المستند هو ورقة تحمل بيانات مدونة فيها. والمستندات نوعان مستندات رسمية أو عادية. والمستندات الرسمية هي تلك المستندات التي يثبت فيها شخص مكلف بخدمة عامة، ما تم على يديه، أو تلقاه من ذوي الشأن، وذلك طبقاً للأوضاع القانونية، وفي حدود سلطته وإختصاصه. و المستندات العادية هي اوراق يثبت بها شخص علمه بواقعة ما. والمستندات العادية إذا تم التصديق عليها تنقلب إلى مستندات رسمية، لأنه من شأن التصديق على المستند العادي إضفاء صفة الرسمية عليه في حدود إختصاص الموثق. هذه المستندات بنوعيها تتطلب أحيانا شهادة تؤكد صدورها من الجهة التي أصدرتها وهذا هو التوثيق. توثيق المستندات أو التصديق عليها تعني إصدار شهادة من جهة مكلفة بذلك، تقرر صحة المستند الذي يتم التصديق عليه. والتصديق على المستندات بشكل عام، يقوم به موظف عام مكلف بأداء خدمة عامة. ويطلق عليه في البلدان العربية كاتب عدل. وهو معروف في البلاد الناطقة باللغة الإنجليزية بإسم Notary Public ونشير إليه هنا بإسم الموثق. مهمة الموثق تنحصر في التصديق على صحة صدور المستند من الجهة أو الشخص الذي يذكر المستند عن نفسه أنه صادر عنه. مهمة الموثق لا صلة لها بمحتوى المستند ، فصحة البيانات الواردة في المستند يشهد عليها الشخص أو الجهة التي أصدرت/هـ ولكن الموثق يشهد على صحة صدور المستند من تلك الجهة فحسب. ما يقرره الموثق هو صحة المستند من حيث الشكل، أي صحة صدور المستند من الجهة التي يذكر المستند صدوره عنها. وهذا يتطلب أن يعلن من أصدر المستند عن شخصه في ذيل المستند، وأن يقرر الموثق صحة ذلك الإعلان. وهذا يتطلب ثلاثة أشياء 1) أن يتعرف الموثق على شخص الموقع. وذلك يتطلب مراجعة المستندات الرسمية التي تؤكد هويته و2) أن يتأكد من أنه قد وقع على المستند. التصديق على المستندات العادية يستلزم حضور الشخص الذي يريد إثبات الواقعة التي يشملها المستند أمام الموثق، ووضع توقيعه أو بصمته أو ختمه على المستند في حضوره. ولكن الأمر لا يتطلب ذلك في حالة التصديق على المستند الرسمي، إذ أن توقيع الشخص الموقع، وختم المصلحة أو المرفق الصادر عنه المستند، يكون معروفاً لدى الجهة التي تقوم بالتصديق على المستند، وبالتالي فإنها تصدق عليه بالمقارنة مع النموذج الذي تحتفظ به لتوقيع وختم تلك الجهة. و3) من صحة توقيعه على المستند. ويشمل ذلك بالضرورة التأكد من صفة الموقع على المستند. فإذا كان المستند موقع عليه من وكيل لشخص آخر، أو نيابة عن هيئة أو شخص معنوي، يتأكد الموثق من وجود وصحة التوكيل أو التفويض الصادر من ذلك الشخص أو الهيئة، وأنه يخول من وقع على المستند سلطة التوقيع نيابة عن ذلك الشخص أو الهيئة. صحة التوقيع تستلزم أن يكون الموقع على المستند، قد وقع عليه وهو في كامل الوعي والإختيار. أي أنه لم يكن خاضعا لأي تأثير يجعل إرادته غير حرة، وأنه كان على علم ودراية بمحتوى المستند وقت توقيعه على المستند.
