لماذا يتوجب على الحكومة أن تسقط الإتهامات ضد الإمام الصادق المهدي؟
جاء في الأنباء خبران وكأنهما ، فيما يعكسان من مدلولات، يأتي كل منهما من بلد مختلف، أو لو شئت، في زمن مختلف تفرق بينهما فترة طويلة، ويضيف كل منهما من جانب مختلف، تعقيداً إلى الحالة السياسية المعقدة بالفعل. فمن جهة حملت الصفحات الأولى من الصحف خبر تأجيل إجازة قانون الإنتخابات، لمنح القوى السياسية فرصة للتوافق حول النقاط الخلافية في القانون. ولكن نفس الصحيفة حملت في موقع أكثر تميزاً من نفس الصفحة، خبرا يقول "نيابة أمن الدولة تصدر أمر قبض ضد الصادق المهدي"
إشارات متضاربة
رغم أن الخبرين لهما صلة مباشرة بإنتخابات 2020 لكنهما يرسلان إشارات متضاربة. ففي حين أن الخبر الأول يدعو إلى الإعتقاد بأن النظام القائم في السودان قد تجاوز الديمقراطية العادية إلى الديمقراطية التوافقية، فإن الخبر الثاني يشير إلى تعامل خشن مع المعارضين لا تعرفه الديمقراطية في مختلف أشكالها.
معلوم أن الإمام الصادق المهدي هو رئيس حزب الأمة وهو حزب معارض للحكومة، يشكل أحد الأركان الأساسية للمجتمع السياسي في السودان منذ تأسيسه في الأربعينيات من القرن الماضي.
ومعلوم أيضاً أن حزب الأمة كان طرفا رئيسيا في كل الحكومات التي تشكلت في العهود الديمقراطية الديمقراطية في الخمسينات والستينات والثمانينات من القرن الماضي، وأنه فاز بأكثر من المقاعد البرلمانية في كل إنتخابات أجريت بعد حصول السودان على إستقلاله في عام 1956، إذا إستثنينا الإنتخابات التي أجريت في ظل أنظمة سلطوية. ومعلوم أن السيد الصادق المهدي قد رأس عدداً من تلك الحكومات كان آخرها رئاسته للحكومة التي أسقطها الإنقلاب العسكري الذي قامت به الجهة القومية الإسلامية في يونيو 89.
إذا كيف نوفق بين خبر يتحدث عن قانون إنتخابات وقبول الحزب الحاكم أن تتم إجازته بالتوافق، وبين خبر يتحدث عن إصدار أمر قبض في مواجهة رئيس حزب سياسي، لا يمكن تجاهل أهميته بالنسبة لأي إنتخابات عامة.
الإنتخابات كإستحقاق دستوري
"لكي يصبح المرء عظيما حقا ، يجب عليه أن يقف مع الناس ، وليس فوقهم". تشارلز دي مونتسكيو
المسألة المثيرة للحيرة هنا هي ماذا تريد الحكومة من إجراء إنتخابات 2020 والإستعداد لها بإصدار قانون جديد للإنتخابات؟ لقد سبق وقلنا، وقال غيرنا، قبلنا وبعدنا، كثيرون أن الإنتخابات هي الوسيلة الدستورية لمحاسبة الحكام، وتبديلهم. وبسبب إعتراف الجميع بأنه لا يوجد وسيلة أخرى لذلك، فإن جميع الأنظمة الدستورية تجرى إنتخابات دورية تنتهي بتولى الفائزون سدة الحكم. وعليه فإن إهتمام الحكومة بإجراء الإنتخابات ينبع من أنها ملزمة دستورياً بإجرائها. ولكن الحكومة ليست ملزمة بإجراء إنتخابات دورية بغض النظر عن كيفية إجراءها لتلك الإنتخابات، وإنما هي ملزمة بإجراء إنتخابات حرة ومنصفة.
