مقترحات للفاعلين الدوليين حول أزمة السودان
د. الشفيع خضر سعيد
24 June, 2024
24 June, 2024
د. الشفيع خضر سعيد
1
لن يختلف اثنان في أن الوضع الكارثي في السودان يزداد تفاقما ومأساوية كل يوم، ويقترب رويدا رويدا ليضحى مهددا حقيقيا يضع وجود البلاد وشعبها على المحك، خاصة في ظل حقيقة أن الطرفين المتحاربين لا يمتلكان الإرادة الذاتية للانصياع لنداءات وقف إطلاق النار ووقف تدمير البلاد، وفي ظل عجز القوى المدنية، حتى الآن، في التوافق حول رؤية موحدة لكيفية وقف الحرب ومنع تجددها وكيفية إدارة عملية سياسية تنتقل بالبلاد من دائرة الحرب إلى مربع السلام. ومن الواضح، أن المعاجات الدولية والإقليمية عاجزة حتى الآن، وعلى امتداد الفترة منذ ارتكاب جريمة الحرب في الخامس عشر من أبريل/نيسان 2023م، في التصدي لهذه الكارثة وشل الأيادي التي تسفك دماء السودانيين وتدمر بلدهم، مادامت هذه المعالجات لاتزال تغيب عنها، وعن الفاعلين الدوليين والإقليميين، الاستراتيجية الموحدة والضرورية لإعادة توجيهها بصورة خلاقة تجعل منها فعلا ملموسا ومؤثرا. وكنا في مقالنا السابق قد انتقدنا ظاهرة التنافس وعدم التنسيق بين الفاعلين الدوليين والإقليمين مما أسقط عن أجندتهم واجب صياغة هذه الاستراتيجية الموحدة وأصاب جهودهم لوقف الحرب في مقتل. وقلنا إن وضع هذه الاستراتيجية الموحدة يتطلب إنشاء منصة تنسيق دولية موحدة لجهود وقف الحرب وبسط السلام في السودان، مع توزيع واضح ومنطقي للمهام بين الأطراف الدولية والإقليمية المعنية. وفي هذا الصدد، يمكن للمبعوث الشخصي للأمم المتحدة أن يلعب دور المنسق الرئيسي في هذه المنصة بين جهود الاتحاد الأفريقي، ومنظمة الإيغاد، ومنبر جدة، وجامعة الدول العربية، ومبادرة دول الجوار، والإتحاد الأوروبي. وأشرنا إلى أن تمكين هذه المنصة الموحدة للقيام بدورها على النحو المطلوب، وحتى تنجح أي خطة تجترحها، فإنها تحتاج إلى دعم واسع وقوي من القواعدة الشعبية السودانية، كما تحتاج إلى تحديد الأولويات الصحيحة التي تهم الشعب. وشددنا على أن المدخل الصحيح، في اعتقادنا، لمعالجة الوضع الكارثي المتفاقم في السودان، وكأولوية قصوى اليوم، هو التصدي لملف الأزمة الإنسانية وضمان حماية المدنيين، مع التشديد على أن هذا الملف لا يقبل التسييس ولا المساومة، وينبغي ألا تكون المساعدات الإنسانية رهينة لدى الأطراف المتحاربة تستخدمها ككروت ضغط وسلاح في معركتها.
ولكن، يظل السؤال الرئيسي هو كيفية تحويل هذا الملف إلى فعل ملموس على أرض الواقع في ظل تعثر منبر جدة وتعنت الطرفين وخروقاتهما الدائمة لأي هدنة إنسانية وافقا ووقعا عليها؟ وكان هذا السؤال موضوع نقاش في حلقة نقاش مصغرة شارك فيها عدد من المهمومين بحال السودان، وطُرحت حياله بعض الأفكار والمقترحات، رأيت من المفيد تعميمها ومشاركتها القراء في مقال اليوم، وأوجزها في النقاط التالية:
النقطة الأولى: بالنظر إلى فشل ترتيبات المساعدة الإنسانية وحماية المحتاجين في السودان منذ اندلاع الحرب، نقترح أن تجتمع الجهات الدولية والإقليمية الفاعلة للاتفاق على أساليب جديدة، خارج الصندوق، أكثر فعالية في تلبية احتياجات الناس. ويمكن الاستفادة من تجارب طرائق المساعدة الإنسانية السابقة مثل عملية شريان الحياة، ومقترحات 2016-2017 لمساعدة ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق، مع أهمية إعادة النظر في المناهج المعمول بها حتى الآن، وإبتداع طرق جديدة للتسليم عبر الحدود، والتفتيش المشترك للمساعدات من قبل أطراف النزاع والداعمين الدوليين، ودعم أنشطة غرف الطوارئ، واستخدام التحويلات النقدية الإلكترونية، وغير ذلك من الطرائق.
