مستنقع الكيزان أول من سقط في وحله الإنصرافيين تلاميذ الدكتور عبد الله الطيب

 


 

طاهر عمر
7 December, 2023

 

مجتمع النخب السودانية تحكمه أسرار لا تشبهها إلا أسرار الكنيسة و أفكار ما قبل الإصلاح. هي غير معلنة و لكنها متحكّمة في تطوّر الفكر في السودان بل تقيّد كل من يريد الشب عن الطوق و خاصة في مجتمع سوداني تقليدي للغاية الى أن وصلنا الى مرحلة تلاشي الدولة كغنيمة حرب ورثت من الإستعمار. و نسأل لماذا لم يتلاشى هيكل الدولة كمفهوم في أدنى مستواه في مصر مقارنة بالتشظي الذي أصاب هيكل الدولة في السودان؟ و الإجابة في ظل حكم الكيزان طيلة ثلاثة عقود و عندما جاءت فترة حمدوك الإنتقالية كان يتحكم فيها نفس العقل الكيزاني لأن أتباع الطائفية و الختم لا يختلفون عن الكوز في شئ.
الإجابة عن عدم تلاشي الدولة في مصر لأن هناك مفكريين مصريين كثر أسهموا في شحذ ذهنية الشعب المصري مستفيدين من علوم جديدة مثل مدرسة الحوليات و هي تتحدث عن تاريخ الذهنيات و تاريخ الخوف و نجد أفكارها في فكر احمد لطفي السيد و تلميذه طه حسين و حتى في روايات نجيب محفوظ و هذه الأفكار نجدها معدومة في فكر الدكتور عبد الله الطيب بل يمكننا أن نقول حسب مكتاباته لطه حسين عندما قال عبد الله الطيب أنه قرر أن يقف بجانب التراث و الدين و الأمة من حينها بداء إنتاج المثقف الإنصرافي و أول من رمى ساسه هو الدكتور عبد الله الطيب.
بالمناسبة وقوف الدكتور عبد الله الطيب بجانب الدين و التراث و الأمة جعل فكره يفترق عن خط فكر طه حسين و المراقب الجيد و القارئ المدرب يمكنه أن يرى أن فكر عبد الله الطيب أقرب لفكر عباس محمود العقّاد و العقاد من ضمن من يسخر طه حسين من فكرهم و خاصة في العبقريات. و لو لاحظت أن فكر عبد الله الطيب أقرب لفكر العقاد رغم أن تلاميذه يقولون و يتحدثون عن قرب فكره من فكر طه حسين و طبعا إختلاف فكر طه حسين عن فكر عبد الله الطيب يظهر في كتابه مستقبل الثقافة في مصر و يدعو فيه طه حسين الى عودة مصر الى عقلها الروماني الأغريقي بديلا عن الغرق في ثقافة عربية إسلامية تقليدية يمجّدها أمثال عبد الله الطيب و العقاد في العبقريات و قد كانت مثار سخرية طه حسين من العقاد.
و نضرب مثل آخر نوضّح فيه إختلاف فكر الدكتور عبد الله الطيب عن فكر طه حسين و القاسم المشترك هو أن محمد أركون و كان من المعجبين بفكر طه حسين أنظر لفكر محمد أركون و قارنه بفكر الدكتور عبد الله الطيب حيث يتضح الايمان التقليدي لبعد الله الطيب في شرحه للقرآن خلال ثلاثة عقود و نصف العقد في و فكرة مفهوم الدين التاريخي عند محمد أركون. محمد أركون يتحدث عن اللا مفكر فيه أو المستحيل التفكير فيه و هذا فكر لا تجد له أي أثر في كتابات الدكتور عبد الله الطيب و هو قد قرر بأن يكون بجانب الدين و التراث و الامة. و قوفه بجانب التراث أي عبد الله الطيب جعله تقليدي للغاية و جعل أغلب تلاميذه و أتباعه من الإنصرافيين.
في مفهوم الدين التاريخي الغائب من دفاتر الدكتور عبد الله الطيب نجده في مقاربات محمد أركون و قد أدخل علوم مثل الأنثروبولوجيا التاريخية و علم الاجتماع و علم النفس و فلسفة التاريخ الحديثة لدراسة الدين كظاهرة اجتماعية و هنا تظهر تقليدية الدكتور عبد الله الطيب في فكر يرتكز على التأمل و اليقين و الوثوقيات و مجافي للنقد و الشك الذي يرتكز عليه كل من عقل الأنوار و أفكار الحداثة.
