سيناريوهات العنف السياسي المحتملة في السودان
6 September, 2009
أســـــتـدراكات
Kha_daf@yahoo.com
التقي في واشنطون في شهري ابريل ومايو المنصرمين اكثر من 20 خبيرا امريكيا في الشأن السوداني، ناقشوا خلال ثلاث ورش عمل متخصصة سيناريوهات العنف السياسي المحتملة في السودان وكيفية توقيها حتي العام 2011,.شارك في تنظيم ورعاية هذه الورش كل من المعهد الأمريكي للسلام ومعهد مستقبل السياسات بواشنطون.ترأس فريق العمل البروفيسور آلان شورتز الأستاذ بجامعة جورج تاون والمتخصص في تخطيط وتحليل السيناريوهات. سبق للبروفيسور شورتز وأن نشر تقريرا هاما عن سيناريوهات العنف والمقاومة وخيارات المستقبل في العراق في العام 2006.وبحكم تخصصه وخبرته فقد تولي مهمة تحرير وتلخيص نتائج ورش العمل بشأن العنف السياسي في السودان وطرق توقيه والتي سنستعرضها في هذه المقالة.
أستعرض المشاركون في ورش العمل المشار اليها القوي المؤثرة في صنع الأحداث السياسية في السودان ، والأتجاهات الكلية للفواعل والرأي العام وكذلك العوامل غير المرئية في تشكيل الأحداث والسيناريوهات. حدد المشاركون أربعة أفتراضات أساسية أنبني عليها التحليل والنتائج النهائية وهي:
أ- غياب أحتمالات التغيير في الواقع الراهن حيث أنه من غير المنتظر أن يتم حل القضايا الأساسية مثل ترسيم الحدود بين الشمال والجنوب ، والترتيبات الأمنية قبل أجراء الأستفتاء 2011.
ب- من غير المحتمل أن يتخلي المؤتمر الوطني عن السلطة وسيركز علي التكتيكات المؤقتة وليست الأستراتيجيات طويلة المدي.
ج- أس الصراع في السودان سببه جزئيا المنافسة علي الموارد القليلة مثل النفط والمياه.
د- تتركز السلطة والثروة في يد مجموعة قليلة يغلب عليها الطابع العربي في الوسط النيلي، علي حساب المجموعات السكانية الأخري التي تقطن الأطراف والهوامش.
في مقابل هذه الأفتراضات التي ركزت علي الشمال، حدد المشاركون عوامل وأتجاهات خفية تؤثر علي بنية العنف المحتمل وهي في مجملها مختصة بالحراك السياسي والأجتماعي في جنوب السودان. ولعل العامل الأكثر تأثيرا هو مدي قدرة الحركة الشعبية علي حكم الجنوب، حيث توجد مؤشرات قوية في الوقت الراهن تؤكد علي فشل الحركة في تقديم الخدمات الأساسية، الحفاظ علي الأمن الداخلي ،محاربة الفساد وتأسيس بنية حكم راشد تنال رضي أهل الجنوب.كما تشير العوامل الأخري الي التعقيدات الأقليمية ودور المجتمع الدولي في أنقاذ وتقويم مسار عملية السلام في السودان.ركز المشاركون أيضا علي أهمية العلاقة بين الشمال والجنوب في ظل غياب رؤية مشتركة لمستقبل الشراكة قبل وبعد 2011.
حدد المختصون مؤشرات أخري، يعتمد تفاعلها المستقل أو المشترك مع العوامل الأخري علي نتائج وتيرة العنف السياسي المحتمل أو توقيه وهي:قدرة الحركة علي حكم الجنوب،مدي تعاون حكومة الشمال قبل وبعد عملية الأستفتاء وتحديد ردود الفعل علي الأحداث المتوقعة سياسيا، عسكريا ، أداريا وأقتصاديا.توفير الخدمات الأساسية وتوزيع ثمار السلام علي المستوي القاعدي . وأخيرا مدي قدرة الطرفان علي حل القضايا العالقة مثل الحدود، المناطق الثلاث، وعائدات النفط قبل الأستفتاء أو بعد أعلان نتيجته مباشرة.
