لأحبانا السلفيين سلام .. وكلام
4 March, 2010
محمد وقيع الله
( 3 من 4)
والآن فإذا تأكد جواز – بل وجوب دخول المرأة في عالم الشورى – فإن السؤال المرفوع هو: هل تتخصص المرأة في الإدلاء برأيها واستشارتها في مجالات خاصة أم أن لها أن تبدي رأيها في كل ما تحسن فهمه وعلمه من الشئون؟
والجواب النظري العام هو أن لها أن تبدي استشارتها في كل ما تحسن هضمه وفهمه من الشؤون العامة، ولربما تجد أحيانا بعض نساء يتفوقن على الرجال في فهم بعض الشؤون. ولكن من الناحية الواقعية التجريبية فالواجب الاعتراف بقصور المرأة عن التعاطي في الشئون العامة والإلمام بها وفهمها والاهتمام بها مثل الرجال، فهذه هي القاعدة التي لا يماري في شأنها إلا المتحمسون المفرطون في تحمسهم على غير بصيرة ولا هدى لقضايا المرأة، والذين يحاولون إشراكها مع الرجل في كل شأن.
هذا ولا يمكن أن يحتج لقصور النساء السودانيات أو المسلمات أو العربيات أو نساء العالم الثالث عموما عن مساواة الرجال في الاهتمام بالشؤون العامة بسبب ضعف التعليم وحداثة التحاق النساء بهذه الشؤون، لأن قاعدة قصور النساء عن مساواة الرجال في هذا المجال قاعدة مطردة وسائدة حتى في الدول الغربية، التي أتيح للنساء فيها منذ زمن طويل أن ينلن نفس حظا كبيرا من التعليم، ولكن مع ذلك فقلَّ أن تجد نسبة النساء إلى الرجال في البرلمانات الغربية تزيد عن عشرة بالمائة أو نحو ذلك، وكثير من هؤلاء تم انتخابهن إما ليخلفن أزواجهن أو آباءهن أو نحو ذلك. فعزوف النساء عن الشئون العامة قاعدة شبه طبيعية في الحياة البشرية أياً كان مستواها واتجاهها.
ولكن هذا لا ينبغي أن يدفع في الاتجاه العكس للقول بتجريد المرأة من حق الاستماع لرأيها الشوري متى ما كانت ناضجة ومؤهلة لإبداء الرأي النافع. والحمد لله الذي جعل في نساء الإسلام اليوم من ارتقى مستواهن الفكري والتزامهن الديني واهتمامهن بشؤون المسلمين، فهذا خيرٌ يضاف إلى خير الرجال ولا يستغنى عنه. بل إن رأي واستشارة النساء من ذوات العلم والفضـل قد يكون أنفع من رأي الرجال في بعض المسائل التي تهمهن وينفعلن بها أكثر من الرجال.
وهذه ناحية مهمة من نواحي النهضة تحتاج إلى فقه وتأصيل، وقد بدأت بعض الدراسات الجادة تظهر في هذا الاتجاه، وحاولت الدكتورة هبة رؤوف عزت أن تسهم بالتنظير لمشاركة المرأة في الشورى قائلة: " ويمكن استعراض مسئولية المرأة في الشورى وفقا لمسائل الشورى المختلفة: فهي تشارك في المسائل التشريعية ذات الصبغة الفقهية، إذ أن لها بالإجماع حق الاجتهاد والفتوى ... وهو واجب كفائي. وتشارك في الشورى في المسائل الخاصة بفئة معينة من خلال العمل الذي تتأسس مشاركتها فيه على حقها المهني ومن خلال الاستفتاءات المحدودة إذا كانت ضمن فئة ذات مصلحة خاصة ". (راجع: هبة رؤوف عزت، المرأة والعمل السياسي: رؤية إسلامية (فرجينيا: المعهد العالمي للفكر الإسلامي، 1416 هـ ، ص 148).
مجالات خاصة لشورى المرأة:
ونقدم فيما يلي محاولة للتفصيل في هذا المنحي، فنرى أن الحاجة تكون ماسة للاستماع إلى النساء في أمور عديدة منها:
1- قضايا رفاهية واستقرار الأسرة:
وهنا يمكن سماع آراء المرأة وملاحظاتها وتوصياتها بشكل مكثف حول المشاكل الاجتماعية الملحة كمشاكل تأخر سن الزواج وتزايد تكاليف الزواج، وغلاء المهور، كما يمكن سماع آرائها وملاحظاتها حول مسألة إصلاح الشقاق الذي يمكن أن ينشب في الأسرة، وتوصياتها حول الحلول التي تحاصر حالات الطلاق.
وكل هذه مشاكل يحتاج المجتمع إلى سماع رأي المرأة فيه بشكل نظامي مدروس، ولطالما ظل المجتمع يستمع إلى آراء الرجال وكانت آراء النساء لا تتعدى همسهن بملاحظاتهن في محيطهن الخاص بعيداً عن مجالات الشورى العامة والرسمية.
