قدر الأمم ومصيرها يبدأ من الفصل الدراسي، طموحات ما بعد الحرب – الجزء (16)
د. أحمد جمعة صديق
7 March, 2024
7 March, 2024
استراتيجية لإصلاح التعليم في السودان تماشياً مع شعارات ثورة ديسمبر 2018
بقلم
الدكتور أحمد جمعة صديق
جامعة الزعيم الأزهري - جامعة الخرطوم
شهادات التعليم العام في السودان بين الجرح والتعديل
)مشروع لاعادة صياغة الشهادة السودانية : الجزء (16)
• تاريخ امتحانات الشهادة السودانية:
تأسست كلية غوردون التذكارية في عام 1905 وفي عام 1937 تم اتخاذ الترتيبات لتمكين الطلاب السودانيين من الجلوس لامتحان كامبريدج. تم إنشاء مجلس تحت اسم مجلس امتحانات الشهادة السودانية تحت إشراف جامعة كامبريدج في لندن. وقد تولى مجلس امتحانات جامعة كامبريدج مهام العملية برمتها مثل تحديد رسوم الجلوس للامتحان ووضع وطباعة وتصحيح الامتحانات وإصدار النتيجة وإرسالها مرة أخرى إلى السودان. تقدمت المجموعة الأولى من الطلاب السودانيين لامتحان شهادة كامبريدج في ديسمبر 1938 واستمر هذا الاختبار حتى ديسمبر 1954 وكانت الشهادة تسمى الشهادة التعليم العام. في ديسمبر 1954 تم تشكيل مجلس امتحانات السودان بمرسوم من الحاكم العام، وتقاسم مسئولية الامتحان بين جامعة كامبريدج ومجلس امتحانات السودان. منذ عام 1952 تم تعديل التقويم الدراسي ليبدأ من يوليو وينتهي في مارس، بدلاً من أن يبدأ في يناير وينتهي في ديسمبر. وفقًا لذلك؛ تقدمت الدفعة الأولى من الطلاب للامتحانات في مارس 1956 وتم إجراء بعض المهام الامتحانية في السودان، وهي: رسوم الجلوس واختيار واضعي الأسئلة والمعلمين. أما بالنسبة للمراجعة والتقييم وإصدار النتيجة ومنح الشهادة، فقد استمرت في إنجلترا بالتعاون مع جامعة كامبريدج ومجلس امتحاناتها حتى عام 1962 حيث تم إجراء جميع الامتحانات محلياً. كانت أمانة لجنة امتحانات السودان هي الهيئة الفنية والإدارية التي تتابع إجراءات وتسليم أوراق الإجابة للتصحيح وإشراف المباشر على لجان (المراقبة). ترفع النتيجة إلى لجنة امتحانات السودان
للموافقة عليها ومن ثم إعلانها. واستمر ذلك حتى عام 1969، وفي عام 1970 تم تعليق عمل لجنة امتحانات السودان بقرار وزاري وعهدت الامتحانات إلى خبراء أجانب وفي ذلك العام حدثت تغييرات في سياسات التعليم (السلم التعليمي في عهد الدكتور محيي الدين صابر). في عام 1972، أعيدت مهام الامتحانات إلى لجنة امتحانات السودان وأعطيت أسماء متعددة للشهادة المدرسية الثانوية.
• مآخذ على الشهادة السودانية الآن:
تقف الأمة السودانية كل عام على أقدامها للاستماع إلى وزير التربية والتعليم وهو يعلن نتائج امتحان شهادة السودانية. هذه اللحظة مليئة بالتوتر، حيث يعتقد الناس أن نتائج هذه النتائج ستحدد مستقبل هؤلاء الصغار، اذ سيجد المتفوقون طريقهم إلى أفضل الكليات والأقسام، بينما سيضطر الآخرون للبحث عن مستقبل في مكان ما في هذه الحياة. وهذه طبيعة الأشياء. ولكن كيف يتم هذا الأمر؟
- هل يتم ذلك في جو من الصدق والنزاهة، ويتفرق بعدها الجميع في اتجاهات الدنيا الأربع وهم راضون عن هذه النتائج؟أن أبسط ما يشوب عرض الوزير للشهادة السودانية كأنه يراد به اعلان مدفوع القيمة خاصة وأن معظم أوائل الشهادة السودانية في هذا العهد اصبحوا يأتون من المدارس الخاصة .
