شيخ رفاعة رافع الطهطاوي في السودان (1 -2)

 


 

 

شيخ رفاعة رافع الطهطاوي في السودان (1 -2)
Shaykh Rifaa Rafi Al -Tahtawi in the Sudan (1 -2)
Tag Elsir Ahmed Harran تاج السر أحمد حران

ترجمة: بدر الدين حامد الهاشمي

تقديم: هذه ترجمة للجزء الأول من مقالة عن سنوات رفاعة رافع الطهطاوي (1801 – 1873م) في السودان، بقلم الدكتور المؤرخ تاج السر أحمد حران (1934- 2023م) نُشِرَت بالعدد الخامس والسبعين من مجلة "السودان في رسائل ومدونات"، الصادرة عام 1976م، صفحات 1 – 9.
وللمزيد عن سيرة الطهطاوي يمكن الرجوع إلى ما ورد عنه في موسوعتي الويكيبديا والمعرفة (https://shorturl.at/EHTPs و https://shorturl.at/sQm9U)، وإلى الكثير من الكتب التي أُلِّفَتْ عنه، مثل كتاب "رفاعة الطهطاوي بك" لأحمد أحمد بدوي، الذي صدر عام 1950م (وهو مبذول على شبكة الانترنيت: https://shorturl.at/SPVFu) وكتاب صالح مجدي "حلية الزمن بمناقب خادم الوطن (سيرة رفاعة رافع الطهطاوي" الذي صدر بالقاهرة عام 1958م. وقد أوردهما كاتب المقالة في ثبت مراجعه ضمن مراجع ووثائق أخرى عديدة.
وذكر البروفسور أحمد إبراهيم أبو شوك سيرة الأستاذ الدكتور حران في نعيه له (https://shorturl.at/rwxWc).
المترجم
*********** ********* **********
لقد تركت الحملة الفرنسية على مصر في عام 1798م أثراً عظيما على تاريخ مصر، وبالتالي على كل مناطق الشرق الأوسط. وكانت إحدى نتائج تلك الحملة غير المباشرة هي أيلولة حكم مصر لمحمد علي الذي يعده الكثيرون "مؤسس مصر الحديثة". وغدت مصر بعد تسنمه للسلطة متقبلة للثقافة الأوروبية الغربية. ونُفِذَتْ سياسة "استيعاب الثقافة الغربية Westernization" هذه عبر قنوات عديدة، كان من أهمها النظام التعليمي الذي ابتدعه محمد علي، بالإضافة لإعادة تشكيل وإصلاح الجيش المصري وإصلاح الإدارة. ونتج عن تلك السياسة ظهور عدد من مدارس الدولة في مصر عملت على رفد الدولة الجديدة بمن تحتاجهم من الموظفين.
ولم تنعكس عملية التحديث واستيعاب الثقافة الغربية إلا قليلاً جدا على السودان الذي كان تحت سيطرة حكم محمد علي. فلم يُجَرَّبُ بالسودان ما كان قد جُرِّبَ في مصر، ولم تُنْشَأْ في السودان إبان سنوات حكم محمد علي أي مدرسة حكومية. وحانت فرصة للسودان كي يجرب للمرة الأولى، وبصورة مؤقتة، جهداً في سبيل تحديث التعليم عندما أمر خليفة محمد علي، عباس الأول (1849 – 1854م) بإقامة مدرسة في الخرطوم عام 1850م، وعين لها شيخ رفاعة رافع الطهطاوي ناظراً. وكان الطهطاوي عالماً مصرياً بارزاً، ويُعد أحد رواد الحضارة الغربية في مصر. ولم تكن لإقامة تلك المدرسة على المدى القريب أهمية كبيرة، إذ أن أهدافها وغاياتها لم تتحقق. غير أن أهميتها على المدى الطويل تكمن في أن إقامة تلك المدرسة المصرية بالخرطوم كانت هي بداية التعليم المصري بالسودان، ومثلت جهداً رائداً في إقامة صلات ثقافية بين مصر وإحدى المجموعات السودانية. وكانت مثل تلك الصلات مفيدة ومهمة للقطرين. وعندما بلغت تلك الصلات لاحقاً درجة من النضج، أدت أدواراً مهمة جداً في تطور السودان سياسياً وثقافياً وتعليمياً.
