لا وساطة، بل فك إرتباطٍ كامل مع “المؤتمر الوطني”، يا باقان
بريتوريا- mahdica2001@yahoo.com
جوبا: قال وزير دفاع دولة جنوب السودان،جون كونق، إن وفد بلاده باللجنة الأمنية المشتركة مع السودان رفض الأجندة المُقدمة من الخرطوم بشأن قضية منطقتي النيل الأزرق وجنوب كردفان ، وقال في تصريحات صحفية بمطار جوبا، أن الحكومة السودانية ليست جادة في التوصل إلى اتفاق بشأن كيفية إنفاذ الاتفاقيات الموقعة بين الدولتين في أديس أبابا. واضاف إن وفد الجنوب رفض الأجندة المقدمة من الجانب السوداني بشأن قضية المنطقتين واعتبرها سياسية وليست أمنية وحلها يتطلب رجوع طرفي القضية وهما الحكومة السودانية والحركة الشعبية قطاع الشمال، إلى قرار مجلس الأمن الدولي 2046. وأكد كونق أن وفد بلاده ذهب للخرطوم لبحث آليات إنفاذ ما تم الاتفاق عليه وليس إضافة أجندة ومقترحات جديدة لم تكن موجودة في اتفاق أديس الأخير.
الصحافة: 12/12/2012
تعليق: بعد مراوغات أديس أبابا- جوبا- الخرطوم وبالعكس، ها نحن نعود إلى المُربع الأول، فالنئ للنار.
- لعل السيد باقان أموم، لا يزال يتذكر جيداً ما جاء في خُطبته العصماء أمام الجالية السودانية في بريتوريا (فندق بيرجر بارك) قبل حوالي أربعة سنوات، حينما قال "إن من أخطر المهام السياسية، إبرام إتفاق مع المؤتمر الوطني، وأضاف بأن على المرء أن يعُد أصابعه إن إضطرته الظروف لمُجرد السلام على أحد قادة نظام الإنقاذ". وإستناداً على هذه المقولة أرى أن باقان هو أفضل من يحاور (أو إن شئت يراوغ) المؤتمر الوطني، فهو الخبير بإستراتيجية الفهلوة القائمة على الدفاع بالنظر والهجوم بالسواطير، والتمويه والكذب البواح "وقوة العين التي تصل حد الوقاحة" والمسنودة بفقه الضرورة (يذهب التُرابي إلى السجن حبيساً، والبشير إلى القصر رئيساً). ولعل باقان أكثر الجنوبيين قناعةً بأن لا جدوى من الحوار مع المؤتمر الوطني، ولكنه يكيل لهم بمكيالهم (يعطوه فارغة فيرُد عليهم بمقدودة)، هادفاً إلى تعريتهم أمام المُجتمع الدولي، وهذا الأخير يبدو أنه قد اقتنع تماماً بأن نظام الإنقاذ غير قابل للإصلاح، وأدرك أن لا فرق بين أحمد وحاج أحمد، أو بين حُقنة كمال عبيد ولحس كوع نافع وساطور الحاج آدم، وتدليس الخطيب وغندور!!، فالكيزان هُم الكيزان في كُل زمان ومكان، من أُم درمان إلى أفغانستان. وليتمعن من شاء في تصريحات المُستشار الأمريكي لدارفور/ دين اسمث، والمبعوث الخاص/ برنستون ليمان، حول عدم تطبيق الخرطوم لإتفاقية الدوحة، ونكوصها عن إتفاق خارطة طريق العون الإنساني لمناطق النزاع، وهي تصريحات لها ما بعدها.
- في ذات فندق بيرجر بارك – بريتوريا، وقبل حوالي أسبوعين فقط (30/11/2012) قال البروفيسور/ أقري مجوك- مُدير جامعة جون قرنق التذكارية – ومقرها مدينة بور (مسقط رأس قرنق) "لا يوجد شبرٍ واحد من أرض جنوب السودان لم يتخضب بدماء أبناء جبال النوبة الأشاوس"، وأضاف بعرفان بالغ، إنه حضر إلى بريتوريا لتوقيع مُذكرة تفاهم مع جامعتها العريقة، فلم يجد سوى أبناء الشمال عوناً له في مُهمته العلمية. وإستشهادي ببروفيسور/ مجوك (خريج كُلية البيطرة جامعة الخرطوم – 1972) نابع من أن الرجُل يُمثل رؤية النُخبة الجنوبية وثوار الحركة الشعبية بإعتباره مُقاتلاً سابقاً (Veteran) في الجيش الشعبي، فنبض الشارع الجنوبي مع فك الإرتباط بحكومة الإنقاذ، وتمتين العلاقة مع رفاق الأمس واليوم والغد.
