في هذيان الإسلامي خالد موسى عن المعارضة والحركات المسلحة
ushari@outlook.com
(1)
ما أن تَعرِف موقعَ خالد موسى كالضابط العظيم في سلاح الكتابة، حتى تدرك أن مقاله بعنوان "أزمة القوة الناعمة في المعارضة السودانية" لا قيمة له، فيمكنك أن تبصق على مقالٍ عديم القيمة، فقط بعلة أن المقال من نتاج مؤسسة "سلاح الكتابة" في الدولة الإسلامية الإجرامية الفاسدة نظام الإنقاذ.
وكما قلت، خالد موسى ليس مهما في شخصه، المهم في نظري هو مؤسسة "سلاح الكتابة" التي يعمل فيها خالد، وأصلا أنشأها جهاز الأمن لأغراض تزيين قبح النظام ونذالته وللعدوان على المعارضين. وأحدد خالدا باسمه لأن في خطابه الشخصي المُوقَّع بابتسامة يعبر بها عن سخريته واحتقاره ضحايا النظام، وفي هويته وشخصه، تتجسدن مؤسسية "سلاح الكتابة"، ومادية الحركة الإسلامية كحركة شريرة، ومادية إجرام نظام الإنقاذ وفساده. ومشروع خالد كله يتلخص في الدفاع عن إجرام نظام الإنقاذ وعن فساد الإسلاميين.
فخالد مكلف أصلا من السلطان بنشر هذا التقرير الاستخباراتي من تقارير جهاز الأمن ووزارة الخارجية عن الجهات الأجنبية التي تدعم المعارضة، وهو مكلف بإضافة تعليقات واستنتاجات.
ومع ذلك، وفي سياق الانشغال بالبصق، لا يجوز إهمال دلالات التقرير عديم القيمة، فحتى الكلام الفارغ ينطوي أحيانا على دلالات مهمة، وحتى المهرج بالخَطرفة يُخَرِّج من دماغه المتفلت بعض مؤشرات تُذَكِّرك بموضوعات تعرفها لكنك قد تكون تتناساها علها تختفي، وكتابة خالد تسجل هذه الموضوعات المؤرقة بشأن المعارضة، فلا يهم أن الموضوعات تسلي خالدا تنسيه مرضةَ نظام الإنقاذ المهدد بالانهيار جراء صدمة قد تأتيه من حيث لا يحتسب. المهم أن نقرأ دلالات المحتوى في مقال خالد.
(2)
على جهات المعارضة السودانية التي شَنَّع بها خالد بقوله إنها تتلقى الدعم من جهات أجنبية لتنفذ أجندة تلك الجهات الأجنبية، عليها أن تفصح عن نفسها فأسماؤها بالطبع في نسخة التقرير السرية، وعليها أن تدافع عن نفسها إن هي أرادت، وأن توضح رؤيتها في الأمر ومواقفها. وإن هي سكتت ينطبق عليها أسوأ مما قاله عنها خالد. ويوما سينشر جهاز الأمن اسمائها.
لكن الأمر أمر العلاقة بين فئات المعارضة والمنظمات الأجنبية أكثر تعقيدا مما يطرحه بالسذاجة الماكرة خالد موسى. وقد نشأ تخصص أكاديمي كامل في الجامعات الغربية ينظر بالانتقاد في هذه الوضعيات المعقدة عن العلاقة بين الكيانات الأجنبية، من جهة، وكيانات النشطاء الوطنيين المحليين في دولهم وفي الشتات، من جهة أخرى. ذلك في مثل المجالات التي أوردها خالد، وفي مجالات أخرى عن شركات الأدوية العالمية، والتقاطعات مع تدابير منظمة التجارة العالمية والاتفاقيات متعددة الأطراف أو البينية الشبيهة.
(3)
الذي أراه، وكتبته من قبل، هو أن الجهات الاستشارية الأجنبية، والجامعات الغربية وهي تعمل أيضا في تجارة الاستشارة، ليست لديها أية أفكار أو مفهمة أو برامج أو خطط يمكن أن تُعِين في بيان كيفية التعامل مع الكارثة نظام الإنقاذ، أو مع الكارثة في جنوب السودان.
