كيف يمكن إطفاء نيران الحرب المشتعلة في البلاد؟

 


 

 

الحرب نار تحرق الأخضر واليابس، حتى الماء التي خلقت منه تبخره، إن لم يكن فيضا، وكذلك وصفها القرآن الكريم كإعجاز لغوي، قال تعالي: ((كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ، وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا، وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ)) (64) المائدة. بالإضافة إلى الخصائص الكيمائية، تتماثل الحرب مع النار في تماثل ظرفي الاشتعال والإطفاء كذلك، وقد حددت المعامل الكيميائية، ثلاثة أضلع لعملية إشعال النار، عرفت بمثلث الحريق، أضلها الوقود والحرارة والأوكسجين، متى ما اكتملت هذه الأضلع، اشتعلت النار تلقائيا، ومتى ما نزعت إحداها، انطفأت.
دعونا نمحّص الحرب الدائرة الآن في البلاد، للوقوف على أضلعها، ومن ثمّ التفكير في أيهما أسهل انتزاعا، لوقف عوارها، وإطفاء لهيبها القاتل حرقا واختناقا دون تمييز.
عنصر وقود النار يكون دائما شيئا ملموسا، "وقودها الناس والحجارة"، وفي حالة نار الحرب، وقودها الرجال والعتاد، ومتى ما كان الرجال المقاتلين من الطرفين، أقويا بدنيا وعقدياً، كانت الحرب ضروسا، ومتى ما كانت الآليات الحربية، والعتاد القتالي متطورا، كانت الحرب طاحنا. لذا تلجأ الدول العظمي والصناعية، وكذلك مجلس الأمن الدولي لفرض حظر تصدير أسلحة، ومنع تسليح أحدى أو كافة أطراف الصراع في البلدان التي تشهد حروبا.
ومتى، نفد وقود الحرب، من الرجال أو العتاد للطرفين، أو لأحداهما، انطفأت صلحا أو استسلاما، وانتظار هذه الفرضية، ليس حلا وليس عملياً.
بكل تأكيد يشّكل الصراع على كرسي السلطة والنفوذ، أوكسيجين الحرب، وقد تمظّهر هذا الصراع منذ انقسام المكون العسكري حول الاتفاق الإطاري، تراكمت كتلته، واقترب من بقية الأضلع، باقتراب موعد التوقيع على المشروع السياسي المفضي إلى خروج العسكر من السلطة، وتشكيل حكومة مدنية كاملة الدسم، بمعزل عن الإسلاميين وحلفائهم. فالحرب الدائرة الآن حرب سلطة بالدرجة الأولى.
الجانب المعنوي، للحرب، يعتبر أوكسجينا، مثل العقيدة القتالية، والاغترار بالعدد والعتاد، أو الإستهتار بالخصم، وتوهم طرف اقتراب الانتصار على الاخر، بالإضافة إلى صراع السطلة. أشار الأمر التنفيذي الصادر مؤخرا من الرئيس الأمريكي جو بايدن، إلي تأكيد دعم بلاده لجهود التحول المدني- الديمقراطي في السودان، في محاولة لتقليل وتحجيم كتلة أوكسيجين هذه الحرب، أي إخراج العسكر من المعادلة، لكن بات بديهيا، إن نجاح هذه المساعي بجهود وطنية أو دولية، يعتبر انتصاراً معنوياً للفريق حميدتي، المساند لهذا التوجه، والعكس يحسب لصالح غريمه الفريق البرهان واللجنة الأمنية، المنافحة لصالح عودة النظام البائد لسدة الحكم مرة أخرى.
بالإمكان تدمير أو تقليل كتلة أوكسيجين الحرب، بتشكيل حكومة مدنية هجينة من كتلتيّ قحت المركزية والديمقراطية ومشاركة رمزية من رموز الحركة الإسلامية، بمعزل عن الجيش (القوات المسلحة والدعم السريع) خلال تسوية عبر التفاوض، لكن هذا سيولد احتكاك من نوع آخر بالشارع، وهو بالطبع أهون من استمرار الحرب.
