في تذكر الزبير باشا
بدر الدين حامد الهاشمي
10 April, 2023
10 April, 2023
في تذكر الزبير باشا
Zubair Pasha Remembered
جميل شريف Jamil Sherif
ترجمة: بدر حامد الدين الهاشمي
تقديم: هذا تعريب وتلخيص لبعض ما جاء في مدونة بقلم الباحث البريطاني الباكستاني الأصل جميل شريف نُشِرَتْ في يوليو من عام 2020 في Middle East Monitor، التي تصف نفسها بأنها " منظمة مراقبة صحفيّة لا تهدف للربح" بحسب ما جاء في موسوعة الويكيبديا (shorturl.at/fxE47). وتدور المدونة حول تاريخ الزبير (باشا) رحمة، وعن صلته بعبد الرسول الكشميري (المولود في العاصمة الصيفية لكشمير سري نكر Srinagar) الذي قضى غالب سنوات سبعينيات وثمانينيات وتسعينيات القرن التاسع عشر متنقلا بين مدن عديدة منها القاهرة وإسطنبول ولندن، وكان – مثله مثل جمال الدين الأفغاني - يسعى لتعبئة العالم الإسلامي ضد الهيمنة البريطانية.
والزبير باشا (1830 – 1913م) من الشخصيات السودانية التي ثار ويثور حولها جدال عارم وخلاف كبير بين من يعدونه تاجر رقيق، أو على الأقل تاجر "رقيق عسكري" (انظر مثلاً فصل "الزبير باشا" في كتاب "ما وراء السودان الحديث" بقلم هنري سيسيل جاكسون، وكتابه الآخر بعنوان "الزبير باشا: تاجر الرقيق والسلطان"، ومقال دوغلاس جونسون عن الرق العسكري https://tinyurl.com/c7dk2t92)، وبين من يعدونه زعيما وقائدا سودانيا محنكا شوه الأوربيون صورته باتهامه بممارسة تجارة الرقيق (انظر مثلاً مقال صلاح حامد عبد الرحمن المعنون: "الزبير باشا الزعيم السوداني المفترى عليه" المنشور في العدد 13 من مجلة جامعة غرب كردفان الصادرة عام 2017م).
الشكر موصول لدكتور محمد الأمين لإرساله لي هذه المدونة لترجمتها.
المترجم
******* ****** ******* ******
1. تساءل الكاتب عن سر تلك الرابطة القوية بين الزبير السوداني وعبد الرسول الكشميري مع تباعد خلفياتهما الاجتماعية والثقافية، واختلاف موطنيهما، وسنيهما (ولد الأول عام 1830م، بينما ولد الثاني في 1843م). ثم قدم الكاتب عرضاً تاريخيا مختصرا لتاريخ السودان ومصر في بداية القرن التاسع عشر حين كان البلدان تحت حكم سلالة محمد علي باشا (الألباني الذي كان يحكم باسم الخلافة العثمانية)، وعن التدخل الأوروبي السياسي والاقتصادي والمالي في المنطقة، وما قام به عرابي من محاولة للحد من سلطات الخديوي ومن التدخلات الأجنبية، وردة فعل البريطانيين الذين قاموا بغزو مصر واعتقال عرابي ومن معه. وفي تلكم السنوات أعلن محمد أحمد أنه المهدي، وبدأ في انتفاضة مسلحة ضد الحكم التركي – المصري وضد البريطانيين، وأكمل انتصاراته عليهم في 1885م.
2. ذكر الكاتب أن من أهم المصادر التاريخية عن الزبير هو ما نشره المؤرخ أوفاهي R.S. O’Fahy في عام 2005م عن سيرة الزبير المهنية في مراحلها الأولى، والمقابلات التي أجرتها الصحافية فلورا شو F. Shaw مع الزبير، التي نُشِرَتْ عام 1887م (والتي ترجمها خليفة عباس العبيد في كتابه المعنون "الزبير باشا يروي سيرته من منفاه بجبل طارق"، من إصدارات مركز الدراسات السودانية. المترجم).
3. تلقى الزبير تعليمه في "الخلوة" بالخرطوم، ثم دخل – على مضض - عالم التجارة مع تاجر مصري اسمه علي عموري، الذي أرسله في رحلات تجارية في منطقة النيل الأبيض. وضاق التاجر المصري ذرعاً بالزبير، إذ أنه كان يقضي غالب وقته في قراءة القرآن وكتابة مذكرات عما يشاهده في رحلته تلك. وفي أخريات ستينيات القرن التاسع عشر بدأ الزبير في أعماله التجارية الخاصة في مناطق الدينكا والجور وبونغو، وبلغ القولو، الذين كانوا يعيشون بين نهري كورو kuru وكبنقو Kpongo. وكان يشتري من تلك المناطق ريش النعام وعاج الفيل مع محاصيل أخرى مثل الصمغ العربي والتمر هندي، وينقلها للخرطوم ومصر، ومنها لدول أخرى. وبحلول سبعينيات القرن التاسع عشر صعد من كونه مجرد قطب تجاري إلى قائد كبير في مدينة بجنوب السودان تعرف الآن بـ "ديم الزبير" (تبعد حوالي 70 كيلو متراً عن الحدود مع جمهورية إفريقيا الوسطى. المترجم) وفي بحر الغزال، التي تسكنها قبائل الزاندي والرزيقات والفور. وعرض الزبير على تلك القبائل حفظ الأمن في مناطقهم، وذلك مقابل حصوله على الأغذية والحمالين. وذكر المؤرخ أوفاهي في مقاله أن الزبير "أجبر شباب تلك المناطق بالقوة على الانضمام لجيشه، وسلحهم ببنادق استوردها من مصر ... وفاق عدد أولئك الرجال 12,000"، وضعهم الزبير في حاميات على طول طرق تجارته لحراستها.
4. كان الزبير صريحاً (في موضوع الرقيق) فيما أدلى به لفلورا شو في مقابلته معها في منفاه بجبل طارق حين قال: "عندما مرت القوافل بمنطقة Mandugha في طريق عودتها إلى مصر، قمت بفحص "العبيد" (المسترقين) الذي كانوا في القافلة، وانتقيت أفضلهم وأكثرهم صحة وقوة بغرض تحويلهم إلى جنود في جيشي. وقمت بتدريبهم على استخدام السلاح، وأطعمتهم جيداً ومنحتهم ملابس حسنة، واحتفظت بهم جنوداً في جيشي ... ولم يفارق أحد منهم جيشي إلى حين وفاته.. وسرت سمعة الخدمة العسكرية (في جيشي) إلى مناطق بعيدة أخرى في "نيام نيام"، فتقاطرت علي أعداد كبيرة من شباب تلك المناطق ... لقد كنت تاجراً، ولم أعمل في تجارة الرقيق قط. كان بإمكاني أن أكون كذلك، ولكنني لم أفعل".