وكل إسهام هذه الجهات الاستشارية والجامعات يظل حركاتٍ مشدودةً إلى إثراء المؤسسات، وإلى إثراء الخبراء الأجانب الذين يدَّعون أنهم "شركاء" للفئات الوطنية المحلية أو في المهجر، وأحيانا يدعون على استحياء أنهم "ممثلون" لها، بينما لا يوجد ما يسند صحة الادعاء عن "الشراكة" أو عن "التمثيل"، ولا ما يسند في كل الأحوال الادعاء بنجاعة الاستشارات المقدمة ذاتها. والمطابقة بين كلامي وكلام خالد شكلية، بسبب الاختلاف الجذري في البواعث.
(4)
من أسباب تفجر الصراع في جنوب السودان الاستشاراتُ والخططُ الفاشلةُ التي قدمتها هذه الجهات الأجنبية وفرضتها بقوة المال وتصنُّع الخبرة وأحيانا بقوة الرشوة وبقوة دولها التي تقف وراءها، ومن أسباب تفجر الصراع مشاركةُ هذه الجهات الأجنبية في النهب المقنن أو الإجرامي في جنوب السودان، لأن الصراع المتفجرَ موضوعُه الأساسُ هو الفساد والأموال المتاحة في مجال سيطرة الكليبتوكراسي حكومة الحرامية في جوبا على جهاز الدولة، وذات هذه الجهات الأجنبية الفاشلة تتجه اليوم مجددا إلى جنوب السودان تريد استشارات جديدة مدفوعة الثمن من المانحين والممولين تقول إنها تريد فرصة أخرى لإنقاذ جنوب السودان!
بدأ يتبين من الدراسات الأنثروبولوجية وغيرها اعتماد المنظمات الطوعية غير الربحية الفسادَ في برامجها. وهذه المنظمات في أمريكا تعتبر اليوم من أهم أسباب تآكل الجهاز التنفيذي، بسبب فسادها وعدم قدرة الموظفين الحكوميين على متابعة تنفيذها ما تعد به وقد أخذت الأموال المخصصة في بلايين الدولارات. وهو مجال التكليف الخارجي والوكالة. وبدأت الإيف بي آي للمرة الأولى تضع جرائم فساد المنظمات الطوعية الأمريكية غير الربحية نصب أعينها. وتضج وسائل الإعلام الأمريكية بروايات فساد المنظمات الطوعية، مثل الصليب الأحمر الذي ورد في تقرير قوي من صحفيين ناشطين أنه استلم تبرعات نصف بليون دولار (خمسمائة مليونا) لبناء مساكن في هاييتي. وتبين لاحقا أنه أنشأ ستة بيوت فقط! وقد اعترف الصليب الأحمر بالستة بيوت وقال إنها كانت على سبيل البايلوت بروجكت، للاختبار الأولي!
(5)
فالوقائع التي سردها خالد موسى عن المنظمات الأجنبية وفئات المعارضة السودانية والكيانات المثيلة في جنوب السودان صحيحة أو هي لا تفارق الحقيقة بدرجة تؤثر في مصداقيتها. رغم أن خالدا لم يذكر "الفساد"، وهو الخصيصة الأساس في العلاقات بين أغلبية المنظمات والفئات، وكلاهما يستفيدان من المال المقدم من الحكومة الأمريكية ومن حكومات الاتحاد الأوربي ومن المانحين الآخرين ومن الوسطاء السماسرة، وهي صناعة كبرى ببلايين الدولارات كل عام، وليس للكيان السوداني منها إلا بعض فتات.
فليست العمالة هي الخصيصةُ المهمةُ في هذه العلاقة، لأنه أصلا لا يوجد أثر يؤبه له مما تقدمه هذي فئات المعارضة بسبب الدعم الأجنبي، وقد فشلت كافة مقترحات وخطط المنظمات الأجنبية، في جمهورية جنوب السودان على سبيل المثال، ولا جدوى من دعم جورج كلوني لبرنامج سنتينيل. فالموضوع الجدير بالاهتمام، في تقديري، هو استشراء الفساد في المنظومة الطوعية غير الربحية بأكملها. ولا فرق بين المواطن والأجنبي حين تكون العلاقة فسادية.
