قالت واندا "انه شيء خبيث. ولكنه لم يحدث بين عشية وضحاها. لقد تسلل قبول هذا النوع من المفاهيم إلى مجتمعنا خلال زمن طويل. انه مفهوم منغلق يتغذى على التحيز والأنانية، وعدم القدرة على رؤية الحياة من خلال عيون الآخرين. وقد ظل ينمو ، حتى وصلنا إلى نقطة لا ير فيها بعض الناس ما يدعو للدهشة أنه يُسمح للشرطي بإطلاق النار أولاً، وبطرح الأسئلة لاحقًا» مارك أوشيرو في " الغضب هو موهبة" Mark Oshiro, Anger Is a Gift
أثار أسلوب فض المظاهرات الذي تسلكه قوات الضبط، في مواجهة المظاهرات واسعة الإنتشار، التي إنتظمت المدن السودانية مؤخراً، الكثير من التساؤل حول موافقة ما يجري لقوانين البلاد، ولما يفرضه عليها المستوى الدولي، وهو ما دعانا نحن قدامى المحامين المهتمين بسيادة حكم القانون إلى تقديم مذكرة تعبرعن قلقنا للسيد النائب العام في الأيام الماضية، لما يمكن أن يجره هذا الأسلوب على البلاد من مخاطر جمة.
الشرطة وحق تسيير المواكب هنا وهناك
"ماذا نجني من حرية التجمع إذا كانت كل التجمعات يجب أن تكون تابعة للحكومة" Eugen Richter
في أغسطس 2010 ، خططت رابطة الدفاع الإنجليزية (EDL) وهي منظمة يمينية متطرفة تتبنى مواقف معادية للمسلمين، للقيام بمظاهرة في برادفورد. كما تم التخطيط لمظاهرة أخرى في نفس اليوم، من قبل "اتحدوا ضد الفاشيةUnite Against Fascism " وهي مجموعة ضغط، معتدلة تشمل عضوية من الأحزاب الرئيسية، تدعو لرفع الوعي ضد مخاطر اليمين المتطرف. أراد بعض السكان المحليين حظر المظاهرتين المتعارضتين في الأهداف، وكان ذلك بسبب المخاوف من تكرار المصادمات العنيفة التي وقعت في السابق لمواكب EDL. رأت شرطة غرب يوركشاير أن واجبها هو حماية الحق في الاحتجاج، ما لم يكن هناك دليل واضح على أن العنف سيكون نتيجة راجحة للمظاهرتين. عقدت الشرطة إجتماعات مع السكان المحليين، ولا سيما الجالية المسلمة، حيث ناقشوا معهم الحق في الاحتجاج السلمي. بعد هذا التفسير، أدرك المجتمع واجب الشرطة في السماح بالاحتجاج. وضعت الشرطة خط سير متباعد للمسيرتين، ولكن العامل الحاسم في منع العنف، يعود لنجاح النشاط الذي قام به المجتمع المدني في إقناع الشباب بعدم التعرض للمتظاهرين في ذلك اليوم. وهكذا سُمح للمسيرتين بالسير دون وقوع حوادث عنف.
