مراجعات قبل نهاية نبؤة قرنق حول السودان الأصغر الجديد … بقلم: خالد موسي دفع الله
Kha_daf@yahoo.com
داهمتني زائرة المتنبيء، فباعدت بيني وبين الطرس والمداد، ولما عافتني منها المطارف والحشايا، عجمت كنانة الأحداث لأستخرج منها ما يستحق التعليق، منجمة علي أيام الله السبعة كما يقول المرحوم عمر أحمد الحاج فتي مدني الذي رحل وما زالت قفاشاته تضئ المكان، ولكن وجدت مكامن الخوف والوجع متربصة بأوصال الوطن،فقلت هذه وقفة أنتزع فيها نفسي من جموح الخطاب العاطفي السائد لأرقب تداعيات نبؤة قرنق عن السودان الأصغر الجديد الذي لا يفضي الي وحدة.ولعل الأفتراض الأساسي الذي أنبنت عليه لحمة وسداة هذا المقال هو أن قرنق كان بعيد النظر وهو يؤكد في تحليلاته النظرية قبل الأتفاقية أن نموذج السودان الأصغر الجديد الذي أنبنت علي إتفاقية نيفاشا لن يؤدي الي وحدة، وذلك بعكس قناعات السياسيين وتأكيدات المفاوضين في الشمال بأن الوحدة حتمية.فما الذي يجعل قرنق مستيأسا من وحدة نتوسل اليها بنموذج السودان الأصغر الجديد ، بينما قادتنا غارقون في وثوقية خيار الوحدة. ولعل الجميع ينسي في ظل هذا الجدل ما قاله فرانسيس دينق في كتابه الجديد وهو أن قرنق لم يكن وحدويا خالصا أو إنفصاليا خالصا ، بل كان متأرجحا بينهما ينتهز الفرص والسوانح عدته في ذلك الأستراتيجيات، والمناورة والتكتيك البارع.
ربما قادتني التداعيات التاريخية لأستذكر شريط الفيديو الذي عرضه الأمريكي (بريان دي سلفا ) صديق قرنق الأثير من مقتنياته الخاصة في الذكري الثانية لرحيل جون قرنق بواشنطون. وقد تضمن شريط المحاضرة الذي قدمه (دي سيلفا) بأعتباره وثيقة تكشف عن النظرة الإستراتيجية لقرنق في شأن السودان،لأن كل ما قاله قرنق في محاضرته عام 1999 تحقق في إتفاقية نيفاشا عام 2005. المادة المسجلة كانت عبارة عن محاضرة قدمها جون قرنق في رمبيك عام 1999 في ورشة عمل حول الإقتصاد الريفي، وقدم قرنق في تلك المخاطبة تصوراته عن المفاوضات وتحقيق السلام.و ذكر فيها عدة نماذج منها ما أسماه (السودان الأصغر الجديد) The minimum New Sudan الذي يتكون من فترة إنتقالية يحتفظ فيها الشمال بمقومات هويته العربية وشريعته الأسلامية ،بينما يتأسس الجنوب علي نظام علماني.وقال ستتخلل هذه الفترة ترتيبات لقسمة الثروة والسلطة ولكن لن يفضي هذا النموذج الي وحدة.ولعلي مثل كثيرين دهمتهم الدهشة عندما شاهدوا الشريط لأن ما تحدث عنه قرنق قبل إنطلاق المفاوضات عام 1999 كان بالضبط هو ما تمخضت عنه الإتفاقية. ومن ثم طور قرنق هذه النماذج التفاوضية التي عرضها بعد ذلك علي نمط الدوائر الخمس الشهيرة التي إعتمدت علي نموذج العالم الإنجليزي (فين) في المنطق الرياضي. وعليه فإن إتفاقية نيفاشا بالنسبة لقرنق والحركة الشعبية كانت أحد نماذج التفاوض التي أطلق عليه (السودان الأصغر الجديد). وهو نموذج يتكون من كيانين مستقلين في الشمال والجنوب، بينهما من التنافر والإعتزاز بمقومات الهوية الذاتية أكثر من الروابط المشتركة.