إن النجاح في التعامل مع ملف المساعدات الإنسانية، إضافة إلى أنه سيقلل من حدة الكارثة المأساوية، فإنه يمكن أن يشكل مدخلا عمليا لوحدة القوى المدنية والسياسية المناهضة للحرب
النقطة الثانية: تعقد قيادات رفيعة المستوى وذات خبرة من المجتمع الدولي والإقليمي جلسات تفاوض مع قيادات عليا متنفذة في القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، كل على حدة والاتفاق بشكل ثنائي مع كل طرف بشأن خلق الممرات الآمنة وتوصيل المساعدات الإنسانية للسكان المدنيين، وذلك على أساس الاعتراف بحق كل طرف في السيطرة واشتراط موافقته على ممرات توصيل المساعدات. النقاط الجوهرية في هذا الاقتراح هي المشاركة على أعلى مستوى؛ لا يوجد شرط لاتفاق مشترك بين الطرفين المتحاربين؛ كفالة حق السيطرة؛ والدروس المستفادة من التجارب السابقة في توصيل المعونات الإنسانية.
النقطة الثالثة: إشراك وفود رفيعة المستوى من كل من القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، كل على حدة وبشكل منفصل في جلسات لتبادل الأفكار حول الدروس المستفادة من ترتيبات وقف إطلاق النار السابقة في السودان، مثل اتفاق وقف إطلاق النار في جبال النوبة، واتفاق نجامينا لوقف إطلاق النار الإنساني؛ وإتفاق أبيي وما إلى ذلك. وقد أبدى الخبراء الدوليون، من سويسرا والنرويج والمملكة المتحدة، الذين شاركوا في اتفاقيات تنفيذ تلك الترتيبات السابقة لوقف إطلاق النار استعدادهم للمشاركة في هذه الجلسات. وهذا من شأنه أن يمهد الطريق لمزيد من مفاوضات وقف إطلاق النار المثمرة عندما تكون الأطراف مستعدة للدخول في مفاوضات.
النقطة الرابعة: استخدام الإطار القانوني الدولي (مسؤولية الحماية) لتفعيل آليات حماية السكان المدنيين وحماية الممرات لضمان وصول المساعدات الإنسانية للمجموعات المدنية، وكذلك اتخاذ كل الإجراءات الوقائية لمنع حدوث إبادة جماعية وأي إنتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، بما في ذلك العنف الجنسي ضد النساء.
النقطة الخامسة: الدراسة الجدية لاحتمال فرض وقف إطلاق النار الفني والحفاظ عليه، وذلك وفق الآليات المعمول بها إقليميا ودوليا وفي إطار القانون الدولي.
النقطة السادسة: تقديم كل الدعم الممكن للقوى المدنية السودانية لمضاعفة جهودها لتقليل الاستقطاب العرقي
والاجتماعي والسياسي.
النقطة السابعة: المساعدة في خلق أجواء ملائمة لانخراط القوى المدنية السودانية في عملية سياسية شاملة ذات طبيعة تأسيسية للدولة السودانية، على أن تكون من تصميم وإدارة وقيادة القوى المدنية السودانية، بعيدا عن أي تدخلات خارجية.
النقطة الثامنة والأخيرة: إن النجاح في التعامل مع ملف المساعدات الإنسانية، إضافة إلى أنه سيقلل من حدة الكارثة المأساوية، فإنه يمكن أن يشكل مدخلا عمليا لوحدة القوى المدنية والسياسية المناهضة للحرب، ومدخلا ملائما لانطلاق العملية السياسية.
