مواكب الأمهات والآباء، ثم ماذا بعد … بقلم: عبد القادر محمد أحمد المحامي 

 


 

 

مبادرة الأمهات والآباء تحت شعار "كلنا معكم"، فكرة رائعة وموفقة وجدت إستجابة كبيرة تشهد عليها مسيرات السادس والعشرين من فبراير، التي تجاوب معها الثوار بصورة أكدت التواصل النفسي بينهم والأمهات والآباء.


فإذا وقفنا أمام حقيقة أن معظم الأمهات والآباء أعضاء في مختلف الكيانات المدنية، يبقى المطلوب أن يتطور هذا التواصل الي عمل مشترك وتعاون متواصل في مواجهة الإنقلاب في جانبيه الحراكي التظاهري والسياسي، بما يؤدي لتطوير وتسريع الخطى نحو الخروج من الأزمة، ويبدو أن هذا ما هدفت إليه المبادرة، فبدون ذلك  سينحصر أثرها  في الإطار الأبوي العاطفي، فتخبو كما خبت غيرها من المبادرات.


تحفظات الشباب تجاه سلوك وممارسات بعض القوى المدنية خاصة الحزبية، مفهومة، لكن علينا مراجعة أن يكون رد الفعل هو العزل والقطيعة، فجميعنا في حاجة مستمرة لإعادة تقييم مواقفنا على ضوء ما يحدث من مستجدات، فإذا كان الشباب قد اسقطوا حكومة البشير بشجاعتهم السلمية، فالأمور الآن وصلت مرحلة مختلفة في غاية التعقيد عما كانت عليه آخر أيام البشير، يصعب على الشباب مواجهتها لوحدهم، فعلى المستوى الخارجي يجد الإنقلاب الدعم العلني من بعض القوى الخارجية الإقليمية والدولية، وعلى المستوى الداخلي، ورغم الخلافات بين مكونات الإنقلاب، لكن جميعها تقف ضد التحول المدني وتسعى لوأد الثورة.


كذلك فإن الأوضاع الإقتصادية والمعيشية وصلت مرحلة قاسية، والكثير من الشباب أجبرتهم الظروف لمغادرة البلاد، بعضهم التحق بجامعات وبعضهم هائم على وجهه، وتعامل النظام مع الأزمة يوضح أنه يلعب على عنصر الوقت، فهو يفتقر للنزعة الوطنية التي تجعله يخاف على البلاد ومصير أبنائها. كما يجب الإقرار بتضافر جملة اسباب إلى جانب الحراك الثوري، عجلت بسقوط البشير، منها أنه أصبح مرفوضاََ من قبل الخارج.


لا أقول كل ذلك تخذيلاََ فالانقلابيين بدورهم يعانون من جملة تعقيدات ومخاوف، لكن المقصود هو تجاوز الخلافات ليمضي الحراك الثوري بحسابات موضوعية مختلفة، تحتم العمل الجماعي مع كل الكيانات التي تقف ضد الإنقلاب وتحرص على التحول المدني، ليحصل التزاوج بين مقدرات وخبرات الشباب في جانب الحراك التظاهري، وعلاقات وخبرات الشيوخ في جانب الحراك السياسي، في وقت أصبح فيه الحراك السياسي الخارجي والداخلي، لا يقل أهمية عن حراك التظاهرات.


في تقديري أن تفعيل ذلك يتطلب وجود جسم قيادي مشترك لمرحلة ما قبل وما بعد إسقاط الإنقلاب، يتم تشكيله من الثوار وممثلين للكيانات صاحبة المبادرة وكل من إنضموا لها لآحقاََ، ويظل الباب مفتوحاََ للجميع،  وتاتي أهمية الجسم القيادي كخطوة عملية لجمع الصف الوطني، ولتبني برنامج سياسي موحد للمرحلتين، وكمنبر إعلامي موحد يعكس للداخل والخارج أهمية مقاومة الإنقلاب، وليكون متحدثاََ ومفاوضاََ بإسم كل كياناته متى ما دعى الحال.


إن إنتقاد تجربة الانتقال السابقة أمر ضروري لتحسين المسار، فهناك ما يمكن قوله في حق الشباب وما يمكن قوله في حق الشيوخ، لكن ذلك لا يعني القطيعة ما دام يجمع بينهم الحرص على الإنتقال المدني، فيصبح الكيان المشترك فرصة للنقد الايجابي وتجنب تكرار الأخطاء .


هناك كيانات بعض أعضائها أطراف في هذه المبادرة، وهي تعمل على التوفيق بين عدة مبادرات أخرى ، وهذا يصب في ذات الإتجاه الذي دفعت فيه لجان المقاومة بولاية الخرطوم، بميثاق سياسي، وهي خطوة تحمد للجان المقاومة طالما كان الميثاق مقترح قابل للنقاش والتعديل، فذلك بدوره يتطلب وجود جسم مشترك يمثل الجميع.


ومهما كان من أمر المكون العسكري، فيجب التحسب لامكانية تغير موقف بعض أفراده، فكل شيء وارد في عالم السياسة، بما يتطلب وجود جسم قيادي جاهز يتولى عملية التفاوض.


وإذا كانت التجارب السابقة مع الانقلابيين وما يفعلونه اليوم، تبرر  قفل الباب أمام تكرار الدخول معهم في شراكة انتقالية، فهذا لا يتناقض والدخول في حوار بهذا الفهم الواضح، فالحوار لا يعني الرغبة في الدخول في الشراكة مع المكون العسكري،


وإذا كان واقع الحال يقول بأن دعوات الحوار التي يطلقها السادة برهان وحميدتي، تفتقر للمصداقية، لكن السكوت عليها ليس صحيحاََ، فهي غالباً ما تأتي كمناورة تهدف للكسب السياسي في ظل تشتت الكيانات الثورية وشعار لا تفاوض، والحراك الثوري في حاجة ماسة لكسب المعارك السياسية، خصوصا خارجياََ، وهنا أيضاََ تأتي أهمية الجسم القيادي المشترك.


إن تشكيل الجسم القيادي لا يحول دون إستمرار قيادات وتنسيقيات لجان المقاومة كما هي، وسيظل الحراك التظاهري  أهم وسائل مقاومة الإنقلاب، لكن تسيير المواكب نحو القصر الجمهوري في ظني، لا يحمل اي مدلول يساوي حجم التضحيات وظهور ما يسمى بملوك الاشتباك وغاضبون، بما يتناقض وشعارات السلمية، ومن الطبيعي أن تعمل عدة جهات على شيطنة الحراك السلمي، وهذا ما يجب الإنتباه له.

إن التحرش بالمواكب السلمية، وما يحدث من عنف وقتل، يجب ألا يمر كفعل إعتدنا عليه، بل يجب التركيز على فضحه إعلاميا في الداخل والخارج، كمسئولية تقع على الانقلابيين وأنصارهم في المقام الأول، كما يجب ملاحقة ومعرفة من يقومون به، ووجود الجسم القيادي المشترك بدوره يساعد في ذلك، كما يشكل الجسم رابط ومظلة لكل لجان المقاومة وكل القوى المدنية.


أخيرا،، ما قصدت إلا ما أعتقده صواباََ، فإن لم يكن، فهو قابل للتصويب.


abdalraheemkondi2020@gmail.com

 

آراء