مع نصر الدين والي في أروقته السنارية 2/2
د. خالد محمد فرح
4 June, 2024
4 June, 2024
بقلم: خالد محمد فرح
على الرغم من أن نشاة المؤلف قد كانت في وسط حضري ، هو وسط مدينة سنار ذات التركيبة السكانية المدينية عموماً، رغم أنها متباينة الاعراق والثقافات واللغات واللهجات، الا اننا نلاحظ بوضوح، بروز نكهة لهجة عرب البقارة في لغة هذه المذكرات في اكثر من موضع منها. ولعل قضاء السفير نصر الدين فترة في اطار مشواره المهني بالعاصمة التشادية انجمينا، قد ساعدته على استدعاء عدد من الالفاظ والتعابير " البقارية " خصوصاً، وعربية غرب السودان وما وراءه بصفة عامة.
فمن ذلك مثلا، حرصه الواضح على استخدام ظرف المكان: " في لُب " بمعنى في وسط او في قلب او داخل الخ. وعلى الرغم ان التعبير في لب تعبير فصيح ولا غبار عليه، الا ان اللهجة السودانية في تيارها العام لا تستخدمه بل تقول بدلا عنه " في نص، في بطن ، جوة ، داخل " الخ.
هذا بالاضافة الى الفاظ الاخرى ذات النكهة التعيشية البقارية خصوصاً، او المنتمية لعربية غرب السودان عموما، متمثلة في كلمات مثل: متلاب بمعنى عجل صغير، وموريب نوع من القش شبيه بالبوص،والويكة السارا، والحنجور بمعنى العنق المستوي والجميل كانه زجاجة عصير كما غنى وردي، وقد اخطأ المؤلف في تفسيرها كما سوف نرى لاحقا، والقدوقدو، والباجنقو، وغيرها.
بالنسبة للقبائل والمجموعات العرقية التي استوطنت سنار وارتبطت هذه المدينة بها، لاحظت ندرة اشارة المؤلف الى اثنتين من تلك المجموعات، بل لعلهما اقدمها على الاطلاق، وبالتالي فمن المفترض ان تكون اولاها بالذكر كما نظن. واعني بذلك مجموعة الفونج اصحاب السلطنة انفسهم، وكذلك عشيرة اليعقوباب الذي ظلوا على ارتباط بسنار منذ بدايات تاسيسها في القرن السادس عشر، هذا على الرغم من ان اصولهم تعود الى منطقة كنور بولاية نهر النيل كما يقال.
اما بالنسبة لاسماء الاعلام الكثيرين ذوي الارتباط بسنار والحضور المؤثر فيها، الذين ذكرهم المؤلف، فالبرغم من عدم علمنا بالمعيار والمنهجية التي اتخذها هو لذكر العلم المعني، الا انني لاحظت مثلا، ان الطبيب الاختصاصي المشهور، والاستاذ الجامعي النابه، البروفيسور مامون حميدة وهو من هو شهرة على نطاق السودان، على الاقل خلال العقود الثلاثة المنصرمة، الا ان اسمه لم يرد في الكتاب ولا مرة واحدة، على الرغم من ان والده، وربما بعض اخوته واعمامه قد ذكروا فيه في اكثر من موضع.
استوقفني في حديث المؤلف عن ذكريات الصبا والشباب، وما يرتبط بهما عادة من شيطنة وعفرتة، قولهم انهم كانوا اذا شاهدوا فتاة جميلة تسير في مرافقة فتاة اخرى اقل منها جمالا، كانوا يعلقون في سخرية: " شن لمّ القمري مع السمبر ! ".
قلتُ: هل هي ظاهرة عامة، واستراتيجية مقصودة من الجميلات عموماً، تدعوهن الى مصادقة الفتيات الاقل جمالا منهن، وذلك حتى يظهر جمالهن، عملا بمقولة " والضد يظهر حسنه الضدُ " ؟.
وهل كانت " فلانة الواردة " والتي من المرجح انها قد كانت من الحسن بمكان، والتي اشير اليها مجرد اشارة في اوبريت مروي ، الذي ابدع فيه اداءً الاستاذ عبد الكريم الكابلي، قد تبنت ذات الاستراتيجية ؟ ذلك بانها قد وردت مع " حوّا " التي يبدو انها قد كانت متواضعة المستوى، بدليل ان الشاعر لم ير بأساً في ذكر اسمها ، بينما اخفى اسم فلانة ضنّاً به، وذلك اذ يقول:
شوف فلانة الواردة وحوّا
سكنت قلبي من جوا
واتغابت فوقو الخوة .. الخ
وخناماً ، نود التوقف للحظات مع بعض الجوانب اللغوية، وخصوصا تلك المرتبطة منها باللهجات السودانية المختلفة، وكذلك بعض ما ورد عليها من خارج الحدود وتبنته، مما عرض له المؤلف في هذا الكتاب.
