نحو إيجاد منهج لفض النزاعات الإفريقية
تحقيق السلام فى دارفور عبر معالجة جذور الأزمة أنموذجاً
تمهيد:
لعل أبرز التحديات التى تواجه القارة الإفريقية فى هذه الآونة هى التدخلات الخارجية فى شؤون القارة الإفريقية التى أفرزت العديد من الصراعات فى الساحة الإفريقية وأدت لإحداث شروخ عميقة فى النسيج الإجتماعى المكون للوحدات السياسية المكونة للقارة الإفريقية,وبينما تنزع الدول الإفريقية نحو تأسيس الإتحاد الإفريقيى من أجل مجابهة الأخطار والمهددات المستقبلية والإفرازات الموجبة والسالبة لمشروع العولمة الأمريكى وحدة التنافس الدولى على موارد القارة الإفريقية,اصبح التكامل الإفريقيى ومشروع الوحدة الإفريقية هدفا طموحاً وأملاً يراود كل الأفارقة شعوبا وحكومات من أجل إيجاد حلولاً ناجعة للكثير من للمشكلات والتحديات التى تواجه القارة الإفريقية وبالأخص التحديات المتعلقة بعلاقة القارة مع النظام الدولى الجديد,ولعل الشروع فى تكوين أجهزة الإتحاد الإفريقيى ومؤسساته المختلفة بما فى ذلك حكومة الإتحاد الإفريقيى المرتقب تكوينها فى القريب العاجل يعتبر أحد أبرز الخطوات التاريخية فى مسيرة الوحدة الإفريقية وبناء أسس الهوية القارية الإفريقية وتعزيز روح التضامن الإفريقى,ومن بين الثغرات التى كانت تنفذ بها الأجندات الخارجية إلى القارة الإفريقية هى إفتعال الصراعات ومن ثم إقتراح حلول لفض النزاعات تكرس عبرها هيمنتها وتحقق من خلالها مصالحها,عليه فإن تأسيس مجلس السلم والأمن الإفريقى ينبغى أن يعجل بتوسيع نطاق القضايا الإفريقية الواجب دراسة حالتها وبحثها حتى يتمكن من آداء مهامه بكل فعالية وسرعة,كما أن دراسة حالة القضايا الإفريقية يوفر المعلومات العلمية والدقيقة حول جذور هذه المشاكل,الشىء الذى قد يسهل تفاعل المجلس معها وتقديم حلول تخاطب جذور ومسببات تلك الأزمات عبر رؤية إفريقية خالصة بعيداً عن الرؤى الغربية(Euro-Centrism) (النظرة المركزية الأوربية) وبالتالى يكون قد ساهم فى توطين رؤية إفريقية لفض النزاعات نابعة من دراسات بحثية إفريقية أصيلة ,ومنهج فض ومعالجة الأزمات منهج موجود فى البئية المكونة لكل القبائل الإفريقية منذ الأزمان السحيقة وحتى عصرنا هذا وهو يستخدم فى إزالة التوترات والنزاعات القائمة بين القبائل,إذن القارة لديها أسس لمنهج فض النزاعات وتزويب الصراعات نابع من المخزون الكبير للتقاليد والأعراف القبلية الإفريقية فى شأن حل الإشكاليات القائمة بين القبائل المتجاورة, وعليه يمكننا عبر الإرتكاز على هذا المخزون الكبير من التقاليد والأعراف لإدارة فض النزاعات فى إفريقيا, إرساء آلية إفريقية قوية لفض النزاعات الإفريقية تعمل على تزويب الصراعات الإفريقية وسد الطريق أمام القادمون من وراء البحار من أجل تقديم العون والحلول لمشاكلنا,إن توطين آلية إفريقية لفض النزاعات الإفريقية يحتاج لإسهامات كبيرة من المثقفين الأفارقة كل حسب تخصصه, كما يحتاج أيضاً لتفاعل من منظمات المجتمع المدنى الإفريقية للمساهمة فى تطوير هذه الآلية, لتتفاعل كل تلك الجهود والأفكار مع أفكار أعضاء مجلس الأمن والسلم الإفريقيى مخرجة آلية قوية نموذجية تخاطب المشاكل الإفريقية وتضع الحلول الناجعة لها.