أنتهي التحليل العلمي بعد تطبيق عدد من النماذج الي ثلاث سيناريوهات هي الأكثر توقعا :
السيناريو الأول:يري أن الأنفصال إذا حدث سيكون مكلفا للجنوب وذلك لأختلالات أساسية في أسلوب ونمط الحكم في جنوب السودان لفشله في مخاطبة القضايا الأساسية للمواطنين. حيث يري المختصون أنه إذا لم تتغير طريقة ونمط الحكم الراهنة في الجنوب فأنه سينحدر الي دوامة من العنف حتي إذا لم يتعرض الي عدوان عسكري من الشمال أو أنخفاض نسبة تدفقات المساعدات والدعم الدولي الحالية. ووجه التقرير سهام نقد حادة لفشل الحركة في تأسيس نمط حكم يحظي بمصداقية وشفافية عالية خاصة في ظل تضعضع قدرتها علي توفير الخدمات الأساسية ، نزع السلاح من المليشيات،وأحتمالات أنتقال العنف الراهن من جنوب كردفان الي جنوب السودان.وكذلك عدم قدرة الحركة علي تنزيل السلطات الأدارية الي مستويات الحكم الأدني. ولكفكفة غلواء هذا السيناريو أقترحت ورش العمل عددا من التدابيروالأجراءات الأصلاحية أولها حل القضايا العالقة لمنع أنتاج مناخ الأزمة بين الشمال والجنوب عقب الأستفتاء خاصة في قضايا النفط،ونادي التقرير بضرورة رفع التمثيل الدبلوماسي مع الجنوب لتعزيز الثقة معه ، ومغازلة الشمال بمراجعة منظومة العقوبات الأقتصادية من أجل تشجيعه للتعاون مع الجنوب لحل هذه القضايا.كما أكد التقرير علي ضرورة أنفاذ حكم القانون وتوخي الشفافية ، وكذلك أنشاء صندوق دولي للمانحين بقيادة الولايات المتحدة لتقديم برامج ومشروعات تنموية حقيقية وليس مجرد مساعدات عاجلة لا تسمن ولا تغني من جوع.ولعل العامل الأهم هو المحافظة علي وحدة الحركة وقيادتها من الأختلاف والتناحر والتشرذم.
السيناريو الثاني:الأنحدار نحو هاوية الحرب الأهلية ، خاصة وأن الفشل في بناء الثقة بين الشريكين وعدم القدرة علي حل الأشكالات العالقة قبل الأستفتاء سيقود حتما الي أنفجار العنف بعد الأستفتاء.دون حدوث تغيير جذري في ديناميكيات الشراكة وحفزها لمخاطبة أنشغالات الطرفين سيعزز من ضبابية الوضع الراهن ويفرز أضطرابا في الحسابات ، و فقدان الثقة مما يعظم من فرص أنفجار العنف بوتيرة عالية ، ولعل أوضح الأمثلة علي هذه المؤشرات كما بسطها التقرير هي قضايا التعداد،النفط، قضايا التحولات السياسية مثل قانون الأستفتاء ،الأنتخابات ، نزاعات الأراضي في المناطق الثلاث وترتيبات أعادة الجنوبيين من الشمال في حالة الأنفصال.ولتوقي أشتعال وتيرة العنف في ظل الأضطرابات المتوقعة وغياب الرؤية الواضحة لا بد من تشجيع الشريكين لأتخاذ عدة تدابير مشتركة وذلك بأن يضعا في أولوياتهما حل قضايا السيطرة علي مناطق أنتاج النفط وتوزيع العائدات لأن مناخ ما بعد الأستفتاء بأستقطاباته المتوقعة ربما لا يكون مناسبا لمخاطبة مثل هذه القضايا. وبشأن أجراءات الأمن الداخلي أوصي التقرير بضرورة توسيع التفويض الممنوح لقوات الأمم المتحدة- اليونيمس - لتعمل خارج نطاق الأتفاقية ، وأن تتبني دورا فاعلا للتدخل المباشر لتجريد المليشيات من السلاح بدل الأكتفاء بمراقبة الحدود والتقرير بشأن الأنتهاكات.