حلف اليمين على واقعة التصديق على المستندات العادية وهي كما أسلفنا صادرة من شخص لا يتمتع بصفة رسمية فيما يتعلق بالواقعة التي يرغب في إثباتها. ولذلك فقد لا يكفي بشأنها مجرد إيراد الواقعة بل قد يستلزم الأمر أن يحلف اليمين على صحة الوقائع المراد إثباتها. وتحليف اليمين على صحة الواقعة هو في الأصل سلطة للمحكمة، تباشرها بشكل رئيسي في أثناء نظرها لنزاع أو لمسألة تقع في إختصاصها. أو بتفويض من محكمة أخرى تباشر عملها القضائي. كذلك ففي حالات محدودة يطلب شخص أن تُسمع أقواله على اليمين لأسباب يقدرها هو، بواسطة محكمة، لإستخدامها في نزاع محتمل. ولكن هذه الحالات رغم أن المحكمة تمارس فيها عملاً قضائياً، إلا أنه في واقع الأمر مجرد توثيق لما أدلى به المقر أمامها، وهو ما يجعل تلك الحالات أقرب لحالات التصديق على المستندات من تلك الحالات التي تسمع فيها المحكمة شهادة الشهود على اليمين، حيث أنها تفعل ذلك بموجب سلطتها القضائية في قبول البينة مما يتطلب منها سلطة تقديرية فيما تسمح بالإدلاء به من أقوال. التصديق عبر الدول التصديق على المستندات في الغالب يكون المقصود به تقديم المستند لجهة قضائية أو إدارية في الدولة نفسها. ولكن إزدياد وحركة الناس والبضائع عبر الحدود الدولية، قد أدت لإزدياد الحاجة للتصديق على مستندات في دولة ما، لإستخدامها في دولة أجنية. وقد أدى ذلك لأن تقوم الدول بتحديد جهة فيها تصادق على المستندات الصادرة منها لإستخدامها في الدول الأجنبية. ولنأخذ مثلاً مستند تم توقيعه أمام موثق سوداني، لكي تتأكد الجهة المتلقية للمستند في دولة أجنبية من صحة صدور المستند ممن وقع عليه ستحتاج لتصديق جهة تعرفها هي على ذلك التوقيع. وهذا سيلزم صاحب المصلحة في المستند بأن يوثقه بواسطة عدة جهات فيبدأ بالهيئة القضائية، ثم وزارة الخارجية، فسفارة الدولة التي يرغب صاحب المستند في تقديمه لسلطاتها. وغالبا ما يدخل المستند في سلسلة من التوثيقات في البلد المعني لتقوم السلطات المختلفة في الدولة المعنية بالعمل بموجبه. لما كان المستند من حيث الموضوع، تحكمه قوانين الدولة التي سيستخدم فيها فإن على صاحب المصلحة في المستند أن يوقع على الصيغة المطلوبة لصحة ذلك المستند أمام الموثق ثم يوثق المستند بالشكل الذي يجعله معروفا لسلطات الدولة. إتفاقية لاهاي في عام 1961 إنعقدت إتفاقية لاهاي للتوثيق أو اتفاقية أبوستيل ، أو معاهدة أبوستيل ، وهي معاهدة دولية صاغها مؤتمر لاهاي للقانون الدولي الخاص لتفادي عملية التوثيقات المتلاحقة خاصة بالنسبة للأشخاص الذين يحتاجون لتوثيق مستنداتهم في عدد من الدول هذه الإتفاقية تسهل التعامل بين الدول فيما يتعلق بتوثيق المستندات، بتحديدها لطرائق يمكن من خلالها توثيق وثيقة صادرة في إحدى الدول الموقعة لأغراض قانونية في جميع الدول الموقعة الأخرى. ويطلق على الشهادة بموجب شروط الاتفاقية اسم "أبوستيل" apostille (وهي كلمة لاتينية