موبقات المفاوضات مع الانقلابيين (2-3): مقاومو الانقلاب..  بين الخوف ورفض التفاوض 

 


 

 

في مستهل هذه الحلقة أجد نفسي بحاجة لتقديم إعتذار نسبة لإضافة حلقة خصصتها لموقف المجموعات المقاومة للإنقلاب من مسألة التفاوض مع الإنقلابيين، ولتجنب إطالة الحلقة فقد رأيت أن تصبح حلقة قائمة بذاتها على أن تخصص الحلقة ثالثة بإذن الله تعالي لإستعراض ما أطقلت عليه (موبقات) التفاوض بشكل مفصل، وهذا إعتذار واجب لكل المتابعين والمتابعات.


خلصنا في الحلقة الأولي إلي أن المعطيات الداخلية السودانية بجانب التوجهات الخارجية لبعض أطراف الإنقلاب بالتحالف مع روسيا والترحيب بإنشاء قاعدة عسكرية لها على البحر الأحمر وتصاعد مؤشرات عودة النظام المباد وعناصره مجدداً مثلت العامل الأساسي لإعادة الأطراف الإقليمية التحرك السريع لتجنيب البلاد الوقوع في سيطرة النظام المباد أو إنهيارها وإنزلاقها في اتون حرب داخلية بالعمل على تجنب هذين المسارين عن طريق إستعادة إستكمال الإنتقال بالتوصل لمنطقة وسطي وهو ما يستوجب على قوى الثورة تجنب أي موبقات يترتب عليها تأسيس أوضاع مختلفة ستنفجر بعد سنوات كما حدث مع الوثيقة الدستورية أو بعد أشهر كما حدث لإتفاق 21 نوفمبر 2021م.


تبدو المعضلة الأساسية أمام مسار أي مفاوضات هي المخاوف والمزلاق المرتبطة باي عملية تفاوض مع المكون العسكري خاصة أن التجارب السابقة معه ظلت حصيلتها على الدوام كارثية جراء عدم الإلتزام والنكوص المستمر، إلا أن التخوف الأساسي يتمثل في شبح إتفاق 21 نوفمبر 2021م حينما وجد رئيس الوزراء المستقيل دكتور عبدالله حمدوك في عاصفة الغضب الشعبي جراء توقيعه على ذلك الإتفاق وما زاد الأوضاع سواء أن الإنقلابيين تعمدوا إحراجه بشكل ممنهج من خلال الإجراءات القمعية الأوحادية على رأسها المرسوم الخاص بمنح القوات النظامية سلطات وصلاحيات حصرية بخلاف الإفراط في قمع المتظاهرين والقتل المباشر لهم، من الواضح أن ذلك المسلك هدف لإجبار حمدوك على الإستقالة وهذا ما حدث فعلاً بعد شهر ونصف من توقيع ذلك الإتفاق.


من الواضح أن حصيلة تجربة العمل المشترك مع العسكريين الساسة الذين تصدروا المشهد بعد إسقاط النظام المباد في 11 أبريل 2019م وحتى إنقلابهم في 25 أكتوبر 2021م كانت وخيمة ومؤلمة ودموية ونتيجة لهذا المسلك تأثرت الشراكة والإنتقال وتعثرت حتى سقوطها في 25 أكتوبر الماضي. النتيجة الأساسية للمسلك التربصي للشركاء العسكريين كان الإحراج والإنهاك للتيار الذي قدم نفسه بشكل برغماتي متجاوزاً للمرارات وراغب في التعامل مع العسكريين الساسة بغرض العبور الآمن للمرحلة الإنتقالية وتعرضوا في سبيل ذلك الموقف لحملات تشهير من كل حدب وصوب فشركاءهم الذين قبلوا هم الشراكة معهم -أي العسكريين الساسة- يتعمدون إضعافهم بالعديد من الأساليب والطرق ويوفر بعضهم دون أدني حرج كل الحماية لمنسوبي النظام المباد وفي ذات الوقت فإن عناصر النظام المباد إستخدمت كل الأسلحة في حرب شعواء على المكون المدني الشريك وبالتوازي مع ذلك صعد المعترضين على الشراكة سراً ثم علناً الخطاب التجريمي والتخوين لذلك الشق المدني المنخرط في الشراكة، وإزاء الإنتقادات التي طالتهم من كل حدب وصوب ما عاد في جسد المجموعة المدنية المنخرطة في الشراكة إلا وفيه موضع من طعنة شريك أو سهام آخرين ممن حسبوهم معهم.