• إنصاف ونزاهة:
يقول البروفيسور محمد زين العابدين عثمان، بجامعة الزعيم الأزهري: "لقد شاءت الظروف أن أتابع المؤتمر الصحفي الذي أقامته وزارة التربية والتعليم العام لإعلان نتائج امتحانات الشهادة السودانية للعام 2013/2012 ورأيت الفرحة تملأ وجوه كل المسؤولين بالوزارة وعلى قمتهم وزير التربية والتعليم الاتحادي في حين أن النتيجة جد محزنة وتدعو للرثاء وتنعى التعليم العام في بادئ الأمر الذي ذهب إلى غير رجعة منذ أن استولت الأنقاذ على السلطة بأنقلاب عسكري". بهذا الحزن الكبير يبدأ البروفيسور عثمان في تسجيل هذه اللحظة الخالدة في حياة كل طالب وأسرته. ويقول البروفيسور: "أذاع السيد الوزير وطاقمه المئة المتفوقين في المساق العلمي على مستوى السودان وكانت النتيجة أن 93 % من المتفوقين في المئة الأولى من أبناء وبنات مدارس العاصمة القومية وأكثر من 80 % من هؤلاء المتفوقين من المدارس الخاصة بولاية الخرطوم وأكثر من 70 % منهم من البنات مما يوحي بأن البنات أكثر ذكاءً وأكثر مقدرة على التحصيل من رفقائهم الأولاد وهذا حكم يجافي الحقيقة لأن هناك علة تقعد بالأولاد عن البنات يجب أن تدرس".
لكن السؤال هو كيف يتم تفسير هذه الأرقام؟ هل توضح هذه الامتحانات القدرات الكامنة في أبنائنا في جميع أنحاء البلاد، أم أن هناك خلل واختلال في نظام التعليم والتعلم وفي نظام الامتحانات نفسه؟ هذه الأسئلة أثارها الأستاذ عثمان اذ طرح بعض الأسئلة لمعرفة ما إذا كانت تلك الاختبارات صحيحة وصالحة وتسمح ببيئة تعليمية متساوية لجميع الطلاب السودانيين على قدم المساواة، بحيث تكون المنافسة عادلة؟ فهو يرى ضرورة اكتمال الوسائل التعليمية في جميع مدارس السودان العامة والخاصة حيث لا ينبغي أن يكون هناك فروق بين البيئات المدرسية، اذ تشمل البيئة الصحية معلمين ممتازين ومبان جيدة التهوية ومكتبات وكتب مدرسية. فإذا كانت هذه التسهيلات متوفرة في جميع المدارس، فيمكننا المطالبة بعدالة ونزاهة نظام الامتحانات الخاص بنا. وطرح الأستاذ ما يذكرنا بالمدارس المتميزة قديماً مثل حنتوب وخورطقت ووادي سيدنا، حيث كان أولاد الفقراء المهمشين متفوقين في دراستهم، يتعلمون ويقبلون في الجامعة أكثر من أبناء الخرطوم الثانوية الحكومية. لكن النتيجة الأخيرة تخبرنا أن الطلاب من المناطق المهمشة هم الأقل ذكاءاً وغير قادرين على الإنجاز، وأن الطلاب الذين يرتادون المدارس الحكومية، حتى في العاصمة الوطنية، أقل ذكاءاً من الطلاب الذين يرتادون المدارس الخاصة في الخرطوم والذين يظهرون على أنهم أكثر ذكاءاً من رصفائهم.