منتوج إتفاقية السلام الشامل أكدت أن قرنق كان يستبطن هذا النموذج التفاوضي في ذهنه منذ وقت طويل ، وقصد منه تأسيس فترة إتفاقية تقوم علي الحد الأدني من التعايش المشترك، ووقف الحرب ولكنه نموذج غير كاف لتحقيق الوحدة.ولعل الحقيقة الأولي المستخلصة من نموذج (السودان الأصغر الجديد) الذي قدمه قرنق للتفاوض في نيفاشا أنه يقوم علي فرضية أساسية قوامها أن الإتفاقية ستكون مساومة سياسية لا يحقق فيها كل طرف كل ما يتمناه ويسعي اليه، بل يستمسك فيها الشمال والجنوب بمقومات هويته الثقافية وتوجهاته السياسية ، ووصف قرنق هذه المنطق بقوله (يمكن للشمال أن يطبق الشريعة الإسلامية كما يشاء) they can implement Sharia as much as they want. .ولعل قرنق كان يفكر في ضمانات عضوية تمنع ما أسماه تذويب وإستيعاب جيش الحركة الشعبية في القوات المسلحة كما حدث في أديس أبابا. و كان للمحاولة السياسية التي قام بها مساعد وزير الخارجية الأمريكي للشئون الأفريقية كنشتاينر حينها مع الأستاذ علي عثمان محمد طه نجاح عظيم. حيث التقي كنستاينر الأستاذ علي عثمان في لندن لمناقشة تحفظات الحركة علي خطة الحكومة التفاوضية والتي كانت تتلخص في الأصرار علي الأحتفاظ بجيش الحركة مستقلا كضمانة عضوية أثناء الفترة الإنتقالية. وقد قبل الأستاذ علي عثمان بهذا العرض لإزالة آخر الألغام عن طريق السلام.ولكن يبقي السؤال: ما هو الثمن والمقابل السياسي الذي قبل به الشمال وجود جيش الحركة بصورة مستقلة خلال الفترة الإنتقالية؟ والإجابة كما تبدو من حيثيات تطبيق الإتفاق هو أن الشمال لم يقبض اي ثمن مقابل هذا التنازل ، بل لعل الأخطر هو ما أفادت به أحدي خبيرات ترتيبات الإتفاق في الفريق الأمريكي عندما ذكرت أن قرنق حصل بالسلام ما عجز عن تحقيقه بفوهة البندقية أثناء الحرب. ولكن حتي لا نظلم الذهن السياسي من المفاوضين الشماليين الذين أنجزوا هذا الإتفاق فإن الهدف المحوري بالنسبة للحكومة وقتها هو وقف الحرب بأي ثمن مهما بلغ حجم التنازلات. ولعلي أتفهم بعض المنطق الخفي لهذه الترتيبات فقد وصل السودان حدا من الأستنزاف المادي والنفسي والقتالي كان يمكن أن يصل الي التقهقر وربما الهزيمة رغم عزيمة وقوة شوكة المقاتلين. ولكن في الميزان السياسي فإن الحرب قد بلغت غايتها ، وإذا فوت السودان اللحظة التاريخية لتقديم التنازلات من أجل وقف الحرب ربما لن تتكرر تلك السانحة في التاريخ القريب مرة أخري. وقد ذكر لي (تيد داقني ) أحد أكبر مساعدي قرنق في واشنطون، ومسئول السودان في مركز أبحاث الكونقرس أن بعض أعضاء الكونقرس المتعاطفين مع قرنق إجتمعوا به لمدة سبع ساعات متواصلة في واشنطون محاولين إثناءه عن مواصلة التفاوض مع الحكومة. وقد رد قرنق بمنطق صارم وتصميم جامح في أن الدعم الدولي والعسكري لحركته بدأ يتناقص ،وعليه لا بد من الإنخراط في