تعني ما يليه وتستخدم في الفرنسية بمعنى ملاحظة هامشية) أو "هيج أبوستيل" [Hague Apostille]. وهي شهادة دولية مماثلة للتوثيق الذي تقوم به السلطات في الدولة المعنية وهي في العادة تكمل ذلك التوثيق. وقيمة هذا التوثيق الدولي تتمثل في أنها تجعل الوثائق الصادرة في دولة عضو في المعاهدة مصادق عليها بالنسبة لجميع الدول الأخرى الأعضاء في الإتفاقية فتنتفي بها الحاجة لإعادة المصادقة على المستند في كل دولة على حدة. سلطة التصديق على المستندات في السودان
لا يوجد قانون ينظم التصديق على المستندات في السودان وهذا من الثغرات التشريعية التي كان يجب تداركها من زمن طويل. كل ما هو موجود في التشريع بشأن التصديق على المستندات هو مادة واحدة مكونة من خمس فقرات هي مجمل الأمر الثالث من الجدول الأول الملحق بقانون الإجراءات المدنية. المادة المذكورة تشمل صورتين :الأولى هي التصديق على صحة توقيع شخص ما على مستند. هذه السلطة يمارسها القاضي في حضور شاهدين ذكرين بالغين مقيمين في السودان، وليست لهما مصلحة في المستند، وبشرط ألا يكونا أب أو أبن أو زوج أي من أطراف المستند .والمادة تلزم القاضي بأن يتأكد من أن الشخص الذي صادق علي توقيعه قد تفهم مضمون المستند تماماً . والصورة الثانية هي سلطة إستخراج شهادة بأن أي مستند هو صورة طبق الأصل لمستند آخر. ويتطلب ذلك أن يقوم طالب التصديق بإبراز المستندين للمحكمة، وعلي القاضي أن يتأكد من مطابقة المستندين، ثم يكتب شهادة بذلك علي كل من المستندين ويوقع عليها، ويحفظ صورة منها بالمحكمة وتسلم الأخرى للشخص الذي تقدم بالطلب. سلطة تحليف اليمين
السلطة التي يمارسها المحامون الآن، والتي نطلق عليها بغير سند من القانون سلطة توثيق العقود، هي في واقع الأمر سلطة تحليف اليمين وهي سلطة مختلفة عن توثيق العقود. سلطة تحليف اليمين نظمها القانون في الامر الأول الملحق بقانون الإجراءات المدنية والمعنون الإقرار المشفوع باليمين وتنحصر الإقرارات المشفوعة باليمين في الحقائق التي يستطيع الشاهد إثباتها بمعرفته الخاصة ما عدا في حالة الطلبات المؤقتة فتقبل الأقوال التي يعتقد الشاهد بصحتها على شرط أن تذكر أسباب ذلك و هي سلطة منحها القانون للمحكمة بموجب القاعدة الأولى من الأمر الأول.
هذه السلطة أجاز القانون بموجب المادة السادسة من الأمر الأول لرئيس القضاء أن يصدر من وقت لآخر تفويضا موقعا منه بتعيين أي شخص يزاول مهنة المحاماة لمدة سبع سنوات مفوضا لتحليف اليمين كما يجوز له إلغاء هذا التعيين، ويجوز له تجاوز هذه المدة إذا كان الشخص المطلوب تفويضه قد اشتهر بالسمعة الحسنة والكفاءة العالية . يكون المفوض فيما فوض فيه من تحليف اليمين والإقرارات المشفوعة باليمين والتصديق على الوثائق موظفا من موظفي المحكمة ويجوز له تحقيقا لهذا الغرض مباشرة جميع السلطات المقررة لأية محكمة كما لو كان قاضيا بها