نقلا عن القدس العربي
1
لن يختلف اثنان في أن الوضع الكارثي في السودان يزداد تفاقما ومأساوية كل يوم، ويقترب رويدا رويدا ليضحى مهددا حقيقيا يضع وجود البلاد وشعبها على المحك، خاصة في ظل حقيقة أن الطرفين المتحاربين لا يمتلكان الإرادة الذاتية للانصياع لنداءات وقف إطلاق النار ووقف تدمير البلاد، وفي ظل عجز القوى المدنية، حتى الآن، في التوافق حول رؤية موحدة لكيفية وقف الحرب ومنع تجددها وكيفية إدارة عملية سياسية تنتقل بالبلاد من دائرة الحرب إلى مربع السلام. ومن الواضح، أن المعاجات الدولية والإقليمية عاجزة حتى الآن، وعلى امتداد الفترة منذ ارتكاب جريمة الحرب في الخامس عشر من أبريل/نيسان 2023م، في التصدي لهذه الكارثة وشل الأيادي التي تسفك دماء السودانيين وتدمر بلدهم، مادامت هذه المعالجات لاتزال تغيب عنها، وعن الفاعلين الدوليين والإقليميين، الاستراتيجية الموحدة والضرورية لإعادة توجيهها بصورة خلاقة تجعل منها فعلا ملموسا ومؤثرا. وكنا في مقالنا السابق قد انتقدنا ظاهرة التنافس وعدم التنسيق بين الفاعلين الدوليين والإقليمين مما أسقط عن أجندتهم واجب صياغة هذه الاستراتيجية الموحدة وأصاب جهودهم لوقف الحرب في مقتل. وقلنا إن وضع هذه الاستراتيجية الموحدة يتطلب إنشاء منصة تنسيق دولية موحدة لجهود وقف الحرب وبسط السلام في السودان، مع توزيع واضح ومنطقي للمهام بين الأطراف الدولية والإقليمية المعنية. وفي هذا الصدد، يمكن للمبعوث الشخصي للأمم المتحدة أن يلعب دور المنسق الرئيسي في هذه المنصة بين جهود الاتحاد الأفريقي، ومنظمة الإيغاد، ومنبر جدة، وجامعة الدول العربية، ومبادرة دول الجوار، والإتحاد الأوروبي. وأشرنا إلى أن تمكين هذه المنصة الموحدة للقيام بدورها على النحو المطلوب، وحتى تنجح أي خطة تجترحها، فإنها تحتاج إلى دعم واسع وقوي من القواعدة الشعبية السودانية، كما تحتاج إلى تحديد الأولويات الصحيحة التي تهم الشعب. وشددنا على أن المدخل الصحيح، في اعتقادنا، لمعالجة الوضع الكارثي المتفاقم في السودان، وكأولوية قصوى اليوم، هو التصدي لملف الأزمة الإنسانية وضمان حماية المدنيين، مع التشديد على أن هذا الملف لا يقبل التسييس ولا المساومة، وينبغي ألا تكون المساعدات الإنسانية رهينة لدى الأطراف المتحاربة تستخدمها ككروت ضغط وسلاح في معركتها.
ولكن، يظل السؤال الرئيسي هو كيفية تحويل هذا الملف إلى فعل ملموس على أرض الواقع في ظل تعثر منبر جدة وتعنت الطرفين وخروقاتهما الدائمة لأي هدنة إنسانية وافقا ووقعا عليها؟ وكان هذا السؤال موضوع نقاش في حلقة نقاش مصغرة شارك فيها عدد من المهمومين بحال السودان، وطُرحت حياله بعض الأفكار والمقترحات، رأيت من المفيد تعميمها ومشاركتها القراء في مقال اليوم، وأوجزها في النقاط التالية:
النقطة الأولى: بالنظر إلى فشل ترتيبات المساعدة الإنسانية وحماية المحتاجين في السودان منذ اندلاع الحرب، نقترح أن تجتمع الجهات الدولية والإقليمية الفاعلة للاتفاق على أساليب جديدة، خارج الصندوق، أكثر فعالية في تلبية احتياجات الناس. ويمكن الاستفادة من تجارب طرائق المساعدة الإنسانية السابقة مثل عملية شريان الحياة، ومقترحات 2016-2017 لمساعدة ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق، مع أهمية إعادة النظر في المناهج المعمول بها حتى الآن، وإبتداع طرق جديدة للتسليم عبر الحدود، والتفتيش المشترك للمساعدات من قبل أطراف النزاع والداعمين الدوليين، ودعم أنشطة غرف الطوارئ، واستخدام التحويلات النقدية الإلكترونية، وغير ذلك من الطرائق.