مقدمة عن قضية إقليم دارفور السودانى:
إن قضية دارفور وليدة لتراكمات وصراعات قديمة تشكلت منذ قبل إستشهاد السلطان على دينار وإنضمام دارفور لخارطة السودان الحالى عام 1916 م,و من الصعب تحديد تاريخ لبداية أزمة دارفور,ولكننا يمكننا القول أن دارفور شهدت العديد من الصراعات فى عهد سلطنة دارفور,بينما كان أول النزاعات المعروفة بعد زوال سلطنة دارفور فى دارفور هو الصراع القبلى بين قبيلة المعاليا والرزيقات العربيتان فى عام 1918 م,وقد شهدت دارفور من بعد ذلك العديد من الصراعات بلغ عددها أكثر من 26 صراعاً فى الفترة بين عامى 1966 م إلى العام 2008 م,وكانت مسببات هذه الصراعات لها جذور إجتماعية وأخرى طبيعية وبئية وأخرى إقتصادية تنموية بالإضافة لبروز العامل السياسى كأحد مسببات الأزمة,أزمة دارفور إذن هى أزمة قديمة ولب الصراع فيها يدور حول النزاع القديم المتجدد بين القبائل الرعوية والقبائل الزراعية(Pastoralists versus Settlers) فى الإقليم حول الموارد الطبيعية الشحيحة أصلاً,أى أن أساس المشكلة يكمن فى النزاع المستمر بين الراعاة (Pastoralists) الرحل أصحاب الثروة الحيوانية فى الإقليم والمزارعين (Farmers or Setters) أصاحب الحواكير,حيث يسعى الرعاة نحو المناطق الغنية بالماء والكلأ من أجل المحافظة على ثروتهم وهذا يتعارض مع مصلحة أصحاب الحواكير الزراعية الذين غالباً ما تحدث ماشية الرحل الضرر بمزارعهم فينشأ النزاع,وبينما كانت تحل مثل هذه النزاعات عبر الإدارة الأهلية (Civil Administration) حسب الأعراف والتقاليد السائدة فى الإقليم فى فترة الحكم الإستعمارى البريطانى (British Colonization) وفى الفترة ما بعد إستقلال السودان فى 1/1/1956 م,إلا أن إلقاء نظام الإدارة الأهلية فى فترة الرئيس الأسبق جعفر نميرى كان له أثره على عملية تهدئة الصرعات القبلية عبر إتباع العرف والتقاليد السائدة,عليه إستناداً على ما سبق ذكره ونتيجة للتطورات المحلية والإقليمية والدولية, تطورت الأحداث بصورة دراماتيكية فى إقليم دارفور إلى أن وصلت إلى درجة الصراع المسلح فى عام 2003 م عقب توقيع برتوكول مشاكوس الإطارى لإيقاف الحرب الأهلية الدائرة فى السودان فى العشرين من يوليو 2002 م.