إذن فإن مجرد إجراء إنتخابات لا يعني شيئاً طالما أن تلك الإنتخابات لا تتوفر فيها الحرية والنزاهة. وهذه الحرية كما وسبق أن ذكرنا وذكرغيرنا لا يوفرها قانون الإنتخابات فحسب، بل مجموع قوانين تجعل أصوات الناخبين أصواتا مستنيرة. قانون الإنتخابات يوفر نظام منصف للإدلاء بالأصوات بحيث تكون قوة الصوت الواحد متساوية في كل الدوائر، بغض النظر عن جنس أو عنصرأو دين أو اللون السياسي لأصحابها. وهي مسائل يقررها قانون الإنتخابات وفق قواعد فنية متعلقة بترسيم الدوائر، وزمن التصويت، وحق الترشيح والإنتخاب. ولكن ذلك وحده لا يجعل من صندوق الإنتخابات أداة للتبادل السلمي للسلطة، فذلك يتطلب قواعد تجعل للناخب صوتاً مستنيراً، وذلك تحكمه منظومة القوانين السائدة التي تحكم أو تؤثر على حرية العمل السياسي. بدون أن يدرك المشاركون في الإنتخابات طبيعة الصراع الذي تدور حوله الإنتخابات، والطريقة التي يدير بها الحكام شؤون البلد، والبرامج المختلفة للمرشحين، وبدون أن تكون للمرشحين فرصا متساوية دون مفاضلة بينهم في الوصول إلى الناخب ومخاطبته، فإن الإنتخابات لن تكون لها الأثر الذي حدده لها الدستور، وهو إختيار الحكام الذين سيتولون السلطة عقب الإنتخابات، ومحاسبة الحكام الذين إنتهت ولايتهم بتلك الإنتخابات.
الإنتخابات كأداة للتبادل السلمي للسلطة
لقد تم التعبير عن ذلك بضرورة أن تكون السلطة السياسية مطروحة في صندوق الإنتخابات، وهذا لن يحدث إطلاقاً في ظل نظام قابض. فإذا كانت الإنتخابات تجري بشكل دوري، ولكنه صوري لمجرد إضفاء شرعية على الحاكم، فإن ذلك لا يحقق الغرض من الإنتخابات في النظام الديمقراطي، لأنه لا يحقق التداول السلمي للسلطة. المطلوب هنا هو أن يكون للناخب قدرة على إزاحة الحاكم. وذلك يتطلب أن لا يكون لأي من المتنافسين سلطة إستخدام القانون لتقليص أو إلغاء فرص الآخرين في التنافس في الإنتخابات من مواقع متساوية. ويعني ذلك أول مايعني أن تتوفر للمواطنين حريتي التعبير والتنظيم. غني عن البيان أن حرية التعبير أساسها أن يكون للمواطن الحق في التعبير عن رأيه في شؤون بلده دون أن يتعرض لعقاب جنائي. وحق التعبير يرتبط إرتباطا وثيقاً بحق مخاطبة الآخرين، لأنه لاقيمة للحق في التعبير إذا لم تكن وسائل نشر ذلك التعبير متاحة. لذلك فقد نصت المادة (39) على حرية التعبير وتلقي ونشر المعلومات والوصول للصحافة في جملة واحدة بإعتبارها حقوق متكاملة.
لكي يتوفر للناخبين الإدراك الذي يمكنهم من حرية الإختيار، يجب أن تكون المنظومة القانونية التي تحكم الحياة السياسية في البلاد تسمح بشكل أساسي بحريتي التعبير والتنظيم، لأنه بدون النقاش الحر المفتوح يستحيل عقلاً أن يتوفر للناخب الإدارك المطلوب، الذي يجعله يتخذ قراره الإنتخابي بما يوافق مصالحه وليس بما يلقنه له المسيطرون على الإعلام، والمحتكرون للعمل السياسي.
حرية التنظيم تعني قدرة الأحزاب السياسية على طرح برامجها السياسية، بغض النظر عن إتفاقها، أو إختلافها مع السياسات الحكومية. والقدرة على ذلك لا تتم إلا بتوفر الحريات العامة المدرجة في وثيقة الحقوق والتي تتيح لها طرح برامجها وتنظيم مؤيديها.
كما وتعني الحق على عقد الإجتماعات والمواكب السلمية دون حاجة لتصديق يتصل بمحتوى الإجتماع أو المسيرة.
