شُركاء؛ لا رعايا ولا أُجراء

 


 

 


(أزمة مشروعية القرار في التنظيمات السياسية السودانية)
مهدي إسماعيل مهدي (بريتوريا: 28/مارس/2015)
يؤثر عن المرحوم/ إسماعيل الأزهري، (مؤسس وزعيم الحزب الوطني الإتحادي- الذي يُعد حزب الصفوة المُستنيرة في خمسينيات وستينيات القرن الماضي)، إنه كان يبتدر خطاباته إلى زملائه من قادة الحزب المغضوب عليهم، بالعبارة التالية "إلى من يهمه الأمر سلام: لقد قررنا كذا وكذا،،، إلخ"، وما على الضالين (أو الدواعش كما أسماهم أخيراً، سيدي الحسن في كسلا) إلا السمع والطاعة، وقد كانت هذه العبارة (الترويسة) مثار تندر كثيرٍ من قطاعات الشعب السوداني وخاصةً أهلنا في تنظيمات اليسار، فإذا كان ذاك حال حزب الطبقة الوسطى المُستنيرة، فلك أن تتصور ما كان يحدث في الحزبين الطائفيين الآخرين (الأمة/الأنصار، والشعب الديمقراطي/الختمية)!!!. وقد حدثنا رواة تاريخنا الحديث؛ أن وزير الداخلية في حقبة الديمقراطية الثانية (حفيد الإمام المهدي)، حسم حواره مع أحد القادة الكبار في حزبه بإستخدام عكازه!!!. أما أبناء وأحفاد الحسيب النسيب، فقد لخص أحد خُلصاء الختمية مسألة الخضوع التام لسُلالة العترة النبوية الشريفة، بالقول بعد أن إستمع لخُطبة سيده الإنتخابية (خالفاً رجليه على سرج حماره)، (لم أفهم شيئاً من كلام سيدي، لكن والله والسيدة نفيسي، لو سيدي قال لي "أعطي صوتك لحماري ده، أعطيه"!!).
نفهم أن يحدث ذلك في مؤسسات وكيانات تستمد مشروعيتها من إرث ضارب الجذور في ثقافة تُبجل وتُقدس رئيس القبيلة وشيخ الطائفة والسجادة ورب الأسرة وناظر المدرسة وراعي أغنام قطيع الحزب!!!، الذي لا راد لكلمته ولا منازع لسُلطته ولا مُتسائل عن مشروعيته، ولكن ما بال أحزاب الحداثة والتنوير والتغيير والثورة على القديم، تتعامل مع جماهيرها على ذات النسق والمنوال وكأنهم قطيع من المُتلقين عليهم السمع والطاعة، غير مُدركين بأن نهاية التاريخ قد أزفت وولى زمان تبرير مثل هذه الممارسات الفوقية بفقه الديمقراطية المركزية والإنضباط الثوري والـتأمين وضرورات المرحلة، ولعلكم قد لاحظتم أن المراكز الإعلامية لتنظيماتنا السياسية التقدمية تُرسل بياناتها من مواقع إلكترونية لا تسمح للمُتلقي بالرد ُ(أي أن طريق العلاقة يسير في إتجاه واحدٍ فقط ولا مجال للأخذ والرد، ولا مكان للرأي المُغاير!!!).
ما دفعني إلى هذه المُقدمة (الرمية) الطويلة، ما تواتر أخيراً عن فشل المؤتمر التشاوري الإستراتيجي (تشاوري وإستراتيجي في آن واحد- عجبي!!!) في أديس أبابا بين حكومة الأمر الواقع بالخرطوم، وأربعة فصائل أساسية من مكونات المُعارضة السودانية، وكما كان متوقعاً فقد سارع الطرفان إلى إصدار البيانات التي يُحمٍل فيها كُل طرف، الطرف الآخر مسئولية الفشل، مما أثار البلبلة وزاد المسألة ضغثاً على إبالة، ولعل السبب في هذا الإرتباك يعود إلى عدم الشفافية التي اكتنفت عملية التفاوض التي تتم في الغرف المُغلقة وعدم التواصل وإشراك الجماهير، أو شرح الأهداف الإستراتيجية من الحوار/التفاوض إبتداءً!!، حتى يكون الناس على بينة من أمرهم ويستطيعوا أن يحكموا ويُقيموا نتائج الحوار/التفاوض إستناداً على معلومات ذات مصداقية وقياساً على مدى إتساق النتائج المُتحصلة مع الأهداف المُرتجاة.