جاء في صحيفة السوداني عدد السبت 26 يناير الخبر التالي "قالت قوات الشرطة أنها فرقت أمس الجمعة وفقا للقانون بعض التجمعات غير المشروعة، ومحدودة العدد، في ولاية الخرطوم وبعض الولايات الأخرى. في وقت ردت فيه الشرطة على دعوات لتجمع المهنيين لتنظيم تظاهرات جديدة خلال الإسبوع الجاري، بأن قواتها في كامل الجاهزية للتصدي للتجمهرات غير المشروعة. وقال الناطق الرسمي بإسم الشرطة في تصريحات للشروق " قواتنا لا تكل ولا تمل"
ويلاحظ في هذا التصريح أن المتحدث لم يُعنى بتفسير سبب تفريق تلك المظاهرات، والتي يبدو أنه يشعر بالفخر لتفريقها، وهو أمر مخالف لواجب الشرطة الأساسي، وهو حماية المتظاهرين لا تفريقهم. لم يوضح المتحدث بإسم الشرطة لماذا إعتبر المظاهرات التي فرقها غير مشروعة، كما ولم يوضح لماذا إعتبر دعوات تجمع المهنيين لتنظيم تظاهرات جديدة خلال الإسبوع الجاري غير مشروعة، وما الذي يجعلها تلقى معاملة مختلفة عن تلك التي لقيها حشد الساحة الخضراء. كذلك لم يوضح أيضا ذلك المتحدث كيف تم تفريق الشرطة لتلك المظاهرات، ومن الذي أمر بذلك.. هذا تصريح شخص يعتقد أن واجبه هو تفريق المظاهرات لا حمايتها، وهو أمر يدعو للرثاء، ويذكرنا بقول Ijeoma Oluo, في كتابها "So You Want to Talk About Race" بأن الشرطة الأمريكية تم تكوينها ليس لحماية الأمريكيين الملونين بل للسيطرة عليهم"
الحق في التظاهر وفقاً للقانون السوداني
لا يوجد في منظومة القوانين السودانية قانون يتعلق بتسيير المواكب. ومعلوم أن الحق في تسيير المواكب هو حق دستوري نصت عليه المادة 40 من الدستور، بدون أن تستخدم جملة "وفقا للقانون" المشحونة بالإلتباس. من الجانب الآخر لم يحمل القانون ما يجرم تسيير المواكب، مما يعني إباحتها. رغم ذلك فإن مواكب المعارضة يتم تفريقها، وتتم محاكمة المشاركين فيها. نسارع ونقول أنه لا صلة لجريمة الشغب بحق التجمع السلمي، لأنها تشمل إستخدام العنف أو التهديد بإستخدامه. عادة ما تستخدم جريمة الإخلال بالسلام العام في مواجهة المتظاهرين السلميين، وهي الجريمة المنصوص عليها في المادة 69 ونصها (من يخل بالسلام العام أو يقوم بفعل يقصد به أو يحتمل أن يؤدي الى الإخلال بالسلام العام او بالطمأنينة العامة ، وكان ذلك فى مكان عام ، يعاقب بالسجن مدة لا تجاوز شهراً أو بالغرامة أو بالجلد بما لا يجاوز عشرين جلدة.)
لا شك أن هذه المادة غير دستورية لغموضها، وخلوها من أى معنى محدد . الإخلال بالسلام العام في الشريعة العامة The Common Law هوعنصر تتضمنه أى جريمة، ولكنه ليس جريمة قائمة بذاتها. لذلك فإن فقهاء القانون الإنجليزي مجمعين على أن جميع الجرائم تتضمن a breach of queen’s peace وفقاً لذلك، فإنه عند صياغة التهمة، حسب قانون لائحة الإتهام لعام 1915م Indictments Act يشمل الاتهام جملة أن المتهم قد إرتكب فعلا ضد سلام سيدتنا الملكة وتاجها وكرامتها against the peace of our lady the queen , her crown and dignity. ثم تأتي بعد ذلك تفاصيل الإتهام الموجه للمتهم. وهذا هو السبب في أن مكتب المدعى العام، بإعتباره ممثلاً للملكة، هو الذي يتولى الإتهام في جميع الدعاوى الجنائية. أما إعتبار الإخلال بالسلام العام، دون تحديد اى فعل كجريمة معاقب عليها، فهذأ غموض مخالف للدستور. ونحن وإن كنا لا نستطيع أن نعرف بالضبط ما هو المقصود بالإخلال بالسلام العام، إلا اننا نعرف أن الإخلال بالسلام العام لا يمكنه أن يتضمن ممارسة حق دستوري، وإذا إقتصر المشاركون في المظاهرة على ممارسة حقهم الدستوري في الإحتجاج، فإنهم لا يكونوا قد إرتكبوا إخلالاً بالسلام العام.
سلطة حظر المواكب
منحت المادة 127 من قانون الإجراءات الجنائية الوالي، أو المعتمد، في حدود إختصاصه وبالتنسيق مع القاضي، أو وكيل النيابة، سلطة ان يصدر أمراً بحظر، أو تقييد، أو تنظيم أي إجتماع أو تجمهر، أو موكب، في الطرق أو الأماكن العامة، مما يحتمل أن يؤدي إلى الإخلال بالسلام أو الطمأنينة العامة. ويفهم من المادة أن أيا من الوالي أو المعتمد لا يجوز له أن أن يأخذ القرار، إلا بالتنسيق مع القاضي أو وكيل النيابة. ولما كانت المادة لا تلزم منظمي الموكب بإخطار الوالي أو المعتمد، بنيتهم في تسيير الموكب، فإن ذلك يعني أن يتخذ الوالي أو المعتمد القرار دون أي تقصي مع منظميه. وهذا ما يجعل تصريح المتحدث بإسم الشرطة عن عدم مشروعية المظاهرات التي فرقها غير مكتمل، لأنه لا يشير لأمر منعها.