على المستوي المرحلي فإن ذلك الإنهاك والإرهاق صب لمصلحة الشركاء من العسكرين الساسة بإعتباره أضعف شريكهم في المدني في الحكم، إلا أن تلك الرؤى إفتقدت النظرة المستقبلية فذلك التيار المنخرط في الشراكة بات شعبياً أقل تأثيراً في مقابل صعود تيار مناهض له يتأسس موقفه بشكل أساسي على إبعاد وأخراج العسكريين الساسة من المشهد السياسي بشكل كامل، وأثبتت الأيام لاحقاً بعد إنقلاب 25 أكتوبر خطأ الرهان على القوة المادية والعنف لفرض الأمر الواقع فوق رؤوس الجميع، وبات واضحاً أن المخرج من إنقلاب 25 أكتوبر وتداعياته تحتاج لحوار يحقق عدة نتائج على رأسها إخراج العسكريين الساسة منها بأقل الخسائر وبما يحفظ ماء وجههم ودون إجبراهم على التوقيع على وثيقة إستسلام أو اللجوء لخوض معركة خاسرة بأعداد أكبر للضحايا وقتها فإن فرص الوصول لتسوية ستتقلص وتتناقص حتى تصل مرحلة الإنعدام الكامل.


نشهد في الوقت الراهن حالة إنكماش وتردد تعيشها الأطراف التي قبلت التعاطي مع العسكريين الساسة بمفهوم إعلاء المصلحة العامة -سواء كانت مجموعة المجلس المركزي للحرية والتغيير وحمدوك- بسبب جنيها لنقمة شعبية شديدة عليهم نتيجة توصلهم لتفاهمات سابقة مع العسكريين الساسة، وهذا ما جعلهم في الوقت الراهن أكثر حذراً وخوفاً وتردداً تجاه أي مساعي لحل سياسي ينهي الإنقلاب رغم قناعة أطرافها بوجوب البحث عن هذا الحل ومن المؤكد أنه ليس العودة لما كان قبل الإنقلاب، ولذلك لم يكن مستغرباً مفارقتها لتصورتها المرنة وإنتقالها لتبني مواقف أكثر تطرفاً جراء مآلات تلك التجربة.


رغم ما ذكرناه سابقاً فإن الإطراف التي قبلت الشراكة كتحالف حاكم ممثلاً في المجلس المركزي للحرية والتغيير أو حمدوك هم الإقرب لعوامل عديدة للقيام بذات الأمر مجدداً بالوصول لحل سياسي للواقع الراهن والبحث عن مخرج ينهي إنقلاب 25 أكتوبر، ومن المؤكد بأنهم لتحقيق هذا المسعي سيجدوا تشجيعا من الأطراف الإقليمية والدولية القلقة من نتائج إستمرار الأوضاع الراهنة بالبلاد وفي ذات السياق سيجد العسكريون الساسة أنفسهم أمام الحقيقة التي تجنبوا الإعتراف بها بأن فرص التحاور مع المجموعة التي إنقبلوا عليها يظل هو الإقرب مقارنة ببقية الأطراف وسيكون الفرق هذه المرة بأنهم مطالبين لتقديم تنازلات كبيرة للغاية تجعل الذين يفاوضنهم هذه المرة ينالوا مكاسب تحقق رضي التيار المقاوم للإنقلاب وتمكنهم من إستعادة أراضيهم التي فقدوها بسبب نتائج الإتفاقيات التي أبرموها مع المكون العسكري في الوثيقة الدستورية أو إتفاق 21 نوفمبر 2021م، وتجنبهم في ذات الوقت الدخول في شد وجذب مع الشارع عموماً ولجان المقاومة على وجه الخصوص وتخوينهم مجدداً من قبل الشارع ولجان المقاومة.