5. نشرت الصحيفة اللندنية "Morning Star" في أبريل 1893م مقالاً دافع فيه كاتبه (الذي لم يذكر اسمه) عن الزبير، وذكر فيه ما يلي: "على الرغم من أن الزبير كان ملكاً على المنطقة التي يقطنها، إلا أنه فكر في عام 1873م إن من مصلحة شعبه، ومصلحة المدنية على وجه العموم، أن تنضم مملكته إلى مصر. وعرض الزبير كل المناطق التي استولى عليها على إسماعيل باشا. وقبل الأخير بذلك العرض (بكل سرور)، وتم الشروع في عمل كل الإجراءات الرسمية الخاصة بضم تلك المناطق لمصر، وتعيين الزبير حاكما عليها مدى الحياة باسم الحكومة المصرية. غير أن ذلك العرض السخي والنية الحسنة التي أبداها الزبير كانت هي سبب دماره. فقد أفلست الخزانة المصرية تماما في عام 1875م بسبب الصرف البذخي في السنوات الماضية، وبعد أن ضاعفت الحكومة الضرائب والمكوس على الفلاحين المصريين، لم تجد حلاً آخر سوى فرض مزيد من الضرائب على سكان الأراضي السودانية (في دارفور) التي تم ضمها حديثا لمصر. وتم بالفعل فرض ضريبة شخصية poll tax على كل فرد قدرها £T 0.5. وهنا وقف الزبير إلى جانب شعبه واحتج بشدة على فرض تلك الضريبة، وتبادل مع الحكومة المصرية مراسلات غاضبة. وكانت النتيجة هي أن السلطات المصرية أمرت الزبير بالتوقف عن إدارة تلك المنطقة من السودان (التي كان قد قدمها بنفسه هديةً لمصر، ولم يقم بإدارتها سوى لعامين). لقد كان الزبير شديد الثقة في استقامته وصحة القضية التي يدافع عنها لدرجة أنه طلب على الفور السماح له بالمجيء إلى القاهرة ومقابلة الخديوي إسماعيل. ولما سُمح له بذلك سافر للقاهرة وبلغها في عام 1876م، ودخلها في موكب ضخم به ما لا يقل عن ألف من السودانيين، مع كميات ضخمة من الهدايا التي كان يعتزم تقديمها للخديوي. وكان مجيء الزبير للقاهرة يشابه ما ورد في قصة العنكبوت والذبابة (تحكي تلك القصة الخيالية عن عنكبوت ماكر يفلح في إدخال ذبابة في شبكته باستخدام الإغواء والتلاعب المترجم). ومنذ ذلك اليوم لم يُسمح للزبير برؤية المناطق التي كان قد سيطر عليها ثم أهداها لمصر. غير أن الخديوي إسماعيل قابله بالتشريف والتكريم، ومنحه قصراً ليقيم فيه بالقاهرة. وبقي الزبير ينتظر أوامر الحكومة المصرية. غير أن تلك الأوامر لم تأت قط.
6. بقي الزبير محبوسا في قصره، ولكنه ظل نشطا في مجالي السياسة والتجارة، فقد ظل يعمل - من على البعد - في إدارة شؤون تجارته عبر وكلاء له في السودان ومصر. (أورد الكاتب جزءًا من خطاب كتبه الزبير عام 1877م لولده سليمان (اعترضته السلطات البريطانية) يتعلق بشحن كمية من ريش النعام له في مصر. وكانت تلك هي الفترة التي التقى فيها الزبير بعبد الرسول، وأقام صداقة متينة معه. كانت عائلة عبد الرسول تعمل بالقاهرة في تجارة الحرير والسجاد. وكانت لطبقة تجار القاهرة علاقات وثيقة بإسطنبول، ويبدو من اسم زوجه (أمينة هانم) أنه كان قد صاهر عائلة من أصل تركي – شركسي تقيم بالقاهرة. وكان عبد الرسول في مراسلاته اللاحقة يطلق على نفسه أحياناً لقب "شيخ عبد الرسول"، في إشارة للتعليم الديني الذي تلقاه. ويبدو أن عبد الرسول قد عمل منذ منتصف سبعينيات القرن التاسع عشر وكيلاً تجاريا للزبير، وسافر للسودان إنابة عنه لجلب البضائع للقاهرة ثم تصديرها لدول أخرى. وقد ذكر الفرد هاكي، الذي نشر في 1884م كتابا تناول سيرة غوردون باشا، أن غوردون علم بأن سليمان بن الزبير رحمة كان يتلقى رسائل من والده كانت بها دوماً عبارة مشفرة هي: "اِعْتَنِ بعبد الرسول (أو ربما "اِنْتَبِهْ من عبد الرسول"؟) Take care of Abdul Rasul".
7. كانت الحرب بين الروس والعثمانيين في أعوام 1876 – 1878م لحظة حاسمة في العالم الإسلامي. فقد كان الروس (بمساعدة حلفائهم من البلغاريين والصرب والرومانيين) قد أغاروا على مقاطعات العثمانيين في أوروبا. وتابع الناس في كل أرجاء العالم الإسلامي أنباء تلك الحرب التي كانت تصل إليهم عن طريق الرسائل البرقية، ويجمعون التبرعات لجرحى العثمانيين. وكانت السلطات الاستعمارية لا تمانع في ذلك التأييد إذ أن بريطانيا كانت يومها تقف ظاهرياً في الحياد. وفي غضون سنوات تلك الحرب كان عبد الرسول في إسطنبول يقوم بتدريس اللغة الفارسية ويعمل على نشر مجلة تؤيد السلطان عبد الحميد، بينما كان الزبير يساهم بصورة مباشرة في تلك الحرب إذ أنه انضم لبعثة عسكرية بعثت بها مصر للقتال مع العثمانيين. ويبدو أن تلك البعثة العسكرية كانت ضعيفة التجهيز ولم تكن مُهيَّأة لتحمل برد وصقيع الشتاء القارس في البلقان (أورد الكاتب هنا وصف الزبير لمعانته من ذلك الطقس المتجمد، الذي ورد في رسالة دكتوراه من جامعة مدينة نيويورك CUNY عن الزبير باشا. وأتى كاتب هذه المدونة أيضاً على ما ذكره ب. صديق إبراهيم خليل في "مجلة السودان للعلوم الطبية" - من غير ذكر مرجع يؤيد ما ذهب إليه - عن أن الزبير كان قد أُجْبِرَ على الالتحاق بالجيش التركي في حربه ضد روسيا؛ وذكر كاتب المدونة بأنه يعتقد بأن الزبير قد شارك في تلك الحرب بطوع إرادته لقيادة تلك الفرقة المصرية من باب الولاء للقضية العثمانية (تجد في هذا الرابط مقال ب. صديق إبراهيم خليل كاملاً https://tinyurl.com/vnw2anwr المترجم). وكان الزبير في تلك السنوات رجلاً في نهايات الأربعين من العمر، وكان بصحة جيدة تمكنه من خوض غمار المعارك.
8. وصل الزبير إلى القاهرة في عام 1878م عائداً من البلقان، وبقي محجوزاً فيها ولم يُسمح له بالعودة إلى السودان. وعين الخديوي اللواء تشارلز غوردون حاكما للسودان. وفي العام التالي قتل أحد ضباط غوردون في بحر الغزال سليمان بن الزبير. وأثار ذلك – بالطبع – حنق الزبير الذي لازمه إلى آخر أيام حياته. (للمزيد في هذا الجانب يمكن النظر في مقال عن مواجهة حدثت بين الزبير وغوردون https://tinyurl.com/3p6vnbsw المترجم). ونتيجة لقتل سليمان بن الزبير انضم عدد من رجال الزبير لقوات المهدي. وفي عام 1884م أُرْسِلَ غوردون للسودان، حيث لقي حتفه نتيجةً لتجاهل صناع السياسات في لندن لمصيره في الخرطوم.