عبد الله الطيب عكس محمد أركون تماما في إهتمامه بعلم الاجتماع و الأنثروبولوجيا في وقت نجد أن الدكتور عبد الله الطيب لا يخفي كرهه لعلماء الاجتماع و الأنثروبولوجيين لأنهم قد أزاحوا الأبهة عن رجال الدين و كل فكر عبد الله الطيب يحاول فيه إرجاع الأبهة لرجال الدين و من هنا جاء أغلب تلاميذه و فكرهم في صف الدولة الدينية أو دولة الإرادة الإلهية. عبد الله الطيب في الجزئيين الأول و الثاني من المرشد لفهم أشعار العرب و صناعتها يكشّر عن أنيابه ليظهر كرهه لعلماء الاجتماع و الأنثروبولوجيين و هنا تظهر أفكاره المعاكسة لأفكار طه حسين.
و من محاولات عبد الله الطيب إرجاعه الأبهة لرجال الدين تظهر في جلوسه أمام الملك الحسن في الدروس الحسنية و هو لا يتحرّج من أن يجلس أمام دكتاتور من أقسى حكام العالم الثالث ضد المعارضيين في المغرب بل لكي يخرج من ذلك المأذق كانت هناك محاولات في المغرب بأن تطوي صفحة العنف الذي مارسته المملكة المغربية على المعارضيين على شكل الحقيقة و المصالحة في جنوب أفريقيا بعد نهاية الفصل العنصري.
لكن عبد الله الطيب ما كان يهمه دكتاتورية الملك الحسن يهمه أن يجلس أمام أمير المؤمنيين و هذا يجعل عبد الله الطيب كأنه أمام هرون الرشيد و كله بسبب وقوفه بجانب التراث و الدين و الأمة و لا يهمه التطوّر الذي حدث في الأفكار كنتاج لعقل الأنوار و أفكار الحداثة و من علاماته فكر مدرسة الحوليات الفرنسية و دراسة تاريخ الخوف و تاريخ الذهنيات.
يا ترى أين يكون موقع الدكتور عبد الله الطيب و تلاميذه لو أجلسناهم تحت ضؤ فكر مدرسة الحوليات لمحاكمتهم وفقا لتاريخ الخوف و تاريخ الذهنيات؟ قطعا الإجابة تكمن في إنتاج المؤرخ التقليدي السوداني و عبر أجيالهم كانت تشغلهم الوثيقة المقدسة كما فعل محمد ابراهيم ابو سليم مع وثائق المهدية ويوسف فضل و تلاميذه و قد كانوا غارقيين فيما تجاوزته مسيرة النشؤ و الإرتقاء في تجاوزها لكل فكر يؤسس على الدين و العرق و أغلب بحوث المؤرخ التقليدي السوداني تبحث عن فكرة صحيح الدين.
وضح لك كيف كان الدكتور عبد الله الطيب مؤثر على بحوث المؤرخيين التقليديين السودانيين و حقول النقد بشكل سالب؟ و كله يرجع الى إرتكازه على وقوفه بجانب التراث و الدين و الأمة كما قال لطه حسين. لذلك تجد بحوث أغلب المؤرخيين السودانيين عن الصوفية و صحيح الدين و الفلكلور في مجافة تامة لفكر الحداثة الذي يرتكز على النقد و الشك و بالتالي لا يتحرّج يوسف فضل كمؤرخ تقليدي أن يجلس في حوار الوثبة مبتلع طعم خداع الكيزان للنخب السودانية. لأن يوسف فضل لا تعرف مناهجه سبيل للنقد و الشك بل كأغلب النخب السودانية أسير الوثوقيات و اليقينيات و السياجات الدوغمائية و الناجي الوحيد من هذا الطاعون الأستاذ محمود محمد طه.