يمتلك هذا التيار ميزة لصالحه وهو تمتعه بصلات إقليمية ودولية مع الأطراف الفاعلة بما في ذلك أطراف المحاور المتباينة بالمنطقة، ولذلك فإن حجم العلاقات والصلات تلك يمكن توظيفه من قبلها لتعزيز مطالبها ومواقفها من ناحية وبث رسائل تطمين للأطراف الإقليمية والدولية من ناحية أخرى التي تتقاطع معها في العديد من القضايا ذات الطابع السياسي وعلى رأسها تفكيك النظام المباد وتعزيز التعاون مع الجوار الإقليمي، وإقتصادياً بالإستمرار في الإصلاحات الإقتصادية والإندماج في الإقتصاد العالمي. ولعل هذه الميزات التفضيلية هي أحد الأسباب الرئيسية التي تجعل المكون العسكري يستمر في إستهداف والتضييق على قيادات هذا التيار وإستهدافهم بالإعتقالات منذ فجر إنقلابه وحتى الان.


على الضفة الأخرى نجد أطراف سياسية أخرى أبرزها الحزب الشيوعي تعتبر المسرح الراهن هو السانحة المناسبة لعزل القوى السياسية التي ينعتها بـ"قوى الهبوط الناعم" وهو ما يجعله فعلياً في الوقت الراهن في وضعية سياسية الأكثر تأيراً خاصة وسط الفاعلين بلجان المقاومة، ولذلك فإن تصورات ورؤى الحزب وقياداته من الواضح أنها تعتبر الوضع الحالي هو السانحة التاريخية للحزب لإعادة تشكيل ورسم راهن ومستقبل البلاد سياسياً وإقتصادياً وإجتماعياً عن طريق تأثيره ونفوذه الكبير في تشكيل مؤسسات إنتقال سواء كانت بالمجالس التشريعية أو الأجهزة التنفيذية على رأسها الحكومة ورئيس الوزراء وحكام الإقاليم والولايات والمفوضيات التي سيتم تشكيلها بعد هزيمة الإنقلاب.


خلاصة هذا التصور سيفضي لإحداث تغيير جذري في كل التركيبة السياسية والإقتصادية والإجتماعية عموماً وعلى الصعيد السياسي على وجه الخصوص فالإسلاميين وحلفاءهم حتى 11 أبريل ثم المجموعات المدنية المشاركة بالسلطة حتى 25 أكتوبر بما في ذلك الحركات الموقعة على إتفاق سلام جوبا والعسكريين الساسة جميعهم سيكونوا خارج المشهد، والذي سيقتصر فعلياً على الحزب الشيوعي ولجان المقاومة والحركة الشعبية بقيادة الفريق عبدالعزيز الحلو وحركة وجيش تحرير السودان بقيادة الأستاذ عبدالواحد محمد نور.


تلاحظ أن الحزب الشيوعي سارع لإعلان رفضه عودة رئيس الوزراء المستقيل دكتور عبدالله حمدوك وقد يعتبر البعض ان مصدر عدم ترحيب الشيوعي بتلك العودة ترتكز بشكل أساسي للخلاف العميق بين الطرفين نتيجة مضي حمدوك قدماً في تطبيق وصفته الإقتصادية التي يعاديها الشيوعي من منطلق مبدئي وظل يعرقل تنفيذها من خلال وجوده باللجنة الإقتصادية بقوى الحرية والتغيير بجانب المجموعات الإشتراكية الأخرى وأبرزهم حزب البعث الأصل، ومثل تطبيق تلك الإجراءات الإقتصادية الخط الفاصل بين الشيوعي والحرية والتغيير وطيلة تلك الحقبة ظل الحزب حاضراً وفاعلاً بالحرية والتغيير وحريصاً علي وحدتها وإنتقد خلال تلك الفترة قرار حزب الأمة في أبريل 202م بتجميد عضويته بالحرية والتغيير بإعتباره إضعافاً للتحالف الحاكم ولا يراعى وجود مهددات للمرحلة الإنتقالية، إلا أن الشيوعي قام لاحقاً في نوفمبر 2020م بإعلان خروجه الرسمي من الحرية والتغيير.