(6)
لكن الذي يغيبه خالد من مقاله هو أنه لا توجد جهة سودانية ولغت في العمالة الفسادية للأجنبي أكثر مما ولغت فيه الحركة الإسلامية السودانية ومؤسساتها مثل منظمة الدعوة الإسلامية وجامعة أفريقيا نهبا لأموال المانحين العرب والمسلمين في منطقة الخليج. أو أكثر مما ولغ فيه نظام الإنقاذ ذاته، كنظام، عمالةً لأمريكا وللدول الأوربية والصين وروسيا وإيران وللمملكة العربية السعودية، وغيرها من الدول.
فأشكال عمالة نظام الإنقاذ، والعمالةُ أمر موضوعي وتجاري له إجراءات ثابتة يمكن أن نستنبطها لأنها تتم في السر وفي العلن، وتتم أشكال عمالة نظام الإنقاذ تحت ستار لغة "العلاقات بين الدول"، ولا يدرك خالد أن جميع هذه الخدع المصوغة باللغة قد انكشفت، ولم يعد سائغا التمييز القانوني بين كيان الحكومة والكيانات غير-الحكومية بأشكالها، فلا يمكن لحكومة أن تسبغ قانونية على أفعالها وممارساتها فقط لأنها "حكومة ذات سيادة" فمشروع لها بعلة "السيادة" مثلا أن ترسل مرتزقة من مليشيا الجيش السوداني إلى اليمن وتتلقى هذه الحكومة وهي حكومة حرامية أجر تسهيلها الإتجار في الجنود السودانيين المستغَلين في حرب الشيوخ. بينما تُجرِّم الحكومة سلوكا مشابها على مستوى آخر محدد بالاختصاص تتخذه منظمة طوعية أو فئة معارضة تتعاون مع منظمة أجنبية.
(7)
النقطة هنا هي أن معيار "العمالة" للأجنبي يمكن إعماله لتكييف ممارسات الحكومة ذاتها، إلا إذا كنت بالطبع كاتب السلطان فمعاييرك لا علاقة لها بالوقائع ولا بالحقيقة أو الحجة، هي فقط معايير السلطان التي اخترعها السلطان. والسلطان في اللغة من السلطة، وبيده القلم كاتب السلطان.
وخذ أيضا محاكمة أعضاء منظمة تراكس تجد مثالا حيا لبؤس التفكير القانوني ولسلطانية القوانين، فهب أن حركيي تراكس "تخابروا مع العدو"، وهي تهمة وجهتها لي يوما حكومة الصادق المهدي، وحذرني المحامي مصطفي عبد القادر وأنا محبوس في مكاتب التحقيقات الجنائية من أن أستهين بالأمر فالعقوبة هي الإعدام، فهل تنطبق المواد القانونية والتعريفات في سياق ثابت فيه أن نظام الإنقاذ ذاته نظام غير شرعي استلم السلطة بالاحتيال وركز سلطته بالعنف والقهر والإرهاب، وبرنامجه الأساس صناعة الفساد؟
(8)
يعتقد خالد جازما أن فئات المعارضة التي تعمل مشارِكةً للمنظمات الأجنبية أو حتى خاضعة لها وتنفذ أجندتها، يعتقد خالد أن هذه الفئات تقترف أفعالا غير مقبولة ولا مشروعة، ومن ثم هي موضوع الملاحقة في التقرير الاستخباراتي من الأمن والخارجية الذي استعرضه خالد. لكن أين في مقال خالد الوقائعُ الجوهريةُ ذاتُ العلاقة والمنتجةُ في الفصل في هذا الجدل بين طرف المعارضة وطرف الحكومة، تحديدا أين وقائع جرائم المثقفين الإسلاميين وفسادهم على مدى سبعة وعشرين عاما، بما فيها الجرائم العالمية الخطيرة؟
فما أن تحيل النظر من مساحة فئات المعارضة المغلوبة على أمرها إلى رِكزة الإسلاميين وفسادهم حتى يستبين لك أن خالد موسى ليس عنده قضية، فهو متلقي حجج رِكِّيب يروج للإنقاذ بالهذيان الإسلامي، لأنها وظيفته أن يفعل ذلك.