عملية السلام ولكن شريطة أن يحقق مكاسب أكبر من التي حققها في الحرب، هذا فضلا عن الإحتفاظ بجيشه والإستقلال النسبي للجنوب مقابل السلطة المركزية في السودان. أحد المتنفذين في الإنقاذ رجع بذاكرته للوراء وأكد أن إتفاقية السلام كانت ضرورة تاريخية ملحة لأن شرعية الحكومة بدأت تتآكل، كما أن ضمانات مواصلة الحكومة للقتال بذات الدفع والشراسة والقدرات أصبحت موضع شك علي المدي الطويل، و هذا رغم تأكيدات أمير المجاهدين محمد أحمد حاج ماجد الذي قال لقرنق في نيفاشا أن الحركة لم تهزمنا ولن ننهزم لو إستمر القتال مائة سنة أخري. ولعل الأعتراف الأخطر هو ما أدلي به الأستاذ علي عثمان محمد طه عندما قال إن البعض يتهم فريق نيفاشا بأنه قدم تنازلات دون ثمن وأن الإتفاقية عرضت وحدة البلاد للخطر، حيث ذكر أن نيفاشا دين متراكم علي خزينة الوطن المركزية، ظلت كل الحكومات ترحله لتقوم بسداده الحكومة التي تخلفها، ولكن عمدت الإنقاذ الي دفع ذلك الدين بشيك واحد دون تأجيل متحملة عبء الدين المتراكم علي الحكومات الوطنية منذ الإستقلال.
البعض يعتبر إتفاقية نيفاشا أحد فصول الصراع بين الأسلاميين ، وهو إفتراض قابل للنقاش والجدل، حيث ينفيه البعض ، ولكن التحليل الحصيف يشير الي إرتباط ما بين إنشقاق الإسلاميين وإتفاقية السلام ، لأن الترابي كان نشطا في سحب الشرعية من المؤتمر الوطني والتشكيك في إسلامية توجه المؤتمر الوطني، ولكن بعد نيفاشا إكتسبت الإنقاذ شرعية جديدة في النطاق الدولي والمحلي والإقليمي ولم تعد تأبه الي حملة التشكيك في الشرعية الإسلامية التي يثيرها المؤتمر الشعبي. عطفا علي ذلك فإن المؤتمر الوطني إستطاع أن يؤكد أن الفشل السابق في عدم التوصل الي سلام كان نتيجة لسوء تقدير القيادة السياسية التي يتزعمها الترابي ، والنتيجة أن الرئيس البشير بعد إنتزاعه القيادة إستطاع أن يتوصل الي سلام في الجنوب. كما أن هذه الأتفاقية أقصت المؤتمر الشعبي من سوح المنافسة السياسية مقابل الوطني في ظل مذكرة التفاهم التي أبرمها قادة الحزبين ياسر عرمان والمحبوب عبدالسلام بجنيف. هذه المراجعات تقودنا الي تساؤل مركزي وهو : من أين إستمد المفاوضون اليقين حول وحدوية السودان ووحدوية قرنق التي أنبني عليها كل الخطاب السياسي طيلة المرحلة السابقة؟. هذا رغم أيضاحنا أن قرنق في نموذجه التفاوضي (السودان الأصغر الجديد) الذي تأسست عليه إتفاقية نيفاشا أكد أنه لن يفضي الي وحدة. ولعل أوضح تصريح لما ترتبت عليها مقاصد نيفاشا هو ما ذكره (تيد داقني ) في واشنطون بأن نيفاشا صممت من أجل تفكيك النظام سلميا.ولعلني من القلائل الذين كان يرجحون أن قرنق إذا قدر الله له البقاء كان سيكون ليس فقط منافسا شرسا علي رئاسة الجمهورية ولكن ربما يفوز بها جهارا نهارا ليس فقط لقدرته الكارزمية ولكن بحسابات الربح والخسارة بالنسبة للقوي الدولية والإقليمية خاصة مصر التي تفضل الوحدة علي من يحكم السودان..