9. بعد ذلك غدا الزبير خطرا ومهددا أمنيا؛ فقد كان الخديوي الجديد (توفيق باشا) يخشى من عودته للسودان، أذ أنه لو عاد للسودان فسيسعى لتحقيق استقلال بلاده. بينما كانت المخابرات البريطانية تتهم الزبير بتهم عديدة منها التخابر والتخطيط مع الفرنسيين لعرقلة عمل استانلي في وسط أفريقيا، وإثارة القلاقل ضد البريطانيين في مصر. وفي تلك الفترة لاحظت المخابرات البريطانية بأن الزبير كان يؤلف كتاباً عن نسبه (العباسي). وكل تلك المعلومات محفوظة في ملف "سري" عن عبد الرسول جمعته الخارجية وحكومة الهند في عام 1888م، وهو موجود الآن في مركز للوثائق بالهند. وكان مرد الاهتمام بالزبير هو الثقة الكبيرة التي كان يوليها الزبير لعبد الرسول. وكان مصدر تلك المعلومات عن عبد الرسول هو مخبر سري هندي اسمه منشئ عزيز الدين، وكان يعمل مخبرا لقائد الشرطة في كلكتا. وكان ذلك المخبر قد نال ثقة عبد الرسول وهو في القاهرة عام 1888م، مع مخبر هندي آخر اسمه امريك سنق. وكان المخبران الهنديان يزوران الزبير في القاهرة. وكان هناك أيضاً مصدر غير استخباراتي عن الزبير محفوظ في "دار المحفوظات الوطنية البريطانية TNA" في ثلاث مجلدات عنوانها "الزبير باشا: سجنه وتوظيفه المقترح"، تغطي الفترة من 1883 – 1888م، وتحتوي تلك المجلدات على المراسلات التي تُبُودِلَتْ بين عبد الرسول والزبير، وتعطي رؤى نافذة لشخصيتيهما والتزامهما الديني. وكان البريطانيون قد اعترضوا تلك المراسلات المكتوبة باللغة العربية، وقام "مترجم رسمي" اسمه م. ريدهاوس بترجمتها للإنجليزية دون حذف أو تنقيح. وتشير تلك الملفات "السرية" إلى أن عبد الرسول لم يكن مجرد مدرس للغة الفارسية في إسطنبول في فترة الحرب الروسية العثمانية (1876 – 1878م)، بل كان يعمل جاسوساً لصالح الدولة العثمانية. وعندما دخلت الجيوش البريطانية لمصر في 1882م، كان عبد الرسول في لندن، لكنه غادرها وذهب إلى القاهرة حيث عمل مترجماً فورياً لجنرال بريطاني متقاعد كان يعمل يومها مراسلاً حربيا في حملة القوات البريطانية في مصر. غير أن عبد الرسول سرعان ما فُصل من عمله بعد أن تم اكتشاف تآمره مع "المتمردين" المصريين، فأعيد إلى إنجلترا. ويبدو أن هناك صلة ما بين إعادة عبد الرسول لإنجلترا وبين علاقته مع الزبير.
10. في عام 1883م كتب الجنرال وليسلي قائد القوات التي غزت مصر إلى المفوض البريطاني السامي بمصر مذكرة تفيد بأن الزبير حاول (وكاد أن ينجح) في إثارة تمرد للجنود السودانيين (الكتيبة السوداء) التي كانت تحت قيادة بيكر باشا، والتي كانت تعمل على فك الحصار عن سواكن وطوكر. وفي عام 1885م تم اعتقال الزبير في الإسكندرية وهو في طريقه لزيارة صديقه سيد إبراهيم السنوسي. ومن ضمن وثائق "دار المحفوظات الوطنية البريطانية" خطاب من قنصل مصر العام إيفلين بارينج (اللورد كرومر) إلى قرانفيل وزير الدولة للشؤون الخارجية جاء فيه ما يفيد بأنه لا يعتقد بوجود أي دليل يدين المتهمين (ومنهم الزبير)، ولكن كان من رأيه عدم إطلاق سراح الزبير إذ أن إطلاق سراحه – خاصة في مثل تلك الظروف – سيكون عملا محفوفاً بالمخاطر، إذ أن الايمان بالمهدي والعداء للإنجليز غدا يتزايد في أوساط الشخصيات المؤثرة (في السودان). وأضاف اللورد كرومر: "إن الزبير الآن بحاجة ماسة للمال، ويحس بالغبن والامتعاض الشديد من الطريقة التي عُومِلَ بها (في مصر). أنا أميل لتصديق الأخبار التي تفيد بأنه على اتصال مع المهدي، رغم عدم وجود دليل ملموس على صحتها. ولكن إن استطاع الزبير الهرب والالتحاق بالمهدي (ويمكن له فعل ذلك بسهولة)، فبإمكانه إحداث ضرر كبير علينا، وذلك بسبب سعة معلوماته وشبكة علاقات الصداقة التي تربطه بالكثيرين، ونفوذه الكبير على المستوى المحلي، وفي لندن. إن ضم الزبير لصفنا والعمل معنا له مزايا عديدة. ولكن، بما أن ذلك لم يحدث، فإني أعتقد أنه من الواجب منعه من إحداث أي ضرر بنا، فهو لن يظل صامتاً .... وبناءً على ذلك أرى أنه يجب اعتقال الزبير على الفور وإرساله إلى قبرص، على أن يتم بحث أمر الآخرين في وقت لاحق. وأعتقد كذلك أنه عندما يطلب قائد جيش وُضِعَ في موقف عسير (مثلما في حالة لورد وليسلي)، اتخاذ إجراءات يراها ضروريةً لنجاح عملياته، فينبغي اتخاذ تلك الإجراءات مهما كانت الاعتراضات عليها".
11. أُرْسِلَ الزبير منفياً من مصر، مع بعض أقربائه المقربين، إلى منطقة "جبل طارق" المهجورة نسبيا، وليس إلى قبرص (كما أقترح كرومر). ووصفت فلورا شو البيت الصغير الذي أُسْكِنَ فيه الزبير بأنه "مكان صغير وقاتم... نمت في حديقته الأعشاب البرية ...". وقف عبد الرسول مع الزبير في محنته، وبعث بكثير من الرسائل والالتماسات لرئيس الوزراء البريطاني ووزارة الخارجية أشار فيها إلى أن الزبير برئ مما نُسِبَ إليه، وطالب فيها بإطلاق سراحه (وجميع تلك الرسائل محفوظة في "دار المحفوظات الوطنية البريطانية"). ومع مرور الشهور، وعدم ظهور أي بوادر لإطلاق سراح الزبير، كتب عبد الرسول في أغسطس 1885م خطاباً غاضبا للورد ساليسبري وزير الخارجية طالب فيها (مجدداً) بالسماح له بزيارة صديقه في منفاه بجبل طارق، وبإطلاق سراحه وإحضاره إلى لندن ليلقى محاكمةً عادلة. وأنذر عبد الرسول وزير الخارجية بأنه إن لم يتلق رداً على خطابه، فسيجد نفسه مجبراً على مغادرة لندن والذهاب إلى القسطنطينية (أورد الكاتب نص الرسالة الطويلة مبيناً أخطائها اللغوية. المترجم). وأورد الكاتب أيضاً نص رسالة من الزبير إلى "مولانا" (أي لعبد الرسول) يطلب منه فيها العمل على نشر قضيته في إنجلترا حتى يُرْفَعُ عنه الظلم الذي حاق به، وجاء بترجمة ريدهاوس لتلك الرسالة التي لم تخل من كثير من التزويق مع بعض الترخُّص أحياناً.