⁃
الفعل قوقى يقوقي مثلما يصدح القمري ، ولكن المعنى مختلف. لان قوقى يقوقي والاسم منه هو المقوقاة كما اوردها الكاتب في السياق المعني ، عندما اشار الى قريب له كان يلقب ب " ابراهيم المقوقي الكلب " ، هذا الفعل معناه هنا: يحمل الطفل مربوطا على الظهر. وهي ممارسة موجودة من لدن دارفور شرقاً، والى المحيط الاطلسي وفي كافة بلدان افريقيا جنوب الصحراء، وهي موجودة ايضا في بعض بلدان المغرب العربي دون بلاد المشرق، ولا وجود لها من شمال كردفان غربا حتى البحر الاحمر شرقا مرورا بوسط السودان وشماله.
⁃
ذكر المؤلف من انواع الفواكه والخضروات التي كانت تنتجها جروف سنار وبساتينها في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، " البطيخ الروسمان ". وهو نوع من البطيخ شكله بيضاوي مستطيل افقيا، وقد كان هو السائد في محلات بيع الفواكه في العاصمة وغيرها من المدن بالمناطق النيلية الى قريب من نهاية الالفية الماضية، حتى ظهر بطيخ الشركة العربية للانتاج والانماء الزراعي الكروي الشكل ، الذي يبدو انه قد سحب البساط من الروسمان الذي قل المعروض منه بدرجة كبيرة كما يلاحظ ، بعد ان طغى عليه انتاج البطيخ الكروي الذي يشبه بطيخ غرب السودان عموما، مع اختلاف ان بطيخ كردفان معظمه ذو لب أبيض من الداخل، ولكنه مع ذلك حلو المذاق ايضا.
⁃
اشار المؤلف الى نوع محدد من انواع الويكة او البامية المجففة باسم " السارا ". وهذه الاسم معروف ومستخدم في كردفان ايضا. ويطلق على نوع من انواع الويكة كبيرة الحجم وطويلة وعليها خطوط ناتئة من الخارج، ولكنها ليست محبذة لانها كما يقال قليلة اللزوجة وتفلة او " ناتلة " لا طعم لها كما تصفها الوالدة متعها الله بالصحة والعافية، والتي كانت تحذرنا عند ارسالها لنا لكي نجلبها لها من السوق، ان تجنب الويكة السارا ، وان نشتري لها الويكة " ام كريشات "، اي القصيرة والغليظة المنبعجة الجوانب ، وتلك هي كريشاتها فيما نظن. اما لماذا اسموها سارا فبسبب تلك الخطوط الطويلة، التي تشبه شلوخ افراد قبيلة السارا التي تقطن جنوب تشاد حاليا، كما كان لها وجود في غرب بحر الغزال ايضا. وقد ذكرهم المطرب خليل اسماعيل رحمه الله في اغنية " نبيع الكُمبا " بقوله: يا عيال سارا .. الخ
⁃
لاحظت ان المؤلف يشير دائما للادام المصنوع من السمك المجفف باسم " كوركي "، وكذلك ذكره في مرة واحدة باسم " مرير "، بينما ان الاسم الاكثر شيوعا وانتشارا لهذا السمك المجفف وطبيخه ايضا في عموم السودان ، هو " الكجيك " بكاف مفتوحة وياء ممالة. هذا، وللكجيك حضور راسخ في شعر الشاعر المبدع الراحل الاستاذ خليل عجب الدور الهوّاري ، وفي رواية عبد العزيز بركة ساكن ذائعة الصيت: " الجنقو مسامير الأرض ".
⁃
وهل حدث خطا طباعي ما في اسم حويصلة الدجاج العضلة، ولكنها لذيذة الطعم، لانها مكتوبة هكذا " قنقيتا " ؟ ام انها تنطق هكذا في سنار. على كل حال في كردفان يسمونها " ام قلينقيت " على وزن كلينكيت ، الذي هو ضرب من المدافع الصغيرة كما يقال.