• من أين يأتي التناقض؟
معظم المعلمين والمختبرين للأسف تراكموا في الخرطوم، وأفضلهم تعاقدوا مع مدارس خاصة لارتفاع الأجور. ورغم توفر الوسائل التعليمية والتدريسية إلى حد ما في مدارس العاصمة الخرطوم، سواء كانت خاصة أو عامة، إلا أن هذه المدارس متاحة فقط لأبناء وبنات العائلات الثرية والمغتربين في الدولة، على الرغم من أن 95% من الشعب السوداني يعيشون تحت خط الفقر العالمي. لذلك، لا ينبغي أن نتوقع أن يتفوق هؤلاء المهمشون على أطفال العائلات الميسورة الحال، كما يقول البروفيسور عثمان ويرى البروفيسور، "أن الخلل يمتد حتى إلى المدارس الابتدائية حيث أن معظم الخسائر التعليمية تأتي من المدارس الابتدائية والثانوية من مناطق ذات امتيازات أقل،من أطفال الفقراء. وهذا يجعل السودان يبدو وكأنه محتكر لأن كل شيء يذهب للأثرياء. فنظام الامتحانات هذا، يصنفه الأستاذ عثمان على أنه نظام طبقي، غير عادل ضد أطفال المناطق الفقيرة لأنه سيخلق خلال السنوات القادمة فجوة واسعة تحتكر فيها بعض العائلات؛ مهن الطب والصيدلة والعلوم الطبية والهندسية وبقية ابناء الشعب الفقراء يذهبون للكليات الهامشية التي ليس لها حظ فى التوظيف او يصبحوا فاقداً تربوياً فى الشوارع والأزقة. وهذه كارثة المت بالبلد بسبب الأنقاذ لأن الفقراء لن يحالفهم الحظ في العمل اذ سيصبحون متخلفين تعليمياً وسيكون هنالك خللاً تنموياً حقيقياً، اذ أن أبناء الأغنياء هؤلاء الذين درسوا فى أحسن الكليات الجامعية بمالهم وليس بمقدراتهم لن يذهبوا ليعملوا فى مناطق الشدة وسيتكدسون فى المدن. وكأسـتاذ جامعـي فقـد لاحظ أن معظـم الطلاب في الكليـات العلميـة للطـب والصيدلـة والمختبرات والاشعة والهندسـة وغيرها هـم في الغالـب أبنـاء الأغنياء والـوزراء والمغتربين، وهـذا الوضع إذا استمر، سيدمر السودان.
ويقول عثمان، بانه لاحظ أن أكثر من 70% من هذه الكليات من الفتيات. ويتساءل هل هؤلاء الفتيات جاهزات للعمل في مناطق الصعوبات في أي خطة تنموية؟" وقبل اختتام مقالته، يقترح البروفيسر عثمان تغيير نظام القبول والنسب المئوية بتقسيمها إلى ثلاث مجموعات يكون فيها 25% من الطلاب المقبولين من المدارس الخاصة و25% من المدارس الحكومية في العاصمة القومية والمدن الكبرى و50% من المدارس العامة بالريف.
والشاهد من هذا الاستشهاد المطول من حديث البروفيسر محمد زين العابدين عثمان من جامعة الزعيم الأزهري؛ أن التعليم في السودان صار تعليمياً طبقياً وقفاً على الاغنياء والمقتدرين - وذلك ما سجلته الأرقام الرسمية للدولة من أعلانها الرسمي لنتائج الشهادة السودانية - بينما حرمت أغلبية الرعية من الفقراء في الحصول على هذا الحق.
وتقف نتائج الشهادة السودانية بصورتها الحديثة شاهدة على صدق الرجل ومؤيدة لواقع الحال، إذ تحتكر الخرطوم ومدارسها الخاصة كل مجالات التفوق، وهي للمقتدرين فقط دون الفقراء من السودانيين، ولم يكن الأمر كذلك، حين كان العدل يسود ربوع الوطن، اذ كان يتسنم أوائل الجمهورية ولد أو بنت من حنتوب أو الفاشر الثانوية وأحياناً رمبيك ودنقلا الثانوية. وربما تكون البنت أو يكون الولد من الشمال أو الجنوب، وربما يكون ولد مسلم من ثانوية كسلا أو مسيحياً مثل ماريو بير بوجايل من رمبيك الثانوية 1965 أو بنت مسيحية مثل الينور أوكسد نوسيان من مدرسة الراهبات، 1966 أو أنيل كومار كوناني – السوداني من أصل هندي من مدرسة كمبوني 1967 في الخرطوم. انظر القائمة في الرابط ادناه. https://sudaneseonline.com/board/510/msg/1646112092.html
• لماذا تفوق طلاب المناطق الريفية في الماضي:
- مدرسون ممتازون: كان الطلاب من المناطق الريفية يتلقون تعليمًا من مدرسين ممتازين حصلوا على نفس المؤهلات وتم تدريبهم في نفس معهد تدريب المعلمين في أم درمان (HTTI) وكانوا يدرسون نفس المنهج ومن نفس الكتب الدراسية.