عموماً المادة معيبة بلا شك، لأنها لا تؤسس لحماية الموكب بل لحظره. وكان الأولى أن تتطلب إخطاراً من منظمي الموكب، وأن تضع على عاتق السلطات واجب حماية المتظاهرين، وأن يقتصر تدخلهم على زمن الموكب، وخط سيره لمنع عرقلة الطريق العام.
هذه المسألة تحتاج لقانون مفصل. وقد وعدت السيد النائب العام أن أقدم له مشروع قانون ينظم المواكب والإجتماعات العامة، إذا رغب في ذلك، ليقوم المستشارون المختصون بدراسته ودفعه إلى الدائرة التشريعية، وفاءً بإلتزام الدولة الدستوري وفقاً لأحكام المادة 48 من الدستور بحماية وتطبيق وثيقة الحقوق. ومازالت عند هذا الوعد لو طلبه السيد النائب العام.
تفريق المواكب في القانون السوداني
تنص المادة 124 من قانون الإجراءات الجنائية على ما يلي:" يجوز لاي ضابط مسئول أو وكيل نيابة أن يأمر أي تجمهر غير مشروع، أو أي تجمهر يحتمل أن يرتكب جريمة الشغب، أو جريمة الاخلال بالسلام العام، أن يتفرق،وعلي أفراد ذلك التجمهر عندئذ التفرق. "
وهي مادة يبدو على وجهها مخالفة الدستور. فما هو ذلك التجمهر غير المشروع، والذي يجوز لأي ضابط مسؤل أو وكيل نيابة أن يفرقه؟ لا يوجد حكم قانوني يعرف التجمهر غير المشروع. إذاً ماهو هذا الموكب الغير مشروع الذي يجوز تفريقه؟ هل هو الموكب الذي أصدر الوالي أو المعتمد أمراً بحظره؟ إذا كان المقصود هو ذلك، فإنه يتوجب حماية للحق الدستوري أن يكون الوالي أو المعتمد قد أصدر قراره بعد التنسيق مع القاضي، أو وكيل النيابة، وأن يكون قراراً مسبباً، وأن يخطر به منظمو المواكب قبل فترة كافية من بدء التجمهر، ليمكنهم من الطعن فيه لو شاءوا. ولكن كل هذا لا يمنعنا من القول أن حظر موكب على هذا النحو، يحمل عدم الدستوريةعلى وجهه، لأنه لا يقيد سلطة الوالي أو المعتمد بقيود تحمي حق التظاهر.
سلطة التعامل مع المظاهرات
التعامل مع المظاهرة، يتطلب تحديد مجموعة محددة من أعضاء الجهاز المكلف قانونا بالتعامل مع المظاهرات، للإشراف على المظاهرة المعنية، من حيث إلتزامها بالقانون ،وإلتزام الأخرين تجاهها بالقانون أيضا. والجهاز المسؤول عن ذلك هو الشرطة. ورغم أن القانون لم يحدد ذلك بشكل صريح، إلا أن المعلوم أن تنفيذ أوأمر القضاء والنيابة الذين لهم سلطة إتخاذ القرارات المتعلقة بالمظاهرات، تقوم به بشكل أساسي الشرطة. الشرطة بشكل عام هي المناط بها إتخاذ الإجراءات القانونية المتعلقة بمنع الجريمة، والقبض على الجناة. وتدخل أي قوات مسلحة أخرى في فض المظاهرات، يكون فقط وفقا للمادة 126 من قانون الإجراءات الجنائية. وذلك إذا قرر أعلى وكيل نيابة، أو في حالة غيابه أعلى ضابط مسؤول، أن القوة التي لديه لا تكفي لتفريق التجمهر، فيطلب من أي ضابط، أو ضابط صف، على رأس أية قوة مسلحة المساعدة في تفريق التجمهر.
