قراءة في رواية ” روح النهر العتيق ” لليلى أبو العلا 2/2
د. خالد محمد فرح
6 February, 2024
6 February, 2024
نسخة جديدة مزيدة ومنقحة من مقال سابق
د. خالد محمد فرح
Khaldoon90@hotmail.com
استهلت الكاتبة روايتها برسم صورة قلمية بديعة، وعبر سرد تخييلي مشوق، لحادثة تاريخية مشهورة بين السودانيين، تعد من أوائل مآثر البطولة والفداء للثورة المهدية في بداياتها، ألا وهي مأثرة البطلة " رابحة الكنانية "، التي ظلت تعدو على قدميها لثلاثة أيام بلياليها، من مرابع قومها عرب كنانة، تلك المرابع التي كانت تقع على سفح جبل الجرادة بجبال النوبة الشرقية، حتى وصلت الى معسكر الامام المهدي في جبل " قدير "، لكي تكشف له خطة جيش كبير ومدجج بالسلاح، يقوده مدير فشودة التركي " راشد بك أيمن " في خواتيم عام 1881م، بتوجيه من رؤوف باشا حكمدار السودان حينئذٍ، لكي يباغت المهدي وجيشه، ويقضي عليهم مرة واحدة والى الأبد، قبل أن يشتد عود ثورته المندلعة لتوها آنئذ، ويستفحل أمرها، فتخرج عن السيطرة.
وهنا يتجلى ذكاء الكاتبة التي عمدت الى تشويق القارئ السوداني خاصةً وشد انتباهه، منذ الوهلة الأولى، عبر مغازلة مشاعره الوطنية، بأن أعادت اليه سرد حادثة تاريخية واقعية محددة، هو على علم بها بصفة عامة، ويلذ له أن تحكى له مجدداً من منظور تخيلي روائي هذه المرة.
إنها بالفعل مأثرة بطولة سودانية خالدة كما أسلفنا، ولكن من شأنها أيضاً، أن تترك أثراً إيجابياً في سائر القراء بمختلف جنسياتهم، وتستثير خيالهم وتعاطفهم من قبيل الشأن الانساني المشترك، بحسبان انها عمل بطولي فريد على كل حال، قامت به فتاة بمفردها، وفي ظل ظروف أمنية ومناخية وبيئية وجغرافية قاسية ومحفوفة بالمخاطر المهلكة للغاية، وغير المواتية مطلقا في ذلك الزمن البعيد. وبالتالي فإن من المؤمّل أن ترتقي رابحة الكنانية بفعلها الوطني والبطولي الجسور ذاك في خيال أي قارئ عموماً، الى مصاف بطلات عالميات وطنيات شهيرات مثل زرقاء اليمامة، أو جان دارك وماريان الفرنسيتين وغيرهما على سبيل المثال.
على أن مما استوقفنا باستغراب، في معرض تصوير الكاتبة لذكريات رابحة الكنانية في فترة ما قبل المهدية، هو قولها أن والد هذه الأخيرة قد قضى تحت وطأة عسف المحتلين الاتراك وجورهم، وقسوتهم المفرطة في تحصيل الضرائب الباهظة، وأنها تتذكر حالة القلق الشديد الذي انتابه عندما فشل محصوله من قصب السكّر وهو قولها حرفياً في صفحة 2: " تذرت رابحة القلق العميق الذي ساور والدها في العام الذي فشل فيه محصول قصب السكر ".
فهل يا ترى توهمت الكاتبة، وخلطت بين كنانة كردفان البدو رعاة البقر، وذويهم كنانة ما بين النيلين الابيض والازرق بوسط السودان، المزارعين ومربي الابقار الملبنة، والذين يقع أحد أكبر وأشهر مشاريع مزارع السكر ومصانعه في أراضيهم " مصنع سكر كنانة " ؟ وهل كانت قبيلة كنانة الكردفانية تزرع قصب السكر أصلا في أرضها في ذلك التاريخ المتقدم ؟ أم أن لكلمة sugar كما وردت في هذا السياق ، معنى آخر غير الذي نعرفه لها ؟. أم أن الكتابة الروائية ، تتيح إيراد مثل هذه المفارقة التاريخية التي تعرف في الانجليزية بال Anachronism ؟
وفي ذات السياق لاحظنا أن الكاتبة قد ترخصت في التصرف في بعض المعلومات والوقائع التاريخية، فعدّلت فيها. مثل ما جاء في متن الرواية من أن أستاذ المهدي هو الشيخ نور الدائم ، بينما كان هو في الحقيقة ابنه محمد شريف، وأن سبب الخلاف بينه وبين تلميذه السابق محمد أحمد ، أن الاخير قد لامه على اقامة حفل غنائي راقص بمناسبة زواج أحد ابنائه، بينما المعلومة التاريخية المدونة في سائر المصادر تقول إن مناسبة ذلك الحفل، كان هو ختان أنجال الشيخ محمد شريف وليس زواج أحد أبنائه.