12. لجأ عبد الرسول لمكتب محاماة في لندن (هو مكتب قادسين وتريهيرني) للحصول على معلومات من الحكومة عن أسباب اعتقال الزبير، ومعرفة إن كان يقبع تحت حراسة الجيش أم السلطات المدنية، وطرق الاتصال به، سواءً أكانت شفهية أو كتابةً. وردت الحكومة بالقول إنه ليس مسموحاً لمكتب المحاماة الاتصال بالزبير، إذ أنه في الحجز بموجب قانون خاص. وقام عبد الرسول بتقديم تهديد مبطن مفاده أنه سيرفع الأمر للسلطات العثمانية. وحاول البريطانيون إسكات عبد الرسول واستمالته بعرضهم عليه وظيفة في مكتبة "قسم الهند" بلندن، غير أن ذلك لم يجد استجابة عند عبد الرسول. وفي غضون عام 1887، بدا لصناع السياسة في بريطانيا أنه من الممكن إعادة الزبير للقاهرة بعد أن يوقع على تعهد (صاغه اللورد كرومر) ينص على تعهد الزبير لحكومة خديوي مصر بالخضوع لها، وأن يسمح لها بوضعه تحت المراقبة، وألا يتدخل مطلقاً في الشؤون السياسية المتعلقة بالسودان، أو تلك تخص الأمور المتعلقة بالجيش. ومهد ذلك التعهد الطريق لعودة الزبير للقاهرة في أغسطس عام 1887م.
13. لم يكن الزبير ولا عبد الرسول من الرجال الذين يمكن قهرهم بسهولة. وحدثت في تلك الأيام تطورات خطيرة ضد الإمبراطورية البريطانية، خاصة احتمال قيام تحالف بين الوطنيين الإيرلنديين والسيخ والروس والمسلمين الذين كانوا جميعا يسعون للدخول عبر أفغانستان لتحرير الهند. ولم تصل المفاوضات مع العثمانيين حول السيطرة على مصر إلى نتيجة حاسمة؛ بينما ظل الفرنسيون يرفضون التوسع البريطاني. وفي تلك الأجواء عمل عبد الرسول مع مهراجا من السيخ يقيم في لندن اسمه دليب سينق، كان والده آخر ملوك البنجاب. وكان ذلك المهراجا يحلم بالعودة للبنجاب واستعادة عرش أبيه، واسترداد ماسة "جبل النور" / كو نور Koh-i-Noor (التي "أخذها" البريطانيون في شركة الهند الشرقية من كنوز الأسرة المالكة في البنجاب، وأهدوها لملكتهم فيكتوريا عندما تُوِّجَتْ امبراطورة على الهند عام 1877م. المترجم). وغادر المهراجا لندن سرا وتوجه إلى باريس ثم إلى موسكو بحثاً عن مناصرين لقضيته، وطلب من عبد الرسول اللحاق به في تلك الأسفار (ورد في موسوعة للسيخ [shorturl.at/dfGIY] أن عبد الرسول رفع في مارس 1892م دعوى قضائية ضد مهراجا دوليب سينغ في محكمة في باريس طالبه فيها بمعاش مدى الحياة مقابل الخدمات التي قدمها له. المترجم). ولما أتى عبد الرسول مرة أخرى لمصر نزل في فندق Rue D’ بالإسكندرية، وأعاد التواصل مع صديقه القديم الزبير، الذي كان قد أُعِيدَ لمصر من منفاه بجبل طارق. وكان عبد الرسول (والزبير كذلك) يخضعان لمراقبة لصيقة من السلطات البريطانية، التي كانت تعتمد على ما يردها من جاسوسها منشئ عزيز الدين الذي كان يأتها بأنباء وتحركات عبد الرسول. وورد في مذكرة لذلك الجاسوس أن فرنسا كانت ترسل أموالا لتركيا تستميل بها القضاء وكبار الشخصيات في ذلك البلد، وأن عبد الرسول كان قد زار الزبير في منفاه بجبل طارق عديد المرات وحمل رسائله بين جبل طارق ومصر. وكانت الحكومة الفرنسية – بحسب زعم ذلك الجاسوس – تبعث، عبر سنوات، بمبالغ كبيرة للزبير عبر شركة للشيخ السنوسي في الإسكندرية (ولذلك الشيخ علاقة مصاهرة بالزبير). وكان قنصل فرنسا في الإسكندرية على علم بتلك الأموال، وكان يعمل – بأوامر من حكومته – على حماية شيخ السنوسي وتشجيعه ... وذكر الجاسوس عزيز الدين بأن الزبير أقام علاقة صداقة قوية مع مختار باشا (هو الغازي أحمد مختار باشا، مندوب العثمانيين في مصر. المترجم) الذي كان يحرضه ضد الحكومة البريطانية. وذكر الجاسوس أيضاً أن الزبير كان يتآمر ضد ما يقوم به استانلي في وسط أفريقيا ويعمل على إفشال محاولته إنقاذ أمين باشا، إذ أنه كان يظن أن فشل استانلي يعني – بالضرورة – أنه سيكون الشخص الوحيد الذي يمكن أن يُرْسَلُ لإكمال المهمة في تلك المناطق. وهذا يعني أنه سيعاد للسودان، وسيكون بمقدوره حينها الانتقام ممن قاموا بإساءة معاملته من الإنجليز والمصريين. غير أن رؤساء الجاسوس عزيز الدين لاحظوا عددا من الأخطاء في تقريره، منها مثلاً أن عبد الرسول زار الزبير في جبل طارق، وهذا ما لم يحدث.
14. تم اعتقال عبد الرسول في الهند عام 1889م بناءً على معلومات استخبارية، وتم إبعاده بعد فترة سجن قصيرة إلى إنجلترا، بينما بقي الزبير حبيساً في القاهرة. تشير التقارير الاستخبارية – رغم ما شابها من تضخيم وزيادات – إلى أن الزبير كان يمارس نشاطات جيوسياسية عديدة في تلك السنوات. لقد كان الزبير رجلاً بعيد النظر في إدراكه أن النضال ضد الاستعمار يمكن أن يتخطى الاختلافات الدينية. وتوجد في هذا الجانب الكثير من فرص البحث بصورة أعمق في الوثائق المتوفرة حول هذا الموضوع.