2. نزاهة الاختبارات والتصحيح: كانت الاختبارات تُنظم وتُراقب بدقة من قبل وزارة التربية والتعليم، مع توفير بيئة امتحانية نزيهة للطلاب. كانت حالات الغش نادرة أو منعدمة تماماً بفضل الرقابة الصارمة من قبل المشرفين على الامتحانات.
3. تصحيح الامتحانات بواسطة مدرسين محترفين: كانت الامتحانات تصحح بواسطة مدرسين ذوي خبرة وسمعة طيبة في المجال، مما ضمن نوعية عالية لعملية التصحيح وتقييم الطلاب.
من المؤسف أن الممارسات الجيدة لنظام الامتحانات غائبة اليوم. فالأثير مليء بالأخبار المخيبة للآمال التي تشير إلى تدهور التعليم بسبب الفساد في عملية التقويم التربوي (الامتحانات). الاختبار - كما نعلم - عبارة عن عقد تعاقدي بين الطالب والمدرسة، حيث يُوّدع الطالب في نهاية تعليمه بتعهد بأداء الامتحان، بشرط أن يكون الامتحان مستوفياً لشروط الامتحان الجيد، يقوم على أسس علمية وتعليمية، وخال من الأخطاء مع صحة المحتوى وشموليته ويقدم في ظروف صحية وموضوعية تتعلق بالمكان والزمان ونزاهة الاشخاص الذين يقومون بادارة هذه المناسبة القومية الهامة. لكن اليوم يتم وضع العديد من الاختبارات من خارج المناهج الدراسية لتفتقر إلى (صدق المحتوى) وغنية بالأخطاء العلمية والفنية. ويجري الغش من قبل بعض الطلاب تحت إشراف إدارة المدرسة وتآمر المراقبين في غرف الاختبار في بعض المراكز.
في ظل هذه الملابسات، ومع مثل هذه الأخطاء، يترك الطالب المدرسة ويودع تعليمه في المدرسة الثانوية بأسوأ انطباع أو شعور يمكن أن يحمله. يجلس معظم الطلاب للامتحان، ثم يغادرون المدرسة ولديهم اعتقاد جازم بأن جميع الاختبارات كانت مزحة كبيرة. أصبح الغش وتسريب الامتحانات ظاهرة تقصم ظهر التعليم في البلاد، حيث يمارس معظم الطلاب الغش، باستخدام حيل كثيرة، تحت إشراف المراقبين، في قاعة الامتحانات. ويلعب بعض المعلمين دوراً رئيساً كمساعدين لعملية الغش هذه. هذه الممارسات، ستولد على المدى القريب والبعيد جيلا من محترفي الغش، والذين سيبدأون حياتهم المهنية بالحصول على ورقة مزورة، تأهلهم في الحصول على وظيفة في الحكومة أو المؤسسات الخاصة ومن ثم سيكون لدينا جيل من:
- القضاة المرتشين.
- وكلاء النيابة الفاسدين.
- ضباط الشرطة زائفين ومزيفين.
- رجال أعمال فاسدين.
- الاطباء والمهندسين والمحامين والفنيين غير المؤهلين.
- أمهات غشاشات.
- أئمة مساجد كاذبين
- وسياسيين وقادة غير مؤتمنين
- علماء فتوى منافقين أفاكون، يحورون نصوص الدين، فيحللون ما حرم الله وتكون الفتوى على حسب مقتضى الحال.
وعلى مثل هؤلاء الأشخاص الخادعين أصحاب المهن تقوم إدارة وبناء الدولة، وأي دولة تقوم ركائزها على الغش في التعليم بمؤهلات الاحتيال، سينتشر الفساد في ربوعها، كما نرى الآن كيف تتم إدارة العديد من شئون العباد والبلاد - عن طريق الرشوة والغش منذ أيام التلمذة الأول، لأن سلوك الغش كان أمراً طبيعياً - وغير مجرّم في المدرسة. ثم تكون الكارثة عندما يتم تأمين وظائف لمثل هؤلاء المهنيين بنفس الطريقة الفاسدة التي حصلوا بها على مؤهلاتهم الدراسية، ذلك لأن هشاشة القوانين وتطبيقها أمّن لهؤلاء الفاسدين الملعب فامنوا العقاب وأساؤوا الأدب.