لقد سلطت وسائل الإعلام المختلفة الضوء من خلال سيل المقابلات واللقاءات طيلة الفترة الماضية علي مآلات البلاد بعد نيفاشا ، ربما لأستدراك حوار مؤجل فرضته إستحقاقات الأحداث وقرب موعد الأستفتاء ، فالكل يريد أن يدلو بدلوه ، أو أن يقول كلمته للتاريخ.فقد نجح الزميل الطاهر حسن التوم في إستنطاق الأستاذ سيد الخطيب علي ثلاث حلقات جيدة السبك والإعداد، واصل فيها الأستاذ الطاهر ما يميز منتوجه الإعلامي وهو حسن الإعداد، ودقة التسلسل التاريخي والتعبير عن تساؤلات المشاهدين. ورغم أهمية الإفادات التي أدلي بها الأستاذ سيد الخطيب إلا أنها أشبه ما تكون بالإفادات في الوقت الضائع، فما أفاد به من شروحات، ودفاع عن منطق التفاوض ، ونصوص الإتفاقية والتي أسماها ترتيبات وليست تنازلات ، كان يمكن أن تفيد الجدل الوطني ، وأن تسلط الضوء علي المنطق الخفي الذي قاد الي التوقيع علي هذه التنازلات أو الترتيبات، إذا إختار لها التوقيت المناسب. ولعل المقابلة المتميزة التي أجراها موقع (الجزيرة نت) مع الأستاذ علي عثمان نائب رئيس الجمهورية ، تؤكد ذات الحقيقة التي ذكرها سيد الخطيب حول قناعة فريق التفاوض بالوحدة أول الأمر، وقد ذكر الأستاذ علي عثمان أن قرنق كان يؤمن بالوحدة المشروطة، وأنه كان مستوعبا للمواقف والتفاهمات التي أفضت الي برتكولات هذه الإتفاقية لوحده ، وهذا ما يرجح علي الدوام تفسيري الخاص لعقدة نيفاشا وهي أن المفاوض الشمالي فصل بنود الإتفاقية لتلبي طموح قرنق السياسي وتكسب رضاه بطريقة تبرر خضوعه للسلام بثمن كبير بعد التضحيات الكبيرة التي قدمها الجنوب في الحرب ، لذا كان قرنق كثيرا ما يردد أن الإتفاقية ترد للمواطن الجنوبي كرامته this is a dignified document .وهذا هو عين الخطل لأن الإتفاقية رغم إجتهادها لترد عن جنوب الوطن مظالمه التاريخية إلا أنها وقعت في خطأ تفصيل الإتفاق ليناسب قامة قرنق وطموحه السياسي ليوقع راغبا في السلام، وهي بذلك لم تفصل بقدر ظلامات ومطالب أهل الجنوب فقط. ولعل الخطورة كما كشفتها الأحداث أن قرنق كان يحتفظ بكل هذه المعلومات والأسرار والمنطق الذي قاد الي هذه التفاهمات لوحده. وكان قادر علي فرضها علي قيادة الحركة. وقد إعترف المصريون مؤخرا أنهم أخطأوا خطاءا جسيما عندما إستثمروا علاقتهم وحصروها في جون قرنق ونسوا بقية قيادات الحركة خاصة سلفاكير، وهو خطأ مشترك أرتكبته القيادة السياسية في كل من مصر والسودان علي حد السواء. في ذات الصدد أجري التلفزيون حوارا مفيدا مع الدكتور غازي صلاح الدين من خلال برنامج (غرفة المتابعة) علي مدي حلقتين، وقد كشف الدكتور غازي في الحوار عن ذهنية جدلية، لا ترضي بالمسلمات، ولكنها تحفر بعيدا في أغوار التاريخ وصدام اللحظة الحاسمة.