عندما باع لنا إبراهيم الصلحي خمرا قديما في إناء جديد ! (5)
قراءة في السيرة الذاتية للتشكيلي إبراهيم الصلحي
(قبضة من تراب )
ونقصد بذلك أحد أبواب مذكرات الصلحي التي تناول فيها رحلته العلمية إلي الولايات المتحدة في منتصف ستينيات القرن الماضي ، والتي كانت عبر منحة دراسية من مؤسسة روكفلر إمتدت لعام كامل .
وقد بدأ واضحا من خلال السياق العام أنه وبعد الإنتهاء من رحلته العلمية كتب تقريرا مطولا عن الرحلة لمؤسسة روكفلر 1965م كما جرت العادة في مثل هذه الظروف ليوضع من ضمن سجلات وانشطة المنظمة ، ويمكّنها فيما بعد من تقييم وتطوير منحها المستقبلية . إلا أن الكاتب وعندما بدأ في تسجيل مذكراته في العام 2009م بأمريكا أيضا رجع إلي تقريره القديم وضّمنه سيرته الذاتية دون تعديل أو إضافة! وكان ذلك من أكثر فصول الكتاب مللا وأكثرها طولا وتكرارا وذلك لأن مذكراته في الولايات المتحدة التي أعدها في هذا الكتاب ( قبضة من تراب) وقفت في أواسط ستينيات القرن الماضي ولم تحاول ربط التطورات الجديدة وهي كثيرة ومتنوعة بالحاضر مما يدللّ علي أن الصلحي لم يبذل أي جهد لتعديل تقريره القديم ليواكب الأحداث التي إستجدت ! .
ومن ذلك تناوله المسهب لحالة الزنوج في الولايات المتحدة الأمريكية وخصوصا في مدن الجنوب مثل نيوأورلينز وتأثير حقب العبودية عليهم وكيف أنهم خضعوا لسيادة الرجل الأبيض حتي بعد إنتهاء حقبة العبودية وانعزلوا في ذاتيتهم الخاصة يستعينون بالمخدرات والخمور لنسيان أوضاعهم المزرية .
مع العلم أن السود تطوروا جدا من بعد ذلك وصولا إلي تنسم وظائف كبري في البلاد ، ففي الوقت الذي كان يعايش الصلحي فيه هذه الأحداث عيانا بيانا ويكتب مذكراته كان كولون بأول وزيرا للدفاع وكونداليسا رايس مستشارة للأمن القومي تارة ووزيرة خارجية تارة أخرى ! وأخيرا أصبح باراك أوباما رئيسا لأمريكا مع زوجته ميشيل أوباما التي لاتخفي إنحدارها المباشر من مسترقي الولايات المتحدة الأمريكية السود !.
بيد أن كل ذلك لم يلفت نظر الصلحي لإضافة هذه المتغيرات وتأثيراتها في كتابه الذي صدر في 2012م فيأخذنا في رحلة طويلة مع الزنوج الأمريكان في ستينيات القرن الماضي بمشاكلهم التي تحنطت في ستينيات القرن الماضي حيث يزور أيليجا محمد رئيس أمة الإسلام في أمريكا، ولايشير حتى إلي إنحرافاته الكبيرة عن جادة طريق الإسلام وإعتبار الإسلام دينا للزنوج وحدهم .
ثم يعرج بنا إلي لقاءه بالبطل محمد علي كلاي وكيف إنه طلق زوجته لأنها لم تؤمن مثله برسالة الإسلام مع العلم بأن الإسلام يجيز للمسلم الإقتران بالكتابية .
ثم يمضي في مثل هذه الحكايات القديمة التي إستلها من تقريره القديم فيبديء لنا أسفه لعدم قدرته على مقابلة مارتن لوثر كنج زعيم الحقوق المدنية في أمريكا صاحب عبارة لدي حلم ، ويتحدث عن أسفه البالغ كذلك عن مقتل مالكوم ، بعد أن هداه الله إلي الإسلام وكيف أن خطاباته الحماسية كادت أن تحدث هزة كبري في حياة السود الأمريكيين .
ثم يسير الصلحي في نفس النهج الموغل في قدمه فيكتب في صفحات مملة عن صداقته لأثنين من الشباب الامريكي الصغار الذين سوف يذهبون إلي حرب فيتنام ولايعرفون مصيرهم في هذه الحرب ولكنهم يذهبون !. وهو بذلك مخلص جدا لقضايا الساعة في ستينيات القرن الماضي لايحيد عنها قيد أنملة في مؤشر واضح على أنه نفّض تقاريره القديمة بلا تعديل أو تحديث وضمها لمذكراته على أعتبار أن الناس المشغولين بالقنوات الفضائية وأحدث ما أنتجته التكنولوجيا الرقمية يمكن أن يتقبلوا أي شيء ، وإلا ماذا تفسر تناوله الطويل لقضايا الهنود الحمر وإدمانهم الخمر في معازلهم الحكومية بعد ان فقدوا أمجادهم وحرياتهم التاريخية ! وهذه قضية إنصرافية في ظل القضايا التي زحمت العالم فيما مابعد ويكفي إنه لم يتطرق ولا في فقرة واحدة لما يعرف بالإرهاب الإسلامي في الولايات المتحدة الأمريكية في الوقت الذي كان يكتب فيه مذكراته مع بدايات عهد الرئيس باراك أوباما الذي خلف شوفينية مسيحية متشددة تجاه المسلمين كادت أن تطيح بالولايات المتحدة الأمريكية كدولة وكنظام .
المهم أن من يطلعّ على هذا الجزء من مذكرات الصلحي سيُصاب بإحباط شديد وملل لأن كل القضايا التي نوقشت فيها تحنطت في فترة الستينيات وتجمد الزمن عندها فبتنا لا نعرف هل كتب هذا الجزء في 1965م ومن بعد ذلك نام نومة أهل الكهف حتى طبع في الآلفية الثالثة أم أن ماوراء الأكمة ما وراءها في ظني أن ذلك كسل سوداني وإرهاق أصاب كبارنا قبل أن يصيب أجيالنا اللاحقة بالرغم من أن التشكيلي يزعم أنه حريص على أن يدون مذكراته كل يوم قبل النوم.
Matasm al-ameen [matasm.alameen@gmail.com]
//////////