وفي هذا فلنا قدوة حسنة في استماع الخليفة الراشد عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، لآراء من كان يستشرهن من النساء حول مدة صبر المرأة على خروج زوجها للجهاد (السيدة حفصة رضي الله عنها)، وعن مسألة تحديد المهور حيث قامت إحدى الصحابيات بالإدلاء برأيها الشوري في الموضوع وقبله سيدنا عمر معلناً قولته الشهيرة: أصابت المرأة وأخطأ عمر!
2- قضايا عمل المرأة :
وإذا كانت المرأة قد بدأت تدخل تدريجياً في مجالات العمل العام، وبخاصة مجالات التعليم والتطبيب والتمريض وغير ذلك، فإن الأمر لا بد أن يحتاج إلى تشريعات وتنظيمات خاصة تضبطه وتجعله يسير في المسار الصحيح حسب المفاهيم والرؤى الإٍسلامية التي يقوم عليها بناء المجتمع، وحتى لا يندفع التيار في وجهة غير صالحة معاكسة لضوابط الشريعة ومصالح المجتمع.
ولأجل أن تكون هذه التشريعات والتنظيمات واقعية ومتسقة مع المصالح العامة فلا بد من الاستماع لمن يعنيه أمر ذلك أولا وهن النساء العاملات وذلك لما تجمع لهن من خبرة عملية في هذا الشأن وما تراكم لهن من رصيد معلومات هذا فوق معايشتهن الحية للواقع المحيط بهن في مجالات العمل.
3- قضايا تعليم البنات:
ولكي يستمر تعليم البنات قائماً على تصور إسلامي صحيح وأساس تربوي سليم، فلا بد من إعداد البحوث حول تجربته والاتجاه إلى تطويره ودفعه دفعاً باتجاه مزيد من التمسك بالإسلام وهديه وباتجاه الارتباط بالعصر وبحاجات المجتمع، وتحقيق مصالح المرأة.
وهنا يمكن الاستماع إلى آراء قدامى المعلمات ذوات الخبرة الراسخة، وعالمات التربية ممن تلقين دروسا عليا فيها في البلاد الغربية، وممن لهن القدرة على الموازنة والنقد لتلك التجربة الغربية في التعليم، والاستفادة من إيجابياتها بغية صهرها في بوتقة التجربة الإسلامية.
فالحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق الناس بالتقاطها ولو من فم كافر. فكل ما هو حق وعدل فهو إسلامي، بغض النظر عن المصدر الذي جاء منه.
وهنا يمكن إثراء تجربة تعليم البنات بأفضل ما توصل إليه العصر، وفي الوقت ذاته الارتباط والالتزام بمحددات الشريعة والآداب الإسلامية إلى أقصى مدى مستطاع. وإلحاقا بتعليم البنات، يمكن القول: بأن ما سبق تفصيله يتعلق جُلُّه بتعليم الأطفال، إذ أنه مسئولية المرأة في المقام الأول، قبل أن يكون من مسئولية المدرسة. فللنساء – معلمات وغير معلمات – آراء سديدة في هذا الشأن ينبغي أن تكون مجالاً خصباً للشورى.
4- تحليل الطرح الإعلامي:
لا شك أن للطرح الإعلامي، والأجنبي منه بصفة خاصة، آثارا عميقة على أفكار الناس وحياتهم.
والنساء بحكم مكثهن في البيوت لفترات أطول، فهن الأكثر تعرضاً لذلك الضخ الإعلامي وخاصة على المستوى الترفيهي، والمعروف أن كثيراً من عناصر الغزو الفكري والإفساد الاجتماعي إنما تتسرب عن طريق الإعلام المشاهد والمسموع والمقروء، ولذلك فمن واجب الدولة الإسلامية أن تراقب تأثير ذلك الإعلام على مواطنيها.
وهنا فلشهادة النساء ميزة خاصة، فهن الأكثر استهدافا بذلك الإفساد،
ولإكمال التحليل الصحيح لاستراتيجية وتكتيك حملات الغزو الفكري والإفسادي عن طريق الإعلام، يمكن الاستماع إلى دراسات علمية مكثفة من نساء ذوات خبرة عادية أو ذوات خبرة علمية في الموضوع أو من ذوات الخبرتين معاً.
وغني عن القول: إن البحوث الاجتماعية الاستبيانية تعد وسيلة مثلى لاستقصاء آراء النساء العاديات حول الموضوع، ولكن تقوم النساء المدربات على وسائل ومناهج البحث الاجتماعي بقيادة خطوات البحث وتحليل مضامينه واستخراج نتائجه وإعداد التوصيات المنبثقة منه، لتكون بمثابة آراء شورية في الموضوع.