أما إذا كان المطلوب من الرعايا أن يؤيدوا ويطبلبوا إن قال المتفاوضون نعم، أو أن يشتموا الإتحاد الإفريقي ويلعنوا سنسفيل أمبيكي (وهما يستاهلان) إن قال الأربعة الكبار، لا للتوقيع!!!!!- فما نحن بفاعلين هذه المرة؛ وبالمناسبة هذا التساؤل حول المُشاركة والمشاورة (Participation & Consultation) فيما يتعلق بعملية صُنع القرار، يستتبعه بالضرورة سؤال آخر حول المشروعية والتفويض (Legitimacy & Mandate)؛ وسوف نمسك عن هذا التساؤل وغيره من الأسئلة المحبوسة في الصدور، حتى يتبدل الحال وتُعقد المؤتمرات العامة للتنظيات السياسية لتجديد التفويض أو سحبه (ونتمنى أن لا يطول الإنتظار لأكثر من ربعة عقود كما حدث ذات مرة من المرارات).
لقد تساءلنا مراراً وتكراراً عن الأهداف الإستراتيجية التي تسعى الحركة الشعبية إلى تحقيقها من وراء الجلوس للتفاوض مع النظام الحاكم بالسودان خلال خمسة سنوات حسوما، عُقدت خلالها أكثر من عشرة جلسات بأسماء متعددة (مفاوضات رسمية وغير رسمية وتشاورية وإستراتيجية،،، إلخ)، والعجيب أنه مع إختلاف مُسمى الحوار/التفاوض إلا أنها تتناول ذات المواضيع وبقيادة ذات الوفود، إسماً ورسماً!!!.
هل تسعى المعارضة (وعلى رأسها الحركة الشعبية) إلى تفكيك نظام الإنقاذ من خلال التفاوض، وبلا شك فإن لدى الحركة من الحصافة ما يعصمها عن هذا التفكير الرغبوي، إذ من المعروف بداهةً أن نتيجة أي تفاوض بين أي قوى مُتقاتلة بالسلاح، هي إنعكاس لسير المعارك في ميدان القتال، نقول هذا ليس تخذيلاً ولا لضعف في المعارضة ولا إستهانة بالتضحيات العظيمة لمُقاتليها، ولكن ليس من الحكمة الخضوع لمزايدات المُزايدين، فبُغاث الطير أكثرها صراخاً، ونعتقد أن خارطة الطريق نتاج واقع محلي فرضته معادلات إقليمية ودولية وحسابات سياسية خارج نطاق السيطرة في هذه المرحلة.
ومن المعروف أيضاً أن أطراف التفاوض تستخدم الضغط العسكري كوسيلة من وسائل الوصول إلى تحقيق تسوية تفاوضية بأفضل شروط مُمكنة، والتي تتمثل في حالة المعارضة السودانية (حسب فهمي)؛ في إنجاز عملية التحول الديمقراطي عبر إنتخابات حُرة ونزيهة، والذي لن يتم إلا بوحدة قوى المُعارضة وعودتها إلى الداخل والمُشاركة في عملية الإنتقال الديمقراطي المنشود عبر الإنتخابات الشفافة النزيهة، وما يستتبعها من حُكم رشيد (Good Governance) وسيادة حُكم القانون والنظام (Role of Law & Order)، وإرساء أُسس دولة المواطنة التي تساوي بين جميع مكونات وشعوب الأمة في الحقوق والواجبات دون تمييز من أي نوع (عرقي، ديني، جهوي، جندري).  
