عذراً أستاذ نبيل أديب المحام: اختلف معك في تفسير مصطلح (سلطة تاسيسية) وفقا لمفهومها الدستوري 

 


 

 

محمد علي طه الملك

قاض سابق/ خبير قانوني

* مفهوم مصطلح ( سلطة او آلية تأسيسية) في صناعة الدساتير، ينصرف إلى العضوية النيابية المنتخبة.

* التكييف الدستوري لعلاقة طرفي الإعلان السياسي لا يحتمل اطلاق مصطلج سلطة تأسيسية عليها

* علاقة طرفي الإعلان السياسي شراكة تعاقدية، إذا تم  اقصاء أحد طرفيه فسخ العقد وصار كل ما بني على الشراكة لاغيا

* الدساتير الموقتة يجوز صناعتها من مجموعة لا تحمل مواصفات السلطة التأسيسية، فقط يكفيها أن تكون مجسدة لقوى الثورة التي قادت التغيير.

*******

استمعت على منصة اليوتيوب إلى لقاء للأستاذ المحترم نبيل أديب المحام،  بقناة الجزيرة في برنامج المسائية الذي يقدمه الأستاذ القدير أحمد طه، حيث تطرق في معرض حديثه إلى ما توصلت إليه لجنة التحقيق في عملية فض اعتصام القيادة العامة التي يتولى رئاستها، بأن التحقيقات لازالت مستمرة على الرغم من مضي ثلاثة سنوات على بدايتها، ولم تظهر الصورة العامة بطريقة دقيقة وواضحة حتى الآن !! بصراحة صدمتى هذه الإجابة، ولكن قد يكون لحساسية الظرف دور في أن يلتزم السيد رئيس لجنة التحقيق قدراً عاليا من الغموض والسرية تجعله غير قادر على تحديد حتى عدد الضحايا بصورة دقيقة.

ثم تطرق لما أثاره مقدم البرنامج حول الجثامين المكدسة في الثلاجات، دون تشريح لمعرفة أسباب الوفاة لمن تدور حول وفاتهم شبهة جنائية، وجاءت إجابة الأستاذ أن هذا الوضع يهز الثقة في أجهزة الدولة العدلية، وعلى الرغم من صحة هذه الفرضية ، غير أن غياب الدولة برمتها عامل رئيس فيما بلغته حقوق المواطنين من لا مبالاة و إهدار يحز في النفوس، ولو وجدت مؤسسات موثوق في مسؤوليتها لما وصل الامر الي هذا الحد المهين!!

حقيقة ليس ما ورد بعالية هو ما حملي للكتابة، بل ما أورده الأستاذ من تكييف لمسودة الدستور الانتقالي المقترحة من لجنة تسيير المحامين ، حيث تفضل بالقول أن الدساتير تضعها آلية تأسيسية، و للوثيقة الدستورية 2019 سلطة تأسيسية فرعية أضفت عليها الشرعية، من ثم لا حاجة لدستور انتقالي جديد، إذ يكفي إجراء التعديلات المطلوبة على الوثيقة الدستورية 2019 م ، الى هنا قد لا المس غرابة في هذا التكييف اذا ما استرجعت دورالأستاذ المحترم واسهامه في صناعة الوثيقة على أيام الثورة الأولى، إبان البحث عن صيغة لوثيقة دستورية، غير أن الأمر الذي استوقفني، اسباقه صفة السلطة التأسيسة الدستورية على الإعلان السياسي الموقع بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير، صحيح الدساتير تضعها آلية تحمل مصطلح ( سلطة أو آلية تاسيسية )، غير أن السؤال أي نوع من الدساتير تلك التي تتمتع بصفة  السلطة أو الآلية التاسيسية ؟

لا خلاف من وجود سمتان ونوعان للدساتير، دائمة ومؤقته ، مرنة وجامدة، إن الدساتير الموسومة بالدوام، هي التي تصدر عن آلية تأسيسية، و الآليات التأسيسية المعلومة في صناعة الدساتير الدائمة، هي بإيجاز جمعية نيابية منتخبة تعرف بالجمعية التأسيسية، أو استفتاء شعبي عام ،  ولا أعرف آلية أخرى سوى الآليتان في صناعة الدساتير الدائمة ، اما الدساتير المؤقتة أو الانتقالية فلا تصنعها آلية تأسيسية بالمفهوم الدستوري للمصطلح، إذ يكفي القوى التي قادت التغيير صناعة دستور يأخذ الصفة المؤقتة، إلى حين استكمال الانتقال واختيارآلية تأسيسية.

معلوم أن السودان لم يحكم بدستور دائم منذ الاستقلال، واستندت سائر فترات الحكم إلى دساتير مؤقتة، كانت تصدرها القوى التي قادت التغيير منذ دستور ١٩٥٦ المؤقت  والدساتير المعدلة اللاحقة له، و جرت  محاولات عديدة في عهود الحكم الديمقراطي بغية الوصول لدستور دائم، وانتُخبت  جمعيات تأسيسية لأكثر من مرة لتلك الغاية، غير أنها لم تنجح في اتمام مهمتها بسبب الانقلابات العسكرية المتكررة،  بدءا بانقلاب عبود وانتهاءا بانقلاب الانقاذ المباد، باستثناء فترة قصيرة  وضع فيها العهد المايوي المقبور دستورا عقب اتفاقه  مع حركة انانيا، أسبق عليه اسم الدستور الدائم بعد إجازته  باستفتاء عام ، على الرغم من صدورة في ظل نظام شمولي قابض!!

في المحصلة لا مشاحة من تكييف وثيقة 2019  كدستور مؤقت يستند  في مرجعيته على قوتي المنشأ ( المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير)، بموجب ما كان بينهما من عقد شراكة  أسفر عنه الإعلان السياسي ، ولكن بانقلاب المجلس العسكري واقصائه لشريكة فسخ عقد الشراكة، وفقد الإعلان السياسي  والوثيقة الدستورية المستندة اليه شرعيتهما،  وصارا كان لم يكنا، لذا لا غبار من أن تنشيء قوى الثورة دستورا جديدا.

لعل كل من اطلع على مسودة الدستور الانتقالي 2022 المقترحة من لجنة تسيير المحامين، يعلم عدم إعترافها بالوثيقة الدستورية 2019 تعديل 2020م، لكونها فقدت مرجعية شرعيتها بفسخ عقد الشراكة بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير، مع ذلك ـ لم تغفل مسودة الدستور الانتقالي المقترحة من لجنة تسيير المحامين، عن تحديد وتسمية قوى الإعلان السياسي كمرجعية وآلية يحق لها صناعة دستور مؤقت، تحتكم آليه قوى الثورة فيما تبقى من الفترة الانتقالية.

 

medali51@hotmail.com

 

آراء