15. بقي الزبير يدير أعماله التجارية بالسودان من القاهرة حتى عاد لبلاده عام 1904م. وأقام عند عودته في أم درمان أولاً، ثم انتقل للجيلي وبقي فيها حتى توفي في السادس من يناير 1913م. أما عبد الرسول فقد بقي في لندن حتى منتصف تسعينيات القرن التاسع عشر، وتوفي (بالقاهرة) في 11 سبتمبر 1915م.
alibadreldin@yahoo.com
Zubair Pasha Remembered
جميل شريف Jamil Sherif
ترجمة: بدر حامد الدين الهاشمي
تقديم: هذا تعريب وتلخيص لبعض ما جاء في مدونة بقلم الباحث البريطاني الباكستاني الأصل جميل شريف نُشِرَتْ في يوليو من عام 2020 في Middle East Monitor، التي تصف نفسها بأنها " منظمة مراقبة صحفيّة لا تهدف للربح" بحسب ما جاء في موسوعة الويكيبديا (shorturl.at/fxE47). وتدور المدونة حول تاريخ الزبير (باشا) رحمة، وعن صلته بعبد الرسول الكشميري (المولود في العاصمة الصيفية لكشمير سري نكر Srinagar) الذي قضى غالب سنوات سبعينيات وثمانينيات وتسعينيات القرن التاسع عشر متنقلا بين مدن عديدة منها القاهرة وإسطنبول ولندن، وكان – مثله مثل جمال الدين الأفغاني - يسعى لتعبئة العالم الإسلامي ضد الهيمنة البريطانية.
والزبير باشا (1830 – 1913م) من الشخصيات السودانية التي ثار ويثور حولها جدال عارم وخلاف كبير بين من يعدونه تاجر رقيق، أو على الأقل تاجر "رقيق عسكري" (انظر مثلاً فصل "الزبير باشا" في كتاب "ما وراء السودان الحديث" بقلم هنري سيسيل جاكسون، وكتابه الآخر بعنوان "الزبير باشا: تاجر الرقيق والسلطان"، ومقال دوغلاس جونسون عن الرق العسكري https://tinyurl.com/c7dk2t92)، وبين من يعدونه زعيما وقائدا سودانيا محنكا شوه الأوربيون صورته باتهامه بممارسة تجارة الرقيق (انظر مثلاً مقال صلاح حامد عبد الرحمن المعنون: "الزبير باشا الزعيم السوداني المفترى عليه" المنشور في العدد 13 من مجلة جامعة غرب كردفان الصادرة عام 2017م).
الشكر موصول لدكتور محمد الأمين لإرساله لي هذه المدونة لترجمتها.
المترجم
******* ****** ******* ******
1. تساءل الكاتب عن سر تلك الرابطة القوية بين الزبير السوداني وعبد الرسول الكشميري مع تباعد خلفياتهما الاجتماعية والثقافية، واختلاف موطنيهما، وسنيهما (ولد الأول عام 1830م، بينما ولد الثاني في 1843م). ثم قدم الكاتب عرضاً تاريخيا مختصرا لتاريخ السودان ومصر في بداية القرن التاسع عشر حين كان البلدان تحت حكم سلالة محمد علي باشا (الألباني الذي كان يحكم باسم الخلافة العثمانية)، وعن التدخل الأوروبي السياسي والاقتصادي والمالي في المنطقة، وما قام به عرابي من محاولة للحد من سلطات الخديوي ومن التدخلات الأجنبية، وردة فعل البريطانيين الذين قاموا بغزو مصر واعتقال عرابي ومن معه. وفي تلكم السنوات أعلن محمد أحمد أنه المهدي، وبدأ في انتفاضة مسلحة ضد الحكم التركي – المصري وضد البريطانيين، وأكمل انتصاراته عليهم في 1885م.
2. ذكر الكاتب أن من أهم المصادر التاريخية عن الزبير هو ما نشره المؤرخ أوفاهي R.S. O’Fahy في عام 2005م عن سيرة الزبير المهنية في مراحلها الأولى، والمقابلات التي أجرتها الصحافية فلورا شو F. Shaw مع الزبير، التي نُشِرَتْ عام 1887م (والتي ترجمها خليفة عباس العبيد في كتابه المعنون "الزبير باشا يروي سيرته من منفاه بجبل طارق"، من إصدارات مركز الدراسات السودانية. المترجم).
3. تلقى الزبير تعليمه في "الخلوة" بالخرطوم، ثم دخل – على مضض - عالم التجارة مع تاجر مصري اسمه علي عموري، الذي أرسله في رحلات تجارية في منطقة النيل الأبيض. وضاق التاجر المصري ذرعاً بالزبير، إذ أنه كان يقضي غالب وقته في قراءة القرآن وكتابة مذكرات عما يشاهده في رحلته تلك. وفي أخريات ستينيات القرن التاسع عشر بدأ الزبير في أعماله التجارية الخاصة في مناطق الدينكا والجور وبونغو، وبلغ القولو، الذين كانوا يعيشون بين نهري كورو kuru وكبنقو Kpongo. وكان يشتري من تلك المناطق ريش النعام وعاج الفيل مع محاصيل أخرى مثل الصمغ العربي والتمر هندي، وينقلها للخرطوم ومصر، ومنها لدول أخرى. وبحلول سبعينيات القرن التاسع عشر صعد من كونه مجرد قطب تجاري إلى قائد كبير في مدينة بجنوب السودان تعرف الآن بـ "ديم الزبير" (تبعد حوالي 70 كيلو متراً عن الحدود مع جمهورية إفريقيا الوسطى. المترجم) وفي بحر الغزال، التي تسكنها قبائل الزاندي والرزيقات والفور. وعرض الزبير على تلك القبائل حفظ الأمن في مناطقهم، وذلك مقابل حصوله على الأغذية والحمالين. وذكر المؤرخ أوفاهي في مقاله أن الزبير "أجبر شباب تلك المناطق بالقوة على الانضمام لجيشه، وسلحهم ببنادق استوردها من مصر ... وفاق عدد أولئك الرجال 12,000"، وضعهم الزبير في حاميات على طول طرق تجارته لحراستها.
4. كان الزبير صريحاً (في موضوع الرقيق) فيما أدلى به لفلورا شو في مقابلته معها في منفاه بجبل طارق حين قال: "عندما مرت القوافل بمنطقة Mandugha في طريق عودتها إلى مصر، قمت بفحص "العبيد" (المسترقين) الذي كانوا في القافلة، وانتقيت أفضلهم وأكثرهم صحة وقوة بغرض تحويلهم إلى جنود في جيشي. وقمت بتدريبهم على استخدام السلاح، وأطعمتهم جيداً ومنحتهم ملابس حسنة، واحتفظت بهم جنوداً في جيشي ... ولم يفارق أحد منهم جيشي إلى حين وفاته.. وسرت سمعة الخدمة العسكرية (في جيشي) إلى مناطق بعيدة أخرى في "نيام نيام"، فتقاطرت علي أعداد كبيرة من شباب تلك المناطق ... لقد كنت تاجراً، ولم أعمل في تجارة الرقيق قط. كان بإمكاني أن أكون كذلك، ولكنني لم أفعل".