القانون والعمل السياسي
"ليس هنالك استبدادا أكثر قسوة من ذلك الإستبداد الذي يتم في حماية القانون وباسم العدالة" مونتسكيو
إذاً فقرار وكالة نيابة أمن الدولة بإلقاء القبض على السيد الصادق المهدي والذي كان خارج البلاد لما يقرب من عام، وينوي العودة إلى البلاد في تاريخ معلن، لمواصلة عمله السياسي داخل البلاد هو قرار من شأنه أن يعرقل حرية العمل السياسي المطلوب لكي تستطيع الحكومة أن تقوم بإلتزامها الدستوري بعقد إنتخابات حرة ونزيهة. ويزيد الأمر تعقيداُ أن الحزب الحاكم كان دعا السيد الصادق إلى العودة ورحب بقراره بالعودة حال إعلانه.
سيقول قائل أن أمر القبض لم يصدر من الحكومة، بل هو صادر من جهة عدلية هي نيابة الجرائم الموجهة ضد الدولة، لإتهامه بمخالفة مواد في القوانين الجنائية على رأسها المادة(50) سيئة السمعة. قد يكون ذلك كذلك، ولكن فتح البلاغات الجنائية لم تقم به النيابة من تلقاء نفسها، ولا بمبادرة منها، ولكنها فتحها بناء على بلاغ رفع إليها من جهة مكلف بحفظ الأمن. وهذا يعني صدور قرار سياسي بفتح الدعوى الجنائية ضد السيد الصادق المهدي.
لا نريد الأن الخوض في تفاصيل الإتهامات وذلك بإعتبار أن المسألة في نهاية الأمر خاضعة لتقدير جهة عدلية طالما أن الحكومة مصرة على السير في دعواها. ولكنني أرى أن قرار الحكومة بالسير في تلك الإجراءات لا يخدم دعواها، فالإتهامات الموجهة للسيد الصادق، بدون الخوض في التفاصيل، تقوم على أساس تحالفات سياسية أجراها في إطار عمله كزعيم معارض لم تشمل أي دعوة للعنف. وهذه الإتهامات تعكس عدم حرص الحكومة على الإيفاء بإلتزاماتها الدستورية، وذلك لأن الإتهامات الموجهة للسيد الصادق تقوم على أحكام قانونية مخالفة للدستور، إما لأنها تجرم أفعال هي ضمن الحريات الدسنورية، أو لأنها صيغت صياغة غامضة لتستخدم بشكل إنتقائي، على نحو يخرق الحق في المحاكمة العادلة. وبقاء هذه الأحكام المخالفة للدستور كل هذه المدة الطويلة، يكشف عن تراخي الحكومة في موائمة القوانين السائدة مع الدستور. كذلك فإن محاولة إستخدام تلك الأحكام في مواجهة المعارضين، تعكس عدم رغبة الحكومة في تهيئة الجو المناسب لإجراء الإنتخابات العامة، وهو ما يكشف عن عدم جدية في إجراء إنتخابات توفي بإلتزاماتها الدستورية.
الإنتخابات والإقتصاد
السؤال المباشر الذي يجب أن توجهه الحكومة لنفسها هو هل هي ترغب في إجراء إنتخابات تطرح فيها السلطة في الصندوق؟ أم ترغب في إجراء إنتخابات صورية تعلن بعدها أن الشعب قد جدد تفويضه لها؟ إذا كانت الأولى فليس لها خيار سوى الإفساح للعمل المعارض لكي يؤدي دوره. أما إذا كانت الثانية فخير لها أن تنصرف عنها توفيراً للمال العام لأنها لا قيمة عملية لها. المسألة الأساسية التي تواجه الحكومة هي الأزمة الإقتصادية الخانقة والتي تهدد كيان الدولة نفسها. وسنرى حالاً أن الطريقة التي ستُجرى بها الإنتخابات لها صلة وثيقة بحل الأزمة الإقتصادية، وأنه وبدون تبني مرتكزات الحكم الراشد يستحيل أن تجد الحكومة حلاً للأزمة الإقتصادية.