في تقديري أن مسارعة الشيوعي لرفض عودة حمدوك لا يقتصر على الخلاف على الرؤي الإقتصادية بين الطرفين لكنه أعمق من ذلك، فعودة حمدوك أو التوصل لحل سياسي وإن أفضي لتفكيك الإنقلاب وإعلان هزيمته -وذاك مبتغي الحراك المقاوم له- فإن ذلك سيفضي بشكل مباشر لعرقلة تصوره الخاص لإعادة تشكيل الواقع وتغييره جذرياً، وفي حال نجاح تلك المساعي السياسية في هزيمة الإنقلاب فسيترتب عليه فك الحصار النفسي والمعنوي والسياسي المضروب على بعض أو كل الأطراف التي تم تخوينها بسبب شراكتها مع العسكريين الساسة حتى إنقلاب 25 أكتوبر، وللحيلولة دون حدوث هذا الإفتراض فمن الأفضل قطع الطريق على هذا المسار وترك الحال على ما هو عليه، على الرغم أن التقييم الواقعي لأي إجراء سياسي محكوم بمحتواها ونتائجه على أرض الواقع.


لكن بخلاف ما ذكرنا سابقاً فإن مساعي وتحركات الشيوعي لإعادة تشكيل المشهد بالبلاد وهيمنته عليها بشكل مباشر أو غير مباشر لن تمر بشكل سلس أو دون صعوبات، فعلى المستوي الداخي يستهدف هذا التصور القوي السياسية باليمين والوسط وجزء من اليسار وقوى تصنف بأنها تقليدية وأخرى حديثه وجهات سياسية تصنف قومية ومناطقية ومجموعات مدنية وأخرى عسكرية. أما خارجياً فإن أطراف العديد من الأطراف الإقليمية والدولية التي يسارع الشيوعي بإنتقادها تبادره ذات مشاعر عدم الإرتياح وستعمل بكل الطرق لإعاقة سيطرته على المشهد، وبالنسبة للأطراف الإقليمية الأخرى التي لا توجد درجة عداء بينها والشيوعي فإنه لا يعتبر الخيار الوحيد أو المفضل أو المتوافق معها أيدولوجياً حتى تجعل من تحالفها معه هو الخيار النموذجي في ظل تواجد خيارات وبدائل وأطراف أخرى بالساحة السياسية السودانية يمكن التوصل معها لتفاهمات وقواسم مشتركة.


ما أوردناه سابقاً يمثل تحليل عام لتصور ورؤى ومخاوف الحزب الشيوعي تجاه معطيات الواقع السياسي الحالي لفترة مقاومة الإنقلاب وما بعده وتصوراته لمسألة التوصل لحل سياسي يعيد الأطراف السياسية التي خرجت من المشهد عقب إنقلاب 25 أكتوبر، بجانب التحديات الداخلية والخارجية التي قد تؤثر سلباً على تصوره الخاص بإعادة تشكيل الواقع العام بالبلاد. لعل جميع هذه المعطيات تجعل الإطار الأفضل وهو تحقيق تلك الأهداف عن طريق السيطرة على لجان المقاومة او نسج تحالف معها.


ظلت لجان المقاومة صاحبة أدوار في اللحظات المفصلية للثورة السودانية ورغم عدم ظهورها في سطح الأحداث خلال ثورة ديسمبر 2018م وحتي 11 أبريل 2019م لكنها ظهرت لاحقاً بشكل أوسع في ميادين الإعتصام وتنامي دورها بشكل كبير ابان التعبئة في مواجهة المجلس العسكري عقب جريمة فض الإعتصام في 3 يونيو 2019م ومثلت القيادة الميدانية والإعلامية في التعبئة الفاصلة في 30 يونيو 2019م.