5. نشرت الصحيفة اللندنية "Morning Star" في أبريل 1893م مقالاً دافع فيه كاتبه (الذي لم يذكر اسمه) عن الزبير، وذكر فيه ما يلي: "على الرغم من أن الزبير كان ملكاً على المنطقة التي يقطنها، إلا أنه فكر في عام 1873م إن من مصلحة شعبه، ومصلحة المدنية على وجه العموم، أن تنضم مملكته إلى مصر. وعرض الزبير كل المناطق التي استولى عليها على إسماعيل باشا. وقبل الأخير بذلك العرض (بكل سرور)، وتم الشروع في عمل كل الإجراءات الرسمية الخاصة بضم تلك المناطق لمصر، وتعيين الزبير حاكما عليها مدى الحياة باسم الحكومة المصرية. غير أن ذلك العرض السخي والنية الحسنة التي أبداها الزبير كانت هي سبب دماره. فقد أفلست الخزانة المصرية تماما في عام 1875م بسبب الصرف البذخي في السنوات الماضية، وبعد أن ضاعفت الحكومة الضرائب والمكوس على الفلاحين المصريين، لم تجد حلاً آخر سوى فرض مزيد من الضرائب على سكان الأراضي السودانية (في دارفور) التي تم ضمها حديثا لمصر. وتم بالفعل فرض ضريبة شخصية poll tax على كل فرد قدرها £T 0.5. وهنا وقف الزبير إلى جانب شعبه واحتج بشدة على فرض تلك الضريبة، وتبادل مع الحكومة المصرية مراسلات غاضبة. وكانت النتيجة هي أن السلطات المصرية أمرت الزبير بالتوقف عن إدارة تلك المنطقة من السودان (التي كان قد قدمها بنفسه هديةً لمصر، ولم يقم بإدارتها سوى لعامين). لقد كان الزبير شديد الثقة في استقامته وصحة القضية التي يدافع عنها لدرجة أنه طلب على الفور السماح له بالمجيء إلى القاهرة ومقابلة الخديوي إسماعيل. ولما سُمح له بذلك سافر للقاهرة وبلغها في عام 1876م، ودخلها في موكب ضخم به ما لا يقل عن ألف من السودانيين، مع كميات ضخمة من الهدايا التي كان يعتزم تقديمها للخديوي. وكان مجيء الزبير للقاهرة يشابه ما ورد في قصة العنكبوت والذبابة (تحكي تلك القصة الخيالية عن عنكبوت ماكر يفلح في إدخال ذبابة في شبكته باستخدام الإغواء والتلاعب المترجم). ومنذ ذلك اليوم لم يُسمح للزبير برؤية المناطق التي كان قد سيطر عليها ثم أهداها لمصر. غير أن الخديوي إسماعيل قابله بالتشريف والتكريم، ومنحه قصراً ليقيم فيه بالقاهرة. وبقي الزبير ينتظر أوامر الحكومة المصرية. غير أن تلك الأوامر لم تأت قط.
6. بقي الزبير محبوسا في قصره، ولكنه ظل نشطا في مجالي السياسة والتجارة، فقد ظل يعمل - من على البعد - في إدارة شؤون تجارته عبر وكلاء له في السودان ومصر. (أورد الكاتب جزءًا من خطاب كتبه الزبير عام 1877م لولده سليمان (اعترضته السلطات البريطانية) يتعلق بشحن كمية من ريش النعام له في مصر. وكانت تلك هي الفترة التي التقى فيها الزبير بعبد الرسول، وأقام صداقة متينة معه. كانت عائلة عبد الرسول تعمل بالقاهرة في تجارة الحرير والسجاد. وكانت لطبقة تجار القاهرة علاقات وثيقة بإسطنبول، ويبدو من اسم زوجه (أمينة هانم) أنه كان قد صاهر عائلة من أصل تركي – شركسي تقيم بالقاهرة. وكان عبد الرسول في مراسلاته اللاحقة يطلق على نفسه أحياناً لقب "شيخ عبد الرسول"، في إشارة للتعليم الديني الذي تلقاه. ويبدو أن عبد الرسول قد عمل منذ منتصف سبعينيات القرن التاسع عشر وكيلاً تجاريا للزبير، وسافر للسودان إنابة عنه لجلب البضائع للقاهرة ثم تصديرها لدول أخرى. وقد ذكر الفرد هاكي، الذي نشر في 1884م كتابا تناول سيرة غوردون باشا، أن غوردون علم بأن سليمان بن الزبير رحمة كان يتلقى رسائل من والده كانت بها دوماً عبارة مشفرة هي: "اِعْتَنِ بعبد الرسول (أو ربما "اِنْتَبِهْ من عبد الرسول"؟) Take care of Abdul Rasul".
7. كانت الحرب بين الروس والعثمانيين في أعوام 1876 – 1878م لحظة حاسمة في العالم الإسلامي. فقد كان الروس (بمساعدة حلفائهم من البلغاريين والصرب والرومانيين) قد أغاروا على مقاطعات العثمانيين في أوروبا. وتابع الناس في كل أرجاء العالم الإسلامي أنباء تلك الحرب التي كانت تصل إليهم عن طريق الرسائل البرقية، ويجمعون التبرعات لجرحى العثمانيين. وكانت السلطات الاستعمارية لا تمانع في ذلك التأييد إذ أن بريطانيا كانت يومها تقف ظاهرياً في الحياد. وفي غضون سنوات تلك الحرب كان عبد الرسول في إسطنبول يقوم بتدريس اللغة الفارسية ويعمل على نشر مجلة تؤيد السلطان عبد الحميد، بينما كان الزبير يساهم بصورة مباشرة في تلك الحرب إذ أنه انضم لبعثة عسكرية بعثت بها مصر للقتال مع العثمانيين. ويبدو أن تلك البعثة العسكرية كانت ضعيفة التجهيز ولم تكن مُهيَّأة لتحمل برد وصقيع الشتاء القارس في البلقان (أورد الكاتب هنا وصف الزبير لمعانته من ذلك الطقس المتجمد، الذي ورد في رسالة دكتوراه من جامعة مدينة نيويورك CUNY عن الزبير باشا. وأتى كاتب هذه المدونة أيضاً على ما ذكره ب. صديق إبراهيم خليل في "مجلة السودان للعلوم الطبية" - من غير ذكر مرجع يؤيد ما ذهب إليه - عن أن الزبير كان قد أُجْبِرَ على الالتحاق بالجيش التركي في حربه ضد روسيا؛ وذكر كاتب المدونة بأنه يعتقد بأن الزبير قد شارك في تلك الحرب بطوع إرادته لقيادة تلك الفرقة المصرية من باب الولاء للقضية العثمانية (تجد في هذا الرابط مقال ب. صديق إبراهيم خليل كاملاً https://tinyurl.com/vnw2anwr المترجم). وكان الزبير في تلك السنوات رجلاً في نهايات الأربعين من العمر، وكان بصحة جيدة تمكنه من خوض غمار المعارك.
8. وصل الزبير إلى القاهرة في عام 1878م عائداً من البلقان، وبقي محجوزاً فيها ولم يُسمح له بالعودة إلى السودان. وعين الخديوي اللواء تشارلز غوردون حاكما للسودان. وفي العام التالي قتل أحد ضباط غوردون في بحر الغزال سليمان بن الزبير. وأثار ذلك – بالطبع – حنق الزبير الذي لازمه إلى آخر أيام حياته. (للمزيد في هذا الجانب يمكن النظر في مقال عن مواجهة حدثت بين الزبير وغوردون https://tinyurl.com/3p6vnbsw المترجم). ونتيجة لقتل سليمان بن الزبير انضم عدد من رجال الزبير لقوات المهدي. وفي عام 1884م أُرْسِلَ غوردون للسودان، حيث لقي حتفه نتيجةً لتجاهل صناع السياسات في لندن لمصيره في الخرطوم.