الثابت هو أن الحالة الإقتصادية لم تكن في يوم من الأيام أسوء مما هي عليه الآن. فالإنتاج أقل من الإستهلاك بشكل خطير، مما أخل بميزان المدفوعات، وعصف بقيمة الجنيه السوداني. كانت الحكومة تأمل في أن يعوضها الذهب عن فقدها للبترول، ولكن ذلك لم يحدث رغم زيادة إنتاج الذهب بشكل مضطرد. واقع الأمر هو أن زيادة إنتاج الذهب هي أحد أسباب إختلال ميزان المدفوعات، لأنها تسببت في هجر الزراع لمزارعهم بحثاً عن الثروة السريعة التي يحلمون بأن يوفرها لهم الذهب. وحتى هذه اللحظة لم تجد الحكومة معادلة منصفة تحدد لهم نصيباً مناسباً مما يستخرجون من الذهب، مما أدى لإستيلاء الوسطاء والمهربين على الجزء الأكبر من الذهب المنتج، دون أن يحصل المنتجون أو الدولة على ما يسد رمقهم. في نهاية الأمر ما يخرج من باطن الأرض لا يضيف للقيمة الإقتصادية إلا عندما يتحول لرأسمال مستثمر في الإنتاج. ورغم عدم وجود الإحصائيات الكافية التي توضح ما يمكن أن يحققه الذهب من علاج لأمراض الإقتصاد، إلا أن خلق رأس المال المطلوب لإختراق علل الإقتصاد لا يمكن أن يتم عن طريق تراكم الثروة المنتجة محليا، ومحاولة معالجة ذلك بالقبضة الحديدية للقانون لن يثمر عن شيئ. المطلوب لرفع وتيرة الإنتاج لا يبدو أنه من الممكن تحقيقه بدون دعوة الإستثمار الأجنبي للدخول في عمليات الإنتاج المختلفة.
ولكن رأس المال الأجنبي لن يلبي الدعوة ما لم يرى جدوى هذا الإستثمار في نظام يقوم على رضا المحكومين بعيداً عن الإجراءات الإستثنائية. أهم العوائق التي تمنع الإستثمار الأجنبي وضع إسم السودان على لائحة الدول الراعية للإرهاب، ، ليس فقط بسبب ما يتيحه من تدفق الإستثمارات الأمريكية إلى لسودان، بل لما يرافقه من تمويل دولي يضمن وجود البني التحتية المدعمة للإستثمار، والخبرات الإدارية، والتقنية اللازمة للإستثمارات الكبرى. معلوم أن حقوق الإنسان تشكل أحد المسارات التفاوضية بين الولايات المتحدة والسودان وأن جزء أساسي من حالة حقوق الإنسان تتمثل في مواءمة القوانين مع الدستور والإقلاع عن إستخدام القوانين القمعية. كل هذا يقودنا إلى جملة مفتاحية هي "الحكم الراشد".
الحكم الراشد
عندما نتحدث عن الحكم فإننا نتحدث عن ممارسة الحكومة لسلطتها في إدارة وتوزيع الموارد الإجتماعية والإقتصادية في البلد، والحكم الراشد هو إجادة هذا التوزيع. مفهوم الحكم الراشد يرتكز على مسؤولية الحكومات والهيئات الإدارية، على تلبية احتياجات الجماهير كبديل عن تلبية حاجات فئات محددة في المجتمع. وهذا يجعل الحكم الراشد العلاج الأساسي للفساد. نحن هنا لا نتحدث عن الحكم الراشد كمفهوم فلسفي ولكن كمفهوم سياسي. لذلك فإننا بحاجة إلى أن نعود الى دستورنا والمستوى الدولي المقبول من قبل المجتمع الدولي للتوصل لمعيار لقياس الحكم الراشد.
تنص المادة (4) الفقرة(أ) على مأيلي : تُؤسس وحدة السودان على الإرادة الحُرة لشعبه وسيادة حكم القانون والحكم الديمقراطي اللامركزي والمساءلة والمساواة والاحترام والعدالة، وتنص الفقرة (د) من نفس المادة على أنه تُستمد سلطة الحكم وصلاحياته من سيادة الشعب وإرادته التي تُمارس عن طريق الاستفتاء والإنتخابات الحُرة المباشرة والدورية التي تُجرى في اقتراع سري عام لمن بلغ السن التي يحددها القانون.