لقد قابلتنا هذه الجرأة في توظيف المعلومات والحقائق التاريخية الواقعية من قبل هذه الكاتبة من قبل في الواقع، بصورة صارخة في روايتها " حارة المغنى "، التي كانت بدورها معالجة روائية لسيرة عمها الشاعر الغنائي حسن عوض أبو العلا، وذلك عندما نحلت المطرب الذي كان أول من صدح بأشهر قصائده، وعلى رأسها أغنية " سفري السبب لي عنايا "، اسماً اعتباطياً هو " حمزة النقر "، بينما أن جميع السودانيين خاصةً، يعرفون انه الفنان العميد " احمد المصطفى ". وبصراحة، فإننا لم نهتد بعد، الى قصد الكاتبة من تلك التعمية. هذا مع ملاحظة انها قد سمّت الفنان سيد خليفة مثلاً، باسمه الحقيقي في ذات الرواية.
هذا، ومن التوابل الروائية الخيالية الطريفة التي أضافتها الكاتبة الى حادثة رابحة الكنانية التاريخية، أن رابحة كانت تعرف المهدي وكان يعرفها، وأنه قد صنع لها ولابنتيها أحجبة عندما مر بديارهم ذات مرة اثناء سياحته الاستكشافية في كردفان قبل اعلان مهديته. ومنها أيضاً ، ان رابحة الكنانية قد توفيت من اثر لدغة ثعبان تعرضت لها وهي تتخبط ليلاً في طريقها نحوه في قدير، وأنها قد أسلمت الروح بعد ان انجزت مهمتها وابلغت رسالتها الى المهدي، الذي اشرف على جنازتها وصلى عليها هو بنفسه ومن ورائه جموع الانصار بالمعسكر.
وصفت الكاتبة رابحة الكنانية بانها قد كانت أنصارية صميمة، راسخة الاعتقاد في الامام المهدي ودعوته، بينما كان زوجها مرتاباً وقليل الحماسة نوعاً ما. فهما بالضبط مثل والدة الشيخ بابكر بدري ووالده بإزاء المهدية على التوالي، كما صورهما هو نفسه في مذكراته الصريحة والطريفة والممتعة. وبهذه المناسبة، فإن مذكرات بابكر بدري قد كانت إحدى المصادر القرائية والمعرفية التي استندت إليها ليلى ابو العلا في تأليف هذه الرواية.
ويقابلنا أثر مذكرات بابكر بدري مرة أخرى في الرواية، في مشهد مصرع ابنة المقاتل الانصاري " موسى " بصفحة 193، بعد اصابتها بقذيفة او رصاصة سددها لها أحد الجنود الاتراك بمعسكر للأنصار على مقربة من شاطئ النيل الابيض، وهو المشهد الذي يشبه بشدة، حادثة مصرع احدى شقيقات بابكر بدري اثناء نفرتهم مع والدتهم في ركاب جيش عبد الرحمن النجومي المتوجه الى توشكى بمصر في عام 1889م.
ولما كانت هذه هي رواية تاريخية، فانه يغدو من الطبيعي أن ترجع مؤلفتها الى المصادر المعرفية ذات الصلة بتلك الحقبة التي صورتها، والتي أثبتتها هي نفسها في ختام صفحاتها، شاملة مراجع ومؤلفات بأقلام كتاب سودانيين وآخرين غير سودانيين على حد سواء. فمن بين المراجع السودانية ذكرت المؤلفة على سبيل المثال كتباً مثل: من أبا الى تسلهاي لعبد المحمود ابو شامة، وتاريخ حياتي لبابكر بدري، وتاريخ السودان لنعوم شقير، ومذكرات يوسف ميخائيل، وتاريخ السودان الحديث للدكتور محمد سعيد القدال.
ورغم ان هنالك ما يحملنا على الاعتقاد والتخمين القوي بان اسماعيل ، ذلك الشيخ الازهري صديق ياسين بطل الرواية وزميله في الدراسة بالأزهر بمصر، الذي انحاز الى المهدية وحاول مراراً إقناع صديقه يس بفعل ذلك ، هو غالباً اسماعيل عبد القادر الكردفاني الازهري، سبط الشيخ اسماعيل الولي 1793 - 1863م، الا اننا لاحظنا انها لم تذكر كتابه المهم " سعادة المستهدي بسيرة الامام المهدي "، وهو من أبكر المصنفات التي ألفت في سيرة الامام محمد المهدي، من ضمن المصادر التي رجعت اليها، فلعلها لم تحصل على نسخة منه لندرته.