السيناريو الثالث والأخير يعني بالأبحار نحو الأفق لتجاوز هذه المعضلات، وذلك بتنسيق وتوحيد جهود الطرفين وتحقيق تقدم ملموس في القضايا العالقة ،بمساعدة وتدخل قوي من المجتمع الدولي حتي يمكن أجهاض وتجاوز دائرة العنف السياسي المتوقعة. ولأجراءات بناء الثقة بين الشريكين لا بد من التوصل الي أتفاق في قضايا التعداد السكاني،القبول بنتائج الأنتخابات والأستفتاء مهما تكن مع ضرورة الحفاظ علي الوضع الراهن وذلك بأعادة أنتخاب الرئيس البشير رئيسا للبلاد وسلفاكير نائبا أول حتي لا يحدث خلل في تركيبة الحكم الحالية.ولعل العامل الأهم أيضا هو الأتفاق علي رؤية مشتركة للمستقبل لما بعد الأستفتاء سواءا أدي ذلك الي الأنفصال، الوحدة أو تمخض عن ترتيبات وسطي بين الخيارين المذكورين.ومخاطبة أي قضايا عالقة بشأن المناطق الثلاث. ونادي التقرير بضرورة تعميق تعاطي المجتمع الدولي مع أزمة السودان لرعاية محادثات مشتركة بين الشريكين بدعم ورعاية من الدول ذات الصلة مثل الولايات المتحدة ، الصين والقوي الأقليمية الأخري.
خلص التقرير الي أن السيناريو المأمول هو تجاوز المعضلات الراهنة والأبحار الي بر السلامة دون أنفجار وتيرة العنف وذلك بأتفاق الطرفين ومساعدة المجتمع الدولي. ونسبة للتعقيدات المحيطة بالوضع في السودان فأنه يقع علي عاتق المجتمع الدولي ، الولايات المتحدة وطرفي الأتفاق كثير من المسئوليات والعمل لتوقي تحقيق السيناريوهات الأخري التي ترجح أنفجار العنف السياسي.إن أكثر ما يحذر منه المختصون الذين شاركوا في تطوير نماذج هذا التحليل والسيناريوهات المحتملة هو أن يؤدي فقدان الثقة وأضطراب الشراكة والأستمرار في النهج الراهن دون الوصول الي أتفاقات كلية في القضايا الهامة حتي تاريخ الأستفتاء 2011 الي فوضي وعنف سياسي لا يستطيع أحد أن يتحقق من سقف تفاعلاته ومآلاته.ولا يمكن أجهاض وتيرة هذا العنف المتوقع دون بلورة رؤية مشتركة لمستقبل العلاقات بين الشمال والجنوب لمخاطبة قضايا ما بعد الأستفتاء وكيفية أدارة الشئون المشتركة وحل الأشكالات الراهنة أو المحتملة الظهور في المستقبل.كما يقع علي عاتق حكومة جنوب السودان النهوض بقدراتها في الحكم ، وتوفير الخدمات الأساسية للمواطنين وتنزيل وتفويض السلطات للوحدات الأدارية الأصغر وأعتماد مبدأ الشفافية في الحكم. يتسق هذا مع ما ذكره السيد جون تيمن منسق برنامج السودان في المعهد الأمريكي للسلام الذي نشر يومياته عن زيارته للبلاد بعد أن حضر عددا من ورش العمل عن درء العنف السياسي في الأنتخابات عقدت في الخرطوم والمناطق الثلاث خلال الشهر الماضي، أنه مهما يكن أهتمام ودعم وتعاطي المجتمع الدولي عامة والولايات المتحدة علي وجه الخصوص مع قضايا السودان الراهنة إلا أن الحل النهائي يقع علي عاتق الشريكين وأهل السودان قاطبة.ولعله تجدر الملاحظة في خاتمة المقال الي أن الروح العامة لتقرير معهد السلام ترجح خيار الأنفصال بالأعتماد علي مؤشرات أنعدام الثقة، وأستعصاء حل القضايا العالقة إلا أنهم يفضلونه طلاقا بأحسان دون تفجير لوتيرة العنف السياسي. ويخافون أيضا من أنفصال مرتفع الكلفة إذا لم تحدث أصلاحات جذرية في طبيعة وبنية الحكم في الجنوب.
(نقلا عن الأحداث)