الإقرار المشفوع باليمين هو عبارة عن شهادة بواقعة أو وقائع يؤكد من يشهد بها صحتها على اليمين. ويتم التصديق عليها تاكيداً لصحة صدورها عن المقر، و هو في كامل الوعي والإختيار، وفي إدراك تام لمحتوى شهادته. و هذه هي حدود صحة المستند بالنسبة للموثق أما صحة المحتويات فيسأل عنها المقر . توثيق العقود لدى المحامين مسألة توثيق العقود كمسألة مستقلة عن التصديق على المستندات، هي مسألة تخلق إشكالية سببها أن المحامي في واقع الأمر يؤدي دورين مختلفين، هما صياغة العقد، ثم توثيقه. وفي حين أن توثيق المستند لا دخل فيه للموثق بمحتوى المستند فإن صياغة العقد تتطلب دوراُ فاعلاً في تكوين الوثيقة أساسها علم المحامي القانوني، وقدرته المهنية. صياغة العقد يقوم بها أداء لواجبه كمحام، ولا صلة لها بسلطة التوثيق. صياغة العقد تتطلب أن يقوم المحامي بإستجلاء شروط الإتفاق من الأطراف المتعاقدة، ثم يقوم بصياغة تلك الشروط بالشكل الذي يعطيها الفاعلية. والمحامي يفعل ذلك أداء لواجبه، بتقديم النصح لكل أطراف العقد، فيلزم عليه التيقن من الشروط التي يرغب فيها كل طرف. ويتأكد من تلاقي الإرادات المشاركة في الإتفاق عليها. فإذا كان هنالك شرطاً مخالف للقانون، أصر عليه طرف من الأطراف فعلى المحامي أن يعتذر عن التكليف بصياغة العقد. كذلك على المحامي أن يقترح الشروط التي تضمن سلاسة تنفيذ الحق، وحماية حقوق الأطراف، فيما تعاقدوا للحصول عليه، بشكل محايد يستفيد منه جميع المتعاقدين على قدر المساواة . وعلى المحامي بعد ذلك صياغة العقد في شكله النهائي، وتوضيح كل جوانبه للمتعاقدين. وفي الغالب يشترك في صياغة العقود أكثر من محام يمثل كلا منهم طرفا. أما توثيق العقد، فهو دور منفصل يقتصر فيه على التأكد من شخصيات الموقعين على العقد، وعلى معرفتهم بشروط العقد، وإدراكهم لمعانيها . وفي كثير من الأحيان يقوم بتوثيق العقد محامي مختلف عن المكتب الذي قام بصياغة العقد. وفي هذه الحالة يسال كل واحد منهما عن أدائه لمهمته هو فقط. فليس للموثق أن يعاود المحامي في صياغته، ولكن عليه أن يتأكد فعلاً من فهم الموقع للشروط التي سيوقع عليها. ولكن هذه المسألة تخلق إشكالية فماذا يفعل الموثق حين يرى أن الشروط التي صاغها المحامي أو أحدها مخالف للقانون ؟ الرأي عندي هو أن الموثق رغم أن مسؤوليته لاتتعدى التيقن من شخصية وصحة توقيع الموقعين على العقد ومعرفتهم لمحتوياته، الإ أن مسألة مخالفة القانون بالنسبة للعقود مسألة مختلفة عنها في الإقرارات لانها مسألة تنصرف نتائجها للمستقبل وهذا يؤدي إلي ضياع حقوق، أو إرتكاب جرائم. فمن يعتمد على شرط باطل قانوناً ستضيع حقوقه. كما أن بعض أنواع الشروط غير المشروعة هي موجبة للعقوبة الجنائية. ولذلك فإن توثيق العقود التي يقوم المؤثق بالتصديق عليها يجب أن تكون في رأيه موافقة للقانون. وقد كان قانون الشركات لعام 1925 يتطلب أن يصدر المحامي الذي تولى إجراءات تسجيل الشركة شهادة بموافقة ما تم على يديه للقانون.
