في زمن التصحر الثقافي والأخلاقي: زبد بحر .. وأرباب العقائد وأرباب الفضيحة

 


 

 

 

 

حرصتُ إبّان أيام لندن على قراءة الرسائل العلمية السودانية، التي كتبها سودانيون أكاديميون في الجامعات البريطانية، ولا سيما الرسائل المتصلة بالثقافة السودانية.

من بين تلك الرسائل: البحث المتين الذي كتبه العلامة يوسف بدري، تكملةً لنيله شهادة البكالوريوس المتميزة في التربية، من جامعة أكسفورد 1970.
دراسة متميزة، لم تتم ترجمتها إلى اللغة العربية بعد، وهي أهم دراسة وأوفى تناول للموضوع، ليس بين أيدينا ما يستحق أن يقرن بها في موضوعها وموضوعيتها وشمولها.
عنوانها: التعليم الإسلامي في دولة الفونج: دراسة.
( Yusuf Badri, A Survey of Islamic Learning in the Funj State,
B.Litt Thesis, Oxford University, 1970)

استرعى انتباهي فيها أشياء منها، ماورد عن أرباب العقائد، وكتابه : العقائد،
فقد قام يوسف بدري ببحث ميداني، وسعى لمقابلة العارفين وأبناء علماء الفونج، وبذل مجهوداً مضنياً من أجل العثور على نسخة من كتاب أرباب، وذكر اسم الأستاذ إبراهيم عبد الرازق،الكاتب العارف، ولم يحظ مسعاه بالتوفيق. يقول العلامة يوسف:
(Arab ibn Ali died 1690 - 1102 ...Kitab AL-JAWAHIR (The Pearls) was written by Arbab himself in which he explained the pillars of Iman… Unfortunately this book, like several works of the Funj Ulama cannot be traced.)

ما ترجمته: أرباب بن علي المتوفى 1102 هـ 1690م. الكتاب الذي صنّـفه أرباب نفسه مبيناً فيه أركان الإيمان .. للأسف هذا الكتاب مثل كثير من تآليف علماء الفونج، لا أثر له."
أو فلنقل إنه مفقود لا أثر له.
أنه لا توجد نسخة واحدة من الكتاب لدى ذريته في توتي ولا في البشاقرة ولا في سنار حيث توفي ودفن.
عندئذ دفعتني الهمة وأغوتني للبحث عن الكتاب، أو بالأحرى مخطوطاته، وكنت من قبل قد أقمت في غرب أفريقيا وألفت سماع ما يرد على ألسنة الطلاب والباحثين عن كتاب التوحيد المنسوب إلى شخص باسمه اسم شهرته المميز له في غرب أفريقيا.
واتّضح لي أن مخطوطات الكتاب المعدوم في سوق الخرطوم، موجودة في المكتبات الخاصة والعامة في غرب أفريقيا، ولا سيما تمبكتو وداكار وأكرا، بل إنه كتاب مطبوع في بوركينوفاسو، على نهج الكتب المنشورة في غرب أفريقيا، تُكتب بخط اليد، بالخط المغربي الأندلسي : الفاء نقطة واحدة تحت الحرف، والقاف نقطة واحدة فوق الحرف.! وهو نفسه نهج الكتب بل الصحف المكتوبة بالأردية بخط اليد في الباكستان. مما يؤكد صدق ما كتبه ود ضيف الله عن أرباب العقائد:
" شُدّتْ إليه الرحال في علم التوحيد والتصوّف، وبلغ عدد طلبته ألف طالب و"نيفاً" من دار الفونج إلى دار برنو، تلامذته وتلامذة تلامذته، وألف كتاب أركان الإيمان وسما هـ :" الجواهر" انتفعت به شرقا وغرباً".
( الطبقات، ود ضيف الله، تحقيق العلامة يوسف فضل،دار النشر، جامعة الخرطوم، ط4، 1992)
وكل تلك النسخ تحمل اسم المصنف وهو: أرباب الخرطومي، وعنوان الكتاب الجواهر في أركان الإيمان.
ويحمل كثير منها اسم شهرته المتداول بينهم، وسنذكره في مكانه لاحقاً.
ووقفتُ على ما كتبه المتخصص في تاريخ دار فور د. أوفاهي اليهودي الديانة الأيرلندي البلد الإنجليزي اللسان، في الجزء الأول من كتاب التراث العربي في أفريقيا. حيث قال أوفاهي عن مخطوطات كتاب اللجواهر في أركان الإيمان:
(A Number of West African Manuscripts listed as Arab by Arbab AL- KHARTOUMI:
(Mss: Paris (BN) (1) 5459ff1336-192a, Bibilio National. Paris. Mss, Orientales): Nine copies.
An anonymous 18th century Ms with the title is: Yale, A-45, ff40-188. )

