عن خيبة الانقلابات و(خيابة) الانقلابيين (نموذج البرهان)!!

 


 

 

abdullahaliabdullah1424@gmail.com

بسم الله الرحمن الرحيم
المشهد الدعائي الذي ظهر به البرهان، وهو يحاول لعب دور الجنرال المنتصر، والذي بمستطاعه عمل ما يعجز عنه خصمه حميدتي. يؤكد اننا في حضرة جنرال صبياني، تستهويه الانتصارات الذاتية، غض النظر عن أهوال الحرب الدائرة، وما الحقته بالعباد والبلاد من خسائر باهظة، وما جرته عليها من كوارث تهدد استقرارها وبقاءها.
كما انه يشير من ناحية اخري، الي الروح العسكرية وما يميزها من خفة، يستغلها قادة فاشلون بل ومجرمون مثل البرهان، ليعيشوا وهم القيادة الحقيقية، التي يضاهون بها نابليون حنكة عسكرية ودربة حربية. وينسي قادة الصدف امثال البرهان، ان نابليون قبل العسكرية كان يمتلك رؤية وفكر وشخصية ومشروع طموح، وليس كتلة من الغرائز والشهوات والتوحش، تعبر عن نفسها كخفة وطيش وانحراف يميز قادتنا الانقلابيون.
واحتمال ظهور البرهان في هذه المنطقة التي انحسرت فيها المعارك، قد يوحي بانتصار الجيش او حسم معركة القيادة العامة. وهو امر جيد من ناحية عسكرية للجيش، ولكن المشكلة تصبح وكان الجيش معني بحماية معسكراته واسترداد ما استولي عليه الدعم السريع من مقرات السلطة والسيادة، اكثر من عنايته بحماية المواطنين ومرافق الدولة! وهو ما يشي بان المعركة هي في الاصل معركة سيطرة ونفوذ من جانب الجيش.
وهذا بدوره يردنا لعقيدة فاسدة تغلغلت في وعي ونفوس المنتسبين للمؤسسة العسكرية، وانعكست علي سلوكهم وردة فعلهم تجاه واجباتهم المهنية. والمقصود، ان هذه البلاد هي ملك للقوات المسلحة، ومن ثمَّ هي الوصية علي البلاد. اما ما ترتب علي هذه الوصاية المزعومة (المغتصبة)، فهي ادمان الانقلابات ومصادرة السلطة وتجيَّرها لصالح جنرالاتها ومصالح طغمة سياس/راسمالية او حكم اقلية ظل يتناوب حكم البلاد منذ الاستقلال. الشئ الذي عطل مسيرة بناء الدولة، ونضوج العملية السياسية، وتطوير المشاريع التنموية، وترقية المؤسسات الخدمية. بل طال الخراب وللمفارقة المؤسسة العسكرية نفسها، حتي وصل بها الحال مرحلة تهديد وجودها نفسه (بدخول عامل الدعم السريع) وليس مجرد سيطرتها الموروثة علي البلاد.
وعموما، هذه الحرب كشفت كيف ان الانقلابات العسكرية علي السلطة المدنية، تؤدي لانحراف الجيش كمؤسسة، وضباطه كافراد، عن مهامهم العسكرية، كنتيجة لانخراطهم في الحياة السياسية والانشطة الاقتصادية؟ الشئ الذي افسح المجال ليس لتمدد مليشيا الدعم السريع بعد التزامه اداء المهام القتالية فحسب، ولكن منحها سطوة تبيح لها ابتزاز القوات المسلحة نفسها! والحال كذلك، تمدد نفوذ المليشيات في مساحة تفوق تمدد ونفوذ الجيش نفسه، في الدولة العسكرية المورثة، بعد ان تنوعت مهامها وكثرة تدخلاتها في كل شئون الدولة، لدرجة تحولها لدولة مهيمنة وطاغية علي تلك الدولة الموصوفة.
لكل ذلك، ليس بمستغرب عجز الجيش عن حسم معركته مع الدعم السريع في الخرطوم، بعد ان استعاض بالضربات الجوية عن تدخل القوات البرية، التي كما يقول البعض ان مهامها أُوكلت سلفا لقوات الدعم السريع! مع العلم ان هذا الجيش الذي يبدو وكأنه يتكون من القوات الجوية فقط، يستحوذ علي جل موارد البلاد، كنتيجة للانقلابات التي أباحت له موارد البلاد للاستخدام دون مساءلة! خاصة وله متسع في تابو الاسرار العسكرية وحماية الامن القومي لتمرير وتبرير كل شئ.