لجنة القواعد إستقر العمل منذ مدة طويلة على تفويض المحامين سلطة التصديق على المستندات بما في ذلك العقود، وسلطة التصديق على الإقرارات المشفوعة باليمين، بواسطة رئيس القضاء وفقاً لسلطته في تفويض المحامين بتحليف اليمين. وقد أصدر السيد رئيس القضاء عدداً من المنشورات التي نظمت هذه المسألة. ولكن في عام 2000 أصدرت لجنة القواعد وهي لجنة مشكلة بموجب أحكام الفصل الثاني من الباب الحادي عشر لقانون الإجراءات المدنية، قواعد تنظيم وضبط أعمال التوثيق. وقد نظم الفصل الرابع من تلك القواعد التوثيق بواسطة المحامين. و رغم أن قانون الإجراءات المدنية منح السيد رئيس القضاء سلطة تفويض سلطة تحليف اليمين للمحامين وسكت عن تفويض سلطة التصديق على المستندات وقصرها على المحاكم. إلا أن الممارسة العملية جعلت السلطة التي يفوضها رئيس القضاء شاملة أيضا للتصديق على المستندات، بما في ذلك العقود. وقد تماشت مع ذلك لجنة القواعد، فتحدثت عن سلطة التوثيق، وشملت فيها كل ما شملته الممارسة العملية. وقد تركت سلطة التفويض لرئيس القضاء، إلا أنها جعلت لإدارة التوثيقات سلطة رفض طلب التفويض، وهو قرار يجوز إستئنافه لرئيس القضاء كما منحتها سلطة التوصية بإلغاء التفويض . تعرضت اللجنة في قواعد التوثيقات بصفة خاصة للعقود المتعلقة بالتصرف في العقارات والمركبات في المادتين (18,19) وهما المادتان اللتان تم تعديلهما بموجب الأمر الأخير. الإصلاحات المطلوبة في القانون وفي إعتقادي أن المسألة كلها شابها تخليط لا معنى له في مسائل لا تحتمل ذلك التخليط. فقد كان الأوفق أن يصدر قانوناً للتصديق على المستندات بعيداً عن إجراءات المحاكم، يحدد بشكل واضح حدود سلطة التوثيق بإعتبارها سلطة تؤكد صدور المستند على وجه صحيح من الجهة التي أصدرته. ولما كان المحامون هم الأقرب للقيام بواجبات الموثق أو كاتب العدل، لو شئت، فإن المستحسن أن يقصر القانون تعيين الموثقين على المحامين، وأن يبقي سلطة التعيين في يد رئيس القضاء، وفق ضوابط الحالية. يجب أن يحدد القانون شروط التوثيق الذي يشمل التصديق على الإقرارات من ذوي الشأن من الأفراد، و الهيئات الخاصة، سواء أكانت تلك الإقرارات مشفوعة باليمين، أو لم تكن، على أن تستبعد صياغة العقود من سلطة التوثيق. لما كان بعض العقود يُسهِّل التصديق عليها نقل السجلات الخاصة بها في الإدارات المختلفة، مثل العقارات، والمركبات، والأسهم في الشركات الخاصة، و الشراكات وغيرها، فإن من المستحسن أن يشمل القانون نموذجاً خاصا لنقل الحقوق عليها يتم التوقيع عليه في حضور الموثق، مثل نموذج إسم العمل أو الشراكة مثلاً في الشركات. و هذا النموذج يجب أن يكون بسيطا يتم ملء الخانات المعدة سلفا به بوصف العقار أو المنقول موضوع التصرف كما يظهر في السجل الخاص به، ثم يحدد الحق الذي تم إنتقاله بموجب العقد، ومقابل ذلك الإنتقال، وتوقيعات الأطراف. وهذه النماذج هي التي تتطلب التوثيق، ويقوم بها المحامي مستخدما سلطته. وهذا لا يمنع إبرام العقود المفصلة بين ذوي الشأن الخاصة بنقل الحقوق والتي تحمل الشروط التفصيلية للتعاقد، وهي عقود ملزمة وصحيحة ولكنها خارجة عن إطار المعلومات المطلوبة لتسجيل الحق. وهذه العقود يمكن أن يقوم بها المحامي مستخدماً علمه القانوني ومهاراته في الصياغة ويقتضي ما يتم الإتفاق عليه من أتعاب. بهذا الحل أعتقد أننا نحتفظ لسلطة التوثيق ببساطتها بإعتبارها سلطة تصديق على مستند تقتصر على صحة التوقيع و نسبته للموقع، و كونه قد تم دون إكراه لأن أساس هذه السلطة لا يتعدى ذلك .