الإجراء الأولي الذي يتخذ حين يقرر الضابط المسؤول أو وكيل النيابة وجوب تفريق التجمهر للأسباب المحددة في المادة 124 من قانون الإجراءات الجنائية، هو أن يأمر التجمهر بالتفرق. وهذا الأمر يتطلب أن يكون بصوت واضح ومسموع للجميع قبل إستخدام أي قوة.
فإذا لم يتم التفرق رغم إصداره الأمر، أوتصرف التجمهربطريقة مخالفة للأمر، فيجوز للضابط المسئول أن يأمر بتفريق ذلك التجمهر باستعمال أقل قوة ضرورية، علي الا يلجأ لإستعمال السلاح الناري بتفريق التجمهر الا باذن من وكيل النيابة .
دور الأمن في تفريق المظاهرات
معلوم أن أعضاء جهاز الأمن يشاركون في فض المظاهرات، حسب شهادة عدد غير محدود من المشاركين في المظاهرات، وذلك بالحضور إلى موقع تجمع المسيرة قبل حضور المشاركين فيها، وبمجرد بداية تجمع المشاركين، يقوم منسوبوه بتفريقهم بإستعمال القوة والقبض على المشاركين فيها، وأخذهم للمعتقلات الخاصة بجهاز الأمن. وهذه المسألة مخالفة للقوانين والدستور للأسباب التالية:
أولاً: فض المسيرات ليس من إختصاص جهاز الأمن
ثانياً: رغم أن عضو الجهاز وفقا للمادة 50 من قانون الأمن لعام 2010 يتمتع بسلطة رجل الشرطة المنصوص عليها في قانوني شرطة السودان، والإجراءات الجنائية، إلا أنه ليس للشرطي وفقاً للقانون أن يقوم بأي عمل لتفريق المظاهرة، ما لم يصدُر للمظاهرة أمرا بالتفرق، وللشرطي أمرا بتفريقها، من الضابط المسؤول، أو وكيل النيابة، وفق الأسباب المحددة في المادة 124 من قانون الإجراءات الجنائية
ثالثا: ليس لرجل الأمن سلطة القبض على المشاركين في التجمهر، لأن تلك السلطة تقصرها الفقرة (3) من المادة 125 على شرطة الجنايات العامة فقط، فحتى أعضاء الأجهزة الشرطية الأخرى، لا يجوز لهم القبض على المشاركين في التجمهر . وحتى لو قلنا بأنه يجوز لأعضاء جهاز الأمن القبض على المشاركين لأي سبب من الأسباب، فإنهم بإعتبار أنهم يتصرفون وفق سلطاتهم كرجال شرطة، عليهم إتباع الإجراءات المذكورة في المادة 75 من قانون الإجراءات الجنائية. فعليهم احضار المقبوض عليه فورا امام وكيل النيابة أو القاضي الذي اصدر الامر لاتخاذ ما يراه مناسباً. وليس له أن يأخذه لجهة أخرى.
إستخدام القوة المفرطة
"أعلم أنه من الصعب تصديق أن الأشخاص الذين تتطلع إليهم من أجل السلامة والأمان هم نفس الأشخاص الذين يسببون لك الكثير من الأذى. لكنني لا أكذب ولا أتوهم. نحن خائفون و نتألم و نحن نموت. ".- إيجوما اولو
المقصود بالقوة المفرطة هي إستخدام قوة تفوق ماهو مطلوب لتنفيذ الفعل المطلوب تنفيذه. وإستخدام القوة في تفريق المظاهرات يخضع لمعايير قانونية، يجب التقيد بها، وتبدأ بإستخدام أقل قوة ممكنة، وما يظهر في مقاطع الفيديو التي نشاهدها يوميا يفوق ذلك بكثير.
بالنسب لتوقيع القبض فإنه لا يجوز إستخدام القوة لتنفيذه إلا اذا قاوم الشخص أو حاول الهرب وفي هذه الحالة يجوز لمن خولت له سلطة القبض استعمال القوة الضرورية لتنفيذ القبض علي انه لا يجوز له تعمد تسبيب الموت باستعمال تلك القوة. ويوجب القانون أن يعامل المقبوض عليه بما يحفظ كرامة الانسان ولا يجوز ايذاؤه بدنيا أو معنويا وتوفر له الرعاية الطبية المناسبة. كما ولا يعرّض المقبوض عليه في الحد من حريته لاكثر مما يلزم لمنع هربه. لايكتمل البحث في هذا الموضوع دون النظر للمستوى الدولي
سلطة تفريق المواكب السلمية في المستوى الدولي
أصدرت اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب في دورتها العادية الخامسة والخمسين التي إنعقدت في الفترة من 28 أبريل إلى 12 مايو 2014 ، في لواندا ، أنغولا ؛ قرارا يلخص المستوى الدولي للتعامل مع المسيرات والمواكب العامة ننقل هنا أهم ما جاء فيه.