تتبنى المؤسسات الدولية خصائص مختلفة للحكم الراشد، ولكنها مكملة لبعضها البعض وليست متناقضة. الحكم الراشد، وفقا لتلك المؤسسات، يحتوي على 8 خصائص رئيسية. وهي المشاركة، والإتجاه نحو التوافق، والخضوع للمساءلة، والشفافية، والإستجابة، والفعالية والكفاءة، الإنصاف والشمول، والخضوع لسيادة حكم القانون. وهذه الخصائص تسمح بمحاصرة الفساد وحصره في أضيق نطاق ، وأن يتم سماع أصوات أكثر الفئات ضعفا في المجتمع عند صنع القرار، وتأخذ آراء الأقليات في الاعتبار.
وهذا أيضاُ هو ما تطلبه المؤسسات المالية الدولية لتمويل المشاريع في أي بلد، والذي يعمل الإستثمار الأجنبي الخاص معه جنباُ لجنب لحاجته للبنى التحتية التي يحتاج القيام بها لتمويل توفره المؤسسات المالية الدولية لعدم قدرة أو رغبة الإستثمار الخاص في تنفيذ مشاريعها لبطء ما تحققه من عائد بالإضافة لضخامة ما تتطلبه من رأسمال. ورغم توفر الموارد في السودان وهو ما يساعد في تخفيض كلفة الإنتاج إلا أن الإستثمار الأجنبي لا يكفي لإجتذابه توفر الموارد، بل يجذبه على وجه الخصوص أن تكون إستثماراته آمنة، وذلك يوفره الإستقرار القانوني، الذي يسمح له بالإطمئنان على إستثماراته، ورسوخ المبادئ التي ذكرناها حالاً، ووجود المؤسسات التي تنفذ تلك المبادئ، والآليات والقوانين التي توفر لها الحماية، وهي المتطلبات الأساسية للحكم الراشد.
إذا فإن إحتكار السلطة والذي يتطلب بالضرورة قمع حريتي التعبير والتنظيم، لايمكنه إخراج البلد من هذا النفق المظلم، والمتمثل في الأزمة الإقتصادية الخانقة، لأن مجرد توفير السياسات المالية الجيدة، لا يكفي لذلك، في ظل عدم كفاية رأس المال، وعدم القدرة على إدارة الموارد المتاحة. بدون توفير المبادئ التي يرتكز عليها الحكم الراشد التي ذكرنا ركائزه حالاً، لن ينصلح حال الإقتصاد وهو الأمر الذي سيقود حتماً إلى كوارث عديدة.
التمسك بمتطلبات الحكم الراشد يتطلب المشاركة في أخذ القرار، والعمل على توزيع الموارد بشكل منصف، وسيادة حكم القانون، وخضوع السلطة السياسية للمحاسبة، وهذا كله يبدأ بإنتخابات حرة نزيهه تقرر نتيجتها أغلبية الأصوات المستنيرة ذات القوة المتساوية.
السير في إجراءات البلاغ ضد السيد الصادق لا يخدم هذا الغرض بل يهزمه. إننا نعلم أن السيد الصادق المهدي ليس فوق القانون، ولكن القانون ليس فوق الدستور، والقوانين التي تمنع الشخص من معارضة الحكومة معارضة سلمية بالتعبير عن رأيه في سياساتها، والدعوة للإحتجاج على تلك السياسات بكل وسائل الإحتجاج السلمية، لا تنتهك فقط حقوق ذلك الشخص وحده، بل هي في واقع الأمر تفقد العملية الإنتخابية نفسها جدواها، لأنه يستحيل أن تقام إنتخابات حرة ونزيهة، حين يكون طرح الأراء التي لا ترضي عنها الحكومة، وممارسة العمل السياسي الحزبي الذي يرمي لمعارضة الحكومة، أعمالاً تخضع للمساءلة القانونية.
نبيل أديب عبدالله
المحامي
nabiladib@hotmail.com