ويبدو ان الانقلابات التي تسهم بقدر وافر في تسييس الجيش وتجييش السياسة، ان لها دور اخطر يتمثل في ترسيخ الوعي العسكري، كوعي حاكم ومتحكم في كل المجريات، بحمولاته التي تغلب استخدام القوة العارية لحسم الصراعات، وبهواجسه التي تستنزف امكانات وطاقات الدولة في التسليح والحماية. والحال ان عسكرة السلطة عبر الانقلاب او خلافه، يجعل شرعية السلطة مستنفرة عسكريا او في حالة طوارئ دائمة. وغالبا ما تدفعها للدخول في معارك داخلية او خارجية للتغطية علي غياب الشرعية (او لامتلاك شرعية مزيفة تدعي الدفاع عن البلاد). أي بكلمة واحدة، عسكرة السلطة هي حالة من الحرب المفتوحة والمسلحة، التي إذا لم تجد من تقاتله من أعداء حقيقيين او متوهمين، ترتد الي القتال الذاتي بين اجنحتها وفصائلها، بسبب تجدد الصراع التنافسي (صراع افراد) حول ذات السلطة. والحال كذلك، عسكرة السلطة لا تتسبب في اهدار موارد البلاد وتردي الخدمات، ولكن ايضا في الحاق الضرر الاكبر بالبديل المدني والسياسي المنوط به تداول السلطة سلميا، وتدبير شئون الدولة ومصالح المواطنين. أي تدمير الوعي المدني والحياة المدنية، المعنيان بالخدمات والتنمية والتطوير من خلال استثمار موارد البلاد، والتي يتحول فيها الدور العسكري الي جزء مكمل معني بالحماية. بمعني حتي لو فشل المكون المدني والنخبة السياسية في القيام بالادوار المنوطة بها (وهو شئ محتمل وقابل للعلاج) فهي أقلاه لن تسهم كالعسكر في اهدار موارد البلاد في جوانب عسكرية ذات كلفة عالية وغير ذات جدوي، قبل ان ترتد وبال علي الشعب والدولة في شكل حروب اهلية، كما انها ذات قابلية عالية للفساد والافساد بسبب غياب او تغييب الرقابة.
وما يهمنا في هذا السياق، ان انقلاب الإنقاذ الذي ادلج الجيش، لم يُخرج أسوا ما في الجيش فقط، ولكنه اخرج كذلك الاداة الاكثر قذارة برعاية من ذات الجيش وهي مليشيا الدعم السريع. لتنوب عنه في ممارسة الادوار القذرة التي لا تليق بمؤسسة الجيش مهما كانت درجة انحطاطها!
والحال ان هذا التكوين المليشياوي الذي وجد الدعم من قادة الانقلابات بصفة خاصة (الراقص البشير والمرخرخ البرهان) ليستخدمانه بكل ضيق افق وغفلة كقوات خاصة. تحول الي بعبع مرعب يؤرق الجميع. وعند انطلاق الحرب ضد الجيش، تكشفت حقيقة هذه المليشيا التي لا تخفي إلا علي الغافلين والطامعين. لتصبح وكأنها تخوض حرب إبادة ممنهجة وقذرة ضد العاصمة (واهلها) التي لطالما وصفت بالمركز الظالم، وأُنذر اصحاب العمارات بمغادرتها. والحال ان هذه ليست نبوءة، ولكنها تصفية حساب لخطاب تعبوي تحريضي لا يجد له محل من التحليل المعرفي الذي يساهم في بناء دولة المواطنة، بقدر ما تتكثف جذوره وتثمر اشجاره في بيئة عقد نفسية واوهام سلبية.
وعموما، سلوكيات مليشيا الدعم السريع لا تنفصل عن سلوكيات قائدها وابيها الروحي حميدتي. أي كمجرم مغامر وجد ضالته في نظام الإنقاذ الفاسد الذي احتضنه ورعاه. وهي بطبعها سلوكيات لا تنسجم مع أعراف المجتمع والقيم الإنسانية والمبادئ الأخلاقية. ولذا كل ما يعنيها هي تلبية الرغبات وتحقيق الطموحات بأحط الوسائل، وبما في ذلك التعامل مع الخصوم والأبرياء بروح التشفي والانتقام وإهانة الكرامة، وبسادية يندر وجودها. أي باختصار تربية المليشيات هي تربية للوحش الضارية! وعليه، ويل لمن يقع في قبضتها او تحت رحمتها.