⁃
اشار المولف الى نوع من قدور الطهي، تسبك من اسلاك الالومينيوم الكهربائية. وهي قدور كروية الشكل وسميكة الجدار، وتتحمل مختلف انواع المواقد و النيران و" اللدايا ". هذا النوع من الحِلل، يقال لها في غرب السودان " بَرَمَا " او " أم برما "، بفتح الباء والراء ، وكان يقال لها في السابق " تمبلباي " ، في اشارة الى انها كانت ترد لاول العهد بها من تشاد ربما.
⁃
ذكر المؤلف أن بعض اقاربه شخص اسمه الطاهر حنجور ، وحنجور هذا هو لقبه فقط. ولكنه هفا عندما فسر حنجور بانها نسبة للحنجرة وكناية عن جمال صوته. والحق هو ان الحنجور هو العنق الاسطع الجميل المستوي والطويل في غير افراط لا غير. وهو ما يكون عادة عند الشباب ذكورا واناثا. وقد استشهد العلامة عون الشريف قاسم في معرض شرح حنجور هذه في قاموسه بقول فتاة كردفانية تصف فتاها قائلة:
⁃
لقيتو في الفضاية. .. حنجورو قنقباية
⁃
والقنقباية هي عصا رشيقة وملساء ولدنة من الخيزران، يحملها الشبان استكمالا للفتوة والزينة.
⁃
ويكني بدو كردفان عن البندقية G3 في اغانيهم وأراجيزهم بحنجور بت بيلا. فلعل بنت بيلا هذه قد كانت امراة حسنة الجيد.
⁃
وعلى ذكر لهجة كردفان العربية، لاحظت ان المؤلف قد ذكر فعل " الكديب " وهو عذق الحشائش والاعشاب الضارة التي تحيط بالنبات المزروع، فتؤذيه وتؤثر على نموه وتشاركه الغذاء. والشاهد هو ان اهل كردفان يسمون ما يعرف بالكديب في وسط السودان والجزيرة والبطانة، يسمونه " الجنكاب " بجيم مفتوحة، واشتقوا منها الفعل: جنكب يجنكب وهي لعمري من غريب الفاظهم ذات الاصل الغامض في تقديرنا. وهل ترانا نبعد النجعة اذا التمسنا صلة ما بين كلمة جنكاب والفعل جنكب هذا ، واللفظة الانجليزي Junk بمعنى سقط متاع او النفايات، او ما لا قيمة له من الاشياء مثل عبارة Junk mail مثلا ؟.
⁃
اشار المؤلف الى بعض الالفاظ التي دخلت الى قاموس اهل سنار من لغة الهوسا مثل قدوقدو وباجنقو الخ. والحقيقة ان لغة هوسا قد ادخلت على العامية السودانية في تيارها العام ذاته، مجموعة من الالفاظ التي صارت جارية على كل لسان، مثل كلمة " دكوة " بمعنى عجينة الفول السوداني، و كذلك كلمة " مايقوما " لنوع معين من العطر ، وكذلك كاسماء احياء بعدد من مدن السودان. وبلغنا ان مايقوما بلغة هوسا معناها: ذو العشرة او صاحب العشرة، وهذا مبحث توسع فيه استاذنا وصديقنا البروفيسور الامين ابو منقة، بحكم تخصصه واطلاعه الواسع.
⁃
اورد المؤلف بعض الحكم والاقوال السائرة من قبيل: ادي اللقيمة
⁃
وعدي الكليمه
⁃
وزيل الصريمة
⁃
وآخر الليل اخد ليك قويمة
⁃
شوف أكان ما تبقى من اهل النهبمة
⁃
ولكنه نسب هذه الاقوال الى الشيخ فرح ود تكتوك. ولكننا سمعنا كثيرا من الناس ينسبها بالأحرى ، الى الشيخ محمد العبيد بدر ١٨١٠ - ١٨٨٤م. على ان كلا الرجلين قد اشتهرا بالحكمة. فالله اعلم اي ذلك كان !.
⁃
وختاماً يوقفنا المؤلف على اسم المطرب السناري سليمان محمود، الذي طالما سمعنا صوته دون ان نعرف اسمه، من خلال اثير اذاعة البيت السوداني بام درمان، رد الله أثيرها، من ضمن باقة من المطربين المشتركين في مشعلها الدعائي الشهير والثابت ، الذي ظل مستمرا لسنوات عديدة ، وهو يصدح قائلاً :
⁃
سنار أنا والتاريخ بدا من هنا
⁃
فهنيئا لسنار بابنها البار السفير نصر الدين، وشكرا له مجددا على هذه السياحة السردية المفيدة والممتعة.