على ذكر مدرسة الحوليات الفرنسية كانت ضد فكرة الوثيقة المقدسة و كان في حينها أغلب الكتاب من الدبلوماسيين و العسكر و رجال الدين و لذلك رفضت مدرسة الحوليات كتابات الدبلوماسيين و رجال الدين و العسكر و أنظر لحال الفكر في السودان نجده مسيطر عليه من قبل الدبلوماسيين و العسكر و رجال الدين الى اللحظة في وقت قدمت فيه مدرسة الحوليات دراسة التاريخ الاجتماعي للشعوب و التاريخ الاقتصادي و أنظر لفكر عبد الله الطيب و تلاميذه من الدبلوماسيين هل وجدت فيه أي بعد لدراسة تاريخ المجتمع و دراسة التاريخ الاقتصادي بل نجدهم في وزارة الخارجية أغلبهم لا يتحرّج من الجلوس أمام البرهان بعد إنقلابه و يريد أن يقوم بدوره كدبلوماسي على الطريقة السودانية التي تتجاهل الشرط الإنساني.
تتذكرون كيف أنهى البرهان عمل بعض الدبلوماسيين المناهضين لإنقلابه و دعى دبلوماسيين قد جلسوا أمامه كخراف يريدون أن يحققوا حلم أب البرهان؟ و كان من ضمنهم واحد من تلاميذ عبد الله الطيب فهو لا يتحرّج من الجلوس أمام إنقلابي كالبرهان لأن أمامه سنة سنها أستاذه عبد الله الطيب بجلوسه أمام الملك الحسن في الدروس الحسنية أو كما جلس يوسف فضل مخدوع من قبل الكيزان في حوار الوثبة و هكذا هو حال الإنصرافيين تلاميذ عبد الله الطيب و من يشبههم في جميع قطاعات المثقفيين التقليديين السودانيين.
و نفس الشخص أي تلميذ عبد الله الطيب دبلوماسي الانقلابي البرهان كان وراء حيلة وقع ضحيتها الشاعر محمد المكي ابراهيم عندما كرّمه المجرم المطلوب للعدالة أحمد هرون و هكذا حال الإنصرافيين و هم قبل كل شئ ضحايا منهاجهم التقليدية التي تجعلهم يدافعون عن الحضارة العربية الاسلامية التقليدية في السودان و على أي حال لا يمكن أن تصمد أفكارهم أمام عالم أصبح يؤسس تجدده على أعمدة الشك و النقد و ليس على الوثوقيات و اليقينيات.
و من هنا يمكننا أن نقول أن لا علاقة لفكر الدكتور عبد الله الطيب بفكر طه حسين كما يحاول خالد محمد فرح مقارنة فكر طه حسين بفكر عبد الله الطيب لأن فكر طه حسين يقوم على الشك و النقد و فكر الدكتور عبد الله الطيب يقوم و يرتكز على التأمل و الوثوقيات و اليقينيات و لا يعرف سبيل لمفهوم الدين التاريخي في جميع مؤلفاته التقليدية.
أما قبول الدكتور عبد الله الطيب لجائزة السعوديين لخدمته لنشر الثقافة العربية الاسلامية التقليدية تنقص من قيمتها رفض هابرماس و هو فيلسوف ألماني لجوائز عرب الخليج و هي تقود نظم سياسية متخلفة و هذا هو الفرق بين هابرماس كواحد من ورثة عقل الأنوار و عبد الله الطيب.
عبد الله الطيب يمكنه أن يجلس أمام الملك الحسن و يأخذ جائزة السعوديين و لا يتحرّج من ذلك و يرفضها هابرماس لأنه لا يمكن أن يقوم بما قام به عبد الله الطيب و أذكر أيضا أن هناك أديب أوروبي رفض أن يقبل جائزة الغذافي مثلما رفض هابرماس جائزة عربان الخليج التي يسيل لها لعاب كل من الدكتور عبد الله الطيب و المؤرخ التقليدي يوسف فضل و هنا يظهر لنا كيف أنهما تقليديان أي الدكتور عبد الله الطيب و المؤرخ التقليدي يوسف فضل.
و أخيرا نذكر إعجاب الناقد هارولد بلوم بفكر طه حسين و كيف وضّح أن أفكار طه حسين ترقى الى مستوى نصوص الأدب الغربي في تقدمه على بقية الشعوب التقليدية و ذكر معه نجيب محفوظ و محمود درويش وفقا لمعايير لا نجدها البتة في مؤلفات الدكتور عبد الله الطيب رغم أن هارولد بلوم كلاسيكي و لكنه وصل الى مفهوم الدين التاريخي الذي يغيب عن أفق حقول رؤية الدكتور عبد الله الطيب التقليدية.