وهذا لا يعني ان الجيش مُبرأ من كل عيب او يخوض معركة وطنية، بل العكس هو الصحيح. لان الجيش هو المتسبب الأساس في هذه الحرب سواء بطريقة مباشرة او غير مباشرة، وفي التدهور المريع الذي حكم مسيرتنا منذ الاستقلال. بعد ان تحول الي أداة طيعة بيد جنرالاته الانقلابيين، بدلا عن محاكمتهم بجرم الانقلابات.
والحال ان الضباط الانقلابيين هم اقل الضباط انضباط وكفاءة ومهنية، واكثرهم رعونة وعنجهية وحماس (خفة عقل). ويبدو ان هذا ما يسم الانقلابات بالانفعالات، ويجعلها تستعيض بالشعارات عن الواقع وتستعصم بالمغالطات ضد الوقائع. وللأسف يبدو ان هذا المنحي من سلسلة الانقلابات، أصبح ينحدر للاسوا باستمرار. لننتقل من قبضة جنرال تافه للاكثر تفاهة، وينتهي بنا المطاف الي حكم جنرال راقص (البشير) ليعقبه جنرال (خائب) البرهان. والذي بدوره ادخل البلاد في اكبر أزمة وجودية، قبل ان يعرَّض حياة الأبرياء للموت والتشريد، والبني التحتية للتحطيم. ورغما عن كل ذلك وبكل قلة حياء، يصدر البرهان قرارات الإقالة والتعيين، وكأن الحرب انتهت وانه باقٍ الي الابد! وان ما يجري في البلاد من دمار شامل هو مجرد خطأ منه غير مقصود، او من حقه ان يحوِّل البلاد وشعبها الي حقل تجارب، او (تختة) يتعلم فيها الرماية بكلاشه، الذي يحمله وهو فرحان كمجند صغير. والسؤال والحال هذه، متى يترجَّل البرهان ويرحل عن سمانا؟
اما السؤال الاكثر اهمية، ما دور ومسؤولية القوات المسلحة في محاسبة قادتها عندما يخطئون ويجرمون؟ وكيف تحوز هكذا مؤسسة الاحترام والتقدير او ترتقي معاركها لمصاف الوطنية، وهي تعجز عن مجابهة قادتها الانقلابيين الذين أوردوها والبلاد موارد الهلاك؟ وما موقف القوات المسلحة بالتحديد من البرهان، الذي أسهم بصورة شخصية ولمنفعته الخاصة، في تضخيم مليشيا الدعم السريع، للدرجة التي أصبحت فيها تهدد بقاء القوات المسلحة نفسها؟ بل جزء من هيبة حميدتي واستباحته للبلاد، يرجع بشكل أساس لضعف وجبن البرهان، رغم رمزيته كقائد للقوات المسلحة؟! وباختصار، مصداقية القوات المسلحة وعدالة موقفها وحربها ضد مليشيا الدعم السريع، تتصل مباشرة بكيفية تعاملها مع الانقلابات وجنرالاتها الانقلابيين وعلي رأسهم جنرالات اللجنة الأمنية بقيادة الانقلابي البرهان! وإلا يصبح التعاطف والدعم الذي تجده، فقط لأنها اكثر تنظيم واقل شر من مليشيا الدعم السريع، وهذا شئ غير مشرف، لأنه ببساطة لا يستوفي شروط الاحترام.
والمهم، ظاهرة حميدتي الذي صعد بطريقة تكاد تكون سحرية (شيطانية) من تاجر ابل قبل عقدين من الزمان الي ما يشبه الاله المتحكم بكامل السودان! مؤكد تجد تفسيرها في ميراث الفوضي التي خلفتها الانقلابات العسكرية وبقدر اقل أخطاء النخب السياسية. ولكن السبب الأساس يرجع لظاهرة مُقابلة جسدتها شخصية البرهان. وهي ظاهرة الجبن الفائق الذي وجد تصريفه في مسلكيات الكذب والنفاق والغدر، والتنمر علي ما يعتقدهم ضعفاء (المدنيون)، والاهم الاستسلام المهين لحميدتي. وذلك رغم علمه المسبق انه منافسه الأساس علي السلطة التي يتطلع لها دون وجه حق!!