وُلِدَ الشيخ رفاعة رافع الطهطاوي في عام 1801م بمدينة طها في جنوب مصر. وتلقى تعليماَ تقليديا، إذ أنه كان ينحدر من عائلة مشهورة بالتعليم الديني. وحفظ القرآن في سنوات طفولته، وقُبِلَ بالأزهر في عام 1817م (وعمره 16 سنة). وقضى في الأزهر سبعة أعوام، عُيِّنَ بعدها أستاذا مساعداً فيه. وتأثر كثيراً في تلك المرحلة بأستاذه (وزميله فيما بعد) شيخ حسن العطار، الذي كان معروفاً بآرائه التنويرية المتقدمة. وكان العطار هو من رشح رفاعة رافع الطهطاوي لوظيفة "إمام" في أحد أفواج الجيش المصري الجديد. ثم صار إماماً للبعثة التعليمية التي أرسلها محمد علي للدراسة في باريس عام 1825م. ولم يكن الشيخ رفاعة قد قابل من قبل أي شخص أجنبي في حياته، ولم يكن يتحدث أي لغة سوى العربية، ولم يكن قد سافر إلى أي مكان أبعد من مدينة الإسكندرية. لذا كانت السنوات الخمس التي قضاها في باريس (1826 – 1831م) هي أهم فترة في حياته.
وعلى الرغم من أنه كان قد بُعِثَ لباريس بحسبانه إماماً ليؤم أعضاء البعثة المصرية في الصلوات، ويتولى إدارة شؤونهم الدينية وأمورهم الدنيوية، إلا أن شيخ رفاعة شرع في الدراسة والبحث والتنقيب بحماسة ونجاح كبيرين. وبدأ بتعليم نفسه مبادئ اللغة الفرنسية وهو على ظهر السفينة التي أقلته لمارسيليا، إلى أن صار بمقدوره لاحقاً قراءة الصحف والكتب الفرنسية، خاصة كتب التاريخ والفلسفة اليونانية والميثولوجيا والجغرافيا، وقليل من الشعر الفرنسي (وشمل ذلك قراءة أشعار جان راسين Racine)، وخطابات لورد شيسترفيليد Chesterfield لولده، بالإضافة إلى قراءة بعض كتب الفكر السياسي الفرنسي في القرن الثامن عشر – لفولتير وجان جاك روسو، وأهم أعمال مونتيسكي (Montesquieu). لقد تركت فرنسا في نفس شيخ رفاعة أعظم الأثر، وعمل بعد فترة قصيرة من إيابه لموطنه على نشر كتاب عما رأه فيها عنوانه "تخليص الإبريز في تلخيص باريز" (والإبْريز هو الذَّهَب الخالص) وذلك في عام 1834م، ونُشِرَتْ ترجمة له باللغة التركية في عام 1839م.
ويحتوي ذلك الكتاب على معلومات دقيقة وملاحظات مهمة عن أخلاق وعادات الناس في فرنسا الحديثة. ولم يكن معجباً بالفرنسيين دون انتقاد، لكنه وجد فيهم الكثير مما يستحق الثناء: عاداتهم الهادئة، وحبهم للعمل، واحترامهم للمرأة، وتعليمهم الدقيق، وتربيتهم المحكمة لأطفالهم، والحب الكبير لوطنهم. ووصف الطهطاوي النظام البرلماني في فرنسا الذي كانت من أغراضه الحفاظ على الحكومة تحت حكم القانون، وإعطاء المواطنين الفرصة لحماية أنفسهم من طغيان الحكومات الاستبدادية. وكان الطهطاوي قد شهد ثورة 1830م، التي كتب عنها أنها عزلت الملك لانتهاكه أحكام الدستور. وكان شديد الاعجاب والانبهار بالعدالة الفرنسية، ويؤمن بأهمية (حرية) الصحافة بحسبانها ضمانة ضد الفساد والفوضى في الحكم، وأداة مهمة من أدوات نقل المعرفة والأفكار. وضَمَّنَ الطهطاوي كتابه ترجمة عربية للدستور الفرنسي مع بعض التعليقات.