ولا ندري إن كانت الكاتبة قد اطلعت على كتاب " الاصداء العالمية للثورة المهدية " ، وهو كتاب حديث الصدور نسبياً، من تأليف محمد المصطفى موسى، ذلك بان به بعض المعلومات النادرة التي استقاها من جملة من المصادر الاجنبية، التي كان من شانها ان تضفي على السرد بعداً اكثر عمقاً للمنظور الاجنبي والغربي تحديدا للثورة المهدية ، الذي لم تغفله المؤلفة بالرغم من ذلك. وبالمناسبة فان مؤلف هذا الكتاب، هو حفيد السيد حامد بن عبد الله ود فحل أحد شقيقي الامام المهدي اللذين استشهدا في محاولة الانصار الاولى لاقتحام مدينة الابيض.
ومن مظاهر واقعية هذه الرواية من خلال السياق التاريخي الذي عالجته، انها صورت بصدق، انقسام مواقف الناس وميولهم في السودان بإزاء الثورة المهدية، حتى من بين أفراد البيت الواحد، وذلك على غرار ما رأينا من انصارية فاطمة والدة يس، ولا مبالاة والده حيالها، ومعاداة يس نفسه لها، ومن قبل ذلك وقفنا على أنصارية رابحة الكنانية الصلبة ، في مقابل موقف زوجها المتراخي ، بينما نجد ما يماثل ذلك في الواقع فعلا على سبيل المثال، انحياز السيد المكي بن السيد اسماعيل الولي للمهدي ولخليفته من بعده ، حتى صار من أخلص مستشاريهما منذ بداية المهدية وحتى نهايتها، بينما ناصبها شقيقه السيد أحمد الازهري العداء، مما أدى الى إعدامه جزاء له على ذلك الموقف.
ولما كانت الرواية من حيث هي، مضماراً لعرض الرؤى والافكار عموماً، وعلى نحوٍ شفيف وغير متعسف، وإنما يُجاءُ بها هكذا عفواً ورفيقاً في تضاعيف السرد نفسه، وبصورة تكون ملائمة للسياق، وغير متكلفة او نابية عنه، فإننا قد وقفنا بالفعل على بعض الومضات المضيئة وذات الدلالات الخاصة في مجال الفكر السياسي والاجتماعي، وبعض الخواطر والتأملات الفلسفية العميقة في طبائع العمران البشري، التي نرى انها من بنات افكار الكاتبة نفسها، وانما صاغتها على ألسنة بعض شخوص الرواية. ومن ذلك ما ورد على لسان ياسين في صحة 136 في معرض انطباعه عن المهدي وأنصاره من وجهة نظره بالطبع:
" إن الاشخاص المتعصبين لا يستطيعون مطلقاً إخراج أفضل ما في نفوس الناس. إنني أخمن أنهم سوف يذهبون الى الحرب. سوف يجيشون الجيوش، وسوف يغزون وينهبون، لأن الاعتداء وحده هو الذي سوف يبقي على قضيتهم حية. إن مقاتلة عدو ما، هي دوماً أيسر من إدارة تعقيدات البشر. " أ. هـ
هنالك ملامح حقيقية من الحياة السودانية التي كانت سائدة في زمن الرواية، والتي ما يزال بعضها مستمرا حتى الآن، عمدت الكاتبة إلى إيرادها بصورة واقعية ولطيفة، ولعلها من قبيل الحلية الانثربولوجية او الفولكلورية التي ربما تكون قد قدرت أنها ستكون جاذبة ومثيرة لفضول القارئ الغربي أو غير السوداني عموما. ومن ذلك على سبيل المثال: ولادة النساء لأولادهن داخل البيوت بمساعدة القابلات البلديات، وهن متشبثات بحبال مشدودة الى سقف الغرفة او الكوخ، وحول القابلة ثلة من النساء لمساعدتها، وكذلك للدعاء للأم بأن يحلها الله بالسلامة، ولا مكان لأي ذكر ولو كان طفلا صغيراً في ذلك التجمع، فإنه من الخصوصيات التي لا يليق بهم أن يشهدوها. ومن ذلك أيضاً، الغيرة والمنافسة و " المناقرات " بين الزوجة وحمواتها وكناتها، وتسلل النساء في هزيع من الليل الى غرف أزواجهن بعد نوم الصغار، وكذلك تخصيص الرجال بأطايب الطعام، وخصوصا صدور الدجاج وأوراكها دون النساء، اللائي يكتفين هنّ وأطفالهن المساكين، بأكل ما يتبقى من الأجنحة والرؤوس والأعجاز والعظيمات الخ !
اما اللغة والاسلوب في رواية " روح النهر العتيق "، فقد بلغت فيهما ليلى أبو العلا أوجاً رفيعا حقا، وقد أثبتت أنها قد امتلكت ناصية اللغة الانجليزية، حتى غدت سهلة القياد ومطواعة في قلمها، فضلاً عن أسلوبها الرشيق والسلس، والمحكم العبارة، والمبرأ من الإسهاب الممل والفضول.