(9)
صحيحة أيضا الوقائع التي جاء بها خالد في مقاله، وقائع بؤس قدرات المعارضة في مجال إنتاج الفكر أو التفكير. فباستثناء الحزب الحزب الشيوعي، نعم، ليست لأي من قوى المعارضة، خاصة الحركات المسلحة في دارفور وفي المنطقتين، تفكير يؤبه له يمكن أن يُخرج المناطق الثلاثة من الكارثة أو أن يحقق الحد الأدنى من الاستقرار أو الخدمات الأساسية بعد وقف الحرب، بله أن يكون لها برنامج يخرج السودان من الكارثة. ولا يكون البرنامج إلا مكتوبا، في وضعيات تعقيد جهاز الدولة الحديث، فلا قيمة لأفكار في دماغ القائد غير مكتوبة، إلا على سبيل الونسة مع ندمائه.
والحال أراه منطبقا على الصادق المهدي وهو حزب الأمة لا يوجد في الحزب غيره، وليس عنده شيء يقدمه غير الوهم الذي يحتفي به خالد موسى، ويُثْبت خالد موسى مجددا أنه ديماغوجي بوقاح حين يدعي بالكتابة السهلة أن للصادق المهدي إسهاما فكريا يؤبه له.
(10)
أما تفسيرات خالد لتلك الوقائع الصحيحة واستنتاجاته منها، فمغالطات ومن الهتر والهراء. ولأن خالدا ليس كاتبا جادا ذا أثر على غرار أنموذجه جوزيف قوبلز وزير الدعاية النازي الذي انتحر بعد انتحار هتلر بيوم، فلا يستحق خطاب خالد تضييع مزيد وقت لدحض استنتاجاته الغرضية المستخرجة بالاحتيال الفكري من وقائع صحيحة عن بؤس حال المعارضة. والمقارنة مع جوبلز النازي ليست مجانية، وكنت أوردت أن الدكتور خالد المبارك من كبار الديمقراطيين في الستينات، وقد كتب فصلا في كتابه بعنوان "مخاطرة الترابي الإسلامية" 2001 يبين فيه أوجه العلاقة بين الإسلاميين والنازيين. وهو فصل جيد أعتمد مصداقية ما جاء فيه لأنه جاء ببيناته وبحجته المقبولة. لكن خالد المبارك انتهى به المطاف كاتبا للسلطان مع خالد موسى في ذات الكتيبة المرابطة في أوربا، وهي من مشكلات المثقفين لا يؤمن جانبهم انتهازيون بالضرورة حتى يثبت العكس. مثلما تقول إن جميع القضاة فاسدون، حتى يثبت العكس.
(11)
يعيب خالد على المعارضة أنها "متناقضة الأيدولوجيات والتطلعات مختلفة المشارب والأهواء لا يجمع بينها جامع ولا يربطها رابط سوي كراهية حكم الإنقاذ ومناهضة مشروع الإسلاميين في السياسة والحكم". هذه هي أقواله بالردحي.
...
فيكفي هنا تبيين أن خالد موسى غير مدرك أن زمان اعتماد "الوحدة الأيديولوجية الفكرية" بين الفئات المجتمعية المعارِضة في المجتمع التعددي قد انتهى، واليوم لم تعد من قيمة إضافية لوحدة أيديولوجية أو فكرية، أو ثقافية، أو دينية، على أي مستوى من المستويات، في معارضة نظام الإنقاذ، أو في التعامل مع أي مشروع مجتمعي أو قومي، أو حتى على مستوى ذاتية الفرد. فالتعددية هي الأساس في جميع الأحوال.
