كلام الناس
*لا يحتاج الواقع الإجتماعي والإقتصادي إلى كثير عناء لكشف حجم الربكة السياسية العامة سواء في علاقات السودان الخارجية أم في علاقة الحكومة بالمواطنين، خاصة عندما نتوقف عند الاثار السالبة التي خلفتها السياسات عامة والسياسة الإقتصادية والمالية على الأخص.
*لن أكرر الحديث عن التصريحات التطمينية والتبشيرية التي لم تعد تقنع حتى الذين يروجون لها ضمن تبريراتهم لقراراتهم وخطواتهم على الصعيدين الخارجي والداخلي، لكنني لا أستطيع تجاوز ما يجري في الساحة الإقتصادية والمالية التي تلقي بظلالها القاسية على حياة المواطنين.
*لن أتحدث أيضاً عن التطبيقات الشائهة لسياسة التحرير الإقتصادي التي تسببت في الإختناقات الإقتصادية والمجتمعية والخدمية المزدادة، لكنني سأتوقف عند بعض التوجهات الغريبة التي عادت تطفح على السطح دون الأخذ في الإعتبار اثارها الكارثية المجربة أصلاً مثل توصية صندوق النقد الدولي القديمة المتجددة بتعويم الجنيه السوداني التي هي مطبقة عملياً رغم تحفظات وزير المالية الأسبق رئيس اللجنة الإقتصادية والمالية بالمجلس الوطني علي محمود الذي قال بأن الوضع لا يسمح بتعويم الجنية في ظل عدم وجود"المخدة الدولارية" التي تسند الوضع الإقتصادي والمالي عند اللزوم.
• هذه الربكة السياسية تتفاقم في ظل فشل الحكومة تنفيذ برنامج الإصلاح الإقتصادي الذى إعتمدته، ليس فقط بسبب عدم وجود إرادة سياسية قوية وإنما بسبب التخبط المزداد في القرارات والإجراءات الحكومية التي تزيد من حجم الإنفاق الحومي بدلاً من خفضه، بإنشاء المزيد من الوزارات والمؤسسات الصورية ضمن سياسة الترضيات والتسويات الفوقية حتى أصبح الهيكل الحكومي الإداري والتنفيذي والرقابي عبئاً على المواطنين بدلاً من توظيفه لخدمتهم.
• *وسط هذه الربكة الساسية والإقتصادية يخرج علينا رئيس المجلس الأعلى للأجور عبدالرحمن يوسف حيدوب بحقيقة صادمة مفادها وجود فجوة كبيرة بين الأجور الحالية وكلفة المعيشة، وقال إن كلفة المعيشة لأسرة مكونة من خمسة أشخاص تبلغ 5800 جنية أي خمسة ملايين وثمنمائة الف جنيه في الشهر الواحد، وذلك وفق نتائج دراسات ميدانية.
• *أعلن هذه الحقيقة الموجعة حيدوب في المنتدى الفكري حول "موقف الاجور في الولايات" التي عقد بمقر إتحاد عمال السودان يوم الأحد الموافق24 ديسمبر 2017م، وهو يعلم كما يعلم أُولي الأمر أن غالب العاملين لا تتجاوز رواتبهم الشهرية المليون جنيه بل أقل.
• * يعلم القاصي والداني أن موازنة 2018م جاءت على ذات النهج القديم وسط تصريحات نظرية بضرورة سد الفجوة الكبيرة بين الصادر والوارد ورفع الإنتاج .. وفي نفس الوقت تصدر قرارت تنفيذية من الحكومة ذاتها تهزم هذه الأماني السندسية ، مثلما أعلنه وزير المالية رسمياً زيادة سعر الدولار الجمركي من 6,900 حنيه إلى 18 جنيه.
• *هكذا تستمر ربكة السياسات الإقتصادية والمالية في نهجها القديم الذي أغرق الجنيه السودان في بحر الدولار الامريكي رغم التصريحات المتحفظة رسمياً على تعويمه.