هذا، وقد امتلأت صفحات نسختي من هذه الرواية في الواقع، بكلمات وعبارات عديدة وضعت تحتها خطوطا بقلم الرصاص، لأنني لم اهتد لمعانيها المعجمية، وانما فهمتها فهما عاما هكذا بحسب السياق، بأمل ان أعود اليها يوماً ما إن شاء الله، لمعرفة معانيها بدقة أكثر ، مستعينا بقاموس اوكسفورد.
وقد أتاحت إقامة ليلى أبو العلا الطويلة بمدينة أبردين باسكتلندا، الفرصة لها لاستعراض شيء من معرفتها باللهجة الاسكتلندية، فأثبتت ألفاظاً وعبارات منها، خاصة على لسان " روبرت " فني إصلاح البواخر النهرية والرسام الاسكتلندي، الذي استرق أكواني شراءً لبعض الوقت كخادمة له بمنزله بالخرطوم، ورسم لها عدة اسكتشات وبورتريهات، وهي مكرهة ومجبرة على ذلك.
وهل يا تُرى، عمدت الكاتبة إلى إقحام شخصية روبرت في متن هذه الرواية إقحاماً، بغرض مجاملة أصدقائها ومستضيفيها الاسكتلنديين، وإرضاء غرورهم، ومغازلة شعورهم الوطني أيضا ؟؟ وهل كانت الرواية مفتقدة لشخصية روبرت هذا أصلا ؟؟. أم أن وجوده كان مهماً للسخرية من غردون باشا، الذي صورته الرواية على أنه اسكتلندي هو الآخر في الأصل، ولكنه شخص مغرور ومعقد، ومتنكر لأصله وهويته، كان يجتهد في تقليد الإنجليز في كل شيء ؟؟.
لاحظنا أن الكاتبة قد راوحت عمداً في استخدام حالات الأفعال Tenses والضمائر، ولم تجعلها كلها على منوال واحد مع كل لوحة أو فصل من فصول الرواية، المخصص كل واحد منها لشخصية محددة من شخوصها. فهي تارة تستخدم ضمير الغائب المفرد، إذا أرادت صيغة الراوي العليم، وأحيانا تستخدم ضمير المتكلم المفرد، أو المخاطب المفرد وهكذا، وذلك لعمري يضفي حيوية ومرونة وأريحية على السرد، ويتيح قدراً أوسع من الحرية لمعرفة النوازع والخصائص والميول النفسية والعاطفية لكل شخصية، في كل موقف على حدة.
وختاماً ، هل تأثرت ليلى ابو العلا بكاتبنا الكبير الطيب صالح وتناصّت معه في بعض المواضع من هذه الرواية يا تُرى ؟ نعتقد أننا نلمس شيئا من ذلك بالفعل، أم ترى أننا نبعد النجعة في ذلك، ونتمحل في تفسير ما قد يكون مجرد توارد للخواطر؟!. فقد أشرنا من قبل الى اشتراكهما في ثيمة النيل كموحي أفكار ومنبع أسرار، ولكننا نلاحظ كذلك أوجه شبه قوية وملفتة للنظر، بين السيدة صالحة كريمة آل الضرير وزوجة ياسين من جهة ، وكل من عزة بنت الحاج ابراهيم في رواية " عرس الزين " و فاطمة بنت جبر الدار في رواية " مريود " من جهة أخرى، وذلك من حيث الاشتراك في صفات الجمال الحسي والمعنوي معاً، وحب العلم، والذكاء وقوة الشخصية ، ورجاحة العقل ، والتحلي بروح المسؤولية ، والتدين الفطري العميق.
ثم تأمل يا رعاك الله ، في هذا التشابه المذهل بين الاسلوبين اللذين ختم بهما كل من الطيب صالح في " عرس الزين " وليلى ابو العلا في هذه الرواية هاتين الروايتين على التوالي، وهما يصوران مشهدين من حفلي عرسي كل من " الزين " و " بول او اسحاق " شقيق أكواني أو زمزم:
" صاح بأعلى صوته ويده مشهورة فوق رأس الراقصة: أبشروا بالخير .. أبشروا بالخير. وفار المكان، فكأنه قدرٌ تغلي. لقد نفث فيه الزين طاقةً جديدة. وكانت الدائرة تتسع وتضيق، تتسع وتضيق، والأصوات تغطس وتطفو، والطبول ترعد وتزمجر، والزين واقف في مكانه في قلب الدائرة، بقامته الطويلة وجسمه النحيل، فكأنه صاري المركب ".
ثم انظر إلى ليلى أبو العلا وهي تصور العريس شهيد كرري:اسحق في حفل زفافه بذات اللمسات والحاسة الاسلوبية تقريبا:
" أذكر حفل زفافه وكأنه كان بالأمس القريب. وأذكر عروسه وهي ترقص، وشعرها مضفر حديثاً، وبشرتها تلتمع. وأذكر كل تلك الزغاريد والطبول. أووه، كم كنت أتمنى أن ترينَ كل ذلك وأن تشاركيه فرحته. لقد كان بالفعل عريساً عظيماً – وهو يعرض في دائرة الراقصات، والكحل يزين عينيه، والحناء تخضب قدميه، وهو يهز سيفه بقوة ويقفز عالياً ".