أن مخطوطات عربية من غرب أفريقيا ،مصنّفة تحت اسم أرباب الخرطومي،
منها تسع مخطوطات في المكتبة الوطنية بباريس، ونسخة واحدة من القرن الثامن عشر في مكتبة جامعة يل الأمريكية، ونفهم من عبارته أنه تحمل العنوان ولكن اسم المؤلف لم يرد فيها أو أنها مجهولة المصدر.
هذه عشر مخطوطات.
ولهذا سعيتُ إلى باريس، ومكتبتها الوطنية، مستعينا بزوجي الدكتورة آسية عمر التي كانت تحضر لنيل درجة الدكتوراة في الأدب الفرنسي من جامعة فرنسية، مستفيداً أيما استفادة من إتقانها المدهش للغة الفرنسية.
ولا أنسى فضل مكتبة دار الفرقان في لندن وعونها.
ولمّا وصلتُ إلى الى أم درمان، حملتُ نسختين مخطوطتين إلى الماجد الشيخ الفاضل إبراهيم الضرير، أمين مجمع الفقه الإسلامي بعدئذ، لينظر فيهما ويتولى إخراج الكتاب في صورة علمية محققة مع دراسة وافية عن الموضوع.
وهو عالم متخصص في الدراسات الإسلامية، وعارف بعلم التوحيد.
وكنتُ موقنا أنه سيعان بشقيقه العلم الآخر في الدراسات الإسلامية والعربية، الشيخ محمد أحمد الضرير، في الموضوع وفي التدقيق الخاص بالطباعة الذي مارسه الشيخ محمد ممارسة تخصص وإتقان.
ولا مناص من أن أثبت هنا أن العالمين الفاضلين درسا علم التوحيد ممثلاً في أم البراهين منذ المرحلة المتوسطة، ثم درسا أيضا كتاب جوهرة التوحيد، وباسم قوله تعالى:أما بنعمة ربك فحدّث، أضم إليهما اسم شخصي الضعيف، مشاركاً في نعمة دراسة التوحيد في ذينك الكتابين قبل مرحلة الدراسة الجامعية.
بيد أنه من المصادفات السيئة في الخرطوم، أنه حين جرى تداول موضوع الكتاب الضائع، والحصول على نسخ منه ، صارتمصونةً في يد الشيخ إبراهيم الضرير، أن الشيخ حسين ، الإداري السابق بجامعة الخرطوم كان موجوداً يسمع، فذهب إلى الشيخ إبراهيم الضرير، وتحصل على النسختين المخطوطتين، وهو يبيّت أمرا إدّاً، فيه الغدر والمكر ونكران الجميل، أعطى النسختين لولده،وبعد أيام استنسخ النص الأول على الكومبيوتر، وورد في آخره: حققه وخرج أحاديثه ولده.
لم يذكر من أين حصل على المخطوط، هل اشتراه، ومن أي بلد أتى المخطوط،
وعند مواجهة : الشيخ حسين، صار يتمحل بالأعذار، ويستنكر مساوماً، ويعد بأنه سيصحح الموقف وأن ذلك التصرف خطأ أخلاقي.
ثم صار يوزع المخطوط نفسه يمنة ويسرى مزهوّاً ، على أولاد الشيخ أرباب في البشاقرة،وقبل أيام في أواخر أكتوبر2018، التقيتُ بالأستاذ دفع الله الزين، في لندن،وعرفتُ منه أنه حصل على نسخة من المخطوطة، وسألني: هل أنت من أتى به من باريس، ودفع الله هو حفيد الشيخ علي برّي الذي درس عليه أرباب العقائد علم التوحيد، وأخبرني أن لديه مخطوطة كتاب شرح السنوسية الكبرى الذي صنفه الشيخ علي بري، ومما لا شك فيه أن أرباب العقائد درس ذلك الكتاب على الشيخ علي بري. ويزمع دفع الله نشر ذلك الكتاب المخطوط.
ودعاني الفاضل د. صديق عمر، إلى ندوة تحدثتُ فيها عن التراث السوداني وكتاب أرباب العقائد، شرّفني أستاذي العلامة يوسف فضل بحضورها، أما الشيخ حسين فقد وزع منشوراً مطبوعاً وممهوراً باسمه،فيه عن سيرة الشيخ، وعن كاتب هذا الكلام، قال:
" قد سخر الله لهذا الأمر الأستاذ الباحث د. أحمد محمد البدوي.ليعثر على هذا الكتاب المفقود على مدى أربعة قرون. فوجده في المكتبة الوطنية في فرنسا، وتكرّم مشكوراً بإحضار نسخة منه، وسأل عن أحفاد الشيخ أرباب العقائد بتوتي..
وتشرّفتُ بمقابلة الدكتور الذي سلّمني النسخة يداً بيد، كما أخبرني أن هذا الكتاب
موجود حالياً بجامعة يل بأمريكا، كما توجد منه نسخ في المكتبات الخاصة بتمبكتو، أكرا وداكار. فللدكتور أحمد منّا ومن كل من يعرف قدر الشيخ أرباب العقائد الشكر والتقدير."