تتناقص فعالية الضغط العسكري (الحرب بالعربي الفصيح)؛ كلما ابتعد مسرح العمليات العسكرية عن مركز صُنع القرار، خاصةً في ظل نظام لا يضع كبير إعتبار للهامش وأرواح بنيه وبناته، وقد لخص أحد ظرفاء أم درمان الأمر قائلاً (فلتسقط الكُرمك، أصلو سقطت الملازمين!!). ولتحديد الهدف الإستراتيجي بكُل دقة وموضوعية لابُد من تقييم الموقف بعقلانية على كافة المستويات، ودعونا نُلقي نظرة واقعية على الموقف بمستوياته الثلاثة (المحلي والإقليمي والدولي):-
1.    على المستوى المحلي/الداخلي: هُنالك إحباط عام وشعور بفشل الحكومة وعجز المُعارضة (مُعادلة صفرية) ، وقد تناولنا ذلك في مقال منشور بتاريخ 04/فبراير/2011 (أي قبل أكثر من خمسة أعوام) بعنوان (المخاض العسير للإنتفاضة المزدوجة ضد الحُكم والمُعارضة معاً)، وقد لجأ معظم الناس نتيجة لهذا الإحباط (وخاصة الشباب وقود الثورة) إلى سُبل الخلاص الفردي عبر الهجرة الداخلية والإغتراب بأي وسيلة وإلى أي مكان (خلص رقيبتك، أو أنج سعد فقد هلك سعيد)، من أجل تأمين لقمة العيش (حتى ولو كان بوشاً بموية فول وموية جبنة- وموية زيت!!!). أما في معسكرات النزوح فقد وصل اليأس إلى درجة جعلت الجميع يقبلون بأي حل يؤدي إلى الإستقرار ولو إلى حين، فقد أدت الحرب إلى نتائج كارثية والقادم أسوأ!!، وإليكم هذا الإقتباس من كتاب الأستاذ/ فتحي الضو "بيت العنكبوت ص121" [ كشف تقرير مُشترك أعدته منظمة الأمم المتحدة لرعاية الطفولة "يونسيف" ووزارة التربية والتعليم السودانية عن عدم تمكن أكثر من ثلاثة (3) ملايين طفل (51,1% من أطفال السودان) تتراوح أعمارهم بين 5-13 عاماً من تلقي التعليم في المدارس، وأن غالب هؤلاء الأطفال يعيشون في مناطق الحرب والنزاع، وكشف التقرير أيضاً عن أن حوالي 561 ألف تلميذ مُعرضون لخطر التسرب بسبب الفقر والحرب] وفيه (أي كتب بيت العنكبوت) يقول أيضاً  [تجاوز عدد ضحايا الحروب السودانية منذ الإستقلال المليوني نسمة سقطوا بأيدي إخوانهم في الوطن!!]. ولقد تعمدت أن استعرض الكوارث البشرية من فقدٍ للأنفس وإنتشار للجهل والفقر والجوع والمرض، ولم أتحدث عن الخسائر المادية في المنشآت وسُبل كسب العيش وتهتك النسيج الإجتماعي، لأن الثورات لا تقوم إلا لكي تحافظ على حياة الإنسان وتوفر له حياةً كريمة لائقة.
وثمة متغير كبير آخر في السودان يتمثل في الفراغ الإيجابي العريض الذي تركه رحيل عراب الحوار الوطني وزعيم الإسلاميين/ حسن الترابي، (والسياسة تكره الفراغ) فهل للمعارضة أي خُطط سابقة أو لاحقة لملْ هذا الفراغ العريض والتعامل مع هذا المُتغير، والمُتغيرات المتوقعة على شاكلته (مع أن الأعمار بيد الله!!!).
2.    على المستوى الإقليمي: من الواضح تماماً نجاح حكومة الخرطوم في تحسين علاقاتها مع دول الجوار (تشاد، إثيوبيا، كينيا، إريتريا، جنوب السودان)، كما أنها أستطاعات مد جسور التواصل والقبول مع الدول الإفريقية ذات التأثير الإقليمي القوي (جنوب إفريقيا، نيجيريا)، بالإضافة إلى الدول العربية (التي يقف بعضها مع حكومة الخرطوم لأسباب عنصرية وأخرى دينية)، وبغض النظر عن الطريقة اللا مبدأية (الميكافيلية) التي انتهجتها الحكومة، إلا أن هذا هو الواقع وهذا هو العالم الذي نعيش فيه، عالمُ لا يعرف إلا لُغة المصالح فقط، ولذلك فإن الحكومة التي أكلت شيخها واستدارت 180 درجة مابين غمضة عين وانتباهتها، مُبتعدةً عن حُلفائها لسنين عددا، في إيران وسوريا وحماس وحزب الله، لعلى إستعداد أن تفعل كُل ما يطلب منها نظير بقائها في السُلطة.