د. خالد محمد فرح
Khaldoon90@hotmail.com
استهلت الكاتبة روايتها برسم صورة قلمية بديعة، وعبر سرد تخييلي مشوق، لحادثة تاريخية مشهورة بين السودانيين، تعد من أوائل مآثر البطولة والفداء للثورة المهدية في بداياتها، ألا وهي مأثرة البطلة " رابحة الكنانية "، التي ظلت تعدو على قدميها لثلاثة أيام بلياليها، من مرابع قومها عرب كنانة، تلك المرابع التي كانت تقع على سفح جبل الجرادة بجبال النوبة الشرقية، حتى وصلت الى معسكر الامام المهدي في جبل " قدير "، لكي تكشف له خطة جيش كبير ومدجج بالسلاح، يقوده مدير فشودة التركي " راشد بك أيمن " في خواتيم عام 1881م، بتوجيه من رؤوف باشا حكمدار السودان حينئذٍ، لكي يباغت المهدي وجيشه، ويقضي عليهم مرة واحدة والى الأبد، قبل أن يشتد عود ثورته المندلعة لتوها آنئذ، ويستفحل أمرها، فتخرج عن السيطرة.
وهنا يتجلى ذكاء الكاتبة التي عمدت الى تشويق القارئ السوداني خاصةً وشد انتباهه، منذ الوهلة الأولى، عبر مغازلة مشاعره الوطنية، بأن أعادت اليه سرد حادثة تاريخية واقعية محددة، هو على علم بها بصفة عامة، ويلذ له أن تحكى له مجدداً من منظور تخيلي روائي هذه المرة.
إنها بالفعل مأثرة بطولة سودانية خالدة كما أسلفنا، ولكن من شأنها أيضاً، أن تترك أثراً إيجابياً في سائر القراء بمختلف جنسياتهم، وتستثير خيالهم وتعاطفهم من قبيل الشأن الانساني المشترك، بحسبان انها عمل بطولي فريد على كل حال، قامت به فتاة بمفردها، وفي ظل ظروف أمنية ومناخية وبيئية وجغرافية قاسية ومحفوفة بالمخاطر المهلكة للغاية، وغير المواتية مطلقا في ذلك الزمن البعيد. وبالتالي فإن من المؤمّل أن ترتقي رابحة الكنانية بفعلها الوطني والبطولي الجسور ذاك في خيال أي قارئ عموماً، الى مصاف بطلات عالميات وطنيات شهيرات مثل زرقاء اليمامة، أو جان دارك وماريان الفرنسيتين وغيرهما على سبيل المثال.
على أن مما استوقفنا باستغراب، في معرض تصوير الكاتبة لذكريات رابحة الكنانية في فترة ما قبل المهدية، هو قولها أن والد هذه الأخيرة قد قضى تحت وطأة عسف المحتلين الاتراك وجورهم، وقسوتهم المفرطة في تحصيل الضرائب الباهظة، وأنها تتذكر حالة القلق الشديد الذي انتابه عندما فشل محصوله من قصب السكّر وهو قولها حرفياً في صفحة 2: " تذرت رابحة القلق العميق الذي ساور والدها في العام الذي فشل فيه محصول قصب السكر ".
فهل يا ترى توهمت الكاتبة، وخلطت بين كنانة كردفان البدو رعاة البقر، وذويهم كنانة ما بين النيلين الابيض والازرق بوسط السودان، المزارعين ومربي الابقار الملبنة، والذين يقع أحد أكبر وأشهر مشاريع مزارع السكر ومصانعه في أراضيهم " مصنع سكر كنانة " ؟ وهل كانت قبيلة كنانة الكردفانية تزرع قصب السكر أصلا في أرضها في ذلك التاريخ المتقدم ؟ أم أن لكلمة sugar كما وردت في هذا السياق ، معنى آخر غير الذي نعرفه لها ؟. أم أن الكتابة الروائية ، تتيح إيراد مثل هذه المفارقة التاريخية التي تعرف في الانجليزية بال Anachronism ؟
وفي ذات السياق لاحظنا أن الكاتبة قد ترخصت في التصرف في بعض المعلومات والوقائع التاريخية، فعدّلت فيها. مثل ما جاء في متن الرواية من أن أستاذ المهدي هو الشيخ نور الدائم ، بينما كان هو في الحقيقة ابنه محمد شريف، وأن سبب الخلاف بينه وبين تلميذه السابق محمد أحمد ، أن الاخير قد لامه على اقامة حفل غنائي راقص بمناسبة زواج أحد ابنائه، بينما المعلومة التاريخية المدونة في سائر المصادر تقول إن مناسبة ذلك الحفل، كان هو ختان أنجال الشيخ محمد شريف وليس زواج أحد أبنائه.