ولم يتجرأ البرهان للمضايقة الخجولة لحميدتي، إلا بعد ان ضمن دعم الفلول في الداخل ومصر في الخارج، بعد انقلابه الغادر علي المدنيين. وما يحير حتي بعد ان كشر حميدتي عن أنيابه في تطلعه للسلطة قبل الحرب، وتهديده المباشر له بعدها، إلا ان ردة فعل البرهان ما زالت في ضعفها وخوارها!! والسؤال الذي يفرض نفسه في هكذا أحوال، متى (يسترجل) البرهان؟
واحتمال مأساة البرهان (كسرة عينه) التي تحولت لمأساة السودان والسودانيين بعد انقلابه المشؤوم، مصدرها ثلاثة عوامل: اولها، ان كل تجربة وحصيلة البرهان، استقاها من خوض المعارك في دارفور، وكان فيها يحتمي بحميدتي. وثانيها، ضعف خبرته بأساليب وإدارة صراع السلطة بين الجنرالات في الخرطوم، جعله يعتمد علي حميدتي لحسم الصراع لصالحه، رغم افتقار البرهان لمؤهلات الصراع ومواهب القيادة، بما في ذلك الشخصية القوية التي تجلب الاحترام. ثالثها، قابلية البرهان للاستجابة للمؤثرات بسهولة (افتقاره للوعي والرؤية والاتساق مع الذات)، خصوصا تصديق المتآمرين من حوله لخدمة مآربهم الخاصة (فلول، مصريين، اسرائليين، جنرالات كبار، قادة حركات مسلحة وانتهازيين). ولسوء الحظ البرهان شانه شأن الطغاة المستبدين، يحيط عظمته بمستشارين لا يرون إلا ما يراه، وتاليا ينحصر دورهم في هدهدة مخاوفه وتلبية مطامعه، حتي لا يعتكر مزاجه، وما يترتب عليه من تهديد لمصالحهم الخاصة.
وكل هذا يعني ان الدائرة الجهنمية التي اعتقلت الدولة في خانة التراجع المطرد، والشعب في خانة المسغبة وشظف العيش والحرمان من كافة الحقوق، ليست حلقة ديمقراطية عسكرية، ولكنها بالاحري حلقة قادة انقلابيون محدودي القدرات والافق، يتحولون مع مرور الوقت الي طغاة، يتسببون في تدهور الأوضاع العامة وبما فيها أوضاع القوات المسلحة. كما ان تدهور أوضاع القوات المسلحة، تؤدي بدورها لميلاد انقلابيين اكثر انحطاط من أسلافهم، وهؤلاء بدورهم يضاعفون من درجة وسرعة تدهور الأوضاع العامة وأوضاع المؤسسة العسكرية بصفة خاصة، وهكذا دواليك.
وإذا صدق أعلاه يصدق أكثر، ان الحرب التي تدور رحاها في العاصمة، ليست مصادفة، ولكن لان العاصمة مركز السلطة والمتحكمة في كل شئون الدولة. أي هي في الاصل حرب جنرالات وكيانات عسكرية، ذات منازع سلطوية. وتاليا تفتقر لأي أبعاد قيمية، وان تلبست من باب التمويه، شعارات الديمقراطية من جانب حميدتي، والوطنية من جانب البرهان وكبار الجنرالات. ويصح ان هنالك تدخلات من جهات سياسية داخلية ودول خارجية، وهي جميعها تتوخي المحافظة علي مصالحها حصريا! وعليه هي علي الضد من مصالح البلاد والعباد، الشئ الذي يضاعف من عبثية هذه الحرب الهمجية.
وعموما، خسر الجيش المعركة يوم ان فرط لمليشيا الدعم السريع لتتمدد دون رقابة، وعندما سمح لها بالتمركز في الأماكن الحيوية والمواقع الإستراتيجية. وخسرت مليشيا الدعم السريع المعركة عندما استباحت الخرطوم وانفذت فيها كل احقادها، عوض ان تسعي لكسب المواطنين بالتعامل الحسن، وبالحرص علي حفظ كرامتهم واروحهم وممتلكاتهم، لتتخذهم كحاضنة اجتماعية. وخسرت القوي السياسية بمجرد اشتعال المعركة، التي أخرجتهم من موقع التأثير، بعد ان ادمنت التشاكس واضاعة الفرص، والصراع غير الموضوعي علي السلطة. وخسر كافة المواطنين المعركة، التي تدور داخل بلادهم وبمواردهم وهي تعرض حياتهم للخطر والبنية التحتية للدمار.