أحمدُ للشيخ هذا الكلام الطيب الذي صدر تحت ضغط ساخن، بإزاء ما اقترفه ولده، بيد أن كلامه يتضمن معلومتين غير صحيحتين، الأولى: أن شخصي الضعيف كان يبحث عن حفدة أرباب العقائد، فما كنتُ محتاجاً لذلك، فقد كنتُ أزور أستاذي الفاضل الشيخ الشمباتي: أحمد عمر، والشيخ إبراهيم حافظ الكتاب الكريم وشيخ القراءات، و شيخ العلماء الخليفة محمد الخليفة الهادي، في توتي، وبالبداهة شرِّفتُ في الدنيا بزملائي وأساتذتي من آل الضرير.
إنما وضعته في يد الشيخ إبراهيم ليتولى تحقيقه ونشره.
أما المعلومة الثانية أنه استلم مني نسخة الكتاب يداً بيد، فهذا توهم بل هو كذب محض. لم يحدث قط.!
لقد استلمها من الشيخ إبراهيم يداً بيد، وهناك شهود، والشيخ إبراهيم موجود بيننا!.ولو كانت عندي ما كنتُ لأعطيكها إطلاقاً : ياشيخ إبراهيم. لأسباب، آخرها أنها لم تكن عندي بل لدى إبراهيم.
واليوم وقد نشرتم الكتاب، أرجو أن تعيدوا نسختي إلى الشيخ إبراهيم لأستردها منه. مكثتْ عندكم عشر سنوات وأكثر، ورفضتم إعادتها بمعنى نسخة مصورة منها!
أما الكلام الذي سمعه مني فقد ورد في مقدمة كتابهم المطبوع، بدون أي إشارة وقد سجلته وذكرته في الندوة التي قرأ فيها الشيخ حسين كلامه المدون وهو مسجل بالصوت والصورة، ومدون في الصحف التي كتبت عن المناسبة.
حين ظهر أمر الخرطوم عاصمة الثقافة، وغدا بروفسير يوسف فضل، رئيسا للجنة العلمية، تحرك الشيخ حسين وولده المتلهف المتكالب، ووضعوا نسخة من المخطوطة لدى مكتب البروفسير، وظنوا أنهم سيظفرون بطبع الكتاب منسوباً إليهم، ولكن العلامة يوسف فضل ملم بالموضوع، قال إن هذا الأمر لن يتم بدون شخصي الضعيف ، وحضرتُ اجتماعاً مع الشيخ حسين، وولده،وكان رأي رئيس الاجتماع أي البرفسير، أن يُحقق الكتاب تحقيقا علميا تحت إشرافه، وأن يعرض للتقييم الأكاديمي، شأن كل عمل أكاديمي، وفي ذلك الاجتماع رأيتُ نسخة مصورة من مخطوطتي!
بيد أن موقفي هو أن يتم إخراج الكتاب بلجنة تضم: إبراهيم الضرير ومحمد أمد الضرير وشخصي، وقلتُ: لا بأس من إيراد اسم الشيخ حسين معنا، فهو على الأقل له كتاب في علم التجويد.!
ولكن كيف يوضع اسم ولده معنا، وليست له صفة أكاديمية تؤهله لذلك. هذا أمر جد، أمر علم لاتصلح فيه المجاملات والترضيات ولا تلبية الأهواء والنزعات غير السليمة.
فضلا عن أن أستاذنا العلامة يوسف فضل كلفني بإحضار كل النسخ المخطوطة من باريس، مستعيناً بزوجي الدكتورة الماجدة، وقد فعلتُ، فهل يتوقع أحد أن أضع تلك النسخ، بعد مكابدة تصويرها وشرائها وحملها، أن أضعها في يد الشيخ حسين وولده أو في يد ولده وشخصه الكريم، ثم يوضع اسمه إلى جانب اسمي.
لكل ما ورد رفض العلامة يوسف رفضاً باتاً طبع الكتاب، وأعلمني أنه لن يسمح بذلك إلا بعد التأكد من موافقة شخصي الضعيف.
وكان الشيخ حسين أو ولده أو هما معاً، سلما مكتب بروفسير يوسف، نسخة نهائية من النص الجاهزللطبع،ووضعا اسمي ناقصاً ولكن ضمن المحققين، وأضافا اسم رجل آخر في الغلاف على أساس أنه أحد المحققين الأربعة، ولم يحدث أن رأيته أو عملت معه في التحقيق، ولم أشارك في التحقيق المزعوم، إن كان هناك تحقيق، بل إنني لم أطلع على المقدمة الملهوجة التي كتبها ولده للكتاب، حافلة بالعيوب والأخطاء والركاكة والجهل بالكتابة. ولو طُبعت في صدر الكتاب لكانت كارثة، وهي المقدمة نفسها التي ظهرت في الكتاب المطبوع، وعندي اليوم كتابان أحدهماالنص الجاهز يحمل اسمي بمقدمته، والآخر مطبوع وهو خال من اسمي، فأي تدليس!.