منذ التوقيع على الإعلان السياسي (يوليو 2019م) ثم الوثيقة الدستورية (أغسطس 2019م) تلاحظ تنامي تيار رافض لمسألة إقرار الشراكة مع المكون العسكري بإعتبارهم المسؤولين عن جريمة فض الإعتصام في 3 يونيو 2019م وتوترت علاقتهم بالقوي السياسية في أعقاب إعتراضهم على منهج الإختيار للتعينات للوظائف التي أعتبروها قائمة على أساس المحاصصة الحزبية. رغم ذلك فإن التوجه العام داخل لجان المقاومة كان متعاطفاً وداعماً لرئيس الوزراء دكتور عبدالله حمدوك ولعل مصدر ذلك التعاطف والدعم نابع من نقطتين أساسيتين أولهما إستقلالية حمدوك عن الأحزاب وثانيهما إستيفائه لشرط الكفاءة المهنية وهذين الشرطين هما أساس تصور السواد الأعظم من منسوبي لجان المقاومة لشغل المواقع في المرحلة الإنتقالية.


خلال الفترة التي سبقت إنقلاب 25 أكتوبر فإن لجان المقاومة ظلت رافضة لمبدأ المحاصصات السياسية في تعينات الوظائف وظلت تضغط من أجل جعلها أكثر شفافية ووصلت حواراتها مع الأطراف السياسية لنقطة مسدودة في ما يتعلق بتكوين المجلس التشريعي الإنتقالي وتمثيلها فيه وفاقم من وقع خلافاتها مع الحرية والتغيير إتهام الأحزاب الحاكمة وقتها بالسعي للسيطرة على لجان المقاومة وهو أمر إضافي زاد من حنق منسوبي لجان المقاومة على الأحزاب السياسية وكوادرها.


مثلت لجان المقاومة حجر الزاوية في التصدي ومواجهة إنقلاب 25 أكتوبر فور حدوثه ونجحت في سد الفراغ الناتج عن تراجع دور تجمع المهنيين السودانيين ابان ثورة ديمسبر 2018م بسبب تشرزمه، وظلت لجان المقاومة تدير معركة المواجهة مع الإنقلابيين الأمر الذي جعلها فعلياً الفاعل المحوري في المشهد السياسي الحالي بالبلاد. يشيير البعض لوجود دلائل تظهر التأثير الكبير للحزب الشيوعي على جزء مقدر من تلك اللجان ويستدلون بتبني وترديد العديد من اللجان لجزء كبير من رؤى وأطروحات الشيوعي، لكن من الضروري الإقرار بأن المزاج العام وسط المنضوين والمنضويات تحت لواء لجان المقاومة يميل بشكل عام لعدم الركون للأحزاب السياسية وكوادرها ويستوى في هذا الأمر كل الأحزاب بما في ذلك الشيوعي، وفي هذا الإطار فإن الشيوعي يسعي لتميز نفسه عن بقية الأحزاب بإعتباره الرافض للشراكة بداية والمنادي بإسقاطها منذ الوهلة الأولى.


من الضروري التمعن في تركيبة الحزب الشيوعي من ناحية ولجان المقاومة من ناحية أخرى لتحليل مدى التطابق على مستوي طرق إنتاج الأفكار، فالأول يقوم على أساس أيدولوجي صارم الإلتزام لمسنوبيه برؤى الحزب أما الثاني فينتج أفكاره بناء على عملية حوارات ونقاشات والتمتع بمرونة في نقاش مختلف الأراء دون التمسك أو التعصب المطلق لرأي، وبالتالي لإذابة هذا الخلاف فهذا يستوجب القيام بأحد إفتراضين أولهمما تأطير التفكير عن طريق وضع قوالب نظرية تحكم وتحدد مسار التفكير في اللجان المختلفة والتوصل لهذه الصيغة ستجعل من لجان المقاومة جسم صفوي أضيق في الإنتشار وأقرب للأحزاب. بالنسبة للإفتراض الثاني فهو الأصعب في تقديري وهو تخلى الحزب الشيوعي عن أساسه الأيدولوجي الصارم وإلتزام عضويته برؤاه بحيث تصبح طبيعته أكثر مماثلة للجان المقاومة، أعتقد أن هذا إفتراض بعيد المنال ودونه خرط القتاد للمجموعة التي تمثل حراس المعبد داخل صفوف الحزب.