ولا يمكن أصلا أن تخلق وحدة صافية من وقائع التعددية الثابتة والمتجددة في المجتمعات داخل الدولة القطرية، إلا بغسيل المخ مثلما كان يحدث في معسكرات الحركة الإسلامية أيام كان خالد طالبا.
(12)
من أسباب نهاية الدولة الإسلامية الإجرامية الفاسدة أن الحركة الإسلامية أرادت بالعنف والقهر والإرهاب أن يكون السودان كله بتعدديته صورة من صورتها هي، منسجما في الفكر والتفكير وفي اللغة والدين والثقافة وفي الملابس الداخلية للمرأة وفي الأمزجة وفي العواطف. وكله كان من سخف التفكير التوحيدي لدى حسن الترابي وتلاميذه الأشرار. هكذا كانت الحركة الإسلامية "موحدة فكريا" حول صناعة الفساد، وموحدة فكريا أيضا حول استخدام الإجرام والشريعة كوسائل لتحقيق طموحات الإسلاميين الطبقية.
أي، إن منتوج الوحدة الفكرية التي يتبجح بها خالد موسى ويشمت في المعارضة أنها تفتقدها، هو هذا مسخُ نظام الإنقاذ، نتاج ذلك الفكر الإسلامي التوحيدي المثالي بخرافاته وشعوذته المعتمدة من قبل جميع الإسلاميين، وهكذا كان المثقفون الإسلاميون موحدين فكريا حول فقه الإجرام والإفساد.
وبالرغم من تلك الوحدة الفكرية حول فقه الإفساد والإجرام، وتركيب حياة الإسلامي بالإفساد والإجرام، تبين أن الإسلاميين لم يكونوا في حقيقة الأمر إلا هذي المزق المهترئة المشرذمة من إسلاميين من كل نوع وشكل لا يجمع بينهم إلا ذلك موحَّدُ فقهِ الإجرام والإفساد. فقد تفرقوا أيدي سبأ، وقتلوا بعضهم بعضا، وغدر بعضهم بالبعض، وتنافسوا بالكراهية وبالمكر حول المواقع الوظيفية التي تسهل السرقة، وخانت بعض فرق منهم أباهم الذي كان علمهم السحر. وكان كل موضوع خلافهم الصراع حول السلطة التي تمكن من السيطرة على الموارد المالية وعلى جهاز الدولة كالوسيلة المضمونة للاستحواذ على ريع صناعة الفساد.
واليوم لا يجمع بين الإسلاميين إلا الخوف من انهيار نظامهم، والخوفُ من التجريد من الأرصدة، والخوفُ من الملاحقة والمحاسبة القانونية على الجرائم التي اقترفوها. فهنيئا الوحدة!
(13)
الذي لا يفهمه خالد موسى هو أن الهم القومي المشترك بكيفية توفير الصحة، والغذاء، والسكن، والتعليم الأساس، وهي القضايا جوهر مشروع خلاص السودان من الإسلامية والإسلاميين، لا يشترط "وحدة فكرية" في قوى التغيير، بل يكفي الاتفاقُ البسيط بين المجتمعين على رفض كامل الدولة الإسلامية الإجرامية الفاسدة نظام الإنقاذ ليكون هذا الرفض إطارا عاما لتحالف قوى المعارضة مختلفة الأيديولوجيات والمواقف والمواقع والتي ليس لها مصلحة في نظام الإنقاذ، ويكفي أن تتفق هذه القوى على تنفيذ ذلك المشروع القومي بمقدمته الضرورية طرد الإسلاميين من الحكم.
(14)
لقد كتبتُ من قبل أن قوى التغيير أساسها "الشباب" بهوياتهم المختلفة، وفيهم الشباب الإسلاميون لم استثنهم من قوى التغيير، فالتغيير مسارات معقدة في المكان والزمان، وليس حدثا. ولا يمكن أن تعزل من أي مشروع قومي فئة من الشباب أيا كانت توجهات هؤلاء الشباب. فالشباب بسبب قلة معرفتهم وقلة خبرتهم يجربون الأيديولوجيات المختلفة ولهم في الحياة مجال بالعمر واسع للتجريب والتغيير، خاصة في هذا زمان الثورة المعلوماتية.