الكتاب المطبوع:
طبُع الكتاب في مطبعة العملة، وهي مطبعة تابعة للحكومة، ولا يتم طبع مثل هذا الكتاب إلا بسند من داخل الحكومة، فهي طبعة مسنودة بالسلطة،مؤازرة لمن لا يستحق، والمجد لله في الأعالي.
سأورد هنا نماذج من عيوب هذا الكتاب:
الأول: ورد في آخر الكتاب أنه تم الاعتماد على" نسختين أحضرهما أحمد البدوي (كذا) من المكتبة الوطنية في باريس، إحداهما مفهرسة بالرقم
(Arabe 5493)
والأخرى سقطت منها ورقة رقم الفهرسة". ( ص27)
الرقم عندي ومدوّن في دفتري. ولم يسقط.
ولم يوردوا أي معلومات أخرى، وهي ضرورية، تشمل: نوع الخط، نوع الورق، عدد الصفحات، عدد السطور في كل صفحة، وتاريخ تدوين المخطوطة أو تاريخ الحصول عليها، ومن أي بلد، مثلا نجد تاريخ الحصول عليها، فتجد مخطوطات كتاب أرباب معزوة إلى بلدها وتاريخ الحصول عليها: مثل: مالي 1898م.
ولنا أن نستدل بهذا النموذج العلمي في بطاقة مخطوطة، يجب أن يورد في كل تحقيق للمخطوطة، من النهج الذي درسناه على مدى عامين بعد الدراسة الجامعية،:
( الجواهر الحسان في تحقيق معرفة أركان الإيمان
.. أولها : اعلم شرح الله صدري وصدرك أن الأركان التي عليها تتوقف صحة الإيمان.
آخرها: سبحان ربي رب العزة عما يصفون. الآية..
عدد الأوراق: 182، عدد الصفحات: 164، مقياس الورق: 23 في 18سنت..
مقاس النص:17 في 12 سنت، عدد الأسطر 13،
الخط مغربي.
وصف الحالة: مقبولة.)
الموضوع أمر معرفة، والشفقة واللهوجة والتعجل والكيد والتآمر لا تغني عن الحق شيئاً.
وهناك نسخ مطبوعة من الكتاب في غرب أفريقية مثل النسخة الصادرة عن الناشربوبو جلاصو في بوركينا فاسو.
الثاني: لم يرد في الكتاب الاسم الذي اشتهر به أرباب الخرطومي، في غرب أفريقيا ألا وهو: بابا غودو.!
نسخة الكتاب المطبوع في بوركينا فاسو تضمنتْ هذا الاسم، أو اللقب إن شئتَ، في صفحة العنوان.
أي أن ذرية أرباب العقائد يجهلون كتاب جدهم الضائع من قبل أن يولدوا مثلما يجهلون اسم جدهم وهو اسم ساطع في غرب أفريقيا.
الثالث: ويستحق أن يَرِد أولاً وأن يُفرد له عنوان خاص، هو أن كتاب الجواهر ما هو إلا شرح لكتاب أم البراهين، يرد في ثناياه نصُّ أم البراهين كله!
ويستحق بل لا مناص من طبعه بصورة تميز المتن بحجم حرف خاص به عن الشرح.
لقد راجعت نص أرباب مع نص أم البراهين الوارد في كتاب شرح أم البراهين لمؤلفه الشيخ أحمد بن عيسى الأنصاري، وهوكتاب مطبوع، فوجدتُ التماثل تاماً، والتطابق شاملاً، حذوك النعل بالنعل.
ولا أجد مسوغاً لتقديم أدلة. لأن المقارنة لم تدع مجالاً للشك.!
المدهش أن الشيخ حسين وولده لم يطلعا على أم البراهين، ذلك الكتاب الأساسي في التوحيد عند أهل السودان، أقدما على الخوض في بحر وهما لا يعرفان السباحة فيه.