على الرغم من أن نشاة المؤلف قد كانت في وسط حضري ، هو وسط مدينة سنار ذات التركيبة السكانية المدينية عموماً، رغم أنها متباينة الاعراق والثقافات واللغات واللهجات، الا اننا نلاحظ بوضوح، بروز نكهة لهجة عرب البقارة في لغة هذه المذكرات في اكثر من موضع منها. ولعل قضاء السفير نصر الدين فترة في اطار مشواره المهني بالعاصمة التشادية انجمينا، قد ساعدته على استدعاء عدد من الالفاظ والتعابير " البقارية " خصوصاً، وعربية غرب السودان وما وراءه بصفة عامة.
فمن ذلك مثلا، حرصه الواضح على استخدام ظرف المكان: " في لُب " بمعنى في وسط او في قلب او داخل الخ. وعلى الرغم ان التعبير في لب تعبير فصيح ولا غبار عليه، الا ان اللهجة السودانية في تيارها العام لا تستخدمه بل تقول بدلا عنه " في نص، في بطن ، جوة ، داخل " الخ.
هذا بالاضافة الى الفاظ الاخرى ذات النكهة التعيشية البقارية خصوصاً، او المنتمية لعربية غرب السودان عموما، متمثلة في كلمات مثل: متلاب بمعنى عجل صغير، وموريب نوع من القش شبيه بالبوص،والويكة السارا، والحنجور بمعنى العنق المستوي والجميل كانه زجاجة عصير كما غنى وردي، وقد اخطأ المؤلف في تفسيرها كما سوف نرى لاحقا، والقدوقدو، والباجنقو، وغيرها.
بالنسبة للقبائل والمجموعات العرقية التي استوطنت سنار وارتبطت هذه المدينة بها، لاحظت ندرة اشارة المؤلف الى اثنتين من تلك المجموعات، بل لعلهما اقدمها على الاطلاق، وبالتالي فمن المفترض ان تكون اولاها بالذكر كما نظن. واعني بذلك مجموعة الفونج اصحاب السلطنة انفسهم، وكذلك عشيرة اليعقوباب الذي ظلوا على ارتباط بسنار منذ بدايات تاسيسها في القرن السادس عشر، هذا على الرغم من ان اصولهم تعود الى منطقة كنور بولاية نهر النيل كما يقال.
اما بالنسبة لاسماء الاعلام الكثيرين ذوي الارتباط بسنار والحضور المؤثر فيها، الذين ذكرهم المؤلف، فالبرغم من عدم علمنا بالمعيار والمنهجية التي اتخذها هو لذكر العلم المعني، الا انني لاحظت مثلا، ان الطبيب الاختصاصي المشهور، والاستاذ الجامعي النابه، البروفيسور مامون حميدة وهو من هو شهرة على نطاق السودان، على الاقل خلال العقود الثلاثة المنصرمة، الا ان اسمه لم يرد في الكتاب ولا مرة واحدة، على الرغم من ان والده، وربما بعض اخوته واعمامه قد ذكروا فيه في اكثر من موضع.
استوقفني في حديث المؤلف عن ذكريات الصبا والشباب، وما يرتبط بهما عادة من شيطنة وعفرتة، قولهم انهم كانوا اذا شاهدوا فتاة جميلة تسير في مرافقة فتاة اخرى اقل منها جمالا، كانوا يعلقون في سخرية: " شن لمّ القمري مع السمبر ! ".
قلتُ: هل هي ظاهرة عامة، واستراتيجية مقصودة من الجميلات عموماً، تدعوهن الى مصادقة الفتيات الاقل جمالا منهن، وذلك حتى يظهر جمالهن، عملا بمقولة " والضد يظهر حسنه الضدُ " ؟.
وهل كانت " فلانة الواردة " والتي من المرجح انها قد كانت من الحسن بمكان، والتي اشير اليها مجرد اشارة في اوبريت مروي ، الذي ابدع فيه اداءً الاستاذ عبد الكريم الكابلي، قد تبنت ذات الاستراتيجية ؟ ذلك بانها قد وردت مع " حوّا " التي يبدو انها قد كانت متواضعة المستوى، بدليل ان الشاعر لم ير بأساً في ذكر اسمها ، بينما اخفى اسم فلانة ضنّاً به، وذلك اذ يقول:
شوف فلانة الواردة وحوّا
سكنت قلبي من جوا
واتغابت فوقو الخوة .. الخ
وخناماً ، نود التوقف للحظات مع بعض الجوانب اللغوية، وخصوصا تلك المرتبطة منها باللهجات السودانية المختلفة، وكذلك بعض ما ورد عليها من خارج الحدود وتبنته، مما عرض له المؤلف في هذا الكتاب.
