في مخاض ميلاد الأمانة

 


 

 

تجمع كيان الوطن
هؤلاء الكيزان لا يستحون ولا يعرفون الحياء، أَوْ كَييْ، بس عندهم غباء أو انعدام كياسة وهم محجّبون عن الدين بقناعات الزيف التي، لحسن حظي، عايشتها أمام نظري وكتبت عنها، فأشكر الله تعالى أن أنقذني من النفاق وتبّاعه، ووفقني للوقوف في صف الإسلام المهجور لمحو الشرك والنفاق واللصوصية منه، بالبحث والتبحر في بيّنات الأديان وحقيقتها مع القرآن الكريم سيد البيّنات مع أفواج المتدبّرين.
أعتذر للاندلاق خارج موضوع الحديثِ، والذي لم أبيّنه بعد (قبل هذا التوضيح اللازم)، فأنا لست بصدد إسدال الهدى أو عرضه عليهم، لأني لا زلت أتدبّر، ولأن من يمكن هدايته قطعاً يكون أهتدى، لأن بينهم من هو صادق النية، عفيف المنبت، وجل من لا يخطئ أو يضل. أما أساطينهم فأغلبهم من خان الأمانة التي حذر الله الجليل عنها، فقدموا سماً زعافاً، لولا رحمة الله وإرادته، لأودى بالسودان، الذي هو في حقيقة واقعه السياسي والجغرافي والتكاملي، قلب إفريقيا، بل ضمير العالم أجمع لما به من روابط وثروات وتأريخ وأصل بداية البشرية، لتعلية كلمة الله تعالى قي الأمانة التي هتكها البشر ودنّسها من تولّوها وهم جاهلون.
الكيزان، هم من وصفتهم بخونة الأمانة وأساطين النفاق ممن حذّر الله عنهم في سورة التوبة، آية 101 "وممن حولكم من الاعراب منافقون ومن اهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم سنعذبهم مرتين ثم يردون الى عذاب عظيم"
لا أحتاج للحديث عن الدمار الذي سببه الكيزان، واعترف به وتبرأ منه عدد خيرّ من الكرام من الإسلاميين الذين لهم الشجاعة في مواجهة الحق، والذين آمل أن يتدبّروا القرآن، فهو صاحب السبق، في حكمة النظام العالم المنتظر، والذي يصون الأمانة أولاً قبل الديمقراطية، فالأمانة هي الحق الإلهي، الذي فضله من الناس وعدالته بنور رسالته بالصدق والبراء. هي معركة، سبقت المسلمين عليها الشيوعية العالمية بالحروبات الماثلة أمامنا اليوم من الشيوعية الحديثة، قطعاً نحوها، ولكنها عرجاء، مثلما سبق المسلمين عليها فلاسفةُ التنوير من أهل الكتاب، الذين بنوا بها النظام العالمي الحالي من حقوق الإنسان والديمقراطية ، بالوكالة من الرأسمالية الظالمة، والشعوبية المتوحشة، وشيوعية الزيف الطبقية المقلوبة .
هذه فرصة لعدالة الإسلام ليكون لها قصب السبق، فهي محفورة في رسالته "قرآناً مهجورا".
من بيان "تجمع كيان الوطن"، تمخض الجبل فولد فأراً.
لا تسئ الظن بأنني أهاجم كل محاولة قبيل تفحصها وتدبّر اتجاهاتها، والله لو كان الأمر بالبساطة التي نسخها كاتبو هذه المبادرة لكانت حمداً ميسراً من الله تعالى نحتفل به ونتبناه جميعاً. لكن:
فوبيا الانفتاح:
هي نفس سياسة الكيزان التي فصلت الجنوب، وكانت تنوي إما إتباع عربنة بإبدال غير العربان في دارفور بعربان من دول الساحل، لتكون جزء من خلافة إسلامية، أو فصلها كالجنوب من أجل ذات الغرض. وهو مشروعهم السابق ذي الإبادة العرقية بواسطة الجنجويد العروبي (الدعم السريع حالياً)، الذي تاب وانقلب عليهم، "يدردرونه" بهذه المبادرة ويمدون شبكتها لقوات الكفاح المسلح، ليقيموا عبرها دولة جيشها متراكم وثروته متراكمة وأمانته مباحة.
لك أن تسألني: كيف مباحة؟ وما لديّ من بيّنة لأرمي بها وسطاء سلامٍ كهؤلاء؟