3.    على المستوى الدولي: لا يختلف الأمر كثيراً عن الموقف الإقليمي، فمجلس الأمن الدولي – وإن كان يقف وراء مُذكرة المحكمة الجنائية الدولية بتوقيف الرئيس/ البشير والقبض عليه- إلا أنه يفعل ذلك لحسابات تخصه، وليس حباً في سواد عيون الفور والزغاوة والمساليت والنوبة والأنقسنا، ومتى ما أصبح البشير وحكومته طوع بنانه (يفعل ما يؤمر به، كما هو الحال الآن) فسوف يرمي جانباً  المثاليات والمبادئ في سلة المُهملات. وعموماً يبدو أن القوى الكُبرى (الدول الخمس دائمة العضوية بمجلس الأمن الدولي) تسعى لفك إرتباط البشير بجماعة الأخوان المُسلمين، وإبرام شراكة بين النظام وبين المعارضة المسلحة (حركتي دارفور والحركة الشعبية) على غرار شراكة نيفاشا، بالإضافة إلى حزب الأمة القومي (الصادق المهدي تحديداً)، وكما قلنا سابقاً فالبشير على إستعداد أن يعلن غداً أنه علماني لا علاقة له بتنظيم الإخوان المُسلمين والإرهابيين وقد قالها صراحةً في حواره الأسبوع الماضي مع صحيفة عكاظ السعودية قبل أسبوع، (ناسياً ولاعناً بن لادن وكارلوس وعمر عبدالرحمن،،، إلخ) . كما أنه يعلم جيداً جداً، أن الإسلاميين إذا اتحدوا مرة أخرى فسوف يكون هو كبش الفداء الأول ومهر وحدتهم، ولهذا فهو أول الفرحين برحيل الشيخ (وإن أظهر غير ذلك)، وبلا شك فإن عبارة ("أذهب أنت إلى  القصر رئيساً،، وأذهب أنا إلى القبر تعيساً"؛ أعذب وأوقع من العبارة السابقة الشائعة (أذهب أنت إلى القصر رئيساً،،، وأذهب أنا إلى السجن حبيساً)، فالشيخ الراحل كان يُعد لليلة السكاكين الطويلة بصبر وأناة، ولكن الله غالبُ على أمره.

وبكُل صراحة؛ فإن الأسباب المتداولة كمُبررات لعدم التوقيع على خارطة الطريق لا ترقى إلى مستوى المكاسب التي يُمكن تحقيقها من ورائها، فالخلاف حول مكان إنعقاد الحوار (أديس أبابا أو الخرطوم) ليس بقضية جوهرية، وكنت أتوقع أن تكون المُعارضة أكثر حرصاً على التواصل مع جماهيرها بالداخل والإحتماء بهم في وجه ألاعيب النظام المعروفة، بدلاً عن الإحتماء بالمجتمع الدولي والإقليمي اللذان لا يؤتمن جانبهما، أما مسألة التسمية؛ وهل هو حوار أم تفاوض؟ وهل هو لقاء تحضيري أم حوار وطني؟ فهي مسألة شكلية ليست ذات قيمة، لأن المهم هو مضمون الحوار وأجندته. وعلى ذات النسق لا أجد فرقاً بين الإلحاق و المُشاركة فكلاهما أمر واحد (وهو التواجد الذي يتيح إبداء الرأي وتصحيح مسار الحوار إلى ما ينفع غمار الناس لا تحقيق أجندة النُخب المتحاورة).
كُنت أظن (وليس كُل الظن إثمُ) أن الخلاف الجوهري يكمن في ثلاث نقاط:
i.    الترتيبات الأمنية وكيفية وميقات دمج قوات الحركات المُسلحة في القوات المُسلحة السودانية، وبما أنه تم حسم هذه النقطة باكراً بموافقة الطرفين على الإتفاق الإطاري (إتفاق عقار/نافع - 2011)، وأن خارطة الطريق تنص على ربط الترتيبات الأمنية بالتقدم في المسار السياسي، مع إحتفاظ الحركات بقواتها لمدة عام، فلا أرى أن هنالك مُشكلة عصية على الحل على هذا الصعيد.
ii.    مسألة الحُكم الذاتي: لقد ظل الراحل/ د. جون قرنق، يُحارب الإنفصاليين الجنوبيين بالسلاح، ولم يطالب بحُكم ذاتي أو إنفصال، ولكن في نهاية الأمر حدث الإنفصال، لأنه كان خيار الأغلبية الساحقة من الجنوبيين، ثُم دعونا نتساءل ألا يعني الحُكم الذاتي، أن يُدير أبناء المنطقة شؤونهم بأنفسهم؟؟، ألا تُحقق الإنتخابات ذلك؟، إذ أنه إذا فاز أبناء/بنات المنطقة في الإنتخابات وحازوا الأغلبية في مجالسهم البرلمانية (السُلطة التشريعية) فإنهم سوف يُشكلون حكومتهم المحلية (السُلطة التنفيذية) ، وبالتالي يتحقق تلقائياً الحُكم الذاتي!!.
