قراءة حول مسودة الدستور الانتقالي ٢٠٢٢م المقترحة من لجنة تسيير المحامين

 


 

 

محمد علي طه الملك
قاض سابق وخبير قانوني.

مدخل :
بداية اشيد بهذه البادرة والجهد المقدر المبذول فيها وتوقيتها في ظل فترة عز فيها التوافق السياسي بين الفرقاء، فلكل من اسهم فيها التحية والتقدير.
لماذا الحاجة لدستور انتقالي ؟
ان فلسفة التغيير السياسي وتراتيبيتها في مراحل الانتقال من وضع شمولي الي مرحلة التغيرات الثورية الشعبية الديموقراطية تتمظهر في احدى مسارين، مسار الشرعية الثورية التي يستند الحكم فيه على قرارات ومراسيم السلطة الثورية دون حاجة لنصوص دستورية تقننها، تلك الحالة تعرف بمرحلة الشرعية الثورية، الوجه الاخر هو مسار الثورية الدستورية حيث يستد الحكم فيها الي نصوص دستورية مؤقتة، لقد درج السودانيون منذ بواكير التغيير الاولى بعد الاستقلال ١٩٥٦م، الاحتكام الي دساتير مؤقتة باستثناء فترة قصيرة ابان نظام مايو المقبور سمي فيها الدستور بالدستور الدائم على الرغم من صدوره في فترة حكم عسكري شمولي!!.
بعد سقوط الانقاذ اتجهت قوى التغيير نحو تبني مسار الشرعية الدستورية المؤقتة التي اعتاد عليها السودانيون في مراحل الانتقال، تمثلت مرجعيتها في الاعلان السياسي والوثيقة الدستورية ٢٠١٩ التي استمدت وجودها منه، ولكن عقب انقلاب الخامس والعشرين من اكتوبر ٢٠٢١م وما تبعه من تعقيدات عاقت مسيرة الانتقال، نحت القوى الثورية الى تبني اعلان دستوري جديد يعالج ثغرات الوثيقة الدستورية ويضمد تطبيقات تجربة الانتقال منذ سقوط الانقاذ، على ضوء ذلك جاءت مبادرة مسودة الدستور الانتقالي ٢٠٢٢م مقترحة من لجنة تسيير المحامين محل هذه القراءة النقدية.

اولا : من حيث الشكل :
1 ـ عدم الالتزام بقوعد علامات الترقيم :
جرت العادة المتبعة عند الترقيم استخدام الأرقام والحروف الابجدية للتمييز بين أصل النص وفروعه، فإن اختير الرقم الحسابي لأصل النص فإن فروع النص ترقم بالحروف. المسودة لم تلتزم بهذه القاعدة في ترقيم بعض المواد.
2 ـ الميل للتفصيل :
منهج صياغة الدساتير يعتمد الايجاز المحكم ولا يميل الي التفاصيل بحسبان أن ذلك دور القوانين واللوائح، ربما اقتضى هذا التفصيل ضعف الثقة وعدم اكتمالها بين مكونات قوى الثورة.
ثانيا : من حيث الموضوع وفنيات الصياغة :

