مرسي في السودان، كلنا إخوان … بقلم: د. حسن بشير محمد نور – الخرطوم
د. حسن بشير
7 April, 2013
7 April, 2013
جاءت زيارة الرئيس المصري د. محمد مرسي الي السودان في وقت يمر فيه البلدان بمنعطف كبير. يعاني السودان من الجرح الغائر الذي سببه انفصال الجنوب الي دولة مستقلة.ادخل ذلك السودان في أزمة اقتصادية طاحنة بسبب فقدانه لعائدات البترول التي كانت تشكل 50% من مصادر إيرادات الموازنة العامة وأكثر من 70% من الصادرات وبالتالي مصادر النقد الأجنبي (المقصود هنا هو النسبة التي كان يحصل عليها السودان من بترول الجنوب وليس مجمل الصادرات البترولية). أضيف الي ذلك تكاليف باهظة اقتصادية واجتماعية متمثلة في الحرب التي اندلعت بعد انفصال الجنوب في جنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق. أضيفت تلك الحرب الي النزاع في دار فور والي جملة المشاكل العالقة بين السودان وجنوب السودان بما فيها مشكلة تصدير بترول الجنوب، ترسيم الحدود تمويل ودعم الحركات المسلحة علي طرفي الحدود ومشكلة آبيي التي تشكل (كعب أخيل العلاقة بين الدولتين)، بينما يؤجل ملف المياه كملف بالغ التعقيد.
كل ذلك يجعل الوضع في السودان علي درجة كبيرة من التأزم والاحتقان لا يجدي معها إي إنكار او هروب إلي الأمام.
كان النظام الحاكم في السودان يأمل ان يستتب الوضع في مصر للإخوان المسلمين وان يحدث ذلك في ليبيا ويكتمل بذلك مثلث (كلنا أخوان) علي قول عادل المشيطي ، الليبي الذي يقول في قصيدة له ، حسب ما تورد المواقع الالكترونية (إننا على الدرب المبين نبتغي صلاح العالمين قولنا وفعلنا جهاد للعلا وحبلنا متين ويقول فيها أيضا (نهجنا الوفاء بالعهود)، وهذا موضوع يشتد حوله الخلاف ويحتدم الجدل). شيء من ذلك لم يحدث، فمقولة (سودان بلدنا وكلنا أخوان) ذهبت إدراج الرياح وانفصل الجنوب. ومن المعروف أي مسار تسلكه مصر بعد وصول الأخوان إلي الحكم عبر بوابة (الحرية والعدالة)، التي لم تدخل منها حرية ولم تقم بها عدالة. المصريون ادري بشئون بلادهم فهم يكتبون ويتحدثون كل يوم، كما ان شوارع مدنهم تمتلئ بالمظاهرات والوقفات الاحتجاجية وتسيل دمائهم لتروي التراب المصري كسماد بشري لتربة خصبة ستقوم عليها دولة تضع الأسس الحقيقية للحرية والعدالة والكرامة الإنسانية.
يبدو ان العقلية المستبدة لجماعات الإسلامي السياسي لم تمكنها من قبول الأخر وفكرة التداول السلمي للسلطة عبر عملية ديمقراطية تتسع فيها المشاركة ويقبل فيها كل من الأطراف بالآخر، وان تكون واحدة من المكونات السياسية الوطنية، يمكن ان تصل الي السلطة وان تخرج منها بشكل سلس دون الإقصاء للآخر وتهميشه والاستهزاء به، ودون تمكين للمنتمين لها والاستيلاء علي السلطة والثروة، لأنه يمتلك الحكمة المطلقة والرشد الكامل. هذا طريق ضار بالانتماء والمعتقد والأوطان.
يبدو ان هذا هو الذي وضع مصر علي مرجل يغلي تصطخب من تحته النيران ويتصاعد فوقه الدخان.
في هذا المناخ جاءت زيارة الرئيس المصري يسيطر عليها هم الأمن الغذائي.ظهر ذلك من خلال مكونات الوفد، الخطابات المتبادلة والبيانات الصادرة. لم يتم اهتمام كبير بجوانب إستراتيجية او بالسياسات الكلية في البلدين ولم يتم تنسيق في السياسات النقدية علي سبيل المثال. من جانب أخر فان تكوين الوفد أخذ طابع (الأزمة) لذي اتضح من خلال تمثيل القوات المسلحة المصرية عبر (مدير مركز الأزمات )، بينما جاء رئيس جهاز المخابرات المصرية نفسه ضمن الوفد.