وورد في مقدمتهما مدح للكتاب وتقريظ ورفع لشأن مكانته العلمية، وهما لا يعرفان أنه شرح لكتاب أم البراهين، والأدهى أنهما أورد في مطلع مقدمتهما نصاً منقولاً عن العلامة يوسف فضل، عن علم التحيد ممثلاً في أم البراهين واهتمام العلماء السناريون به تدريساً وشرحاً ولكنه عندما جاء إلى أرباب العقائد تحرّز لأن الكتاب ضائع فلم يقل إنه شرح لأم البراهين واكتفى بقوله الحصيف إنه كتاب في علم التوحيد.
وكتاب أم البراهين أو السنوسية الصغرى، في علم التوحيد، صنّفه الإمام محمد بن يوسف السنوسي المتوفى عام 895هـ، لخص فيه عقيدة أهل السنة على مذهب الأشعري، وله أيضاً السنوسية الوسطى والسنوسية الكبرى. ولأم البراهين شروح وحواشٍ وتعليقات شتى، منها شرح أحمد بابا التمبكتي المتوفى عام 1036هـ، وهو معاصر لأرباب، أو عاشا في فترة متقاربة،.
أما حسين وولده فقد اطلعا على ظاهركتاب أرباب ، ماكان لهما علم بأم البراهين، فلو كان لهما علم لوجدا الدليل ظاهراً بالبداهة لا يحتاج إلى دليل.
الأمر الثاني: وهو لا يقل خطورة عن الأمر السابق، أن شرح أرباب لأم البراهين متطابق في عبارات كثيرة وفي كل التعريفات والحدود مع ما ورد في شرح أحمد بن عيسى، ويمكن أن نعزو السبب إلى رجوع كلا الرجلين إلى مصادر علمية في الموضوع لعلماء سناريين وغير سناريين، ولكننا نعرف أن أرباب العقائد درس علم التوحيد على شيخه علي بري، وأن لعلي برّي كتاباً في شرح السنوسية الكبرى أي أم البراهين الكبرى، ورد ذلك في ترجمة كليهما، وورد أيضاً في الطبقات في ترجمة غانم الكردفاني الجامعي المدفون في جبل أولياء أنه درس التوحيد على الشيخ على بري، فلما توفي، التحق بالشيخ أرباب فقرأ عليه علم التوحيد، وغانم نفسه صنّف كتاباً في شرح السنوسية، يُفهم من كلام ود ضيف الله أنه يقتني نسخة منه في آخر القرن الثامن عشر.
ولهذا نميل إلى أن كتاب أرباب العقائد أفاد من شرح علي بري، وأن ما ورد متشابهاً ومتماثلاً في شرح أرباب وشرح أحمد بن عيسى جدير بأن يكون مستمدّاً من شرح علي بري.
الشيخ أحمد بن عيسى السناري المتوفى عام 1124هـ - 1826م درس في الأزهر ونال إجازات منه، وافتتح مثابة علم في بلده كترانج وفي سنار، ومن تلاميذه المشايخ: إبراهيم الكبّاشي وبدوي أبو صفية، والسلاوي، الخ . ومن مؤلفاته المطبوعة: كتاب شرح أم البراهين نشره السيد مضوي الحاج ن صاحب مكتبة مضوي بود مدني، بدون تاريخ.
ولقد حدثني دفع الله التوم الصالح، أن بحوزته مخطوطة كتاب جده علي بري، كتاب شرح السنوسية الكبرى وأنه مُقدم على نشره.