- عند صدور القرار الأممي رقم 2046، والذي جاء تعبيراً عن ضيق المجتمع الدولي بمراوغات حكومة الشمال ونكوصها المُشين عن إتفاق أديس أبابا الإطاري (إتفاق نافع/عقار–28/06/2011) ، إحتدم الصراع والنزاع بين دهاقنة المؤتمر الوطني حول كيفية الخروج من ورطة المواجهة مع العالم أجمع، حيث رأى جناح الصقور العودة إلى شعارات العشرية الأولى للإنقاذ وبعث أهازيج "أمريكا وروسيا، قد دنا عذابها، عليً إن لاقيتها ضرابها" بينما رأى معسكر الحمائم، الإنحناء للعاصفة قائلين "إن الحرب خدعة". وفي آخر المطاف كان الإتفاق على القبول بالقرار شكلاً والعمل على إجهاضه مضموناً، بل وتجييره لصالح النظام المزنوق داخلياً والمُحاصر خارجياً، ولهذا وبدون خجل يزعمون أن القرار المذكور نص على أن تقوم حكومة الجنوب بنزع سلاح الحركة الشعبية شمال، مع أن القرار دعا إلى العكس تماماً وطالب بإيجاد حل سياسي للنزاع في المنطقتين (الجنوب الجديد) عبر التفاوض بين الحركة الشعبية شمال وحكومة السودان إستناداً على الإتفاق الآنف ذكره. فتأمل يا قارئ العزيز كيف يخلط أخوان الشيطان الأمور ويعبثون بنصوص القرارات الدولية وتفسيرها على هواهم.
- إن النضال في جوهره إنما هو سعيُ وكدحُ لتطبيق قيم الحُرية والعدل والمساواة، وإن استدعى أمر تحقيقها التضحية بالمُهج والأوصال، فالحبل السري الذي يربط بين الثوار شمالاً وجنوباً لا يُمكن أن ينفصم رضوخاً لرغبة أو فهلوة تجار الدين وهواة السياسة أو لمجرد الركون لوعود عرقوبية من جماعة ديدنها نقض المواثيق والعهود، فما بين الحركتين الشعبيتين شمالاً وجنوباً، رفقة نضال مُعمدة بالدماء ومغروسة في طين الجنوب الأسمر، وقد يقول قائل أن هذه نظرة رومانسية أو مراهقة ثورية لا تصمد مع واقع الحسابات السياسية القائمة على المصلحة الآنية، وردنا على ذلك أن المصلحة الحقيقية لشعب جنوب السودان تكمن في فك إرتباطه مع حكومة المؤتمر الوطني التي سامته سوء العذاب (والجهاد) لربع قرنٍ من الزمان واستنكرت عليه حق المواطنة المتساوية، إتساقاً مع عقيدتها السياسية الإستعلائية، التي تُصنف الجنوبيين مواطنين درجة ثانية، بل وحشرات لا يرتقون إلى مصاف البشر (كما قال رئيس النظام في لحظة صدق نادرة مع الذات)، فحكمتنا الشعبية تقول "الولد خال"، وتأثير الطيب مُصطفى على إبن أخته لا يحتاج إلى عدسة مُكبرة.
- لقد إرتكبت حكومة المؤتمر الوطني عدة أخطاء إستراتيجية لا حصر لها، خلال تفاوضها مع حكومة جنوب السودان، ولعل أبرز هذه الأخطاء تتلخص في:-
أ) منح حكومة الجنوب كرتاً تفاوضياً لا تمتلكه، عبر مُطالبتها بنزع سلاح الحركة الشعبية في جنوب كُردفان والنيل الأزرق، فالقاصي والداني يعلم بأن لشعوب النوبة فضل السبق في حمل السلاح مُطالبين بحقوقهم السياسية والإنسانية والإقتصادية، وقد فعلوا ذلك قبل أن تكون هُنالك دولة إسمها جمهورية السودان الجنوبي!!، كما أن حكومة المؤتمر الوطني تعلم تماماً أن حكومة الجنوب غير قادرة (حتى وإن رغبت) على نزع سلاح ثوار النيل الأزرق وجنوب كُردفان ودارفور، فقد حاول جيش عبدالرحيم ومليشيات الجبهة الإسلامية فعل ذلك، فعادوا بخُسران مبين. فكيف لهُم أن يطلبوا من دولة أُخرى ما عجز جيشهم المُسيس عن القيام به. وقد إستغل المفاوض الجنوبي هذه الغفلة وطالب بثمن فك الإرتباط (الذي أعلنه على رءوس الأشهاد قبل عامين)، ونزع السلاح المزعوم والغير قادر عليه قائلاً " ما هو ثمن إعادة إعلاننا فك الإرتباط مع الحركة الشعبية شمال، ونزع سلاحها؟؟!!) – هل سوف تكفون عن مزاعمكم بتبعية أبيي وهجليج إلى شمال السودان؟!. لقد كان بمقدور حكومة الخرطوم نزع هذه الورقة من يد حكومة الجنوب بالإنصياع للقرار الدولي والتفاوض مع قطاع الشمال وفقاً لإتفاقية عقار/نافع التي نصت بوضوح على وجود جيش قومي واحد في السودان ونزع سلاح الفرقتين التاسعة والعاشرة وتحول الحركة الشعبية-ش، إلى حزب سياسي يُمارس نشاطه كغيره من الأحزاب. ولعلني لا أُذيع سراً إن قُلت أن الحركة الشعبية – ش، عكفت فعلاً قبل صدور القرار 2046، على إعادة صياغة رؤيتها السياسية بعد إنفصال الجنوب وشكلت لجنة لذلك، وو صلت إلى حد بحث أمر تغيير إسمها (وأتشرف بمُساهمتي في هذه الجهود).