اذن ما هو المخرج لعلاج كل ما ذكر اعلاه؟
aahmedgumaa@yahoo.com
بقلم
الدكتور أحمد جمعة صديق
جامعة الزعيم الأزهري - جامعة الخرطوم
شهادات التعليم العام في السودان بين الجرح والتعديل
)مشروع لاعادة صياغة الشهادة السودانية : الجزء (16)
• تاريخ امتحانات الشهادة السودانية:
تأسست كلية غوردون التذكارية في عام 1905 وفي عام 1937 تم اتخاذ الترتيبات لتمكين الطلاب السودانيين من الجلوس لامتحان كامبريدج. تم إنشاء مجلس تحت اسم مجلس امتحانات الشهادة السودانية تحت إشراف جامعة كامبريدج في لندن. وقد تولى مجلس امتحانات جامعة كامبريدج مهام العملية برمتها مثل تحديد رسوم الجلوس للامتحان ووضع وطباعة وتصحيح الامتحانات وإصدار النتيجة وإرسالها مرة أخرى إلى السودان. تقدمت المجموعة الأولى من الطلاب السودانيين لامتحان شهادة كامبريدج في ديسمبر 1938 واستمر هذا الاختبار حتى ديسمبر 1954 وكانت الشهادة تسمى الشهادة التعليم العام. في ديسمبر 1954 تم تشكيل مجلس امتحانات السودان بمرسوم من الحاكم العام، وتقاسم مسئولية الامتحان بين جامعة كامبريدج ومجلس امتحانات السودان. منذ عام 1952 تم تعديل التقويم الدراسي ليبدأ من يوليو وينتهي في مارس، بدلاً من أن يبدأ في يناير وينتهي في ديسمبر. وفقًا لذلك؛ تقدمت الدفعة الأولى من الطلاب للامتحانات في مارس 1956 وتم إجراء بعض المهام الامتحانية في السودان، وهي: رسوم الجلوس واختيار واضعي الأسئلة والمعلمين. أما بالنسبة للمراجعة والتقييم وإصدار النتيجة ومنح الشهادة، فقد استمرت في إنجلترا بالتعاون مع جامعة كامبريدج ومجلس امتحاناتها حتى عام 1962 حيث تم إجراء جميع الامتحانات محلياً. كانت أمانة لجنة امتحانات السودان هي الهيئة الفنية والإدارية التي تتابع إجراءات وتسليم أوراق الإجابة للتصحيح وإشراف المباشر على لجان (المراقبة). ترفع النتيجة إلى لجنة امتحانات السودان
للموافقة عليها ومن ثم إعلانها. واستمر ذلك حتى عام 1969، وفي عام 1970 تم تعليق عمل لجنة امتحانات السودان بقرار وزاري وعهدت الامتحانات إلى خبراء أجانب وفي ذلك العام حدثت تغييرات في سياسات التعليم (السلم التعليمي في عهد الدكتور محيي الدين صابر). في عام 1972، أعيدت مهام الامتحانات إلى لجنة امتحانات السودان وأعطيت أسماء متعددة للشهادة المدرسية الثانوية.
• مآخذ على الشهادة السودانية الآن:
تقف الأمة السودانية كل عام على أقدامها للاستماع إلى وزير التربية والتعليم وهو يعلن نتائج امتحان شهادة السودانية. هذه اللحظة مليئة بالتوتر، حيث يعتقد الناس أن نتائج هذه النتائج ستحدد مستقبل هؤلاء الصغار، اذ سيجد المتفوقون طريقهم إلى أفضل الكليات والأقسام، بينما سيضطر الآخرون للبحث عن مستقبل في مكان ما في هذه الحياة. وهذه طبيعة الأشياء. ولكن كيف يتم هذا الأمر؟
- هل يتم ذلك في جو من الصدق والنزاهة، ويتفرق بعدها الجميع في اتجاهات الدنيا الأربع وهم راضون عن هذه النتائج؟أن أبسط ما يشوب عرض الوزير للشهادة السودانية كأنه يراد به اعلان مدفوع القيمة خاصة وأن معظم أوائل الشهادة السودانية في هذا العهد اصبحوا يأتون من المدارس الخاصة .