وسيقف الناس على حقيقة ما قلنا حين يطبع الكتاب، أو أن يتولى الصالح دفع الله عقد دراسة تقارن بين نصي الكتابين في الشرح ، وسنقف على الحقيقة جلية بلجاء.
الرابع: لا أريد أن أعدد ما يثبت ركاكة المقدمة وما فيها من عيوب، يكفي أن استخلص منها ما ورد منها في منشور الشيخ حسين مقارناً بما ورد في مقدمة التحقيق المقدم إلى مكتب البروفسير التي كتبها ولده وكان يراد له أن يطبع في كتاب، وهي نفسها مثبتة في الكتاب المطبوع، ولكنها محسَّنة على نحو ما، لا شك في أن أحداً تولّى ذلك. وإن كان فد فاته أمور مثل قول القائل في الطبقات: لم تصل عليهم؟ بحذف الياء، بيدأن لم هنا: بكسر اللام وفتح الميم، أي للاستفهام، يجب أن تبقى الياء في المضارع المرفوع! إنها ليست: لم الجازمة.!
ولكن معلومات تستحق التصويب، مثل: مملكة الفونج قامت في الحدود الحالية لجمهورية السودان، هي معلومات فشوش ، فدولة الفور لم تكن تابعة لسنار ولا تقلي.
أو قوله عن قبيلة المحس في توتي إنها قبيلة اشتهرت بتعليم القرآن الكريم، عبارة تحتاج إلى تقويم، القرآن الكريم في توتي اشتهر به الشيخ النور الصليحابي، وآل الشريف الهندي ومن بعدهم آل أم ضبّان من تلاميذه.
ولكن يهمني هنا أن أقف عند قضيتين، كنتُ حريصاً على التحرُّز في ورودهما في الكتاب بدون توجيه ونقد، لأن الشيخ أرباب يمثل ثقافة عصره وما آل إليه من التراث الممتد، مما يوجب علينا أن ننبه إلى ما فيه من آراء غير مقبولة الآن وجديرة بالاستبعاد والنقض، وتبرئة الناس من الخضوع لقبولها، فهي آراء يمكن أن ترد.
أما وقد طبعوا الكتاب فقد ورد فيه:صفحة 73:
" الصفات التي تحطّ قدر الأنبياء عند الناس في العادة كسواد الجسم ودناءة الصنعة كالدباغة وشبهها، فإن هذه كلها مستحيلة عليهم، صلوات الله وسلامه عليهم."
أنه مستحيل أن يكون هناك رسول من عند الله أسود اللون.
القرآن الكريم ينفي هذا القول ويدحضه. في أكثر من موضع. أنه تعالى أرسل في كل أمة رسولا وأن الرسل كثيرون "منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص". ما أدرانا أن بينهم سود الألوان.
وفي تفسير القرآن الكريم يرى بعض المفسرين أن لقمان نبي.
وفي شرح الحديث: إنما بُعثت إلى الأسود والأحمر ، أن السود هم العرب وغيرهم والحمر هم الروم ومن في حكمهم.
ويرد في الكتب العربية أن أبناء عبد المطّلب العشرة كانوا سوداُ دُلما، والأدلم في لون إطار السيارة.
والآن يزدهر اتجاه علمي أن موسى رجل أسود اللون. الخ
كيف يمكن أن نطلب توحيد الله اليوم من قوم سود الألوان ،
وأن يؤمنوا بأن الله تعالى حرمهم من الرسالة.؟!
هذا سلاح لتبريير مطعن، لا وجود له في القرأن الكريم.