تطورات الأحداث بالإقليم إثر تفاعله مع الأحداث المحلية والإقليمية والدولية:
بينما بدأت بشائر السلام تلوح فى الأفق السودانى نتيجة لتوقيع بروتوكول مشاكوس (Machakos Protocol) الإطارى الموقع فى 20 يوليو 2002 م الذى مهد لتوقيع إتفاقية السلام الشامل (CPA) فيما بعد فى العام 2005 م,لاحت فى الأفق بوادر أزمة جديدة تمثلت فى إنفجار نزاع مسلح فى إقليم دارفور تقوده الحركة الشعبية لتحرير السودان (SPLM) بقيادة المحامى عبد الواحد محمد نور ثم ظهور حركة العدل والمساواة(JEM) فيما بعد بقيادة الدكتور خليل أبراهيم,ثم ظهور العديد من الحركات المسلحة الأخرى المنقسمة من هذين الفصيلين فيما بعد,هذه التطورات فى الأحداث لم تكن وليدة اللحظة بل لها خلفيات نابعة من واقع تأثر الإقليم بالعديد من الأحداث المحلية والإقليمية والدولية بالإضافة لتأثر الإقليم بعوامل طبيعية جغرافية مناخية أسهمت مع غيرها من العوامل السياسية والإجتماعية والإقتصادية فى تصدعه وتأزم الأوضاع فيه,الصراع الليبى التشادى (Libyan – Chadian war) فى ثمانينات القرن الماضى أسهم بقوة فى دخول وإنتشار الأسلحة الصغيرة والمتوسطة إلى إقليم دارفور (Proliferation of small arms in the region) كما أسهم فى مشاركة العديد من قبائل الإقليم فى هذا النزاع نتيجة لوجود إمتدادات لها فى كل من تشاد وليبيا,كما أسهمت الحرب الأهلية التشادية (Internal Chadian Conflicts) فى إنتشار الأسلحة فى إقليم دارفور وتدريب عدد لا يستهان به من أبناء دارفور ذوى الأصول المشتركة بين السودان وتشاد على أساليب القتال بالإضافة لقيام هذه الحركات التشادية المسلحة بالإنطلاق من قواعد لها فى الحدود السودانية والمشاركة الواسعة للعديد من القبائل السودانية الحدودية فى القتال الدائر داخل الأراضى التشادية نصرة لفروعهم القبلية الممتدة فى تشاد,كما كان للتحولات فى العلاقات الدولية(International Relations) أثر كبير فى جعل منطقة دارفور عرضة للإختراقات الخارجية منذ أيام الحرب الباردة (Cold War) والإختلاف بين النظام السودانى والليبى الذى دفع الأخير لدعمه للمعارضة السودانية بالسلاح لتغيير نظام نميرى فى يوليو من العام 1976 م, مما دفع نظام نميرى بمعاونة الولايات المتحدة الأمريكية لإستخدام أرض دارفور لتدريبات مشتركة تهدف من جعل المنطقة كأحد خطوط الدفاع عن السودان من مخططات المعسكر الشرقى بقيادة ليبيا وأحد المحاور لإختراق وشل قدرات النظام الليبى,إذن ليبيا منذ سبعينات القرن الماضى وحتى هذه الآونة كانت تعمل بكل جهدها من أجل خلق إضطرابات مستمرة بإقليم دارفور وعلى حسب المعلومات المتوفرة إن الموقف الليبى من خلق إضطرابات بإقليم دارفور السودانى نابع من تحقيق مصلحة قومية وهدف قومى ليبى يمثل إستقرار إقليم دارفور السودانى له أحد مهددات الأمن المائى والنفطى, حيث أن إستقرار إقليم دارفور يعنى إستصلاح نحو ما يعادل قدره 400 مليون فدان صالحة للزراعة تروى من المياه الجوفية التى يستمد منها النهر العظيم (Libyan Great River ) معظم المياه العذبة وبالتالى يصبح الإستقرار فى دارفور مهدد للأمن المائى الليبى,كما أن هنالك معلومات مؤكدة تشير إلى وجود إحتياطات نفطية فى منطقة شمال دارفور حيث يوجد حوض نفطى (Oil Field) مشترك بين ليبيا والسودان لا ترغب ليبيا فى إستغلاله من قبل السودان لأنه سوف يؤثر على إحتياطات النفط