ولا يميل الشباب الإسلاميون أن يكونوا يوما كخالد موسى ضد حركة التاريخ، أو مع نظام الإجرام والإفساد، أو محتقرين لضحايا النظام، أو مدافعين بالتذاكي عن العنصرية الإسلامية أو الكراهية، وتشددهم مقدور عليه لأنه تشدد لا ينبني على مصلحة ذاتية عقلانية مثلما الحال عند الذين هم من جيل خالد موسى وعند الدهاقنة من أجيال الإسلاميين الأشقياء الأشرار. وهم ليسوا أشقياء أشرارا إلا بأفعالهم الثابتة في أوراق الأرشيف.
(15)
لا يفهم خالد موسى أن الوحدة الفكرية أو الأيديولوجية بين المتحالفين في المعارضة ليست ضرورية، لا لإنهاء نظام الإنقاذ ولا لتركيب نظام بديل. بل المطلوب لتحقيق هذين المطلبين هو ذات تعددية الفكر والمداخل التي يعيبها خالد على المعارضة. فلا أحد يملك الحقيقة الكاملة دون معقب عليه من الأطراف الأخرى، لكن خالد موسى تمت تربيته في رحاب واحدية الإسلامية وشموليتها وجمودها وادعائاتها الغبية عن وجود مصدر وحيد للحقيقة والمعرفة ولكل شيء، هناك في النص الوحيد. وكما قلت اكتشف خالد أخيرا خطل هذا الفهم فمزق راية "الحل في الإسلام"، وهرول يبحث عن الحلول في تعددية العلمانية في بريطانيا وفي أمريكا.
(16)
يتطلب إنشاءُ النظام البديل وتثبيتُه الكفاءةَ المهنية والاستحقاق في الوظيفة القائم على هذه الكفاءة، ويتطلب الشفافية، والمحاسبية، والحريات، والأخلاق، دائما الأخلاق.
هذه المتطلبات كلها قيم إنسانية سيتفق عليها السودانيون بمختلف خلفياتهم الفكرية ولن يعارضها، ولم يعارضها أصلا، إلا هؤلاء الإسلاميون أهل الإنقاذ مثل خالد موسى، أصحاب المصلحة في هذا النظام القديم، بفساده وإجرامه وبكتابه.
يرفض الإسلاميون هذه القيم الإنسانية غير المشدودة إلى دين محدد بعينه، وهم يعارضونها لأنها غريبة عليهم لا وجود لها في أيديولوجية الإسلامية الشريرة، ولأنها قيم حين يتم تفعيلها في سياق المقاومة تهدد مشروعهم المنهار وتهدد بقاءهم في السلطة.
(17)
يريد خالد بالتشنيع بالمعارضة تزيينَ قبيح وجه الإنقاذ، والتشنيعُ والتزيينُ من مهام الضابط العظيم كاتب السلطان المرابط في كتيبة الهتر والهراء في "سلاح الكتابة". وليس للإسلامي كاتب السلطان من منعة أخلاقية يصدر منها لإصدار أحكام على مقاومي طغيان السلطان، أيا كان بؤس حالة هؤلاء المقاومين.
فلا منعة أخلاقية لخالد لأنه ببساطة كاتبُ السلطان، والسلطان ومحاسيبُه وزبانيتُه قتلةٌ معذبون همباتةٌ يسرقون المال العام، وهذه الوقائع الثابتة لا يجرؤ خالد موسى على مجرد مقاربتها، فوظيفته المحددة أن يجتهد لطمس هذه الوقائع بتخريج الكلام الفارغ من نوع شعارات نظام الإنقاذ عن "مشروع التغيير السلمي في السودان"، و"بناء الدولة السودانية"، و"الاستثمار في المستقبل"، وعن "البيروقراطية" خدعته الأخيرة، والآن حذلقته عن "القوة الناعمة"!
...
عشاري أحمد محمود خليل
ushari@outlook.com