أشارت مقدمة القرار إلى الحقوق والحريات المكفولة في الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب وبالتحديد إحترام الحق في الحياة والسلامة البدنية والمعنوية (المادة 4) و إحترام كرامة الإنسان وحرمة التعذيب بكافة أنواعه والعقوبات والمعاملة الوحشية أو اللاإنسانية أو المذلة( المادة 5) والحق في الحرية والأمان (المادة 6) والحق في التقاضي وإفتراض البراءة ( المادة 7) و حرية التعبير عن الأفكار ونشرها ( المادة 9)
يعبر القرار عن القلق إزاء الاعتقالات واستمرار احتجاز المعتقلين عقب المظاهرات السلمية ، مع وجود عدة تقارير عن التعذيب وإساءة المعاملة في مراكز الشرطة، في دول مختلفة. كما وعبر عن القلق أيضا إزاء الاستخدام المفرط للقوة، والذخيرة الحية، والغاز المسيل للدموع لتفريق المتظاهرين السلميين. وأدان القيود الجدية التي تفرضها بعض الدول على الحقوق والحريات الأساسية، وعلى وجه التحديد حرية التعبير، والحق في المعلومات، والتظاهر السلمي. وأدان الاعتقالات، والاحتجاز التعسفي، وقتل المتظاهرين المسالمين. كما دعت مقدمة القرار إلى إجراء تحقيقات نزيهة ومستقلة في جميع انتهاكات حقوق الإنسان، لضمان محاسبة جميع الجناة، وحماية المتظاهرين السلميين ،بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية و/ أو الجندرية، وإلى التزام الدول الكامل بالتزاماتها الإقليمية والدولية، باحترام الحقوق والحريات الأساسية، والتمسك بالحق في محاكمة عادلة أمام محكمة قانونية عادية مستقلة، ووضع حد للاعتقال والاحتجاز التعسفيين، والتأكد من أن أي تشريع ينظم ممارسة حقوق الإنسان الأساسية يتوافق تماماً مع المعايير الإقليمية والدولية ذات الصلة
القتل خارج إطار القضاء
القتل خارج إطار القضاء هو قتل شخص، بدون قرار قضائي، وخارج إطار الإجراءات السليمة للقانون، بواسطة السلطة القانونية للدولة، أو بواسطة أفراد عاديين. وهذا النوع من القتل هو مسؤولية الدولة لأنها ليست فقط مسؤولة عن إنتهاكات منسوبيها، بل هي مسؤولة عن توفير الأمان والحقوق الأخرى في الوثيقة لكل من يتواجد على أرضها، بمنع أي طرف ثالث من إنتهاك حقوقه. لهذا فإن جميع الأشخاص الذين تم قتلهم في المظاهرات مسؤولة عن مقتلهم الدولة.
لما كان هذا القتل يستهدف الحق في الحياة، وهو أهم حقوق الإنسان، من حيث أن سائر حقوق الإنسان تفقد جدواها إذا فقد الإنسان حقه في الحياة، فإن الأمم المتحدة عينت مقرراً خاصاً للقتل خارج القضاء، أو القتل الإيجازي أو التعسفي وتتولاه في الوقت الحالي السيدة Agnes Callamard
والحالة التي تعنينا هنا هي حالة إستخدام القوة المميتة، أو المسببة للموت، حين يتم إستخدامها بواسطة القوات التابعة للدولة، خارج الإجراءات السليمة للقانون .