لقد قابلتنا هذه الجرأة في توظيف المعلومات والحقائق التاريخية الواقعية من قبل هذه الكاتبة من قبل في الواقع، بصورة صارخة في روايتها " حارة المغنى "، التي كانت بدورها معالجة روائية لسيرة عمها الشاعر الغنائي حسن عوض أبو العلا، وذلك عندما نحلت المطرب الذي كان أول من صدح بأشهر قصائده، وعلى رأسها أغنية " سفري السبب لي عنايا "، اسماً اعتباطياً هو " حمزة النقر "، بينما أن جميع السودانيين خاصةً، يعرفون انه الفنان العميد " احمد المصطفى ". وبصراحة، فإننا لم نهتد بعد، الى قصد الكاتبة من تلك التعمية. هذا مع ملاحظة انها قد سمّت الفنان سيد خليفة مثلاً، باسمه الحقيقي في ذات الرواية.
هذا، ومن التوابل الروائية الخيالية الطريفة التي أضافتها الكاتبة الى حادثة رابحة الكنانية التاريخية، أن رابحة كانت تعرف المهدي وكان يعرفها، وأنه قد صنع لها ولابنتيها أحجبة عندما مر بديارهم ذات مرة اثناء سياحته الاستكشافية في كردفان قبل اعلان مهديته. ومنها أيضاً ، ان رابحة الكنانية قد توفيت من اثر لدغة ثعبان تعرضت لها وهي تتخبط ليلاً في طريقها نحوه في قدير، وأنها قد أسلمت الروح بعد ان انجزت مهمتها وابلغت رسالتها الى المهدي، الذي اشرف على جنازتها وصلى عليها هو بنفسه ومن ورائه جموع الانصار بالمعسكر.
وصفت الكاتبة رابحة الكنانية بانها قد كانت أنصارية صميمة، راسخة الاعتقاد في الامام المهدي ودعوته، بينما كان زوجها مرتاباً وقليل الحماسة نوعاً ما. فهما بالضبط مثل والدة الشيخ بابكر بدري ووالده بإزاء المهدية على التوالي، كما صورهما هو نفسه في مذكراته الصريحة والطريفة والممتعة. وبهذه المناسبة، فإن مذكرات بابكر بدري قد كانت إحدى المصادر القرائية والمعرفية التي استندت إليها ليلى ابو العلا في تأليف هذه الرواية.
ويقابلنا أثر مذكرات بابكر بدري مرة أخرى في الرواية، في مشهد مصرع ابنة المقاتل الانصاري " موسى " بصفحة 193، بعد اصابتها بقذيفة او رصاصة سددها لها أحد الجنود الاتراك بمعسكر للأنصار على مقربة من شاطئ النيل الابيض، وهو المشهد الذي يشبه بشدة، حادثة مصرع احدى شقيقات بابكر بدري اثناء نفرتهم مع والدتهم في ركاب جيش عبد الرحمن النجومي المتوجه الى توشكى بمصر في عام 1889م.
ولما كانت هذه هي رواية تاريخية، فانه يغدو من الطبيعي أن ترجع مؤلفتها الى المصادر المعرفية ذات الصلة بتلك الحقبة التي صورتها، والتي أثبتتها هي نفسها في ختام صفحاتها، شاملة مراجع ومؤلفات بأقلام كتاب سودانيين وآخرين غير سودانيين على حد سواء. فمن بين المراجع السودانية ذكرت المؤلفة على سبيل المثال كتباً مثل: من أبا الى تسلهاي لعبد المحمود ابو شامة، وتاريخ حياتي لبابكر بدري، وتاريخ السودان لنعوم شقير، ومذكرات يوسف ميخائيل، وتاريخ السودان الحديث للدكتور محمد سعيد القدال.
ورغم ان هنالك ما يحملنا على الاعتقاد والتخمين القوي بان اسماعيل ، ذلك الشيخ الازهري صديق ياسين بطل الرواية وزميله في الدراسة بالأزهر بمصر، الذي انحاز الى المهدية وحاول مراراً إقناع صديقه يس بفعل ذلك ، هو غالباً اسماعيل عبد القادر الكردفاني الازهري، سبط الشيخ اسماعيل الولي 1793 - 1863م، الا اننا لاحظنا انها لم تذكر كتابه المهم " سعادة المستهدي بسيرة الامام المهدي "، وهو من أبكر المصنفات التي ألفت في سيرة الامام محمد المهدي، من ضمن المصادر التي رجعت اليها، فلعلها لم تحصل على نسخة منه لندرته.
ولا ندري إن كانت الكاتبة قد اطلعت على كتاب " الاصداء العالمية للثورة المهدية " ، وهو كتاب حديث الصدور نسبياً، من تأليف محمد المصطفى موسى، ذلك بان به بعض المعلومات النادرة التي استقاها من جملة من المصادر الاجنبية، التي كان من شانها ان تضفي على السرد بعداً اكثر عمقاً للمنظور الاجنبي والغربي تحديدا للثورة المهدية ، الذي لم تغفله المؤلفة بالرغم من ذلك. وبالمناسبة فان مؤلف هذا الكتاب، هو حفيد السيد حامد بن عبد الله ود فحل أحد شقيقي الامام المهدي اللذين استشهدا في محاولة الانصار الاولى لاقتحام مدينة الابيض.