iii.    عدم فصل قضايا المنطقتين: علينا أن نُقر بكل شجاعة أن الحركة الشعبية الموحدة سبق وأن عالجت قضية الجنوب بمعزل عن قضية بقية السودان، كما أنها خاضت إنتخابات عام 2010 في ولايتي جنوب كُردفان والنيل الأزرق، وبموجب تلك الإنتخابات أصبح الرفيق/ مالك عقار والياً على ولاية النيل الأزرق، فهل هُنالك فصلاً وتجرئةً أكثر من ذلك؟!، وعموماً فإن كُل مُشكلة سواءً كانت سياسية أو خدمية ينبغي أن تُعالج بحيثياتها المُختلفة.
آخر القول؛ لقد فشلت المُعارضة المُسلحة في نقل الحرب من فيافي دارفور وجبال النوبة وغابات جنوب النيل الأزرق إلى مركز صُنع القرار، والآن أمامها فُرصة ذهبية، أتتها تجرجر أذيالها، لنقل المُشكلة (أو الشكلة كما يقول إخوتنا في جنوب الوادي) إلى داخل ردهات قاعة الصداقة في مُقرن النيلين، والتحكم في مسار الحوار بدعم من الجماهير والإلتحام والإحتماء بها، ووضع أجندة جديدة (لحوار جديد مفروض بوضع اليد)، يُهم المواطن السوداني العادي بدلاً عن حوار الأرزقية الذي يجري الآن حول قضايا لا تهم إلا المتحاورين وتلبي مصالحهم الضيقة (إستحداث منصب رئيس وزراء، زيادة عدد أعضاء البرلمانات، المُحاصصة وتوزيع المناصب،، إلخ) وغيرها من سفسطة السياسيين وهواة الآيديولوجيات التي ما أطعمت جائعاً ولا كست عرياناً، ولا أمِنت مواطناً من خوف، فالأجندة التي يرغب المواطن العادي في بحثها؛ تتمثل (على سبيل المثال) في الآتي:
أ‌-    تكوين حكومة تكنوقراط (خبراء متخصصين) مشهود لهم بالكفاءة والنزاهة والتمسك الصارم بالمبادئ والقيم الفاضلة، بدلاً عن الجدل حول هل ننشئ حكومة قومية أم إنتقالية من الساسة الفاشلين (الذين وصفهم منصور خالد/ بالمُستهبلين) الذين خبرناهم وجربناهم لستة عقود،،، فكفى تجريباً للمُجرب.
ب‌-    منع إستيراد أي أسلحة أو عتاد حربي لمدة عشر سنوات (ماذا نريد بالسلاح إذا تم الإتفاق بين المتُحاربين؟!) فالمعروف أن الجيش السوداني لم يوجه طلقة واحدة إلى صدر عدو أجنبي منذ الإستقلال، إذ أن كل طلقات سلاحه تستقر في صدور أبناء وبنات شعبه (لا يفرق بين أحدٍ منهم سواءً كانوا في كجبار أو همشكوريب أو أضان الحمار!!!).
ت‌-    تخفيض ميزانية جهاز الأمن والدفاع بنسبة 50% على الأقل، وتحويل الفائض إلى وزارة التربية والتعليم بُغية توفير التعليم وخفض تكلفته وتحسين نوعيته (لكي يعود مجانياً ومُتميزاً نوعياً كما كان).
ث‌-    خفض عدد الولايات إلى النصف، وخفض عدد أعضاء المجالس التشريعية (البرلمان القومي والبرلمانات الولائية) إلى النصف وتحويل الميزانية الفائضة إلى وزارة الصحة لتوفير العلاج المجاني لكُل مريض في كُل أرجاء البلاد (كما كان الحال في عهد الإستعمار).
ج‌-     المُحاسبة عن أي جرائم جنائية و/أو فساد مالي أو سياسي، ورد الحقوق إلى أصحابها وإنصاف المظلومين وخاصة ضحايا الصالح العام والتمكين، ولاعفا الله عن ما سلف، وهذا يستدعي ضمنياً علاج مسألة المحكمة الجنائية الدولية بما يُنصف ذوي الضحايا ويُحقق العدالة.