الباب الأول : أحكام تمهيدية :
* أغفلت المسودة النص التفسيري للعبارات والكلمات الواردة فيه وهو نص ضروري لحسم النزاع حول معاني الكلمات التي يمكن أن تعطي اكثر من معنى.
المادة (1)
المادة سمت الدستور الانتقالي وبينت تاريخ سريانه وسكتت عن تبيان الجهة المخولة بالتوقيع ومدة الفترة الانتقالية ربما ارتؤوا ترك ذلك لكي تتوافق علية قوى الثورة.
المادة 2/ 1 :
نصت على الغاء الوثيقة الدستورية 2019 المعدلة 2020، يفسر البعض هذا الالغاء بأنه يفقد الفترة الانتقالية شرعيتها، ويعيب هذه الفرضية أن الوثيقة الدستورية استمدت وجودها وشرعيتها من الإعلان السياسي الذي تأسس عليه عقد الشراكة بين مكونين هما المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير، بانقلاب المجلس العسكري في الخامس والعشرين من أكتوبر وإقصائه غير الدستوري لشريكة ، يعتبر عقد الشراكة المؤسس لمرجعية الوثيقة الدستورية قد تم فسخه من طرف واحد، بهذا الفسخ فقدت الوثيقة الدستورية مرجعية شرعيتها واضحت كأن لم تكن، واضحى الوضع الحاكم اليوم يعتمد على اتفاق جوبا لسلام السودان فقط.
المادة 3/1 : طبيعة الدولة :
يضاف لمقدمة النص ليكتمل المعنى الآتي:
( جمهورية السودان دولة ديمقراطية فيدارلية لها السيادة على اقاليمها/ ولاياتها جوا وبحرا، تتنافس فيها الثقافات والاثنيات ... الي آخر النص)
المادة 5 : يعدل النص ليقرأ كالآتي:
(السيادة للشعب تمارسها الدولة نيابة عنه طبقا للدستور والقوانين الصادرة عنه والمعاهدات والاتفاقات الدولية المصادق عليها )
الفصل الثالث
المادة 16/ 1 :
يجب ازالة عبارة ( حكم نهائي ) من النص لما تخلقه من ارباك في القوانين الاجرائية المتبعة بعد ادانة الشخص ، عبارة حكم نهائي وفق التعريف القانوني هو الحكم الذي نال حجية الأمر المقضي فيه، بعبارة أخرى الحكم الذي انهى كافة مراحل التقاضي، بالتالي فإن الابقاء على هذه العبارة يعطي مفهوم ان المدان في المحكمة الابتدائية يتمتع أيضا بامتيازات وحقوق البرىء على الرغم من إدانته.
الباب الرابع الفصل الأول ( مستويات الحكم)
المادة 35/ 1 :
اغفل النص الإشارة لمبدأ الفصل بين السلطات وهو مبدأ لاغن عنه في الدساتير مما يستوجب تعديل الصياغة على النحو التالي:
( جمهورية السودان دولة فيدرالية نظام الحكم فيها قائم على مبدأ الفصل بين السلطات في المستويين الاتحادي والإقليمي / الولائي، ويتكون من أقاليم / ولايات يحدد القانون ... الى آخر النص).
المدة 51 شروط عضوية مجلس الوزراء
اعتمدت المسودة سن الخامسة والعشرين على الرغم من أن هذا العمر لا يوفر الخبرة الضرورية لرئاسة وزارة قد يكون وكيلها فوق الخمسين من العمر وكان الاوفق اعتماد سن الخامسة والثلاثين اسوة بسن رئيس الوزراء.
لقد تحجج البعض بان النص غايته تشجيع الشباب والاحتفاظ بحقهم وهذه مجاملة تدمر تراتيبية الخدمة العامة وتدفع للوزارة خبرات ضعيفة سرعان ما تصبح العوبة في يد أصحاب الخبرة في الوزارة.
الباب الخامس الفصل الرابع
المادة 55/ 2 الحصانات الإجرائية:
تبنت المسودة فيما يتعلق باجراءات رفع الحصانة ما كان عليه الحال في دستور 2005 الذي عطل اتخاذ اي اجراءات جنائية في مواجهة حكام العهد الانقاذي المباد ، أن هذه الإجراءات متعلقة بالأساس بشبهة الافعال المجرمة جنائيا، ومن ثم كان من الافضل ان تؤول إجراءات رفع الحصانة للمحكمة الدستورية ، ليس لحيادها فحسب في مقابل ما قد يطرأ على أعضاء مجلس التشريع من تحيزات أو تأثيرات، بل أيضا لقدرة المحكمة بحكم التخصص في تقييم وتكييف الفعل الجنائي المراد رفع الحصانة بسببه، مع ذلك أحالت مسودة لجنة التسيير للمجلس التشريعي حق رفع الحصانه على أن تؤول للمحكمة الدستورية في حال غياب المجلس فقط.
الباب السادس : الاجهزة العدلية
تبنت المسودة آلية مجلس القضاء الاعلى ومجلس النيابة على الرغم من العقبات التي افرزها تبني هذه الالية في اختيار رئس القضاء والنائب العام منذ سقوط الانقاذ، لن يغرب عن البال أن هذه الآلية بجانب كونها تقدح في مبدأ استقلال القضاء، فهي من مخلفات العهود الشمولية بغية فرض السيطرة على دوائر القضاء واشخاصهم ، تم الغائها في الديمقراطية الثالثة وأعادتها الانقاذ، فوق ذلك المرحلة الانتقالية لا تحتاج لهذه الآلية في وجود مفوضية لتقويم الأجهزة العدلية ووجود نص في مسودة لجنة التسيير يحيل تعين رئيس القضاء والنائب العام لمجلس السيادة بعد ترشيحهما من قوى الثورة، عموما افضل استبعاد فكرة مجلس عالي للقضاء في هذه المرحلة الانتقالية ، وامام مفوضية الدستور الدائم فسحة من الوقت والتدابير والبدائل التي يمكن التوافق عليها لتنصيص هذا الجانب بما يحفظ للقضاء والنائب العام استثقلاليتهما وهيبتهما .
مرة اخرى الشكر لعضوية لجنة التسيير التي حركت بمبادرتها ساكن الفعل السياسي والنقاش الموضوعي والنقد البناء.

medali51@hotmail.com
//////////////////////////

 

 

آراء