقل البترول، وارتباطه بمخطط الدول الرأسمالية للسيطرة علي ثروات القارة الافريقية المعدنية والزراعية ومياه النيل ومنابعه ، ولارتباطه بالمخطط الاسرائيلي للسيطرة علي مياه النيل ، ومحاصرة الدول العربية واهمها مصر والسودان.اضافة لارتباط المنطقة بالقرصنة والارهاب ، وانهيار الدولة الصومالية. فلا عجب أن اجتذب القرن الافريقي وافريقيا عموما صراعات القوي الدولية مثل : دول الخليج " السعودية، الامارات ، قطر " ، الصين، روسيا، إيران، تركيا،الهند، واليابان، إضافة إلى القوى الغربية ذات المصالح التقليدية " فرنسا ، ايطاليا، بريطانيا ، بلجيكا، الخ"، وإسرائيل. اضافة للاتفاقات الأخيرة لروسيا وأمريكا مع الحكومة السودانية لاقامة قاعدتين عسكرتين علي البحر الأحمر.
3 كما يرجع اهتمام الاسرائيليين بافريقيا والتغلغل في دولها الي اعتقادهم بأن حدود الدولة العبرية في المستقبل ستمتد من نهر النيل إلى نهر الفرات، وهو ما أشارت إليه الكتابات التوراتية اليهودية، وكُتب على لوحة توراتية في مدخل الكنسيت الإسرائيلي بأن «حدودك يا إسرائيل من الفرات إلى النيل». وطيلة السنوات الماضية استطاعت اسرائيل أن تشكل حضورا في الدول الافريقية مثل :اثيوبيا ، كينيا ويوغندا ،تشاد ، بورندي. الخ، وتعتبر اسرائيل الحليف الأول لاثيوبيا ومدخلها إلى بقية دول أفريقيا، وقدمت اسرائيل منذ عام 1949 مساعدات عسكرية لكل حكام إثيوبيا. - وكان أول وجود عسكري لاسرائيل في الجزر الإريترية، التي استأجرتها من إثيوبيا بعد زيارة موشي ديان لإثيوبيا عام 1965، وفي 11 سبتمبر من العام نفسه سجل حاييم بارليف (قائد العمليات بهيئة الأركان) زيارة سرية لإثيوبيا، وضعت ترتيبا للتعاون العسكري بين البلدين. - اضافة لضغوط أمريكا علي السودان للتطبيع مع اسرائيل والابتزاز برفع العقوبات مقابل التطبيع، والغاء الاجتماع المشترك لمجلس السيادة والوزراء لقانون مقاطعة اسرائيل الذي اجازه البرلمان السوداني المنتخب عام عام 1958 ، مما يعتبر خرقا للوثيقة الدستورية بعد تجاوز المدة المحددة للتشريع لمجلسي السيادة والوزراء (3) شهور.، فضلا عن أن موضوع التطبيع مع الكيان العنصري الصهيوني ، ليس من اختصاص الحكومة الانتقالية، بل من مهام البرلمان المنتخب القادم. - لعبت اسرائيل دورا مهما في دعم المتمردين بجنوب السودان متذ العام 1955 الذين اتخذوا من اثيوبيا نقطة انطلاق لنشاطهم العسكري، حتى تمّ انفصال الجنوب في يوليو 2011 . - نبع أهتمام اسرائيل بمنطقة القرن الأفريقي؛ لتحقيق أهداف إستراتيجية معروفة، مثل : قضية المياه، وأمن حوض النيل والبحر الأحمر ومحاصرة دول المصب مصر والسودان، والسيطرة علي البحر الأحمر التي تعتبر واحدة من أهم الأهداف الإستراتيجية لإسرائيل في القارة الأفريقية، والتي بدأت عام 1949 بعد تأسيس الوجود الإسرائيلي في خليج العقبة، وبهدف الاتصال مع العالم الخارجي عن طريق البحر الأحمر، اضافة لاحتلال الأراضي العربية في الجزء الشمالي، والوجود في الجزر الواقعة في الجزء الجنوبي من المنطقة. - كما تلنحف اسرائيل ثوب الدين مستغلة مزاعم الأمهرة بأنهم ينتمون إلى سلالة سيدنا سليمان، كما روجت الكنيسة الأرثوذكسية أن الأمهرة هم شعب الله المختار في إثيوبيا. وترتبط بذلك الأبعاد الاجتماعية المتعلقة باليهود الأفارقة المنتشرين في القارة، خصوصا في إثيوبيا (اليهود الفلاشا)، الذين رحلهم الديكتاتور نميري الي اسرائيل في الفترة : من نوفمبر 1984 الي يناير 1985 في "عملية موسي"، وكانت تلك العملية من الاسباب التي أدت لانتفاضة مارس - ابريل 1985 في السودان. اضافة لهدف الحصول علي جزء من مياه النيل عبر قناة السويس. وهو المشروع الذي يعرف باسم (مشروع إليشع كالي)، ويستهدف حصولها على ما يعادل 1% من مياه النيل، أي ما يعادل 550 مليون متر مكعب سنويًّا عبر أنابيب ناقلة لصحراء النقب مرورًا بمصر "من خلال سحارات أسفل قناة السويس" وقطاع غزة شمالا. وجاء طرح هذه المسألة من خلال تلميحات إسرائيلية بشأنها، وبينما أبدى الرئيس المصري في حينه، أنور السادات، تجاوباً شفوياً مع هذا الطلب المعروف باسم ترعة السلام، إلا أنه لاقى رفضاً شعبياً ورسمياً واسعاً في مصر في حينها. وخلال المفاوضات متعدّدة الأطراف للتسوية في منطقة الشرق الأوسط بعد مؤتمر مدريد (1991)، حاولت