• إنصاف ونزاهة:
يقول البروفيسور محمد زين العابدين عثمان، بجامعة الزعيم الأزهري: "لقد شاءت الظروف أن أتابع المؤتمر الصحفي الذي أقامته وزارة التربية والتعليم العام لإعلان نتائج امتحانات الشهادة السودانية للعام 2013/2012 ورأيت الفرحة تملأ وجوه كل المسؤولين بالوزارة وعلى قمتهم وزير التربية والتعليم الاتحادي في حين أن النتيجة جد محزنة وتدعو للرثاء وتنعى التعليم العام في بادئ الأمر الذي ذهب إلى غير رجعة منذ أن استولت الأنقاذ على السلطة بأنقلاب عسكري". بهذا الحزن الكبير يبدأ البروفيسور عثمان في تسجيل هذه اللحظة الخالدة في حياة كل طالب وأسرته. ويقول البروفيسور: "أذاع السيد الوزير وطاقمه المئة المتفوقين في المساق العلمي على مستوى السودان وكانت النتيجة أن 93 % من المتفوقين في المئة الأولى من أبناء وبنات مدارس العاصمة القومية وأكثر من 80 % من هؤلاء المتفوقين من المدارس الخاصة بولاية الخرطوم وأكثر من 70 % منهم من البنات مما يوحي بأن البنات أكثر ذكاءً وأكثر مقدرة على التحصيل من رفقائهم الأولاد وهذا حكم يجافي الحقيقة لأن هناك علة تقعد بالأولاد عن البنات يجب أن تدرس".
لكن السؤال هو كيف يتم تفسير هذه الأرقام؟ هل توضح هذه الامتحانات القدرات الكامنة في أبنائنا في جميع أنحاء البلاد، أم أن هناك خلل واختلال في نظام التعليم والتعلم وفي نظام الامتحانات نفسه؟ هذه الأسئلة أثارها الأستاذ عثمان اذ طرح بعض الأسئلة لمعرفة ما إذا كانت تلك الاختبارات صحيحة وصالحة وتسمح ببيئة تعليمية متساوية لجميع الطلاب السودانيين على قدم المساواة، بحيث تكون المنافسة عادلة؟ فهو يرى ضرورة اكتمال الوسائل التعليمية في جميع مدارس السودان العامة والخاصة حيث لا ينبغي أن يكون هناك فروق بين البيئات المدرسية، اذ تشمل البيئة الصحية معلمين ممتازين ومبان جيدة التهوية ومكتبات وكتب مدرسية. فإذا كانت هذه التسهيلات متوفرة في جميع المدارس، فيمكننا المطالبة بعدالة ونزاهة نظام الامتحانات الخاص بنا. وطرح الأستاذ ما يذكرنا بالمدارس المتميزة قديماً مثل حنتوب وخورطقت ووادي سيدنا، حيث كان أولاد الفقراء المهمشين متفوقين في دراستهم، يتعلمون ويقبلون في الجامعة أكثر من أبناء الخرطوم الثانوية الحكومية. لكن النتيجة الأخيرة تخبرنا أن الطلاب من المناطق المهمشة هم الأقل ذكاءاً وغير قادرين على الإنجاز، وأن الطلاب الذين يرتادون المدارس الحكومية، حتى في العاصمة الوطنية، أقل ذكاءاً من الطلاب الذين يرتادون المدارس الخاصة في الخرطوم والذين يظهرون على أنهم أكثر ذكاءاً من رصفائهم.