لقد كان الطهطاوي في كل كتاباته يعبر عن إعجابه العميق بالحضارة والثقافة الغربية. وكان يحث قومه على اتباع الحضارة الغربية وتبنيها للتحرر من ضعفهم وتخلفهم. وعلى الرغم مما شاهده في فرنسا، إلا أن رأيه في الدولة لم يكن هو رأي مفكر ليبرالي من مفكري القرن التاسع عشر؛ فقد كانت له بعض الآراء الإسلامية التقليدية، منها أن الحاكم يمتلك السلطة المطلقة، ويجب أن يحكم (rule) وأن يملك (reign) أيضاً. وما كان جديداً في أفكاره السياسية هي فكرة أن للفرد الحق في نيل العدالة، وأنه لا بد من إقامة مؤسسة ما تضمن ذلك الحق. وقد يُعْزَى ظهور فكرة "الوطنية" في مصر (ومنها لبقية الدول العربية) إلى حد كبير لما كتبه الطهطاوي بعد أن أدرك – وهو في فرنسا – أهمية "الوطنية" في الحياة الفرنسية.
ولما آب الطهطاوي لمصر، عُيِّنَ ناظراً للمدرسة الطبية في أبو زعبل. ثم عمل بعد ذلك مترجماً في مدرسة المدفعية في طرة. وفي عام 1835م عُيِّنَ مديراً لمدرسة اللغات الأجنبية (الألسن) التي أقامها محمد علي في القاهرة. وأدت تلك المدرسة دوراً مهما وكبيراً في تاريخ النهضة الفكرية العربية. وضُمَّ لتلك المدرسة مكتب للترجمة في عام 1841م، وعُيِّنَ الطهطاوي مديراً له. وعمل بذلك المكتب عدد من المترجمين تحت إشرافه. وأفلح الطهطاوي وطلابه في مدرسة الألسن في ترجمة نحو 200 من الكتب في مجالات عديدة منها التاريخ والجغرافيا والعلوم العسكرية.
لقد نعم الطهطاوي بعناية ورعاية خاصة من محمد علي، غير أن ذلك الحال تغير تماماً بعد وفاة مولاه. وتوفي إبراهيم (من اختاره محمد علي خليفةً له) قبل وفاة محمد علي، فتولى الحكم حفيده عباس، الذي لم يكن متحمساً للسياسات الإصلاحية التي سعى جده لتطبيقها. بل شرع عباس فور تسنمه للسلطة في مراجعة بعض تلك السياسات (ومنها السياسات التعليمية)، فأمر بإغلاق مدرسة الترجمة، وإرسال مؤسسها ومديرها إلى الخرطوم كي يؤسس أول مدرسة أولية في السودان. وصدر الأمر السلطاني بتعيين الطهطاوي ناظراً لتلك المدرسة الجديدة في مايو من عام 1850م، وأن يرافقه في العمل بالمدرسة 11 من المدرسين المصريين، كانت مهمتهم هي تقديم التعليم الأولي لأبناء شيوخ ونظار البلاد، وأبناء عائلات كبار الشخصيات والأعيان بها، وأبناء عائلات الأتراك المقيمين بالسودان. وحدد عدد تلاميذ تلك المدرسة بـ 250 تلميذا، وكانوا يحصلون على إعانات مالية (6 قروش شهرياً لكل تلميذ) لتشجيعهم على الاستمرار في الدراسة.
ظل الشيخ رفاعة، وكثير ممن كتبوا عنه، يؤمنون بأن عباس قصد من ارساله للسودان أن ينفيه من مصر، واتخذ من إقامة تلك المدرسة بالخرطوم مجرد ذريعة ليسوغ بها إرساله للخرطوم. وكانت حجة من قالوا بذلك هو أن عباس لم يكن من الإصلاحيين الذين يتوقع منهم إنشاء مدرسة في مكان كالسودان. بل على العكس، كان عباس قد أغلق عدداً من المدارس في مصر نفسها بحجة الظروف الاقتصادية الصعبة التي كانت تمر بها البلاد. وواجه عباس في السودان مشكلة من نوع مختلف، كانت هي الحاجة الملحة لمزيد من الموظفين لإدارة شؤون البلاد. فقد وضح