في كافة القوانين النافذة في الدول الديمقراطية، فإن إستخدام القوة المميتة بواسطة قوى الضبط لا يسمح به إلا في حالات الضرورة القصوى، وكملجأ أخير، حين تفشل كل الوسائل في إحداث النتيجة المطلوبة وفقاً للقانون. يتم إستخدام القوة المميتة في العادة بإستخدام الأسلحة التي تطلق مقذوفات نارية، أو الأسلحة البيضاء، وهي الحادة الأطراف كالسيوف، والخناجر، والمتفجرات، والعربات حين تستخدم لدهس الأفراد. ولكن الأسلحة والأدوات الأخرى كالعصي، والخراطيش، قد تكون مميتة إذا إستخدمت بشكل يحدث أذى حسيم للشخص، بل هي في الواقع تكشف بشكل أوضح على نية القتل، حين تستخدم بشكل يكشف عن قسوة بالغة، تستهدف أماكن حساسة، أو حتى بتكرار الضرب بها بشكل يؤدي إلى الأذى الجسيم.
إستخدام هذه الأسلحة المميتة بطبعها، أو بطريقة إستخدامها، لا يجوز اللجوء إليه على الإطلاق في فض المظاهرات السلمية. وحتى في حالات الشغب، فإنه لا يجوز اللجوء إليها إلا وفق قواعد محددة ، فحالات الشغب لا تمنح قوى تنفيذ القانون السلطة تلقائياً لتسبيب الموت. لذلك فإن اللجوء إلى إستخدام القوة التي من شأنها تسبيب الموت، لفض المظاهرات السلمية ،أو تجاوز القواعد المحددة التي تجيز ذلك، يجعل الموت الناتج عن ذلك الإستخدام قتل خارج إطار القضاء، وهو جريمة خطيرة تواجه بأقصى العقوبات ليس فقط بالنسبة لمرتكبها، بل أيضاً للمحرض عليها، والذي يكون إهماله لواجبه سبباً في وقوعها.
وقد تعرضت لكل ذلك المبادئ الأساسية لاستخدام القوة والأسلحة النارية من قبل الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين التي اعتمدها مؤتمر الأمم المتحدة الثامن لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين ، هافانا ، كوبا ، من 27 آب / أغسطس إلى 7 أيلول / سبتمبر 1990 لمبادئ أساسية يجب تبنيها في قانوننا.
فقد نصت المادة 12 من تلك المبادئ على أنه - بما أنه مسموح للجميع بالمشاركة في تجمعات قانونية وسلمية، وفقا للمبادئ المنصوص عليها في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، فإنه يجب على الحكومات ووكالات إنفاذ القانون والمسؤولين، الاعتراف بأنه لا يجوز إستخدام القوة والأسلحة النارية إلا وفقًا للمبادئ التالية
أولا عند تفريق التجمعات التي تكون غير مشروعة، ولكن غير عنيفة، يتجنب مسؤولو إنفاذ القانون استخدام القوة، أو إذا لم يكن ذلك عمليا، يجب تقييد هذه القوة إلى الحد الأدنى الضروري.
ثانيا: - في حالة انتشار التجمعات العنيفة، لا يجوز للموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين استخدام الأسلحة النارية، إلا بالحد الأدنى الضروري، وفقط عندما تكون الوسائل الأقل خطورة غير عملية. لا يجوز للموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين استخدام الأسلحة النارية في مثل هذه الحالات، باستثناء حالة الدفاع عن النفس، أو الدفاع عن الآخرين، ضد التهديد الوشيك بالموت أو الإصابة الخطيرة. أولمنع ارتكاب جريمة خطيرة بشكل خاص تنطوي على تهديد خطير للحياة. أو اعتقال شخص أو لمنع هروب من يقوم بأفعال تشكل هذا الخطر إذا قاوم تنفيذ القبض، وفقط عندما تكون الوسائل الأقل ضررا غير كافية لتحقيق هذه الأهداف. وعلى أي حال ، لا يجوز استخدام الأسلحة النارية القاتلة عن قصد إلا عندما يكون من غير الممكن تجنب ذلك من أجل حماية الأرواح.
إن القانون الدولي يفرض على الحكومة مسؤولية التقيد الدقيق بهذه الأحكام، حماية للموجودين على أرض الدولة، حيث أن مسؤولية حمايتهم تقع عليها، ولكن المجتمع الدولي أيضا تقع عليه مسؤولية حماية الشعب الذي تفشل حكومته في حمايته إما بسبب عدم القدرة أو الرغبة في ذلك.
إن مسألة على هذه الدرجة من الخطورة لا يجب أن تعامل إلا بأقصى درجة من درجات المسؤولية.
اللهم إني قد بلغت
نبيل أديب عبدالله
المحامي
nabiladib@hotmail.com