الليبية وهذا بالطبع يفسر لنا إحتفاظ نظام العقيد القذافى بقائد قوات حركة العدل والمساواة وبعض قواته حتى الآن بعدما فقدوا مواقعهم فى تشاد وداخل السودان بعد إتفاق السلام التشادى السودانى,أما على صعيد التنافس الدولى على موارد القارة الإفريقية (African Resources),فدارفور تعنى رقماً عالمياً لا يستهان به من حيث تركز العديد من الموارد الطبيعية الإستراتيجية بها,فهى غنية بمعدن اليوارنيوم والمعادن الأخرى ذات الأهمية التى تدخل فى معظم الصناعات الإستراتيجية,كما أن إقليم دارفور يحازى أكبر بحيرة نفطية فى إفريقيا والتى تمتد من منطقة أعالى النيل مروراً بأبيى ثم غرب دارفور وبحيرة تشاد إلى أن تصل إلى منطقة خليج غنيا,وتسعى الولايات المتحدة الأمريكية (USA) للإستفادة من نفط هذه البحيرة وتصديره عبر الأطلنطى المقابل لسواحلها الشرقية من أجل التخلص من الإعتماد على بترول الشرق الأوسط (Middle East) نتيجة للإضطرابات التى تسود المنطقة نتيجة للموقف الأمريكى من القضية الفلسطنية المساند لإسرائيل,وظهور إيران كقوة إقليمية (Regional Power) تشكل تهديداً قوياً للمصالح الأمريكية (US Interest) إستناداً على الدور الأمريكى المعادى لإيران والمساند لإسرائيل,وتصدير البترول التشادى عن طريق نقله عبر أنابيب النفط إلى الكاميرون ومنها إلى الولايات المتحدة الأمريكية يؤكد أهمية منطقة دارفور التى تقع ضمن منطقة غرب أفريقيا الغنية بالنفط فى السياسات النفطية العالمية,ودارفور تشكل أحد المناطق الحساسة لحماية المصالح الفرنسية (French Interest) فى منطقة الغرب الإفريقيى فهى تجاور أحد أكبر القواعد الفرنسية فى تشاد كما أنها تشكل أحد محاور الصراع الخفى حول الموارد الإفريقية بينها وبين الولايات المتحدة الأمريكية,أهمية دارفور المحورية ربما تشكل تحالف (Alliance) فرنسى صينى للوقوف فى وجه النفوذ (Hegemony) الأمريكى المتغول على مصالحهما فى المنطقة,إذن دارفور كموقع ومنطقة غنية بالموارد الطبيعية والبشرية أصبحت تشكل أحد مناطق التنافس الدولى على الموارد الإفريقية الطبيعية والبشرية وبالتحديد البترول والمعادن والأراضى الخصبة الزراعية,إذن كل تلك الحقائق التى تم سردها أسهمت بصورة ما فى إضطراب إقليم دارفور,حيث أدى إنتشار الحروب الإقليمية والأهلية فى الدول المجاورة للإقليم فى دخول السلاح للإقليم ومن ثم حدوث تطور نوعى فى إستخدام هذه الأسلحة الأوتماتكية فى النزاعات القبلية (Tribal Conflict) بدلاً من الأسلحة التقليدية البيضاء مما أسهم فى توسع النزاعات وزيادة أعداد ضحاياها,غابت الآلية الأهلية لفض النزاعات (Conflict Resolution) نتيجة لإلغاء الرئيس الأسبق نميرى لنظام الإدارة الأهلية,إنتشرت ظاهرة النهب المسلح (Armed Robberies) فى إقليم دارفور السودانى منذ سبعينات القرن الماضى وهى ثقافة وافدة من المجموعات التى نزحت من دول الجوار الغربى للسودان وتضم الكثير من الخارجين عن القانون وهى وسيلة سريعة للحصول على الأموال الطائلة,وربما تعمل خلفها جهات لها مصلحة فى إستمرار أعمالها لتشكل عامل مهدد لإستقرار الإقليم على المدى الطويل,أما التمرد المنظم ضد الدولة فى الإقليم فقد بدأ منذ ستينات القرن الماضى بظهور تنظيم نهضة دارفور ومن ثم أعقبته محاولة بولاد فى أوائل التسعينات من القرن الماضى والذى أعقبه التمرد واسع النطاق على الحكومة المركزية