في انتظار جولة البرهان

 


 

 

يتساءل كثيرون من متابعي الحرب في السودان بعد ظهور الفريق البرهان يتجول في الأيام السابقة داخل مدن سودانية (عطبرة، ام درمان، بورتسودان). هل سيتخلى قائد الجيش البرهان عن الحركة الاسلامية ويعبر بالبلاد الى بر الأمان والالتحاق بمنبر المفاوضات في المملكة العربية السعودية بجدة بعد ان عرضت قوات الدعم السريع رؤيتها في إنهاء حرب 15 أبريل 2023 السودانية؟ الأمر الذي رحبت به جارتنا مصر الشقيقة - ويبدو أن المحطة القادمة الخارجية للفريق البرهان ستكون القاهرة حسب المصادر الصحفية المتداولة.
لا شك أن الأحداث السياسية والعسكرية التي شهدها السودان في السنوات الأخيرة أثرت بشكل كبير على الساحة الداخلية والدولية. وفي سياق هذه الأحداث، يثار تساؤلاً حاسماً حول مستقبل قائد الجيش السوداني، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، وعلاقته بالحركة الإسلامية والتحولات التي قد تلوح في الأفق.
وعلى مدى السنوات القليلة الماضية، كانت الحركة الإسلامية شريكاً أساسياً في الساحة السياسية والعسكرية السودانية. ومع ذلك، ظهرت تطورات مهمة في الفترة الأخيرة قد تؤثر على هذه العلاقة. حيث عرضت قوات الدعم السريع، التي تعد جزءًا من الجيش السوداني، رؤيتها المكتوبة لإنهاء الحرب التي شهدتها البلاد في أبريل 2023. أبرز ملامحها تتمثل في حل الأزمة الراهنة ينبغي أن يكون بالرجوع إلى الحل السلمي، والتوصل إلى اتفاق طويل الأمد لوقف إطلاق النار على أن يقترن بمبادئ الحل السياسي الشامل الذي يعالج الأسباب الجذرية لحروب السودان. وأن الحرب التي تنهي كل الحروب في السودان كما أن نظام الحكم يجب أن يكون ديمقراطياً مدنياً يقوم على الانتخابات العادلة والحرة في كل مستويات الحكم وضرورة بناء جيش سوداني جديد من الجيوش المتعددة الحالية بغرض بناء مؤسسة عسكرية قومية مهنية واحدة تنأى عن السياسة وإشراك أوسع قاعدة سياسية واجتماعية ممكنة من الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني والمرأة من كل مناطق السودان في السلطة.
أثارت هذه الخطوة تساؤلات كبيرة حول إمكانية أن يتخلى قائد الجيش البرهان عن الحركة الإسلامية ويسعى إلى بر الأمان والانضمام لمفاوضات جدة. والجدير بالذكر أن هذا السيناريو ليس خيالياً بالمرة. فقد شهدت المنطقة العربية تحولات سياسية هامة على مر العقود الماضية، وقادة عسكريون وسياسيون سبق وأن اتخذوا قرارات مشابهة. إن التحول من الميدان العسكري إلى المفاوضات يمكن أن يكون طريقاً لتحقيق الاستقرار والسلام، خاصةً إذا ما تم دعمه من قبل القوى الإقليمية والدولية.
مع ذلك، يبقى السؤال الرئيسي هو ما إذا كان قائد الجيش البرهان سيكون مستعداً لاتخاذ هذه الخطوة أم لا! فالتخلي عن الحركة الإسلامية قد لا يكون سهلاً. بالإضافة إلى ذلك، هناك تحديات داخلية يجب مراعاتها، منها تأمين التأييد الكافي من الجيش. ومن الجانب الإقليمي، فإن ترحيب العواصم العربية بفكرة انضمام قائد الجيش البرهان إلى المفاوضات يظهر تأييداً لهذه الخطوة المحتملة. وهذا يمكن أن يسهم في توفير بيئة ملائمة للمفاوضات وتحقيق التسوية في مقبلات الأيام.
في الختام يبقى مستقبل قائد الجيش البرهان وعلاقته بالحركة الإسلامية موضوعاً محورياً للنقاش والتحليل في السودان وخارجه. كما أن مبادرة نائبه مالك عقار يبدو بها متشابهات كثيرة مع رؤية الدعم السريع فجميعها مؤمن بالإصلاح العسكري والأمني. يبقى إذاً إن اتخاذ قراره بشأن البقاء أو الانضمام لمفاوضات جدة سيكون له تأثيرات عميقة على المشهد السياسي والأمني في البلاد، وسيشكل تحدياً حقيقياً يتطلب توازناً دقيقاً بين الاعتبارات الداخلية والإقليمية والدولية.

د. سامر عوض حسين
28 أغسطس 2023
samir.alawad@gmail.com

 

آراء