مدى صحة التعديلات التي أدخلت على قواعد التوثيق أصدرت لجنة القواعد مؤخرا تعديلات على قواعد التوثيقات أثارت الضجة بسبب إشتراطها على الموثق أن يوضح في وثيقة التصرف الخاصة بالعقارات والأراضي، وكذلك المركبات، المقابل الحقيقي لذلك التصرف، وإذا كان المقابل أو جزء منه نقداَ أن يشترط أن يتم السداد بموجب شيك مصرفي بالقيمة الحقيقية. وأن يوضح في التوثيق رقم الشيك وإسم البنك المصدر له. وأن لا يسلم المستندات إلا بعد تحصيل الشيك المصرفي وتسلم الوثيقة الدالة على ذلك. و سأتعرض بإيجاز لما ووجه به التعديل من نقد.
قيل أن القرار قد إعتدى على سلطة البنك المركزي حين أنكر إعتبار العملة النقدية غير مبرئة للذمة ( د. أمل كردفاني ) . ولكن هذا غير صحيح. فالتعديل أصلاً لم يمنع السداد باي وسيلة قانونية للسداد، ولكنه منع الموثق من توثيق عقد البيع الخاص بالعقار أو المركبات، مالم يسدد المقابل بشيك مصرفي ويتم صرفه . التوثيق ليس جزء من التعاقد و إنما هو مجرد وسيلة لإثباته، لذلك فإمتناع الموثق عن التوثيق لا يعني رفض السداد بالعملة النقدية. فهذا ما زال جائزا، والعقد الذي يحدد مبلغا،ً ويتضمن إعتراف البائع بإستلامه، وبقبوله لتعديل السجل وفقاً للعقد، وإن كان لا يجوز توثيقه، إلا أنه مازال عقداً صحيحاً وصالح للمطالبة قضائيا بتنفيذه جبراً عن البائع. قيل أن التعديل إنتهك الفصل بين السلطات، وإعتدى على صلاحيات السلطة التنفيذية والتشريعية. و هذا أيضاً غير صحيح، لأنه لم يفعل إلا أن إشترط شرطاً للتوثيق، وليس لصحة العقد، وشروط التوثيق هي من صلاحية لجنة القواعد لاتحتاج لإصدارها لإنتهاك أي سلطة. وقيل أيضاً أن فيها تغول على حرية المعاملات، وحق الملكية، وغير ذلك من الحجج و التي لا أرى لها وجاهة، لأن لجنة القواعد لم تشترط أي شروط لصحة العقد، ولا لنفاذه، وليس لها أن تفعل ذلك، ولكنها اشترطت شروط لتوثيق العقد وتوثيق العقد هي وسيلة لإثباته وليست لصحته. سلطة التوثيق والتي يمنحها السيد رئيس القضاء بموجب تفويض منه تقف عند إثبات واقعة تمت امام الموثق، وإضفاء الصفة الرسمية على المستند الذي يحملها. اي انها مجرد وسيلة من وسائل الإثبات، ولكنها لا تضفي على العقود شرعية. وهي كوسيلة من وسائل الإثبات قابلة للدحض بالطعن فيها بالتزوير كون ان مانح سلطة التوثيق حددها بحدود معينة يعني عدم الاعتداد بالتوثيق الذي يجاوز تلك الحدود ولكنه لا يسلب عقدا مشروعا شرعيته وإنما يسلب التوثيق قدرته الاثباتية فيحوله الى مستند عرفي بدلا من وضعه كمستند رسمي. لذلك فإنني أعتقد أنه وفقاً للوضع الحالي فإن التعديلات لا تخالف القانون ولا الدستور، ولكنها تخرج عن الغرض الذي منحت سلطة التوثيق لأجله. ولكن كل ذلك لا يمنعنا من أن نعترض على التعديلات و نطالب بإلغائها، ليس لأنها مخالفة للقانون، ولكن لأنها معيبة شكلا وموضوعا بالإضافة لعدم جدواها. تجاوز السلطة