ح‌-     إعتماد برنامج عمل يرتكز على أرجوزة ابو العتاهية (رغيف خبزٍ يابسٍ في زاوية، وكوز ماء بارد تشربه من صافية، وغرفة خالية نفسك فيها راضية).

ختاماً:
•    يقول المُقاتل المُسالم، الزعيم نلسون مانديلا (إننا نقتل أنفسنا عندما نُضيق خياراتنا في الحياة)، فهل لي أن أذكِر المتفاوضين، بقول أبي الطيب المتنبي، (ومن نكد الدُنيا على الحُرِ أن يرى عدواً له ما من مداجاته بدُ)، وأطلب من رئيس وفد التفاوض إعادة قراءة مقاله "مانديلا: شُعاع النور في كُل الأزمنة"؟!. ثُم هل لي أن أسأله بكُل بصدق وأمانة عن السبب في عدم كسب تأييد حزب مانديلا ورفاقه الذين ورد ذكرهم في متن المقال، ومن المسؤول عن هذا الإخفاق؟!!. بل لعل المُضحك المُبكي أن ينجح حزب المؤتمر الوطني بالسودان (حزب التمييز العنصري والديني والجهوي والجندري) في إبرام شراكة إستراتيجية مع حزب المؤتمر الوطني الإفريقي (الذي يضم الحزب الشيوعي والديمقراطيين اليبرالين)، وها هي الأنباء تزيد فواجعنا وتفقع مرارتنا بإنعقاد مؤتمر الأحزاب الإفريقية الديمقراطية بالخرطوم، وإلتئام المفاوضات بين حزب المؤتمر الوطني بالسودان والحزب الشيوعي الصيني لتفعيل شراكتهما الإستراتيجية.
•    وبلا شك فإننا لسنا في موقع من يبذل الدروس والعظات على المُقاتلين الواقفين على خط النار في كاودا وخور يابوس ونجرتيتي  (فالجمرة بتحرق الواطيها) إذ أن قادة هؤلاء القابضين على الزناد، أقدر منا جميعاً على تقييم مواقفهم وما يريدون وما لا يريدون، ولكن لكُلٍ دوره، فهنالك من يقاتل بالسونكي وهنالك من يقاتل بالقلم، والرأي قبل شجاعة الشجعان!!؛
•    يمُر نظام المؤتمر الوطني بأضعف حالاته ولا يحتاج إلا من يهز عصاه الأمنية التي يتكئ عليها ليخر مغشياً عليه، فلماذا لا تفعلون ذلك؟!.
•     من نافلة القول أن البُعد عن القواعد يؤدي إلى خلافات كثيرة لا يُمكن تلافيها إلى بالإحتكام إلى القواعد ذاتها، وهذا امر غير مُمكن الحدوث خارج البلاد، إذ من الواضح أن الخلافات تتفاقم والتأييد يتآكل داخل تنظيمات المُعارضة، ونخشى أن يأتي يوم تكون فيه وفود التفاوض لا تمثل إلا نفسها، ومن الأفضل للحركة الشعبية العودة للداخل لتصحيح المسار وترتيب بيتها الداخلي وتضميد جراحها، وقيادة تحالف عريض للجبهة الوطنية الديمقراطية لإنجاز رؤية السودان الجديد الذي لا مناص منه لبقاء هذه البلاد موحدة ومزدهرة.
•    بالتأكيد لا أظن أنكم سوف تقبلون الجلوس مع أمبيكي مرة أخرى، وأتمنى إشراك الجماهير في خُططكم لمواجهة هذا الموقف الغريب من مفوضية الإتحاد الإفريقي (دلاميني زوما) ولجنتها الرفيعة (المُطالبة بتبديل امبيكي، لا لسوء خارطة طريقة، ولكن لخرقه الواضح لأبسط شروط الوسيط النزيه؟!).
•    مع كُل هذا وفوقه، لن نُشق صفاً، ولن نخرج على إجماع ولن نُشمت عدواً فينا، ومعاكم حتى آخر المشوار!! وكما قال الشاعر/ دُريد بن الصُمة:
 (فهل أنا إلا من غزية إن غوت غويت وأن ترشد غزية أرشد)
ولكنه القائل أيضاً وفي ذات القصيدة (أمرتهم أمري بمنعرج اللوى فلم يستبينوا النُصح إلا ضُحى الغد)
ألا هل بلغت اللهم فأشهد

mahdica2001@gmail.com

 

آراء