ومن مظاهر واقعية هذه الرواية من خلال السياق التاريخي الذي عالجته، انها صورت بصدق، انقسام مواقف الناس وميولهم في السودان بإزاء الثورة المهدية، حتى من بين أفراد البيت الواحد، وذلك على غرار ما رأينا من انصارية فاطمة والدة يس، ولا مبالاة والده حيالها، ومعاداة يس نفسه لها، ومن قبل ذلك وقفنا على أنصارية رابحة الكنانية الصلبة ، في مقابل موقف زوجها المتراخي ، بينما نجد ما يماثل ذلك في الواقع فعلا على سبيل المثال، انحياز السيد المكي بن السيد اسماعيل الولي للمهدي ولخليفته من بعده ، حتى صار من أخلص مستشاريهما منذ بداية المهدية وحتى نهايتها، بينما ناصبها شقيقه السيد أحمد الازهري العداء، مما أدى الى إعدامه جزاء له على ذلك الموقف.
ولما كانت الرواية من حيث هي، مضماراً لعرض الرؤى والافكار عموماً، وعلى نحوٍ شفيف وغير متعسف، وإنما يُجاءُ بها هكذا عفواً ورفيقاً في تضاعيف السرد نفسه، وبصورة تكون ملائمة للسياق، وغير متكلفة او نابية عنه، فإننا قد وقفنا بالفعل على بعض الومضات المضيئة وذات الدلالات الخاصة في مجال الفكر السياسي والاجتماعي، وبعض الخواطر والتأملات الفلسفية العميقة في طبائع العمران البشري، التي نرى انها من بنات افكار الكاتبة نفسها، وانما صاغتها على ألسنة بعض شخوص الرواية. ومن ذلك ما ورد على لسان ياسين في صحة 136 في معرض انطباعه عن المهدي وأنصاره من وجهة نظره بالطبع:
" إن الاشخاص المتعصبين لا يستطيعون مطلقاً إخراج أفضل ما في نفوس الناس. إنني أخمن أنهم سوف يذهبون الى الحرب. سوف يجيشون الجيوش، وسوف يغزون وينهبون، لأن الاعتداء وحده هو الذي سوف يبقي على قضيتهم حية. إن مقاتلة عدو ما، هي دوماً أيسر من إدارة تعقيدات البشر. " أ. هـ
هنالك ملامح حقيقية من الحياة السودانية التي كانت سائدة في زمن الرواية، والتي ما يزال بعضها مستمرا حتى الآن، عمدت الكاتبة إلى إيرادها بصورة واقعية ولطيفة، ولعلها من قبيل الحلية الانثربولوجية او الفولكلورية التي ربما تكون قد قدرت أنها ستكون جاذبة ومثيرة لفضول القارئ الغربي أو غير السوداني عموما. ومن ذلك على سبيل المثال: ولادة النساء لأولادهن داخل البيوت بمساعدة القابلات البلديات، وهن متشبثات بحبال مشدودة الى سقف الغرفة او الكوخ، وحول القابلة ثلة من النساء لمساعدتها، وكذلك للدعاء للأم بأن يحلها الله بالسلامة، ولا مكان لأي ذكر ولو كان طفلا صغيراً في ذلك التجمع، فإنه من الخصوصيات التي لا يليق بهم أن يشهدوها. ومن ذلك أيضاً، الغيرة والمنافسة و " المناقرات " بين الزوجة وحمواتها وكناتها، وتسلل النساء في هزيع من الليل الى غرف أزواجهن بعد نوم الصغار، وكذلك تخصيص الرجال بأطايب الطعام، وخصوصا صدور الدجاج وأوراكها دون النساء، اللائي يكتفين هنّ وأطفالهن المساكين، بأكل ما يتبقى من الأجنحة والرؤوس والأعجاز والعظيمات الخ !
اما اللغة والاسلوب في رواية " روح النهر العتيق "، فقد بلغت فيهما ليلى أبو العلا أوجاً رفيعا حقا، وقد أثبتت أنها قد امتلكت ناصية اللغة الانجليزية، حتى غدت سهلة القياد ومطواعة في قلمها، فضلاً عن أسلوبها الرشيق والسلس، والمحكم العبارة، والمبرأ من الإسهاب الممل والفضول.
هذا، وقد امتلأت صفحات نسختي من هذه الرواية في الواقع، بكلمات وعبارات عديدة وضعت تحتها خطوطا بقلم الرصاص، لأنني لم اهتد لمعانيها المعجمية، وانما فهمتها فهما عاما هكذا بحسب السياق، بأمل ان أعود اليها يوماً ما إن شاء الله، لمعرفة معانيها بدقة أكثر ، مستعينا بقاموس اوكسفورد.