• من أين يأتي التناقض؟
معظم المعلمين والمختبرين للأسف تراكموا في الخرطوم، وأفضلهم تعاقدوا مع مدارس خاصة لارتفاع الأجور. ورغم توفر الوسائل التعليمية والتدريسية إلى حد ما في مدارس العاصمة الخرطوم، سواء كانت خاصة أو عامة، إلا أن هذه المدارس متاحة فقط لأبناء وبنات العائلات الثرية والمغتربين في الدولة، على الرغم من أن 95% من الشعب السوداني يعيشون تحت خط الفقر العالمي. لذلك، لا ينبغي أن نتوقع أن يتفوق هؤلاء المهمشون على أطفال العائلات الميسورة الحال، كما يقول البروفيسور عثمان ويرى البروفيسور، "أن الخلل يمتد حتى إلى المدارس الابتدائية حيث أن معظم الخسائر التعليمية تأتي من المدارس الابتدائية والثانوية من مناطق ذات امتيازات أقل،من أطفال الفقراء. وهذا يجعل السودان يبدو وكأنه محتكر لأن كل شيء يذهب للأثرياء. فنظام الامتحانات هذا، يصنفه الأستاذ عثمان على أنه نظام طبقي، غير عادل ضد أطفال المناطق الفقيرة لأنه سيخلق خلال السنوات القادمة فجوة واسعة تحتكر فيها بعض العائلات؛ مهن الطب والصيدلة والعلوم الطبية والهندسية وبقية ابناء الشعب الفقراء يذهبون للكليات الهامشية التي ليس لها حظ فى التوظيف او يصبحوا فاقداً تربوياً فى الشوارع والأزقة. وهذه كارثة المت بالبلد بسبب الأنقاذ لأن الفقراء لن يحالفهم الحظ في العمل اذ سيصبحون متخلفين تعليمياً وسيكون هنالك خللاً تنموياً حقيقياً، اذ أن أبناء الأغنياء هؤلاء الذين درسوا فى أحسن الكليات الجامعية بمالهم وليس بمقدراتهم لن يذهبوا ليعملوا فى مناطق الشدة وسيتكدسون فى المدن. وكأسـتاذ جامعـي فقـد لاحظ أن معظـم الطلاب في الكليـات العلميـة للطـب والصيدلـة والمختبرات والاشعة والهندسـة وغيرها هـم في الغالـب أبنـاء الأغنياء والـوزراء والمغتربين، وهـذا الوضع إذا استمر، سيدمر السودان.
ويقول عثمان، بانه لاحظ أن أكثر من 70% من هذه الكليات من الفتيات. ويتساءل هل هؤلاء الفتيات جاهزات للعمل في مناطق الصعوبات في أي خطة تنموية؟" وقبل اختتام مقالته، يقترح البروفيسر عثمان تغيير نظام القبول والنسب المئوية بتقسيمها إلى ثلاث مجموعات يكون فيها 25% من الطلاب المقبولين من المدارس الخاصة و25% من المدارس الحكومية في العاصمة القومية والمدن الكبرى و50% من المدارس العامة بالريف.
والشاهد من هذا الاستشهاد المطول من حديث البروفيسر محمد زين العابدين عثمان من جامعة الزعيم الأزهري؛ أن التعليم في السودان صار تعليمياً طبقياً وقفاً على الاغنياء والمقتدرين - وذلك ما سجلته الأرقام الرسمية للدولة من أعلانها الرسمي لنتائج الشهادة السودانية - بينما حرمت أغلبية الرعية من الفقراء في الحصول على هذا الحق.
وتقف نتائج الشهادة السودانية بصورتها الحديثة شاهدة على صدق الرجل ومؤيدة لواقع الحال، إذ تحتكر الخرطوم ومدارسها الخاصة كل مجالات التفوق، وهي للمقتدرين فقط دون الفقراء من السودانيين، ولم يكن الأمر كذلك، حين كان العدل يسود ربوع الوطن، اذ كان يتسنم أوائل الجمهورية ولد أو بنت من حنتوب أو الفاشر الثانوية وأحياناً رمبيك ودنقلا الثانوية. وربما تكون البنت أو يكون الولد من الشمال أو الجنوب، وربما يكون ولد مسلم من ثانوية كسلا أو مسيحياً مثل ماريو بير بوجايل من رمبيك الثانوية 1965 أو بنت مسيحية مثل الينور أوكسد نوسيان من مدرسة الراهبات، 1966 أو أنيل كومار كوناني – السوداني من أصل هندي من مدرسة كمبوني 1967 في الخرطوم. انظر القائمة في الرابط ادناه. https://sudaneseonline.com/board/510/msg/1646112092.html
• لماذا تفوق طلاب المناطق الريفية في الماضي:
- مدرسون ممتازون: كان الطلاب من المناطق الريفية يتلقون تعليمًا من مدرسين ممتازين حصلوا على نفس المؤهلات وتم تدريبهم في نفس معهد تدريب المعلمين في أم درمان (HTTI) وكانوا يدرسون نفس المنهج ومن نفس الكتب الدراسية.