ذكر الدكتور غازي أن الحركة الإسلامية والمؤتمر الوطني لا يتحملان المسئولية الأدبية والسياسية لأنفصال الجنوب لأن هذه القضية ظلت حاضرة في أجندة السياسة السودانية قبل أن تولد الحركة الإسلامية وقبل أن يتخلق المؤتمر الوطني، وقدم دفاعا حارا عن مبدأ تقرير المصير الذي ظهر في إتفاق علي الحاج ولام أكول عام 1993، ومن ثم في مؤتمر أسمر للقضايا المصيرية 1995 ، وإتفاقيات شقدوم بين حزب الأمة والحركة. لذا فأن تقرير المصير ليس مفهوما طارئا لحلحلة القضايا السودانية. وقدم الدكتور غازي مبررات قوية حول الأتهامات عن تغلغل القبيلة في السياسة السودانية بفعل سياسات الإنقاذ، وقال إنها ظاهرة عالمية ضاربا المثل بأقليم الباسك في أسبانيا وغيره من حركات الإحتجاج الأقليمي الأخري في أروبا، ونعي ذلك الي غياب الأيدلوجيات وإنحسار دور الطائفة مما أدي الي إرتداد الناس الي قبائلهم وأثنياتهم، وعزا ذلك أيضا الي غياب الأفكار الكبيرة في السياسة السودانية. و لعل السؤال الذي ظل يؤرق النخبة السودانية بعد أن أعياها البكاء علي اللبن المسكوب هو البحث عن خريطة المستقبل لسودان يفقد الآن ثلث جغرافيته وتاريخه وحضارته.هل يستحق هذا الحدث مراجعات جذرية في هياكل السلطة وبنيات وفلسفة الحكم ؟ أم سيستمر العمل بذات النهج القديم. الدكتور غازي يري أن المراجعات ضرورية ولازمة ولكنها لا يشترط أن تلبي رغبات المعارضين الذين يريدون من هذه المراجعات الطعن في شرعية الحكم بعد نيفاشا.وفي هذا الزخم قدم الصادق المهدي رؤيته وهي تكوين حكومة قومية لتكون بداية لسلسلة المراجعات السياسية والدستورية. وجاءت كلمة الرئيس في القضارف وفي خطاب عيد الإستقلال لتؤكد علي ضرورة المراجعات الدستورية ولكن دون الأنتقاص من المؤسسات المنتخبة والثوابت القائمة مع تمثيل واسع لحكومة ذات قاعدة عريضة.ولكن مع كل هذه التدافعات أوضح الرئيس أنه سيعود الي قاعدته الإسلامية التي يستمد منها السند والشرعية، ويستجيب لتطلعاتها بالتأكيد علي الشريعة وهو خيار طبيعي للحكم في ظل مؤامرات المحكمة الجنائية ، فعندما يعز النصير الخارجي يرتكز الحكم ويتخندق حول قاعدته الشعبية ومناط السند والنصر الجماهيري ، وهم بلا شك الآن القاعدة الإسلامية العريضة التي تضم السلفيين، والإسلاميين والمتصوفة وغيرهم. هذا فضلا علي أن التنافس السياسي في المرحلة القادمة سينحصر وسط القوي اليمينية الأسلامية لأنحسار اليسار العلماني. لذا لم أندهش عندما سلط أمام المسجد في حينا الدعاء الجمعة الماضية علي كل من هاود اليهود، وناصر النصاري وشايع الشيوعيين. وعندما سألت أحد كبار موظفي الخدمة المدنية من الجنوبيين وهو يحزم حقائبه مرتحلا نحو الجنوب، قال كيف أبقي في الشمال وأمام المسجد في الحي أصبح يركز الدعاء علي الحركة الشعبية والجنوبيين.لقد فقدت الأحساس بالأمن الإجتماعي الذي كنت أنعم به طيلة خمس عقود قضيتها بالشمال. رغم منطق السياسة السائد إلا أنه لا بد من ترشيد الخطاب الديني وتطهيره من الغلو حتي لا يذهب ببقية قيم السلم والأمن الأجتماعي السائدة الآن. ولعل بعض السذج يظنون أن مشاكل السودان ستموت الي الأبد بأنفصال الجنوب، وسنحصد بالإنفصال القمح والوعد والتمني الجميل.إن الإنفصال دورة في حياة الأمم إما إستحلبت منها العبر والعظات فخرجت أقوي عودا وشكيمة وقدرة علي مواجهة قضايا المستقبل ، وإما أعادت ذات الأخطاء فيجري الله سننه في الكون وينقص الوطن من أطرافه حتي يأتي يوم نبكي فيه كالنساء علي وطن أضعناه بسوء السياسة والتقدير ونحن نحسب أننا نحسن صنعا.