وقد أتاحت إقامة ليلى أبو العلا الطويلة بمدينة أبردين باسكتلندا، الفرصة لها لاستعراض شيء من معرفتها باللهجة الاسكتلندية، فأثبتت ألفاظاً وعبارات منها، خاصة على لسان " روبرت " فني إصلاح البواخر النهرية والرسام الاسكتلندي، الذي استرق أكواني شراءً لبعض الوقت كخادمة له بمنزله بالخرطوم، ورسم لها عدة اسكتشات وبورتريهات، وهي مكرهة ومجبرة على ذلك.
وهل يا تُرى، عمدت الكاتبة إلى إقحام شخصية روبرت في متن هذه الرواية إقحاماً، بغرض مجاملة أصدقائها ومستضيفيها الاسكتلنديين، وإرضاء غرورهم، ومغازلة شعورهم الوطني أيضا ؟؟ وهل كانت الرواية مفتقدة لشخصية روبرت هذا أصلا ؟؟. أم أن وجوده كان مهماً للسخرية من غردون باشا، الذي صورته الرواية على أنه اسكتلندي هو الآخر في الأصل، ولكنه شخص مغرور ومعقد، ومتنكر لأصله وهويته، كان يجتهد في تقليد الإنجليز في كل شيء ؟؟.
لاحظنا أن الكاتبة قد راوحت عمداً في استخدام حالات الأفعال Tenses والضمائر، ولم تجعلها كلها على منوال واحد مع كل لوحة أو فصل من فصول الرواية، المخصص كل واحد منها لشخصية محددة من شخوصها. فهي تارة تستخدم ضمير الغائب المفرد، إذا أرادت صيغة الراوي العليم، وأحيانا تستخدم ضمير المتكلم المفرد، أو المخاطب المفرد وهكذا، وذلك لعمري يضفي حيوية ومرونة وأريحية على السرد، ويتيح قدراً أوسع من الحرية لمعرفة النوازع والخصائص والميول النفسية والعاطفية لكل شخصية، في كل موقف على حدة.
وختاماً ، هل تأثرت ليلى ابو العلا بكاتبنا الكبير الطيب صالح وتناصّت معه في بعض المواضع من هذه الرواية يا تُرى ؟ نعتقد أننا نلمس شيئا من ذلك بالفعل، أم ترى أننا نبعد النجعة في ذلك، ونتمحل في تفسير ما قد يكون مجرد توارد للخواطر؟!. فقد أشرنا من قبل الى اشتراكهما في ثيمة النيل كموحي أفكار ومنبع أسرار، ولكننا نلاحظ كذلك أوجه شبه قوية وملفتة للنظر، بين السيدة صالحة كريمة آل الضرير وزوجة ياسين من جهة ، وكل من عزة بنت الحاج ابراهيم في رواية " عرس الزين " و فاطمة بنت جبر الدار في رواية " مريود " من جهة أخرى، وذلك من حيث الاشتراك في صفات الجمال الحسي والمعنوي معاً، وحب العلم، والذكاء وقوة الشخصية ، ورجاحة العقل ، والتحلي بروح المسؤولية ، والتدين الفطري العميق.
ثم تأمل يا رعاك الله ، في هذا التشابه المذهل بين الاسلوبين اللذين ختم بهما كل من الطيب صالح في " عرس الزين " وليلى ابو العلا في هذه الرواية هاتين الروايتين على التوالي، وهما يصوران مشهدين من حفلي عرسي كل من " الزين " و " بول او اسحاق " شقيق أكواني أو زمزم:
" صاح بأعلى صوته ويده مشهورة فوق رأس الراقصة: أبشروا بالخير .. أبشروا بالخير. وفار المكان، فكأنه قدرٌ تغلي. لقد نفث فيه الزين طاقةً جديدة. وكانت الدائرة تتسع وتضيق، تتسع وتضيق، والأصوات تغطس وتطفو، والطبول ترعد وتزمجر، والزين واقف في مكانه في قلب الدائرة، بقامته الطويلة وجسمه النحيل، فكأنه صاري المركب ".
ثم انظر إلى ليلى أبو العلا وهي تصور العريس شهيد كرري:اسحق في حفل زفافه بذات اللمسات والحاسة الاسلوبية تقريبا:
" أذكر حفل زفافه وكأنه كان بالأمس القريب. وأذكر عروسه وهي ترقص، وشعرها مضفر حديثاً، وبشرتها تلتمع. وأذكر كل تلك الزغاريد والطبول. أووه، كم كنت أتمنى أن ترينَ كل ذلك وأن تشاركيه فرحته. لقد كان بالفعل عريساً عظيماً – وهو يعرض في دائرة الراقصات، والكحل يزين عينيه، والحناء تخضب قدميه، وهو يهز سيفه بقوة ويقفز عالياً ".