9. بعد ذلك غدا الزبير خطرا ومهددا أمنيا؛ فقد كان الخديوي الجديد (توفيق باشا) يخشى من عودته للسودان، أذ أنه لو عاد للسودان فسيسعى لتحقيق استقلال بلاده. بينما كانت المخابرات البريطانية تتهم الزبير بتهم عديدة منها التخابر والتخطيط مع الفرنسيين لعرقلة عمل استانلي في وسط أفريقيا، وإثارة القلاقل ضد البريطانيين في مصر. وفي تلك الفترة لاحظت المخابرات البريطانية بأن الزبير كان يؤلف كتاباً عن نسبه (العباسي). وكل تلك المعلومات محفوظة في ملف "سري" عن عبد الرسول جمعته الخارجية وحكومة الهند في عام 1888م، وهو موجود الآن في مركز للوثائق بالهند. وكان مرد الاهتمام بالزبير هو الثقة الكبيرة التي كان يوليها الزبير لعبد الرسول. وكان مصدر تلك المعلومات عن عبد الرسول هو مخبر سري هندي اسمه منشئ عزيز الدين، وكان يعمل مخبرا لقائد الشرطة في كلكتا. وكان ذلك المخبر قد نال ثقة عبد الرسول وهو في القاهرة عام 1888م، مع مخبر هندي آخر اسمه امريك سنق. وكان المخبران الهنديان يزوران الزبير في القاهرة. وكان هناك أيضاً مصدر غير استخباراتي عن الزبير محفوظ في "دار المحفوظات الوطنية البريطانية TNA" في ثلاث مجلدات عنوانها "الزبير باشا: سجنه وتوظيفه المقترح"، تغطي الفترة من 1883 – 1888م، وتحتوي تلك المجلدات على المراسلات التي تُبُودِلَتْ بين عبد الرسول والزبير، وتعطي رؤى نافذة لشخصيتيهما والتزامهما الديني. وكان البريطانيون قد اعترضوا تلك المراسلات المكتوبة باللغة العربية، وقام "مترجم رسمي" اسمه م. ريدهاوس بترجمتها للإنجليزية دون حذف أو تنقيح. وتشير تلك الملفات "السرية" إلى أن عبد الرسول لم يكن مجرد مدرس للغة الفارسية في إسطنبول في فترة الحرب الروسية العثمانية (1876 – 1878م)، بل كان يعمل جاسوساً لصالح الدولة العثمانية. وعندما دخلت الجيوش البريطانية لمصر في 1882م، كان عبد الرسول في لندن، لكنه غادرها وذهب إلى القاهرة حيث عمل مترجماً فورياً لجنرال بريطاني متقاعد كان يعمل يومها مراسلاً حربيا في حملة القوات البريطانية في مصر. غير أن عبد الرسول سرعان ما فُصل من عمله بعد أن تم اكتشاف تآمره مع "المتمردين" المصريين، فأعيد إلى إنجلترا. ويبدو أن هناك صلة ما بين إعادة عبد الرسول لإنجلترا وبين علاقته مع الزبير.
10. في عام 1883م كتب الجنرال وليسلي قائد القوات التي غزت مصر إلى المفوض البريطاني السامي بمصر مذكرة تفيد بأن الزبير حاول (وكاد أن ينجح) في إثارة تمرد للجنود السودانيين (الكتيبة السوداء) التي كانت تحت قيادة بيكر باشا، والتي كانت تعمل على فك الحصار عن سواكن وطوكر. وفي عام 1885م تم اعتقال الزبير في الإسكندرية وهو في طريقه لزيارة صديقه سيد إبراهيم السنوسي. ومن ضمن وثائق "دار المحفوظات الوطنية البريطانية" خطاب من قنصل مصر العام إيفلين بارينج (اللورد كرومر) إلى قرانفيل وزير الدولة للشؤون الخارجية جاء فيه ما يفيد بأنه لا يعتقد بوجود أي دليل يدين المتهمين (ومنهم الزبير)، ولكن كان من رأيه عدم إطلاق سراح الزبير إذ أن إطلاق سراحه – خاصة في مثل تلك الظروف – سيكون عملا محفوفاً بالمخاطر، إذ أن الايمان بالمهدي والعداء للإنجليز غدا يتزايد في أوساط الشخصيات المؤثرة (في السودان). وأضاف اللورد كرومر: "إن الزبير الآن بحاجة ماسة للمال، ويحس بالغبن والامتعاض الشديد من الطريقة التي عُومِلَ بها (في مصر). أنا أميل لتصديق الأخبار التي تفيد بأنه على اتصال مع المهدي، رغم عدم وجود دليل ملموس على صحتها. ولكن إن استطاع الزبير الهرب والالتحاق بالمهدي (ويمكن له فعل ذلك بسهولة)، فبإمكانه إحداث ضرر كبير علينا، وذلك بسبب سعة معلوماته وشبكة علاقات الصداقة التي تربطه بالكثيرين، ونفوذه الكبير على المستوى المحلي، وفي لندن. إن ضم الزبير لصفنا والعمل معنا له مزايا عديدة. ولكن، بما أن ذلك لم يحدث، فإني أعتقد أنه من الواجب منعه من إحداث أي ضرر بنا، فهو لن يظل صامتاً .... وبناءً على ذلك أرى أنه يجب اعتقال الزبير على الفور وإرساله إلى قبرص، على أن يتم بحث أمر الآخرين في وقت لاحق. وأعتقد كذلك أنه عندما يطلب قائد جيش وُضِعَ في موقف عسير (مثلما في حالة لورد وليسلي)، اتخاذ إجراءات يراها ضروريةً لنجاح عملياته، فينبغي اتخاذ تلك الإجراءات مهما كانت الاعتراضات عليها".
11. أُرْسِلَ الزبير منفياً من مصر، مع بعض أقربائه المقربين، إلى منطقة "جبل طارق" المهجورة نسبيا، وليس إلى قبرص (كما أقترح كرومر). ووصفت فلورا شو البيت الصغير الذي أُسْكِنَ فيه الزبير بأنه "مكان صغير وقاتم... نمت في حديقته الأعشاب البرية ...". وقف عبد الرسول مع الزبير في محنته، وبعث بكثير من الرسائل والالتماسات لرئيس الوزراء البريطاني ووزارة الخارجية أشار فيها إلى أن الزبير برئ مما نُسِبَ إليه، وطالب فيها بإطلاق سراحه (وجميع تلك الرسائل محفوظة في "دار المحفوظات الوطنية البريطانية"). ومع مرور الشهور، وعدم ظهور أي بوادر لإطلاق سراح الزبير، كتب عبد الرسول في أغسطس 1885م خطاباً غاضبا للورد ساليسبري وزير الخارجية طالب فيها (مجدداً) بالسماح له بزيارة صديقه في منفاه بجبل طارق، وبإطلاق سراحه وإحضاره إلى لندن ليلقى محاكمةً عادلة. وأنذر عبد الرسول وزير الخارجية بأنه إن لم يتلق رداً على خطابه، فسيجد نفسه مجبراً على مغادرة لندن والذهاب إلى القسطنطينية (أورد الكاتب نص الرسالة الطويلة مبيناً أخطائها اللغوية. المترجم). وأورد الكاتب أيضاً نص رسالة من الزبير إلى "مولانا" (أي لعبد الرسول) يطلب منه فيها العمل على نشر قضيته في إنجلترا حتى يُرْفَعُ عنه الظلم الذي حاق به، وجاء بترجمة ريدهاوس لتلك الرسالة التي لم تخل من كثير من التزويق مع بعض الترخُّص أحياناً.