التعديلات معيبة شكلا لانها تخرج عن إختصاص لجنة القواعد، فالتعديلات لا تتطلب شروطا خاصة بصحة المستند، والذي هو من إختصاص لجنة القواعد، بل تتدخل في شروط العقد نفسه، وتتطلب أن يتضمن شروطا لا تلزم لإنعقاده ولا لإثباته دون سند من القانون. رغم إقتناعنا بأن تسهيل مراقبة حركة النقد منعا لغسيل الأموال، ولتوفير المعلومات اللازمة لإقتضاء الضرائب مراقبة الحركة النقدية، يشكل هدفا مشروع يجوز للسلطت التنفيذية المختصة أن ترمي لتحقيقه، إلا أن ذلك ليس من إختصاص لجنة القواعد والمختصة بقواعد تنظيم إجراءات المحاكم. والقاعدة نفسها من اي جهة صدرت تظل معيبة من حيث الموضوع لأن الأصل هو أن لا تُقيِّد الدولة حريات الناس بدون سبب معقول. ومعقولية القانون تعني مشروعية الهدف الذي يهدف لتحقيقه ومشروعية الوسيلة التي يتخذها لذلك. فرغم أن هدف السلطة التنفيذية من تقييد التعامل بالنقد هو هدف مشروع إلا أن الوسيلة غير مشروعة، فتقييد التعامل بالنقد، يتم بتوفير الثقة لدى الجمهور في قدرة المصارف على تحويل الشيكات إلى مبالغ نقدية، وليس بإلزامهم بعدم التعامل بالنقد. إلزام الأفراد بحبس أموالهم داخل حسابات مصرفية غير قابلة للتحويل حسب طلبهم لنقد في مجتمع لا تعرف قطاعات كبيرة منه غير النقد وسيلة للتعامل يفتقد المعقولية لما يكشف عنه من تعسف في إستخدام السلطة. وعيب مثل هذه المحاولات من أي مصدر أتت، أنها تخلق الشعور لدى المواطن بالعداء تجاه القاعدة القانونية، وقبول مخالفة القانون كحق للمواطن لإتسام القانون بالتعسف وعدم المعقولية وعدم الجدوى السؤال هو، في ظروف عدم وجود نقد كاف في البنوك يسمح بحرية السحب النقدي لصاحب الحساب، هل يمكن ان نتوقع ان تلزم هذه القاعدة البائع على قبول حبس الثمن في حساب ليس له حرية السحب منه؟ المتوقع هو ان يمتنع البائع عن البيع او يتحايل على القاعدة بشكل يمكنه من ان يضع الثمن او جله على الأقل تحت سيطرته. القاعدة في نظري غير مجدية. بداية إلزام الموثق بكتابة القيمة الحقيقية للمقابل لا جدوى منه، فالموثق تنتهي مسؤوليته بتدوين ما تلقاه من ذوي الشأن وليس له سلطة مراجعتهم ولا التحقيق معهم. والقاعدة يسهل التحايل عليها ببساطة فيمكن كتابة ثمن اقل من القيمة الحقيقية يتم تغطيته بشيك مصرفي، على ان يسدد المشتري الفرق بمبلغ نقدي لا يظهر في العقد. كما ويمكن مبادلة شيك بشيك وتسليم الثمن نقدا. ولن نسترسل في كيفية التحايل على هذه القاعدة لضيق المجال. وهكذا بدلا من حل أزمة النقد في المصارف حلا اقتصاديا، تلجا السلطات لفرض مزيد من القيود على المتعاملين مع المصارف، وهو الامر الذي يعقد الأزمة ولا تكتفي بذلك بل وتزج بالجهات العدلية في فرض القيود على المعاملات الاقتصادية. وهو امر في الأساس لا صلة لتلك الجهات به، بالاضافة لكونه يؤدي الى مزيد من النفور من التعامل مع المصارف وهكذا نلجا الى تعقيد الأزمة بدلا عن علاجها