ستجابه أي محاولة للحزب الشيوعي للسيطرة على لجان المقاومة بمقاومة شرسة وقد تفضي لتشكيل رأي عام سلبي سيطال الحزب وكوادره والمتعاطفبن معه وقد تنتقل لأطروحاته ورؤاه ومواقفه السياسية إلا أن الخطر الأكبر هو تعرض لجان المقاومة للتفكك والتشرزم وهو سيناريو خطير على عملية مقاومة الإنقلاب، وفرص الحزب الشيوعي في تعزيز وضعه السياسي والجماهيري من خلال لجان المقاومة. للحيلولة دون حدوث هذا السيناريو فليس هناك خيار أمام الحزب الشيوعي سوى العمل بالتوازي من أجل ضمان وحدة لجان المقاومة ودفعها لتبني جل رؤيته للراهن والمستقبل والعمل على تسويقها وتبنيها داخل تلك اللجان.


أظهرت وقائع عديدة انفتاح لجان المقاومة على مختلف الأطروحات وإنهماكها في نقاشات مطولة حول الخيارات والبدائل وقدرتها على تطوير مواقفها ورؤاها والإستماع للنقد الموجه لها وإستعدادها التام في تعديل رؤيتها أو مسارها، إلا أن الميزة الأساسية التي تتسم بها بخلاف تلك المرونة هو مقدرتها على إدارة الخلافات التي تنشب داخلها بالوصول لقواسم مشتركة بين الأفكار والرؤى المتعارضة دون أن يفضي الخلاف لإنقسام. ما يعمق ويعزز هذه التجربة هي روح المسؤولية والحرص على وحدة اللجان بين المنتسبين إليها بما في ذلك المنتمين لأحزاب سياسية متصارعة ومختلفة.


في هذا الإطار يمكننا الإستدلال بعدة وقائع تعزز ما ذهبنا إليه سابقاً أبرزها لقاء ممثلين عن لجان المقاومة لرئيس بعثة الأمم المتحدة بالسودان (يونيتامس) رغم الإعلان عن مواقف إستابقية لبعض اللجان أعلنت رفضها للدعوة، بجانب محتويات ميثاق  سلطة الشعب المعلن من قبل لجان مقاومة ولاية الخرطوم في الشهر الماضي الذي شهد نقاشات واسعة حول محتوياته تم إستصحاب أراء متعددة داخله محتوياته.


قد يطرح سؤال إذا أين تقف لجان المقاومة من أي عملية تفاوض لإنهاء الإنقلاب ؟ في تقديري أن الشعار المرفوع من اللجان الرافض للتفاوض سيتطور في وقت ما ليصبح أكثر دقة بحيث يشمل (محتوى التفاوض) وليس (عملية التفاوض نفسها)، أما الجزئية الثانية فمن المؤكد أن تحول هذا الموقف سيلازمه ثبات في رفض الجلوس المباشر مع المجموعة الإنقلابية عموماً والمكون العسكري على وجه الخصوص ويمكن إجراء تلك المفاوضات أو المباحثات بشكل غير مباشر عند حدوثها.


بالنسبة لمحتوى التفاوض فسيكون منصباً بشكل جوهري على إنهاء الإنقلاب وتسليم السلطة للمدنيين كاملة وإلغاء الشراكة مع المكون العسكري وخضوع المؤسسات النظامية والعسكرية لسلطة المؤسسات الدستورية والمحاسبة على الجرائم التي تمت خاصة ابان فض الإعتصام والتي تلت إنقلاب 25 أكتوبر وأن يتم تشكيل مؤسسات الإنتقال من الكفاءات المستقلة دون تمثيل على أساس سياسي. تعد هذه القضايا بيت القصيد والعمود الفقري لمواقف ومطالب القوي المقاومة للإنقلاب وعند تحقيقها فسيكون إنقلاب 25 أكتوبر قد إنتهي فعلياً ولم تبق منه سوي الذكريات المؤلمة.


سنستعرض في الحلقة الثالثة والأخيرة بإذن الله ما أطلقت عليه (موبقات) المفاوضات


(يتبع)


14 مارس 2022م



hirsudan_000@yahoo.com

 

آراء