ب) أساءت حكومة المؤتمر الوطني إستخدام ورقة الخط الناقل لبترول الجنوب، فحكومة الشمال التي لا تعرف الفرق بين السياسة والعواسة، تدفع بتعنتها ومغالاتها (وطلب المُستحيل) حكومة الجنوب دفعاً نحو البحث عن بديل موثوق به لتصدير نفطها الذي يُعد شريان الحياة لشعبها، ولا يصح من ناحية إستراتيجية أن تترك حكومة الجنوب أمر نقل بترولها سيفاً مُسلطاً بيد عدوها التاريخي اللدود. وللأسف الشديد فإن هذه الخُسارة غير قابلة للإصلاح (Irreparable damage) وسوف يدفع الشعب السودلني ثمن غفلة الإتقاذ وسوء تقديرها.
إن حكومة الخرطوم تلعب بالنار وتدفع سلفا كير إلى الخروج من عباءة جون قرنق الوحدوية وتأسيس مشروعيته على رد الصاع صاعين والتحول إلى بطل قومي في لمح البصر، بإعلان فك إرتباطه نهائياً مع حكومة الأمر الواقع في الخرطوم، بل وقطع العلاقات معها (وأود هُنا أن أُشدد على التفريق بين الشعب السوداني والحكومة القائمة التي لا تُعبر أبداً عن إردة وتطلعات الشعوب السودانية)، فكُلنا يعرف كيف استولوا على الحُكم وكيف استمروا في الكنكشة على كراسيه. ثُم قد يستمر سلفا في ثورته فيعلن الإستغناء عن خط البترول الشمالي، والشروع فوراً في إيجاد بديل، فالقضية قضية سيادة وكرامة طنية، فوق أنها أمر معاش ومستقبل، وقد يتمادى سلفاكير في دغدغة المشاعر الوطنية (تماماً كما يفعل قادة الإنقاذ في موضوع أبيي) فيعمل على إثارة الدينكا وكافة قبائل التماس الجنوبية، فيعلن قفل الحدود الشمالية لجنوب السودان من أم دافوق غرباً إلى قيسان شرقاً، ويُطالب برسوم عبور لماشية القبائل الرُحل التي تتوغل داخل أراضي جنوب السودان وتستفيد من موارده الطبيعية- ماءً وعُشباً، وللعلم فقد وضع سلفاكير حجر أساس مصفاة للنفط في ولاية الوحدة كبداية لتحقيق الإكتفاء الذاتي، مع التفكير جدياً في تصدير نفط الجنوب إلى دول الجوار (التي ليس لها منافذ بحرية) بعد تكريره.
من الواضح تماماً، أن حكومة المؤتمر الوطني تستهتر ُبالمُجتمع الدولي، وتُسئ (عمداً) تفسير وإستخدام القرار الأممي 2046، وتعبث بقضية أبيي دون أدنى إعتبار لمصالح قبائل المسيرية وغيرهم من قبائل الرُحل؛ من رزيقات وفلاتة وامبررو وقُرعان ورُفاعة وصبحة،،، إلخ، وهذا العبث والجهل سوف يقود إلى كوارث وخيمة إن لم يتم إسقاط هذا النظام في أسرع وقت ممكن وبأي وسيلة مُتاحة، إذ بمجرد سقوط هذا النظام فإن 90% من مشاكل البلاد تكون قد حُلت تلقائياً، ولذا فإن إسقاطه فرض عين على كُل سوداني وليس فرض كفاية تقوم به الجبهة الثورية وحدها.
سؤال أخير للمسيرية" "أليس فيكُم حكيمُ يُدعى "دينج مجوك"؟، يحقن دماء عشيرته ويصون مصالح أهله.
وبإذن الله سوف يكون هذا التساؤل عنوان مقالنا القادم، وحتى ذلك الحين؛
عيد ميلاد سعيد، وعلى الأرض السلام وبالناس المسرة.