أقول من قرائن ما نرى، وليس خافياً على أحد، أن حكماء النظام الخطير الماضي كانوا يخططون شبكاتٍ عنكبوتية، ولهم من خبث الدراية والتمرس فيها الكثير، كيف يقيمون دولة لله في أرضه.
بما أن السودان دولة كبيرة لما استولوا عليها كانت بميزاتٍ: مليون ميل مربع، قليلةِ السكان، متعددةِ الأعراق، كثيرةِ الثروات، عذراءَ الانتماءات، قوية الجيش والبنية التحتية، مترابطةِ الأطراف، ذات وضع استراتيجي سياسياً، تجارياً وشعوبيا.ً
عوارها كان: أطماع الجيران، تعدد الأديان واللغات والعادات، وتجذّر الطائفية العمياء، مع وهن العود بغياب الدستور الدائم، ومسخ تجارة الرقيق الإسلامي.
الطائفية ومسخ تجارة الرقيق السودانية خلقت جمراتٍ خبيثة تغازل الدين والعادات والسياسة والطمع، وكان دور الأحزاب الكبرى، وهي طائفية رجعية الأفكار، أن استحوذت في معيتها غالب الشعب السوداني، وكان التطور السياسي لا يسع في داخله الواقع الإثني (العرقي) إلا في تجييش الشعب، حتى صار شعاراً بمارشات شباب الختمية والأنصار والطرق الصوفية، ومارشات عسكرية في المناسبات الدينية، ثم بدأت مغازلات الحركات السياسية في دول الجوار، بلا رحمة على وطنٍ تليد يحتاج لربط شعوبه المتعددة.
وبدأت معها عمليات تزوير الوطنية السودانية لأسباب سياسية، من طائفة حزب الأمة، الأنصار، وطائفة حزبي الوطني الاتحادي والشعب الديمقراطي، الختمية مع الاتحاديين، بتوطين النازحين من أمم تلك الطوائف لتزوير الانتخابات، فكان أول انشغال غير وطني من المجتمع السوداني السياسي عن حصن الدستور الدائم، الذي ليعطّل تلك التلاعبات بهشاشة الجنسية السودانية.
ثم تطوّر ذلك الفساد الرجعي إلى العوار السياسي الذي بدأ انتشاره بعد مرحلة التنوير في مسيرة النظام العالمي بانتعاش الجمرات الخبيثة المدفونة من عهود الاستعمار والرق الأطلسي والاضطهاد العرقي، فبدأت الانقلابات العسكرية المسماة بثورات، وانتشرت عدواها في كل الدول النامية، وأكثرها وباءاً كان السودان، وجواره دولة مصر ذات الجذور العريقة مع السودان، وهي في قبضة العسكر.
ميراث الأحزاب:
وصار ذلك داءاً مستفحلاً في عظم السودان، تسبب في فشل إقامة دستور دائم يؤمّن سيادة السودان، ويمكّن من تطويره سياسياً بالديمقراطية السليمة، والتي يكون الإسلام فيها ميزةً تحجر الاضطهاد والظلم وتستفيد من خصائل الشعب السوداني المثقف بحكم إدراجه بالمستعمر الإنجليزي تحت وزارة الخارجية الإنجليزية بدلاً من وزارة المستعمرات، الشعب الأمين، بصيته المعلوم لشجاعته، لتكوين دولة مثالية، أكانت مسلمة أو متعددة الأديان، متعددة الأعراق، ومتعددة الثقافات. كان حتماً سيكون علماً فوق الأمم. وفيه للآن فرصة منبع النظام العالمي المنشود، ذي الأمانة.
فبدأت الأحزاب الطائفية برجعية تفكيرها ففرّخت الأحزاب الراديكالية، ذوات الفلسفات المكتبية، بعيداً عن واقع العالم والكون، وكان أولها الجبهة المعادية للاستعمار، الشيوعية، في وقت الاستعمار الذي تراجع بنفسه، نعم لم يكن كلياً، ولكنه كان يتجه حتمياً للاندثار. وثانيها كان الإخوان المسلمون في بوتقة جبهة الميثاق الإسلامي، الذي انقسم بعد مؤتمرهم عام 1965، الذي فيه انشق سيد قطب ومعه شرائح الإخوان التي تؤمن بالدين السياسي، ضد مرشدهم الشيخ الهضيبي وابنه مأمون، اللذان ألفا كتاب "دعاة لا قضاة"، والذي زكّاه الأزهر الشريف، والذي حول عقوبة إعدامه إلى حبس منزلي، والذي اتبعه في السودان صادق عبدالله عبد الماجد، وقاد الدكتور حسن الترابي في السودان شق الإسلام السياسي.