إسرائيل خلال أعمال لجنة المياه طرح الأمر من جديد، إلا أنها لم تنجح، بسبب الرفض المصري ( العربي الجديد :7 مايو 2018). . لا شك أن المصالح المصرية السودانية ترتبط بشكل وثيق بمنطقة منابع النيل، والتي تمثل عمقاً استراتيجياً للدولتين حيث أن أي تهديد لتدفق مياه النيل يمثل في الوقت نفسه تهديداً مباشراً لكليهما. ومن المعروف أن إثيوبيا وحدها تسهم وحدها بأكثر من 80% من جملة إيرادات مياه النهر. وتسعى القيادة الإثيوبية، بعد إعادة ترتيب أوضاع الدولة الجديدة عام 1991م إلي تقديم نفسها للغرب كفاعل إقليمي قوي يمكن الاعتماد عليه، وهو ما أدى إلي دخولها في مغامرات غير محسوبة بدقة، مثل نزاعها الحدودي مع جارتها الوليدة إريتريا، وعدم استقرار علاقاتها مع السودان. بصورة عامة ، ارتكزت السياسة الإسرائيلية على مبدأ نهب الموارد المائية العربية، والاقتتال من أجلها، ففي تصريح لأحد المسئولين الإسرائيليين، وهو «زيئيقي أوتنبيرج»، رئيس هيئة بحيرة طبرية الأسبق، بأنه «إذا زاد نقص المياه في إسرائيل، ولم نستطع حل المشكلة بالطرق السلمية، فلابد حينها من حلها بالحرب، وهل هناك حل آخر؟، المياه كالدم لا يمكن العيش بدونه». لذلك فقد خاضت إسرائيل من أجل ذلك عدة حروب تمكنت فيها من احتلال ضفاف بحيرة طبرية، ومنابع نهر الأردن عام 1948، كما شاركت في العدوان الثلاثي على مصر من أجل قناة السويس عام 1956، وسيطرت على منابع ومياه حوض نهر الأردن عام 1967، بالإضافة إلى اجتياحها لجنوب لبنان من أجل السيطرة على نهر الليطاني ووصول مياهه إلى إسرائيل عام 1982( اضاءات ، احمد عسكر،6 /12/ 2016)..
3 - ايضا كثفت الصين وجودها في افريقيا في إطار سياستها التي اعلنتها في أواخر ثمانينيات القرن الماضي، التي تقوم على محاور ثلاثة: المساعدات، والتبادل الثقافي، وحفظ السلام. كما عملت اليابان علي دعم التنمية في افريقيا، وإثارة انتباه المجتمع الدولي تجاه أفريقيا؛ وذلك بدعوتها لعقد مؤتمر طوكيو الدولي الأول لتنمية أفريقيا، الذي عرف باسم تيكاد ـ عام 1993، ثم تتالت اللقاءات كل خمس سنوات. وتركز اليابان في علاقتها مع أفريقيا على الجوانب الاقتصادية والتعليمية. - كما كثفت الدول الغربية الرأسمالية التقليدية نشاطها في افريقيا تحت دعاوي "حرب الإرهاب" بعد انتهاء الحرب الباردة، والتي خلقت مبررات لتجييش الجيوش واحتلال أراضي الغير أو التدخل السافر في شئونها الداخلية مثل: التدخل في الصومال 1992 ،وما نتج من اخلاء الأمم المتحدة الصومال، تاركة له صراعات زعماء القبائل ولوردات الحرب. ومع هذا الانسحاب تغيرت كثير من الحقائق بالنسبة للقرن الأفريقي، بما في ذلك النظرة الأمريكية للمنطقة، رغم بقاء الإستراتيجية والأهداف على حالها، التي تترجم محاولات واشنطن المستمرة لتحقيق نفوذ أكبر من النفوذ الفرنسي، ومن ثم السيطرة على منافذ البحار في القرن الأفريقي. - أما الولايات المتحدة فقد قامت بتأسيس قوات حلف " الافريكوم" الذي مقرها في جيبوتي.
4 بجانب الاهتمام الأمريكي بإفريقيا عموما والقرن الإفريقي خاصة، لا يمكن إغفال تنامي حاجة أمريكا لنهب مواردها المعدنية والنفطية والزراعية، كما ينسجم هذا التوجه الأمريكي نحو القرن الإفريقي والبحيرات العظمى في كلياته مع حقيقة الاهتمام الإسرائيلي بهذه المنطقة، التي تشكل العلاقة معها ضمانة أمنية وإستراتيجية لدولة الكيان الصهيوني ومعبرا مهما لها لكل إفريقيا. هكذا نلاحظ أن منطقة القرن الافريقي كانت ولا زالت منطقة صراع واستقطاب دولي وإقليمي من طرف دول من الشرق الأوسط، وإسرائيل أبرز القوى الإقليمية المراهنة على حضورها بالمنطقة كاستراتيجية للأمن القومي الإسرائيلي، بتعزيز أمنها وتحقيق اختراق بمنطقة شرق إفريقيا لتحسين علاقاتها الإفريقية، لكسب أصواتها بالمنظمات الدولية ولكسر الحصار والعزلة المفروضة عليها إقليميا، فاستثمرت برنامجها لتقديم المساعدات للدول النامية، " المصدر : مركز الجزيرة للدراسات، 21 مارس 2010 ".. خلاصة الأمر ننظر لتنافس الدول الغربية " ايطاليا، فرنسا، اسرائيل ، والخليج " السعودية ، الامارات"، اضافة لقطر ونركيا قطر وأمريكا والبنك الدولي والصين لنهب ثرواتها المعدنية والنفطية والمائية كما في تمويل سد النهضة في اثيوبيا كمثال للتنافس والتواجد في القرن الأفريقي والتأثير فيه.