غير مقبول اليوم بل مرفوض ومدان وإثم أن يقال إن سواد لون الجسم يحط من قدر الأنسان، وأن ذلك أمر مسلّم به أي : كالعادة!!
والإنصاف يقتضي أن نثبت خلو كتاب أحمد بن عيسى من أي ذكر لهذه القضية الفظيعة التي استبعدها .
أما التجني على بعض المهن، فهذه عادة عربية لا علاقة لها بالإسلام، والعرب عادة يحتقرون أصحاب الصنائع، فيصنفونهم في مستوى أدنى، وكذلك قبيلة الزغاوة.
ولهذا نفى ابن خلدون مزية الحضارة عن العرب لأنهم ليسوا بأصحاب صنائع.! والأصل في الحضارة الصنائع.
بل تجد في بعض كتب اللغة مواقفَ طبقية مؤسفة أنه لا يجوز للإسكافي أن يستخدم كلمة آل: آلي. من إقحام الطبقية في اللغة وهي بريئة من ذلك.
والعكس صحيح، كلمة عربي في بعض المعاجم الإنجليزية الأمريكية قبل سنوات، من معانيها: كذّاب ولص وشخص غير متحضِّر وكافر.
الأمر الأخير هو ما ورد أيضا عن الرسل، أنه تُشترط فيهم الذكورة،
فليس هناك امرأة ذات رسالة.
وهذا الرأي على رغم رواجه، أيضا مدعاة لإثارة الفتنة وجلب البلبلة مثل الأمر السابق.
الحق أنه يرد في كتب الأقدمين مَن نصًّ على نفي ذلك التقوّل،
مستدلا بما حدث لمريم البتول.
ولكن الشيخ حسين وولده أقدما على نشر الكتاب وهو يتضمن هذه المقولات الغليظة المعيبة دون توجيه.
ولقد اشتمل الكتاب في آخره على فصل طريف في وصف القيامة وما بعد دفن الموتى، وهو فصل مستمد من كتب القصاصين المسلمين التي تزدحم بقدر وافر من الخيال الشعبي والمبالغات التوحيد، والتهاويل، مثل عبور الصراط، قوم يعبرون كالطير طائرين، وقوم يعبرون جرياً وأخرون يعبرون حبواً وزحفاً.!
هذا شأن الكتاب.
وذاك هو نكران الجميل والمكر السيء، هو تجلي الفساد في العمل الثقافي والتعامل، ولأن الشيخ حسين صاحب كتاب في علم التجويد، أرجو أن يسمح لي أن أذكره بقوله تعالى : هل جزاء الإحسان إلا الإحسان" .( سورة الرحمن، الآية 60).
وأداء الأمانات إلى أهلها( إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها، وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل.. الآية، سورة النساء، الآية: 58) ورد في حق أهل الكتاب، ومن بينهم اليهود، وقد تم التآمر علينا، بل تم تجريدي حتى من نسخة المخطوطة التي أتيتُ بها إلى السودان، فهل يؤدي الأمانة ويعيدها إلى آل الضرير وقد أخذها منهم بغير علمي .
أما الكتاب المطبوع فقد حصلتُ على نسخة اشتريتها من جيبي، شاكراً!.
لست أدري وأنا أهمُّ بختم هذا الفصل البائس البايخ ، تذكرت بيتي أبي العلاء المعري:
جُر يا غرابُ وأفسدْ لن ترى أحدً إلا مسيئاً وأيُّ الناس لم يجرِ
لو كنتَ حافظ أثمارٍ لهم يَنَعَتْ ثمَّ اقتربتَ لما أعفوكَ من حجر

aelbadawi@hotmail.com

 

آراء