والحال ان الحرب كلعنة ليست غريبة علي هذه البلاد الملعونة، التي ابتليت بالانقلابات العسكرية والحروب الاهلية، وقصور الرؤية، والعجز عن بناء دولة وطنية تستوعب مختلف مكوناتها، او الوصول لتوليفة اقتسام لعدة دول متعايشة في سلام. ولسوء الحظ ما كان متاحا في السابق، يصعب توافره في الحاضر، ولا حتي توقعه في المستقبل. وما يبدو محتمل هو اقل الطموحات، أي مجرد إيقاف الحرب اللعينة بأي كلفة. وهو نفسه طموح دونه خرط القتاد، لأنه ببساطة يتعارض مع رغبة كلا الطرفين الدمويين لإفناء بعضهما بعضا. ومن بعدها اذا ما انتصر الجيش يسيطر البرهان منفردا علي المشهد، وهو ما يعني إعادة دولة الجنرالات والكيزان المقبورة! أما حميدتي فهو يرغب في حسم المعركة بأقذر الوسائل، لتمهيد الطريق امام قيام دولة (لا دولة) آل دقلو، علي أنقاض ما تبقي من الدولة، التي يسعي بهمة لهدمها علي رؤوس ساكنيها.
وهو ما يعني ان كل السيناريوهات سيئة، ولو ان بعضها أسوا من البعض، وهي كلها يمكن توقع سوءها، ولكن مجرد التفكير في احتمال انتصار مليشيا الدعم السريع، يصيب الشخص برعشة من شدة الرعب والإرهاب التي تتملكه، مما ستؤول إليه الأوضاع علي أياديها الملوثة بدماء الأبرياء وانتهاك حرماتهم ونهب موارد البلاد.
عموما، لو تدخلت عوامل سيئة (خارجية خبيثة مثلا) ستتفاقم الأوضاع بصورة أسوا مما هي عليه. اما اذا حالفنا الحظ وتوافرت ظروف مساعدة، سواء بالوصول لتسوية جديدة تعيد ترتيب الأوضاع بصورة سلمية مقبولة. او لو حسمت القوات المسلحة مليشيا الدعم السريع، في فترة وجيزة وباقل الخسائر، ومن ثمَّ المضي قدما لتسليم السلطة للمدنيين، والاكتفاء بدورها المعلوم ومحاسبة جنرالاتها الكبار. أي المساهمة الايجابية في وضع الأسس لبناء الدولة الوطنية. فهذا فقط ما يمنح هذه الحرب دوافع وطنية، ويشجع الجميع للالتفاف حول قواته المسلحة من غير الابتزاز بتهمة التخوين. ومن جانب مليشيا الدعم السريع يمكن للضباط والجنود التضحية بآل دقلو، والانخراط مع القوات المسلحة لتكوين جيش واحد، في دولة مواطنة تراعي المظالم التاريخية.
اما في شان التدخل الدولي، فيبدو ان القوي الخارجية غير راغبة في التورط في هذه المعمعة. ليس لأنها لا تملك مصلحة، ولكن لأنها تعاني من حالة عدم القدرة علي استيعاب أوضاع وتناقضات وامزاجة وطموحات غير قابلة للاستيعاب! بمعني ما نعايشه من قضايا ونعانيه من مشاكل هي أصلا ليست قضايا او مشاكل! ولكنها حالة مستعصية من سوء الفهم المتبادل، والصراعات العبثية والأطماع السلطوية. أي ما ظل غائب علي الدوام هو التعريف بالمصلحة العامة ووعيها والتعبير عنها كسلوك والتزامها كمسؤولية.
واخيرا
دولة لازمتها الانقلابات العسكرية كظلها، وتولي زمام السلطة فيها، فاقد تربوي وقيمي ووعيوي، من امثال النميري والبشير والبرهان وحميدتي، وتتسلط عليها ايديلوجية منحلة بوحي شعوذة شيخ دجال كالترابي. لهي جديرة بان تغرق في لجة التخبط وتغمرها امواج الحروب العدمية، وتخيم الكآبة علي شعبها، وتستوطنه متلازمة البؤس والشقاء.
يا رب لا نثق في نوايا او حكمة هؤلاء الجنرالات السفهاء، ولكن من عطفك حدثتنا عن رحمتك التي وسعت كل شئ، فكل ما نطلبه قدر قليل يطفئ هذه النيران الجنونية، التي أحرقت أجساد الأبرياء ودمرت المؤسسات الخدمية. ودمتم في كنفه من لهيبها.

 

 

آراء