⁃
الفعل قوقى يقوقي مثلما يصدح القمري ، ولكن المعنى مختلف. لان قوقى يقوقي والاسم منه هو المقوقاة كما اوردها الكاتب في السياق المعني ، عندما اشار الى قريب له كان يلقب ب " ابراهيم المقوقي الكلب " ، هذا الفعل معناه هنا: يحمل الطفل مربوطا على الظهر. وهي ممارسة موجودة من لدن دارفور شرقاً، والى المحيط الاطلسي وفي كافة بلدان افريقيا جنوب الصحراء، وهي موجودة ايضا في بعض بلدان المغرب العربي دون بلاد المشرق، ولا وجود لها من شمال كردفان غربا حتى البحر الاحمر شرقا مرورا بوسط السودان وشماله.
⁃
ذكر المؤلف من انواع الفواكه والخضروات التي كانت تنتجها جروف سنار وبساتينها في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، " البطيخ الروسمان ". وهو نوع من البطيخ شكله بيضاوي مستطيل افقيا، وقد كان هو السائد في محلات بيع الفواكه في العاصمة وغيرها من المدن بالمناطق النيلية الى قريب من نهاية الالفية الماضية، حتى ظهر بطيخ الشركة العربية للانتاج والانماء الزراعي الكروي الشكل ، الذي يبدو انه قد سحب البساط من الروسمان الذي قل المعروض منه بدرجة كبيرة كما يلاحظ ، بعد ان طغى عليه انتاج البطيخ الكروي الذي يشبه بطيخ غرب السودان عموما، مع اختلاف ان بطيخ كردفان معظمه ذو لب أبيض من الداخل، ولكنه مع ذلك حلو المذاق ايضا.
⁃
اشار المؤلف الى نوع محدد من انواع الويكة او البامية المجففة باسم " السارا ". وهذه الاسم معروف ومستخدم في كردفان ايضا. ويطلق على نوع من انواع الويكة كبيرة الحجم وطويلة وعليها خطوط ناتئة من الخارج، ولكنها ليست محبذة لانها كما يقال قليلة اللزوجة وتفلة او " ناتلة " لا طعم لها كما تصفها الوالدة متعها الله بالصحة والعافية، والتي كانت تحذرنا عند ارسالها لنا لكي نجلبها لها من السوق، ان تجنب الويكة السارا ، وان نشتري لها الويكة " ام كريشات "، اي القصيرة والغليظة المنبعجة الجوانب ، وتلك هي كريشاتها فيما نظن. اما لماذا اسموها سارا فبسبب تلك الخطوط الطويلة، التي تشبه شلوخ افراد قبيلة السارا التي تقطن جنوب تشاد حاليا، كما كان لها وجود في غرب بحر الغزال ايضا. وقد ذكرهم المطرب خليل اسماعيل رحمه الله في اغنية " نبيع الكُمبا " بقوله: يا عيال سارا .. الخ
⁃
لاحظت ان المؤلف يشير دائما للادام المصنوع من السمك المجفف باسم " كوركي "، وكذلك ذكره في مرة واحدة باسم " مرير "، بينما ان الاسم الاكثر شيوعا وانتشارا لهذا السمك المجفف وطبيخه ايضا في عموم السودان ، هو " الكجيك " بكاف مفتوحة وياء ممالة. هذا، وللكجيك حضور راسخ في شعر الشاعر المبدع الراحل الاستاذ خليل عجب الدور الهوّاري ، وفي رواية عبد العزيز بركة ساكن ذائعة الصيت: " الجنقو مسامير الأرض ".
⁃
وهل حدث خطا طباعي ما في اسم حويصلة الدجاج العضلة، ولكنها لذيذة الطعم، لانها مكتوبة هكذا " قنقيتا " ؟ ام انها تنطق هكذا في سنار. على كل حال في كردفان يسمونها " ام قلينقيت " على وزن كلينكيت ، الذي هو ضرب من المدافع الصغيرة كما يقال.