2. نزاهة الاختبارات والتصحيح: كانت الاختبارات تُنظم وتُراقب بدقة من قبل وزارة التربية والتعليم، مع توفير بيئة امتحانية نزيهة للطلاب. كانت حالات الغش نادرة أو منعدمة تماماً بفضل الرقابة الصارمة من قبل المشرفين على الامتحانات.
3. تصحيح الامتحانات بواسطة مدرسين محترفين: كانت الامتحانات تصحح بواسطة مدرسين ذوي خبرة وسمعة طيبة في المجال، مما ضمن نوعية عالية لعملية التصحيح وتقييم الطلاب.
من المؤسف أن الممارسات الجيدة لنظام الامتحانات غائبة اليوم. فالأثير مليء بالأخبار المخيبة للآمال التي تشير إلى تدهور التعليم بسبب الفساد في عملية التقويم التربوي (الامتحانات). الاختبار - كما نعلم - عبارة عن عقد تعاقدي بين الطالب والمدرسة، حيث يُوّدع الطالب في نهاية تعليمه بتعهد بأداء الامتحان، بشرط أن يكون الامتحان مستوفياً لشروط الامتحان الجيد، يقوم على أسس علمية وتعليمية، وخال من الأخطاء مع صحة المحتوى وشموليته ويقدم في ظروف صحية وموضوعية تتعلق بالمكان والزمان ونزاهة الاشخاص الذين يقومون بادارة هذه المناسبة القومية الهامة. لكن اليوم يتم وضع العديد من الاختبارات من خارج المناهج الدراسية لتفتقر إلى (صدق المحتوى) وغنية بالأخطاء العلمية والفنية. ويجري الغش من قبل بعض الطلاب تحت إشراف إدارة المدرسة وتآمر المراقبين في غرف الاختبار في بعض المراكز.
في ظل هذه الملابسات، ومع مثل هذه الأخطاء، يترك الطالب المدرسة ويودع تعليمه في المدرسة الثانوية بأسوأ انطباع أو شعور يمكن أن يحمله. يجلس معظم الطلاب للامتحان، ثم يغادرون المدرسة ولديهم اعتقاد جازم بأن جميع الاختبارات كانت مزحة كبيرة. أصبح الغش وتسريب الامتحانات ظاهرة تقصم ظهر التعليم في البلاد، حيث يمارس معظم الطلاب الغش، باستخدام حيل كثيرة، تحت إشراف المراقبين، في قاعة الامتحانات. ويلعب بعض المعلمين دوراً رئيساً كمساعدين لعملية الغش هذه. هذه الممارسات، ستولد على المدى القريب والبعيد جيلا من محترفي الغش، والذين سيبدأون حياتهم المهنية بالحصول على ورقة مزورة، تأهلهم في الحصول على وظيفة في الحكومة أو المؤسسات الخاصة ومن ثم سيكون لدينا جيل من:
- القضاة المرتشين.
- وكلاء النيابة الفاسدين.
- ضباط الشرطة زائفين ومزيفين.
- رجال أعمال فاسدين.
- الاطباء والمهندسين والمحامين والفنيين غير المؤهلين.
- أمهات غشاشات.
- أئمة مساجد كاذبين
- وسياسيين وقادة غير مؤتمنين
- علماء فتوى منافقين أفاكون، يحورون نصوص الدين، فيحللون ما حرم الله وتكون الفتوى على حسب مقتضى الحال.
وعلى مثل هؤلاء الأشخاص الخادعين أصحاب المهن تقوم إدارة وبناء الدولة، وأي دولة تقوم ركائزها على الغش في التعليم بمؤهلات الاحتيال، سينتشر الفساد في ربوعها، كما نرى الآن كيف تتم إدارة العديد من شئون العباد والبلاد - عن طريق الرشوة والغش منذ أيام التلمذة الأول، لأن سلوك الغش كان أمراً طبيعياً - وغير مجرّم في المدرسة. ثم تكون الكارثة عندما يتم تأمين وظائف لمثل هؤلاء المهنيين بنفس الطريقة الفاسدة التي حصلوا بها على مؤهلاتهم الدراسية، ذلك لأن هشاشة القوانين وتطبيقها أمّن لهؤلاء الفاسدين الملعب فامنوا العقاب وأساؤوا الأدب.
اذن ما هو المخرج لعلاج كل ما ذكر اعلاه؟
aahmedgumaa@yahoo.com