مصدر الأوكسجين الرئيسي لهذه الحرب، وهو عنصر غير مرئي، لكنه محسوس لدى الأطراف المتصارعة وأعوانهم، ألا وهو الخوف من المصير والقلق على المصالح، فقوات الدعم السريع، ومعها قوى الثورة، تخشى الانتقام من عودة الاسلاميين، الذين يرون أن قائدها، خان العهد، وساهم بصور حاسمة في سقوط نظامهم في أبريل 2019م، وفي المقابل، يعتري الإسلامين، ووكلائهم في اللجنة الأمنية، الخلق الشديد من السطوة المرتقبة من عودة لجنة إزالة التمكين عبر المشروع السياسي المطروح للتوقيع بين المدنيين والعسكريين.
لو لا خوف الفريق حميدتي، واعتراضه على عودة الحركة الإسلامية للسلطة، ليس واردا وصول الخلاف بينه ورئيسه الفريق البرهان إلى مرحلة المواجهة العسكرية. وكذلك لو لا تبديد الأمل في إمكانية عودة الحركة الإسلامية للحكم مرة أخرى.
عنصري الوقود والأوكسجين، قد يتعايشا، دون خطورة على ما حولهما، في انتظار عنصر الحرارة، الذي يقدح شرارة الاشتعال، ولابد له من احتكاك أجسام مماثلة أو مضادة، مع العلم هنالك مواد تولد الحرارة من تفاعلها ذاتيا دون احتكاك، لذا الأفضل، الفصل بين عنصري الوقود والأوكسيجين، مثلا، مراقبة الشحن المعنوي السالب، مع استمرار تحشيد وتسليح الأطراف.
تولت شرارة الحرب الدائرة الآن في البلاد، نتيجة الاحتكاك المباشر بين قوات الدعم السريع، وكتائب الظل المسلحة في دار الرياضة جنوبي الخرطوم، ولما كان عنصر الأوكسجين يلتف حول عنصر الوقود لدرجة التشبع (الرجال المسلحين)، اندلعت نيران الحرب بصورة مجنونة، في كافة ربوع البلاد، وكأنها ألغام جهنمية مربوطة بعضها ببعض بأحكام.
ولو لا كثافة إنتشار عنصر الأوكسجين، لما تجاوز الاشتعال الناتج عن الاحتكاك المحدود بدار الرياضة، إلى مواجهة عامة وشرسة بين الطرفين. يشكل الأوكسجين الضلع الأكبر لمثلث الاحتراق، ويمكن تكثيفها بالنفخ من أطراف خارجية في نار الحرب، متى ما كانت هنالك ثغرات له.
في الحالة السودانية، النافخين في كير الحرب، والضاخين لأوكسجينها كثر، منهم أطراف دولية، وقيادات الحركة الإسلامية، ورموز النظام السابق، بالإضافة لمكونات جهوية واثنية.
الحرارة عنصر اشتعال، وهو العنصر الغائب في غالب الأحيان، وهو الأضعف في مثلث الاشتعال، إذا يمكن إبعاده، بعدة طرق، خلافا لعنصر الأوكسجين، لأنه غير مرئي، رغم أمكانية تلمس دلائل وجوده، يصعب السيطرة عليه، أو نزعه عن ساحة الاشتعال.
إنهاك طرفي الحرب، وترجيح فرضية التعادل، وكثافة الجهود الوطنية والدولية، جميعها، تصب ماءً باردا تقلل من عنصر حرارة نار الحرب، بالإضافة إلى الفصل بين الأطراف المتناحرة، وفرض هدنة وفق مراقبة صارمة، تتنّزل بردا وسلاما على عوارها. أي بذل الجهود الجادة والجبّارة على محاصرة أوكسجين الحرب، بخفض التوترات والتصعيد الإعلامي بين الجانبين.
ebraheemsu@gmail.com
//إقلام متحدة//
//////////////////////

 

آراء