ملف الأمن الغذائي بين الدولتين ملف أزلي ظل يناقش منذ استقلال السودان من الاستعمار الثنائي الذي كانت مصر واحدا من طرفيه. تأرجح هذا الملف في مد وجذر العلاقات الثنائية المضطربة حسب أنظمة الحكم في الدولتين. لم يمر علي مصر حكم يجد القبول بشكل مرجح في السودان، إلا علي الفترة القصيرة لصعود اللواء محمد نجيب الذي يعتبر في السودان، سودانيا ، ثم علي أيام الرئيس المحبوب جمال عبد الناصر، بما تمتع به من وطنية صادقة وكاريزمية طاغية، وهو ما لم يتحقق مرة أخري، ويبدو انه لن يحدث علي ألمدي المنظور.
ظلت مصر المستفيد الأعظم من تطبيع العلاقات والتكامل بين البلدين، وظل السودان الخاسر الأكبر من توتر العلاقات ، بالرغم من ان لمصر فضل كبير علي السودان في التعليم وكملاذ في ساعات الشدة لعدد كبير من السودانيين، خاصة المعارضين والمضطهدين من أبناء جلدتهم.
الشواهد علي استفادة مصر من ملفات الأمن الغذائي والتعامل الاقتصادي والموارد مع السودان، كثيرة من أبرزها اتفاقية مياه النيل التي تعطي مصر حصة الأسد منها، مع ذلك تحظي بدعم مستمر من السودان في هذا الملف الشائك، مرورا بالسد العالي الذي اغرق واحدة من أهم مناطق السودان واغرق تحتها كنوزا أثرية لا تقدر بثمن، بالتالي فان استفادة السودان من السد العالي اقل من استفادة روسيا من بيعها ألاسكا لامريكا. بعد ذلك تأتي الحريات الأربعة التي لم يحصل السودان علي أي منها ولا ينتهي الأمر بالكوميسا التي أغرقت أسواق السودان بالمنتجات المصرية.
من هنا يعتبر الاستثمار في الأمن الغذائي أمر بالغ الحيوية بالنسبة لمصر خاصة مع أريحية الحكومة السودانية في منح الأراضي باعتبارها (تراب لن ينفذ). الاستثمار المصري في السودان في هذا القطاع ومع الأراضي الممنوحة وامتيازات الاستثمار والتمتع بالحريات الأربعة مهم لسد فجوة في الضائقة المعيشية التي تشهدها مصر ويسد فجوة الموارد المالية بعد الخسائر التي حدثت بعد ثورة يناير وبعد عدم الاستقرار الذي تسبب في هروب رؤوس الأموال وتراجع القيم الرأسمالية وتآكل احتياطي النقد الأجنبي.
أهمية السودان الاقتصادية لمصر أمر لا تخطئه العين، إذ أن الأموال التي تصب في خزائن حكومة (الحرية والعدالة) من دول الخليج وليبيا ومعها قرض صندوق النقد الدولي هي مجرد عامل مساعد فقط ولكنها لن تخرج الاقتصاد المصري، لوحدها من أزمته، خاصة وان كل تلك الأموال مجتمعة لن تسد فجوة الفاقد من قطاع السياحة. جانب أخر بالغ الأهمية في إضعاف قيمة تلك الأموال، يكمن في الجانب ألتوزيعي لها، بمعني أين ستذهب تلك الأموال؟ كيف ستوظف؟ ما هو مردودها؟ والاهم ما هو الثمن الذي يدفع مقابلها؟.
من الأفضل أن تتعامل الحكومة السودانية بمنتهي الرشد في علاقتها بالحكومة المصرية وان يكون الفيصل هو القواعد المنظمة للتعاون الاقتصادي والاستثمار لتحقيق مصالح مشتركة للبلدين بعيدا عن الادلجة والانتماء السياسي. في هذه الحالة لن يكون هناك اعتراض يذكر علي المضي قدما في التعاون المثمر بين البلدين بشكل يحقق المنافع ويضمن الحقوق وتكافؤ الفرص.
أما بخصوص العلاقة بين الشعبين فهذا موضوع تحكمه قواعد التاريخ والجغرافيا والثقافة، إلا أن هذه العلاقة لن تكتمل وتنضج، إلا بعد أن تنضج أنظمة الحكم في البلدين وبعد ان يتحقق للشعبين نظام للحكم يحظي بأكبر قدر من التوافق الاجتماعي، نظام ديمقراطي تطلق فيه الحريات ويسود فيه التداول السلمي للسلطة، يسوده حكم القانون، المؤسسية، الفصل بين السلطات والعدالة الاجتماعية بمفهومها المتضمن لحقوق الإنسان، الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للجنسين ولجميع مكونات المجتمع غض النظر عن الدين او العرق او الانتماء السياسي.
إلي أن يتحقق ذلك لا يمكن بالطبع المطالبة بإيقاف التعامل بين البلدين غض النظر عن نوع الحكم والحكومات، فقط المطلوب هو الضبط الاقتصادي والاحتكام الي لغة المصالح المشتركة (للبلدين) المرتبطين عضويا بشكل لا فكاك منه.
hassan bashier [drhassan851@hotmail.com]
//////////////