بعد عملية التحول للامركزية الإدارية بالسودان في أربعينيات القرن التاسع عشر إلى أن هناك نقصاً كبيرا في العاملين في المجالين الإداري والعسكري. وظهر ذلك بوضوح شديد وبصورة خاصة في أول عام من حكم عباس، خاصة في عهد حكمدار السودان إسماعيل باشا أبو جبل (يونيو 1852 – أبريل 1853م)، الذي دأب على الشكوى من نقص أو عدم وجود الكوادر العسكرية والإدارية المطلوبة في السودان. وكان عباس يؤمل في أنت تخرج تلك المدرسة الجديدة بالخرطوم في خلال أربع سنوات سودانيين يكون بمقدورهم مد الإدارة السودانية ببعض الذين تحتاجهم للعمل في مجال الإدارة والجيش. وربما يكون هذا هو ما هدف إليه عباس عندما بعث بالطهطاوي للخرطوم، ولم يكن قصده نفيه من مصر.
وعلى الرغم من ذلك، كان شيخ رفاعة مقتنعاً بأن هناك أسباباً أبعد من التي ذكرت عن سبب إرساله للسودان. فقد كان يؤمن بأنه خصومه الكُثْر هم من سعوا لحث عباس للتخلص منه على ذلك النحو. وكان واثقاً أيضاً من أن له الكثير من الأعداء في أوساط العناصر المحافظة بالأزهر التي كانت تعترض على آرائه المستنيرة، وفي أوساط حاشية عباس الشخصية، الذين كانوا يخشون من أفكاره ووجهات نظره الثورية، التي تمس – بطريق غير مباشر – حكم عباس المستبد. وكان شيخ رفاعة يؤمن بأن هؤلاء الأعداء كان يرغبون في إبعاده عن المشهد السياسي تماماً. وكان شيخ رفاعة يعارض (ومعه أتراك ومصريين آخرين) قرار عباس استبدال ولده إبراهيم الهامي بمحمد سعيد (وريث عرشه)، وقد عُوقِبَ شيخ رفاعة على ذلك الموقف بإرساله للسودان. وينبغي تذكر أن عباس كان معروفاً بمواقفه غير المتعاطفة مع محمد علي و(محمد) سعيد، وكل من كان يعمل في خدمتهما. لذا دفعت بعض أو كل تلك العوامل مجتمعةً عباس لإنشاء مدرسة في الخرطوم، وأُسْنِدَ للشيخ رفاعة أداء تلك المهمة.
وهكذا بدأ الشيخ رفاعة ورفاقه رحلتهم للسودان في يونيو من عام 1850م لتنفيذ الأمر الصادر بإقامة أول مدرسة أولية في السودان. وعلى الرغم من إلحاح عباس على تنفيذ أمره بأعجل ما تيسر، إلا إن إقامة تلك المدرسة استغرق ثلاث سنوات كاملة. وهناك من الأدلة ما يكفي للقول بأن مسؤولية ذلك التأخير تقع على عاتق الحكمدار عبد اللطيف باشا (أكتوبر 1849 – 1851م) وخليفته في الحكم إسماعيل باشا أبو جبل (أكتوبر 1852 – 1853م). فعلى سبيل المثال قام عبد اللطيف باشا بتوزيع ما أُرْسِلَ للمدرسة من ملابس وأغطية على بعض جنوده، بينما أهدر إسماعيل باشا أبو جبل الكثير من الوقت في محاولات اقناع السلطات في القاهرة بعدم جدوى إقامة مدرسة بالخرطوم، أو إنفاق المزيد من الأموال على ذلك المشروع. إضافة إلى ذلك، تم تشغيل من رافقوا الشيخ رفاعة من مدرسين وموظفين في أعمال لا علاقة لها بالتعليم. بل حاول إسماعيل باشا أبو جبل في إحدى المرات أن يرسل شيخ رفاعة نفسه إلى مديرية دنقلا للمساعدة في حصر أعداد أشجار النخيل بها، وتقدير الضرائب عليها. غير أن السلطات بالقاهرة منعت الحكمدار من تنفيذ ذلك، وأمرته أن يواصل العمل في إنشاء المدرسة.