نقول للشعب السوداني أنك تمر بأحلك حقبة تاريخية ينشط فيها الماضويون في محاولتهم اليائسة بربطكم بالماضي الذي يمثله فكر عبد الله الطيب و تلاميذه الإنصرافيين و هي محاولات يائسة دوما يقوم بها التقليديون في لحظات مفاصل الزمن و بالتالي يكون نشاط الإنصرافيين بإعادة فكر الدكتور عبد الله الطيب للواجهة فرفرة مذبوح لأن فكر الدكتور عبد الله الطيب فكر تقليدي يريد أن يكون لسان لحضارة اسلامية تقليدية قد أضحت بلا لسان كما يقول عالم الاجتماع الفرنسي أوليفيه روا.
و في قول أوليفيه روا يتضح لك الفرق الهائل بين عبد الله الطيب كمثقف سوداني تقليدي إذا ما قارناه بجهود بول ريكور الفيلسوف الفرنسي المؤمن إلا أنه ابن عقل الانوار أو فكر رينيه جيرار في مثلث الرغبة و محاكاة الغريم و هو يلتقي مع هارولد بلوم كناقد كلاسيكي في قلق التأثر و الفرق بينهما كبير عندما نقيس نقدهما بمقاربات عبد الله الطيب التقليدية.
إذا كان هناك حزن نقول لكم إننا نحتاج لثلاثة عقود حتى نعبر أوهام الانصرافيين و بعدها سوف تأتي أجيال تربط الشعب السوداني بالانسانية التاريخية وفقا لظاهرة المجتمع البشري في أقانيمه الثلاث المجتمع و الفرد و الانسانية. نقول نحتاج لثلاث عقود لأن مدرسة الحوليات عندما بدأت مع فترة الكساد الاقتصادي العظيم إحتاجت لثلاثة عقود حتى تصل أفكارها الى أرقى الجامعات و مراكز البحوث.
كذلك تحتاجون لثلاثة عقود حتى ينضج العقل السوداني و يتخلص من أفكار المثقف التقليدي و المؤرخ التقليدي السوداني و حينها يتضح الفرق بشكل جلي بين فكر طه حسين أي فكره الذي يقوم على الشك و النقد و فكر الدكتور عبد الله الطيب الذي يقوم على الوثوقيات و اليقينيات و التأمل و حينها لا يمكنك أن تنخدع بمقالات الانصرافيين عن فكر عبد الله الطيب و هو فكر تقليدي و سيزول يوم يبداء طريقنا مع فكر النزعة الانسانية و حينها يختفي فكر المثقف التقليدي المنخدع بفكر الدكتور عبد الله الطيب و هو يجسّد فشل طه حسين في أن يخلق من عبد الله الطيب طه حسين في السودان.
نعود و نقول أن عدم تلاشي هيكل الدولة في مصر يرجع فضله لفكر أمثال طه حسين و أستاذه احمد لطفي السيد و تلاشي الدولة في السودان في ظل حرب عبثية سببه غياب مفكر سوداني يصل مستواه الى مستوى فكر طه حسين. رغم أن مصر ما زالت عاجزة عن التحول الى دولة صناعية و ما زالت كهيكل لدولة بلا مستقبل و لا يكون لها مستقبل بغير أن تصبح دولة صناعية و نفس حال مصر ينطبق على العراق تلاشى فيها هيكل الدولة إلا أنها قد إستعادت مسارها و الآن بقيادة السوداني تستعيد مسارها من جديد و يرجع الفضل لمفكريين عراقيين قدموا فكر مميز مقارنة بالمفكريين السودانيين التقليديين ففي العراق هناك عالم الاجتماع علي الوردي و عالم الاجتماع فالح عبد الجبار و تختلف بحوثهم عن بحوث الإنصرافيين السودانيين و أضف إليهم الناقد فالح مهدي و جهوده في كتابه تاريخ الخوف و يمكنك عبره محاكمة النخب السودانية التقليدية.

taheromer86@yahoo.com
////////////////////////

 

آراء