يعرف النحويون " ما " الزائدة بأنها أداة تأتي في الجملة لمجرد التوكيد ولا عمل لها. ويوردون على ذلك بعض الاستخدامات والأمثلة ، فيذكرون أنها تزاد مثلاً بين الجار والمجرور كما في قوله تعالى: " فبما رحمةٍ من الله لنت لهم " أي فبرحمة من الله لنت لهم ، أو أن تأتي بعد أدوات الشرط مثل إذ ، وحيث ، وكيف ، فيقال: إذما ، وحيثما ، وكيفما ، كقوله تعالى: " وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره " ، أي وحيث كنتم ، وكذلك " ما " المتصلة بفعلي " طالَ " و " قَلَّ " في مثل قولهم: طالما وقلَّما ونحو ذلك. ويُدرج علماء النحو " ما " الزائدة هذه عادةً ، ضمن ما يسمونها ب " ما " الحرفية التي تنقسم بحسب تصنيفهم إلى ما النافية ، وما المصدرية ، وما الزائدة التي عليها مدار حديثنا في هذه العجالة ، وذلك من منظور ملاحظتنا لموقعها واستخدامها في اللسان العامي في عربية أهل السودان على وجه التحديد. هذا ، وتعرفُ العامية السودانية من بين هذه الفئات الثلاث من " ما " الحرفية ، اثنتين فقط هما: " ما " النافية مثلها في ذلك مثل العربية الفصحى وغيرها من سائر اللهجات العربية المعاصرة الأخرى ، و " ما " الزائدة هذه التي تخصها الدارجة السودانية في الواقع ، باستخدامات ودلالات مدهشة ، يعز نظيرها في العاميات الأخرى ، بل حتى في الفصحى نفسها ، وخصوصاً تلك المدونة في المعاجم وفي كتب اللغة أحيانا ، بيد أنها لا تعرف " ما " المصدرية التي انفردت بها الفصحى دون سائر اللهجات العربية الدارجة. ومثال لما المصدرية قوله تعالى: " خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض " ، وهي مصدرية زمانية في هذا السياق. وعطفاً على ما تقدم ، فإننا نود أن نشير هاهنا ، إلى أن السودانيين يستعملون " ما " الزائدة هذه استخدامات عديدة ومدهشة ، لتفيد معانٍ ودلالات كثيرة و متباينة ، تُفهم حسب السياق ، وخصوصاً حسب طريقة النبر وتنغيم الكلام ، أو يسميه الإفرنج بال intonation . وقد نبَّه العلاَّمة عبد الله الطيب إلى وجود ما الزائدة في الدارجة السودانية في مقدمة كتيبه بعنوان: " محاضرات في الاتجاهات الحديثة في النثر العربي في السودان " ، الذي صدر في عام 1959 عن معهد الدراسات العربية العالية بجامعة الدول العربية بالقاهرة ، وصدرت منه طبعة ثانية حديثاً في عام 2017م ، عن مؤسسة عبد الله الطيب الوقفية ، إذ جاء فيه في الهامش السفلي لصفحة 11 من هذه الطبعة الأخيرة ما نصه: " ويستعملون أيضاً ما الزائدة مثل: هو ما ماشي أي هو ماشٍ " أ.هـ. وهكذا فإن ما الزائدة في العامية السودانية قد تفيد محض التأكيد في مثل قولهم مثلاً: " أنا ما مشيت ليهو وكلمته ، لكن هو ما سمع الكلام " الخ ، كما ذهب إلى ذلك تماماً البروفيسور عبد الله الطيب. ذلك بأن ما هنا ليست بنافية وإنما هي ههنا زائدة جاءت لمجرد تأكيد المشي. وما السودانية الزائدة قد تفيد معنى التبكيت والانتقاد والتقريع خصوصاً على فعل مضى مثل قولهم: " أنا قبيل ما قلت ليك بتندم ، وانت أبيت تسمع كلامي ؟! " ومنه أيضاً المثل الذي ينسب للشيخ بدوي ود اب صفية البديري" وهو قوله: (نحن قبيلنا شن قلنا ، ما قلنا الطير بياكلنا ؟). قلتُ ، ولعل ذلك شبيه بقوله تعالى في سورة يوسف على لسان أكبر إخوته " رأوبين " كما يقول المفسرون: " ومن قبلُ ما فرطتم في يوسف " .. الآية ، فكأن معناها – والله أعلم – " انتو قبيل ما فرطتو في يوسف ؟ ". و " ما " الزائدة في العامية السودانية ، قد تفيد محض الاستفهام ، فهي تأتي بمعنى: " ألاَ " ، و" ألَمْ " ، و " ألَنْ " ، و " ألَيْسَ " ، وما يشتق منها مثل قولهم: " انت ما ماشي البيت ؟ " ، بمعنى: ألست ذاهباً إلى البيت ؟ والنبر في هذه الحالة يقع على كلمة البيت التي ينبغي أن تنطق ممدودة . وقد تأتي كذلك لمجرد تأكيد الصفة مدحاً أو ذمَّاً ، وقد تسبقها بعض الألفاظ مثل كلمة " أمانة " التي هي الصيغة العامية لقولهم في الفصيح " أمَا إنَّهُ " مدغمة في لفظة واحدة. فيقال: أمانة ما راجلاً كلَسْ ، أي: يا له ، أو أنعم به من رجل شهم ، أو في المقابل: أمانة ما كعَب ، أي: يا له من سيئ. و" ما " السودانية الزائدة قد تفيد أيضا في سياق محدد ، ضرباً من العتاب الخفيف على فعل مضى في مثل قول أحدهم مثلاً: " ما تورِّينِي !! " ، أو " ما كان تورِّيني يا خي !! كنت أدبتهم ليك مظبوط !! " الخ ، وهي بمعنى: هلاَّ أخبرتني ، أو ألا كنت أعلمتني !!. وأخيراً هنالك في العامية السودانية ، ما يمكن أن نسميها ب " ما الجاحدة " ، التي تأتي للتعبير عن الجحود والاستنكار المشوب بالدهشة والاستغراب. ومن ذلك قول المطرب " مجذوب أونسة ": ده ما سلامك !! فالشاعر لا يريد هاهنا أن ينفي وقوع ذلك السلام بالكلية ، وإنما يود فقط أن يقول معاتباً ، إن هذا ليس بالسلام القديم لمحبوبه ، أو أنها ليست الطريقة المعهودة عنه في إلقاء التحية ، أو كما قال الآخر أيضا: " بس البامية ما ياها !! " ، وأوشك أن يطلقها مثلا.