بَيْدَ أنّه ينبغي القول بأن شيخ رفاعة، بعد وصوله للسودان، لم يعد متحمساً لإقامة المدرسة بالخرطوم، ويرى أنه ليس في حالة ذهنية ملائمة ليفرغ للمهمة التي بعث من أجلها. ولأنه كان يشعر بأنه منفي (في السودان)، فقد ظل في طوال فترته في الخرطوم يكابد الشعور بالخمول والاكتئاب الشديد، ويداوم على الشكوى من حاله لأصدقائه الأوربيين بالمدينة. وضاعف من شعوره بالغم والتَبَلُّد والاكتئاب الشديد في الخرطوم مخالطته لعدد من موظفي الحكومة الذين كانوا يعدون فترة خدمتهم في السودان بمثابة نفي وعقاب. وكان يحس بالوحدة والحنين الدائم إلى أسرته التي تركها خلفه في مصر. وقدم شيخ رفاعة في كتابه " مناهج الألباب المصرية في مباهج الآداب العصرية" وصفاً مُتَّقِداً لبؤس حاله في السودان. وكتب في أحد أجزاء كتاب "مواقع الأفلاك في وقائع تليماك" يصف حاله ويقول (في صيغة الغائب) أنه بقي بالسودان منسرح البال ومشتت الذهن وغارق تماماً في لجة اكتئابه وهمومه، وكل ذلك بسبب ابتعاده عن أهله وموطنه، ومواجهة مخاطر الحياة ومصائبها.
وبسبب حالته الذهنية تلك، لم ير شيخ رفاعة غير الجانب المظلم من السودان، وطقسه وسكانه. ولا حاجة بنا للقول بأن آراءه وانطباعاته تلك تفتقر للدقة والموضوعية، بل إنها لا تخلو من تعميم كاسح يتصف بالضحالة والذاتية. وخاطب شيخ رفاعة حاكم مصر في قصيدة طويلة (اُنْظُرْ نص القصيدة في الرابط https://shorturl.at/ftqnu . المترجم)، آملاً أن يتعطف عليه بإرجاعه لأسرته وموطنه. ووصف شيخ رفاعة في بدايتها بؤس حاله، ثم أتى على ذكر بعض جوانب الحياة بالسودان، وذَمَّ طقس السودان المفرط الحرارة، وعواصفه وريح سمومه. ووصف سكانه بشدة سواد البشرة، وبأن نصفهم "وحوش"، وبعضهم الآخر "أشبه بالجماد" لا إحساس عندهم. ثم وجه نقداً لاذعاً لبعض عاداتهم الاجتماعية مثل الختان الفرعوني، وبعض ما يُمَارَسُ من طقوس في حفلات الزواج مثل استخدام "الدلكة" (التي اعتبرها الطهطاوي مدهنة وقذرة) و"البطان"، الذي اعتبره عادةً تفتقر إلى الإنسانية. ولم ترق له بعض الأكلات السودانية والطرق التي تُطْبَخُ بها. وخلص شيخ رفاعة إلى أنه على يقين من أن السودان لا ينبغي أن يكون مقام شخص مثله. لذا ليس من المستغرب – وهو على تلك الحال – ألا ينتج أي عمل أدبي أو غيره في غضون السنوات الأربع التي صرمها بالسودان. فقد كان منشغل الفكر ومشتت البال لدرجة صرفته عن الكتابة عن السودان، وعن استعادة حماسته للترجمة. وكان مبلغ همه أن يستخدم كل الوسائل المتاحة للعودة لمصر. وظل وهو بالخرطوم مهووسا بفكرة الأوبة لعائلته ووطنه. فعلى سبيل المثال ذكر الرحالة الأمريكي ب. تايلور Bayard Taylor في كتابه المعنون "رحلة في أفريقيا الوسطى A journey to Central Africa " أن صديقه الحميم الطهطاوي سلمه رسالة ليعطيها للقنصل العام البريطاني في القاهرة. وعلى الرغم من عدم كشفه لمحتوى الرسالة، إلا أننا نرى أنها ربما كانت في الغالب رسالة استعطاف لذلك القنصل البريطاني كي يتوسط له عند عباس الأول ليعيده لمصر.

 

alibadreldin@hotmail.com

 

آراء