{كنت أنا وأخي سعد قد انضممنا في سنتنا الأولى بالجامعة عام 1964 لجبهة الميثاق لأنها خيرية ودعوية، ولم نكن نعلم حينها إنشقاق الترابي لفصيل التسييس الديني، وفي حكم عبد الناصر بالإعدام على الشيخ الهضيبي، نشرنا رأينا انفراديا ومستقلاً في حوائط نادي الطلاب، وأوصلها أحدهم لسفارة مصر حيث وُضعنا في القائمة السوداء لعدم الدخول لمصر والذي فيه حبست أنا مرتين في القاهرة}.
واصلت ولائي لجبهة الميثاق، ولكنني فوجئت بعدائهم لي في الحياة العملية بعد التخرج بعد انقلاب يونيو 1989، ولم أفهمه حينها لأني كنت متخصصاً علمياً ورياضياً، ولم أكن سياسياً. وحاولت التخاطب معهم حتى وصلت إلى الدكتور الترابي ، ولكنه صدني. ووصل العداء حد التهديد، والفصل التعسفي والحرمان من العمل في السودان، عام أو خاص، وهربت بأسرتي من السودان عام 1996. هذه التفاصيل هامة لأني بعدها، وفي تشريدي ببريطانيا، كنت قد قاربت سن المعاش، ففرّغت نفسي لدراسة ما لم أدرسه في الجامعة: أديان، تأريخ، فلسفة، علوم اجتماعية، وصحافة، حتى أتعرف على الشيطان الذي لم أكن أعلم به، ليكون نزعه من جسد الوطن الحبيب هو رسالتي الثانية التي كتبت عليّ.
واستفدت من توفر المعلومة وسبقيتها، وربطت بين السياسة والأديان، فاكتشفت الحقيقة التي كنا جميعاً غرقى فيها ولا نعرفها، وهي الحركة التنويرية في استحالة التزاوج بين الضمير والواجب، مما يشيطن التسييس الديني (من أهم فلاسفتها "إيمانويل كانت" اليهودي من فلاسفة السلام الأبدي)، وتلوّث التسييس الديني والذي، لاحقاً، كشف لي عجزه عن حمل الأمانة التي وصف رب العرش العظيم حمل الإنسان لها بالظلم والجهل.
هي نفس الحقيقة التي شيطنت الفلسفة المعادية للتنويرية في الحقوق والواجبات، وهي النظرية الماكيافيلية: الغاية تبرر الوسيلة".
وبما أن النظام الرأسمالي يتجه للإقطاع وعبودية الأرض، وفي لُجّ أمواج الصراع القطبي السياسي الذي يدور أمامنا اليوم، والذي يهدد الماركسية البروليتارية، وانبعاث حركات الشعوبية والصراع العنصري والذي نشاهده الآن في حروب أوكرانيا مع روسيا ودول البلقان وفرنسا وإسرائيل، وغزوه لأمريكا ومغازلة أمريكا له بانقسامها الشاذ، وتشظيه في أوروبا، بينما يتصاعد الصراع الديني في آسيا والصين لدرجة الخطورة المدمرة، ثم اندلع في السودان وهو يهدده ومعه القارة العذراء الغنية، إفريقيا ليكون دورها الاستنزاف المنتظر، أو كما خطط وقال دونالد ترامب الذي وجد أذناً صاغية لمن فاتهم الاستعمار السابق من الدول العربية التي تبناها دونالد ترامب لترويج الدين الإبراهيمي والشرق الأوسط الكبير، لدول النفط المهدد بالذبول، والتي يسيل لعابها لمياه وثروات إفريقيا، (والسودان على رأسها)، ويودون أن يأخذوا حصتهم من عرق ودماء الضعفاء كمن سبقهم بالاستعمار، (بأن أفريقيا تحتاج لاستعمارٍ كما قال!) ولم لا؟
بداية الوعي العالمي بالأمانة:
في هذا السيناريو الواضح، لعبت روسيا بنظرية ماكيافيلي "الغاية تبرر الوسيلة"، فغلّبت الواجب على الضمير، بأن فقراء إفريقيا يتم تحويلهم لمافيات "مرتزقة مسلحة" تنزع الثروة من دولها الضعيفة بمرتزقة مصنوعة من الرق الإسلامي المستخلص من سوء تدبّر الآية 4 من سورة محمد "فاذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى اذا اثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما منا بعد واما فداء حتى تضع الحرب اوزارها ذلك ولو يشاء الله لانتصر منهم، ولكن ليبلو بعضكم ببعض والذين قتلوا في سبيل الله فلن يضل اعمالهم".
والتي تدير فلسفتها وميكانيكيتها كما أسلوب مافيا عالمية، شركة فاقنر (واجنر) الروسية، وانتشرت في دول الساحل، وفاقت قوتها لتهدد صانع الوحش، فرانكشتاين، وهو بوتن، مثلما هدد الوحش، الدعم السريع، صانعه "المؤتمر الوطني" الذي يسيطر أيضاً على قيادة الجيش، فصار وحش برأسين، ويعمل الكثيرون في تمديده وتنويعه باستغلال الحركات المسلحة التي ليس هنالك حبٌّ مفقود بينها وبين المؤتمر الوطني إلا ما يخططه الشيطان في غفلة الشعب السوداني وحالة تعريه "ملط" بعدم وجود دستور دائم، فنكران سودانيته ليست بالصعبة مع ارتشاء الإدارة الأهلية والحقد الذي دفن بين الأعراق، فبدون تطهير والاستعانة بمن في المجتمع العالمي الذين هم مؤهلون لبعض الثقة، فإن سيناريو الحلول للسودان، بحكم الأطماع الخارجية والفتنة الداخلية، هو تقسيمه لولايات قبلية تقود لدويلات عرقية، تطلب بعدها حق تقرير المصير لتكون قابلة للشراء بسكانها للدولة التي يرغبون الانضمام إليها، وهو السيناريو المبسط "البرئ" لعملية مثل وقف الحرب، وتقسيم السودان مثلما حدث لجنوب السودان.
وهنا هبطت مبادرة تجمع كيان الوطن
كما حدث للجنوب، وهو سيناريو خيار الكيزان الثالث.
أما خيار الكيزان الأول، فقد شرعوا فيه وفشلوا، وكان هو إبادة الأعراق الإفريقية وجلب مماليك وأعراب الخلافات الإسلامية الآفلة والتي نزحت للشام، ثم مصر، ثم بحيرة شاد، ثم دول الساحل بغرب إفريقيا، لإقامة دولة ثرية، إسلامية متجانسة عرقياً.
والخيار الثالث، إذا عاند السودانيون وكسروا عصا الطاعة مثلما ما هم فاعلون اليوم، فقد صيّحوا بها وأعلنوها " إراقة كل الدماء" ثم سلب ثروات السودان كلها بتقسيم السودان كدويلات عربية وبيعها لدول الجوار، لجمع الثروات والتوجه لدولة خلافة في العراق والشام، وهي مثلهم الأعلى.
لكنهم ليس في برنامجهم نظام لرفاهية أهل الثروة من الأجناس المتعددة في السودان.
ليس هدفهم الحرص لحمل الأمانة التي قدرها الله تعالى لمخلوقاته، وحذّر الإنسان في حملها بظلمه وجهله.
فالأمانة لديهم غاية تبرر الوسيلة، مثل تمرد بوتين على النظام العالمي الحالي، ولكن وحشه الذي خلق انقلب عليه، وهو عرّاب الكيزان، فكيف مع جنين وحشه الدعم السريع؟
إذا الأمر هو انقاذ السودانيين وترسيخ حقهم، فهذي السيناريوهات الثلاث لا تصلح ولا يغباها إلا الأعمى. والكيزان قد كنزوا ثروات السودان في الخارج، وشردوا عقوله وكوادره المقتدرة حِرَفياً وعلمياً، وسمموا الدم السوداني بالعاطفة الدينية لدى الجماهير الطائفية، والتشهير بأعدائهم في ظلام المعلومة، وبالعنصرية، ويرفلون بين عيوب وفضائح الشعوبيين، وتأمين قاعدة الشر بتقوية المافيات العالمية لحصر المعركة معهم بأنها عاجلاً آو آجلاً ستكون المعركة الوحيدة بين الحق والباطل (في تصورهم)، وحقيقةً هو المعركة بين الباطليْن بعد ضياع الأمانة من أصحابها.

izcorpizcorp@yahoo.co.uk

 

آراء