إن النجاح في التعامل مع ملف المساعدات الإنسانية، إضافة إلى أنه سيقلل من حدة الكارثة المأساوية، فإنه يمكن أن يشكل مدخلا عمليا لوحدة القوى المدنية والسياسية المناهضة للحرب
النقطة الثانية: تعقد قيادات رفيعة المستوى وذات خبرة من المجتمع الدولي والإقليمي جلسات تفاوض مع قيادات عليا متنفذة في القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، كل على حدة والاتفاق بشكل ثنائي مع كل طرف بشأن خلق الممرات الآمنة وتوصيل المساعدات الإنسانية للسكان المدنيين، وذلك على أساس الاعتراف بحق كل طرف في السيطرة واشتراط موافقته على ممرات توصيل المساعدات. النقاط الجوهرية في هذا الاقتراح هي المشاركة على أعلى مستوى؛ لا يوجد شرط لاتفاق مشترك بين الطرفين المتحاربين؛ كفالة حق السيطرة؛ والدروس المستفادة من التجارب السابقة في توصيل المعونات الإنسانية.
النقطة الثالثة: إشراك وفود رفيعة المستوى من كل من القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، كل على حدة وبشكل منفصل في جلسات لتبادل الأفكار حول الدروس المستفادة من ترتيبات وقف إطلاق النار السابقة في السودان، مثل اتفاق وقف إطلاق النار في جبال النوبة، واتفاق نجامينا لوقف إطلاق النار الإنساني؛ وإتفاق أبيي وما إلى ذلك. وقد أبدى الخبراء الدوليون، من سويسرا والنرويج والمملكة المتحدة، الذين شاركوا في اتفاقيات تنفيذ تلك الترتيبات السابقة لوقف إطلاق النار استعدادهم للمشاركة في هذه الجلسات. وهذا من شأنه أن يمهد الطريق لمزيد من مفاوضات وقف إطلاق النار المثمرة عندما تكون الأطراف مستعدة للدخول في مفاوضات.
النقطة الرابعة: استخدام الإطار القانوني الدولي (مسؤولية الحماية) لتفعيل آليات حماية السكان المدنيين وحماية الممرات لضمان وصول المساعدات الإنسانية للمجموعات المدنية، وكذلك اتخاذ كل الإجراءات الوقائية لمنع حدوث إبادة جماعية وأي إنتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، بما في ذلك العنف الجنسي ضد النساء.
النقطة الخامسة: الدراسة الجدية لاحتمال فرض وقف إطلاق النار الفني والحفاظ عليه، وذلك وفق الآليات المعمول بها إقليميا ودوليا وفي إطار القانون الدولي.
النقطة السادسة: تقديم كل الدعم الممكن للقوى المدنية السودانية لمضاعفة جهودها لتقليل الاستقطاب العرقي
والاجتماعي والسياسي.
النقطة السابعة: المساعدة في خلق أجواء ملائمة لانخراط القوى المدنية السودانية في عملية سياسية شاملة ذات طبيعة تأسيسية للدولة السودانية، على أن تكون من تصميم وإدارة وقيادة القوى المدنية السودانية، بعيدا عن أي تدخلات خارجية.
النقطة الثامنة والأخيرة: إن النجاح في التعامل مع ملف المساعدات الإنسانية، إضافة إلى أنه سيقلل من حدة الكارثة المأساوية، فإنه يمكن أن يشكل مدخلا عمليا لوحدة القوى المدنية والسياسية المناهضة للحرب، ومدخلا ملائما لانطلاق العملية السياسية.
نقلا عن القدس العربي