12. لجأ عبد الرسول لمكتب محاماة في لندن (هو مكتب قادسين وتريهيرني) للحصول على معلومات من الحكومة عن أسباب اعتقال الزبير، ومعرفة إن كان يقبع تحت حراسة الجيش أم السلطات المدنية، وطرق الاتصال به، سواءً أكانت شفهية أو كتابةً. وردت الحكومة بالقول إنه ليس مسموحاً لمكتب المحاماة الاتصال بالزبير، إذ أنه في الحجز بموجب قانون خاص. وقام عبد الرسول بتقديم تهديد مبطن مفاده أنه سيرفع الأمر للسلطات العثمانية. وحاول البريطانيون إسكات عبد الرسول واستمالته بعرضهم عليه وظيفة في مكتبة "قسم الهند" بلندن، غير أن ذلك لم يجد استجابة عند عبد الرسول. وفي غضون عام 1887، بدا لصناع السياسة في بريطانيا أنه من الممكن إعادة الزبير للقاهرة بعد أن يوقع على تعهد (صاغه اللورد كرومر) ينص على تعهد الزبير لحكومة خديوي مصر بالخضوع لها، وأن يسمح لها بوضعه تحت المراقبة، وألا يتدخل مطلقاً في الشؤون السياسية المتعلقة بالسودان، أو تلك تخص الأمور المتعلقة بالجيش. ومهد ذلك التعهد الطريق لعودة الزبير للقاهرة في أغسطس عام 1887م.
13. لم يكن الزبير ولا عبد الرسول من الرجال الذين يمكن قهرهم بسهولة. وحدثت في تلك الأيام تطورات خطيرة ضد الإمبراطورية البريطانية، خاصة احتمال قيام تحالف بين الوطنيين الإيرلنديين والسيخ والروس والمسلمين الذين كانوا جميعا يسعون للدخول عبر أفغانستان لتحرير الهند. ولم تصل المفاوضات مع العثمانيين حول السيطرة على مصر إلى نتيجة حاسمة؛ بينما ظل الفرنسيون يرفضون التوسع البريطاني. وفي تلك الأجواء عمل عبد الرسول مع مهراجا من السيخ يقيم في لندن اسمه دليب سينق، كان والده آخر ملوك البنجاب. وكان ذلك المهراجا يحلم بالعودة للبنجاب واستعادة عرش أبيه، واسترداد ماسة "جبل النور" / كو نور Koh-i-Noor (التي "أخذها" البريطانيون في شركة الهند الشرقية من كنوز الأسرة المالكة في البنجاب، وأهدوها لملكتهم فيكتوريا عندما تُوِّجَتْ امبراطورة على الهند عام 1877م. المترجم). وغادر المهراجا لندن سرا وتوجه إلى باريس ثم إلى موسكو بحثاً عن مناصرين لقضيته، وطلب من عبد الرسول اللحاق به في تلك الأسفار (ورد في موسوعة للسيخ [shorturl.at/dfGIY] أن عبد الرسول رفع في مارس 1892م دعوى قضائية ضد مهراجا دوليب سينغ في محكمة في باريس طالبه فيها بمعاش مدى الحياة مقابل الخدمات التي قدمها له. المترجم). ولما أتى عبد الرسول مرة أخرى لمصر نزل في فندق Rue D’ بالإسكندرية، وأعاد التواصل مع صديقه القديم الزبير، الذي كان قد أُعِيدَ لمصر من منفاه بجبل طارق. وكان عبد الرسول (والزبير كذلك) يخضعان لمراقبة لصيقة من السلطات البريطانية، التي كانت تعتمد على ما يردها من جاسوسها منشئ عزيز الدين الذي كان يأتها بأنباء وتحركات عبد الرسول. وورد في مذكرة لذلك الجاسوس أن فرنسا كانت ترسل أموالا لتركيا تستميل بها القضاء وكبار الشخصيات في ذلك البلد، وأن عبد الرسول كان قد زار الزبير في منفاه بجبل طارق عديد المرات وحمل رسائله بين جبل طارق ومصر. وكانت الحكومة الفرنسية – بحسب زعم ذلك الجاسوس – تبعث، عبر سنوات، بمبالغ كبيرة للزبير عبر شركة للشيخ السنوسي في الإسكندرية (ولذلك الشيخ علاقة مصاهرة بالزبير). وكان قنصل فرنسا في الإسكندرية على علم بتلك الأموال، وكان يعمل – بأوامر من حكومته – على حماية شيخ السنوسي وتشجيعه ... وذكر الجاسوس عزيز الدين بأن الزبير أقام علاقة صداقة قوية مع مختار باشا (هو الغازي أحمد مختار باشا، مندوب العثمانيين في مصر. المترجم) الذي كان يحرضه ضد الحكومة البريطانية. وذكر الجاسوس أيضاً أن الزبير كان يتآمر ضد ما يقوم به استانلي في وسط أفريقيا ويعمل على إفشال محاولته إنقاذ أمين باشا، إذ أنه كان يظن أن فشل استانلي يعني – بالضرورة – أنه سيكون الشخص الوحيد الذي يمكن أن يُرْسَلُ لإكمال المهمة في تلك المناطق. وهذا يعني أنه سيعاد للسودان، وسيكون بمقدوره حينها الانتقام ممن قاموا بإساءة معاملته من الإنجليز والمصريين. غير أن رؤساء الجاسوس عزيز الدين لاحظوا عددا من الأخطاء في تقريره، منها مثلاً أن عبد الرسول زار الزبير في جبل طارق، وهذا ما لم يحدث.
14. تم اعتقال عبد الرسول في الهند عام 1889م بناءً على معلومات استخبارية، وتم إبعاده بعد فترة سجن قصيرة إلى إنجلترا، بينما بقي الزبير حبيساً في القاهرة. تشير التقارير الاستخبارية – رغم ما شابها من تضخيم وزيادات – إلى أن الزبير كان يمارس نشاطات جيوسياسية عديدة في تلك السنوات. لقد كان الزبير رجلاً بعيد النظر في إدراكه أن النضال ضد الاستعمار يمكن أن يتخطى الاختلافات الدينية. وتوجد في هذا الجانب الكثير من فرص البحث بصورة أعمق في الوثائق المتوفرة حول هذا الموضوع.
15. بقي الزبير يدير أعماله التجارية بالسودان من القاهرة حتى عاد لبلاده عام 1904م. وأقام عند عودته في أم درمان أولاً، ثم انتقل للجيلي وبقي فيها حتى توفي في السادس من يناير 1913م. أما عبد الرسول فقد بقي في لندن حتى منتصف تسعينيات القرن التاسع عشر، وتوفي (بالقاهرة) في 11 سبتمبر 1915م.
alibadreldin@yahoo.com