⁃
اشار المولف الى نوع من قدور الطهي، تسبك من اسلاك الالومينيوم الكهربائية. وهي قدور كروية الشكل وسميكة الجدار، وتتحمل مختلف انواع المواقد و النيران و" اللدايا ". هذا النوع من الحِلل، يقال لها في غرب السودان " بَرَمَا " او " أم برما "، بفتح الباء والراء ، وكان يقال لها في السابق " تمبلباي " ، في اشارة الى انها كانت ترد لاول العهد بها من تشاد ربما.
⁃
ذكر المؤلف أن بعض اقاربه شخص اسمه الطاهر حنجور ، وحنجور هذا هو لقبه فقط. ولكنه هفا عندما فسر حنجور بانها نسبة للحنجرة وكناية عن جمال صوته. والحق هو ان الحنجور هو العنق الاسطع الجميل المستوي والطويل في غير افراط لا غير. وهو ما يكون عادة عند الشباب ذكورا واناثا. وقد استشهد العلامة عون الشريف قاسم في معرض شرح حنجور هذه في قاموسه بقول فتاة كردفانية تصف فتاها قائلة:
⁃
لقيتو في الفضاية. .. حنجورو قنقباية
⁃
والقنقباية هي عصا رشيقة وملساء ولدنة من الخيزران، يحملها الشبان استكمالا للفتوة والزينة.
⁃
ويكني بدو كردفان عن البندقية G3 في اغانيهم وأراجيزهم بحنجور بت بيلا. فلعل بنت بيلا هذه قد كانت امراة حسنة الجيد.
⁃
وعلى ذكر لهجة كردفان العربية، لاحظت ان المؤلف قد ذكر فعل " الكديب " وهو عذق الحشائش والاعشاب الضارة التي تحيط بالنبات المزروع، فتؤذيه وتؤثر على نموه وتشاركه الغذاء. والشاهد هو ان اهل كردفان يسمون ما يعرف بالكديب في وسط السودان والجزيرة والبطانة، يسمونه " الجنكاب " بجيم مفتوحة، واشتقوا منها الفعل: جنكب يجنكب وهي لعمري من غريب الفاظهم ذات الاصل الغامض في تقديرنا. وهل ترانا نبعد النجعة اذا التمسنا صلة ما بين كلمة جنكاب والفعل جنكب هذا ، واللفظة الانجليزي Junk بمعنى سقط متاع او النفايات، او ما لا قيمة له من الاشياء مثل عبارة Junk mail مثلا ؟.
⁃
اشار المؤلف الى بعض الالفاظ التي دخلت الى قاموس اهل سنار من لغة الهوسا مثل قدوقدو وباجنقو الخ. والحقيقة ان لغة هوسا قد ادخلت على العامية السودانية في تيارها العام ذاته، مجموعة من الالفاظ التي صارت جارية على كل لسان، مثل كلمة " دكوة " بمعنى عجينة الفول السوداني، و كذلك كلمة " مايقوما " لنوع معين من العطر ، وكذلك كاسماء احياء بعدد من مدن السودان. وبلغنا ان مايقوما بلغة هوسا معناها: ذو العشرة او صاحب العشرة، وهذا مبحث توسع فيه استاذنا وصديقنا البروفيسور الامين ابو منقة، بحكم تخصصه واطلاعه الواسع.
⁃
اورد المؤلف بعض الحكم والاقوال السائرة من قبيل: ادي اللقيمة
⁃
وعدي الكليمه
⁃
وزيل الصريمة
⁃
وآخر الليل اخد ليك قويمة
⁃
شوف أكان ما تبقى من اهل النهبمة
⁃
ولكنه نسب هذه الاقوال الى الشيخ فرح ود تكتوك. ولكننا سمعنا كثيرا من الناس ينسبها بالأحرى ، الى الشيخ محمد العبيد بدر ١٨١٠ - ١٨٨٤م. على ان كلا الرجلين قد اشتهرا بالحكمة. فالله اعلم اي ذلك كان !.
⁃
وختاماً يوقفنا المؤلف على اسم المطرب السناري سليمان محمود، الذي طالما سمعنا صوته دون ان نعرف اسمه، من خلال اثير اذاعة البيت السوداني بام درمان، رد الله أثيرها، من ضمن باقة من المطربين المشتركين في مشعلها الدعائي الشهير والثابت ، الذي ظل مستمرا لسنوات عديدة ، وهو يصدح قائلاً :
⁃
سنار أنا والتاريخ بدا من هنا
⁃
فهنيئا لسنار بابنها البار السفير نصر الدين، وشكرا له مجددا على هذه السياحة السردية المفيدة والممتعة.