السودانية فى عام 2003 م بقيادة الجيش الشعبى لتحرير السودان (SPLM) بقيادة المحامى عبدالواحد محمد نور ثم تبعه تمرد الدكتور خليل أبراهيم المنشق من النظام الحاكم فى السودان والذى شكل تنظيم عسكرى أطلق عليه حركة العدل والمساواة (JEM),ومن ثم إنبثغت العديد من الحركات المقاتلة المنقسمة من هذين التنظيمين,أما على المستوى الداخلى فنجد أن جذور المشكلة فى دارفور (The root causes of the Darfur crisis) تكمن فى عدة عوامل أسهمت مجتمعة فى تعقيد المسألة الدارفورية,ومن هذه العوامل المؤثرة فى القضية الدارفورية عامل البعد الجغرافى (Geographical) للإقليم من المركز الشىء الذى أسهم فى سلبية دور تعاطى وتفاعل المركز مع قضاياالإقليم مما أسهم بدوره فى عدم تحريك العملية التنموية فى الإقليم مضيفاً العامل التنموى (Developmental) كأحد مسببات الأزمة فى الإقليم,هذين العاملين ربما أبرزا العامل السياسى (Political) فى الأزمة الدارفورية حيث تعالت أصوات أبناء الإقليم بضرورة تمثيلهم فى المركز ولم يتحقق هذا المطلب إلى بعد الإستقلال بحوالى 11 عام حين عين أول وزير من المنطقة فى الحكومة المركزية عام 1967 م,كما تم تعيين أول حاكم للإقليم من أبناء دارفور عام 1983 م,ولكن فى الفترات اللاحقة وخاصة فى فترة حكم الإنقاذ شكل أبناء دارفور حضوراً على مستوى الحكم فى المركز وعلى مستوى حكم الإقليم كما تشكلت معظم قيادات حكومة الإنقاذ من أبنائها بل يمكن القول أن أبناء دارفور كانوا أحد القوة الدافعة لوصول الإنقاذ للسلطة فى السودان,بالإضافة لهذه العوامل ياتى دور عامل محورى شكل بعداً رئيسياً فى الأزمة الدارفورية مسهماً مع العوامل الأخرى فى تردى الأوضاع فى الإقليم,إنه العامل المناخى (Climate),حيث إجتاحت نطقة الساحل الإفريقيى (Sahelean Zone) بما فيها إقليم دارفور (Darfur) موجة من الجفاف والتصحر (Draught and Desertification) أدت إلى تدهور فظيع فى حالة المرعى (Pasture) فى الإقليم مسبباً نقصاً كبيراً فى مصادر المياه وقلة مصادر النبات والزراعة (Diminished the flora and agriculture resources),لقد ولدت تلك الموجة من الجفاف والتصحر هجرات (immigrations) من شمال الإقليم إلى مناطقه الجنوبية كما أدى إلى تزايد الهجرات من الأراضى التشادية إلى إقليم دارفور إلى توليد ضغوطاً كبيرة على الموارد الطبيعية فى الإقليم أدت إلى زيادة حدة الصراعات فى الإقليم حول مصادر العيش والرزق (livelihoods resources),أشعل الخلاف حول مصادر المياه والمرعى والأراضى الصالحة للزراعة مما أدى إلى نشوب نزاعات بين الرعاة والمزارعيين (Pastoralists versus Settlers) بالإقليم,هذه الإظهارات والحقائق النابعة من داخل إقليم دارفور أدت إلى خلق نزاع دارفوري ـ دارفورى بين الرحل أصحاب قطعان الماشية والعناصر المستقرة من المزارعين أصحاب الحواكير,ثم تطور إلى نزاعات قبلية,ثم تطورت الأحداث بظهور جماعات النهب المسلح (Armies robberies) التى ساعدت فى خلق تفلتات أمنية (Security Unrest) فى الإقليم اسهمت بصورة كبيرة فى عدم إستقرار (lack of Settlement) الإقليم حتى الآن إذغ صح لى إستخدام هذا التعبير,ثم إندلاع القتال المرير بين الحكومة السودانية والحركات المسلحة (Armies Group) الدارفورية عام 2003 م الشىء الذى سمح بتدخل المجتمع الدولى (الولايات المتحدة الأمريكية – وإسرائيل) ليصبح النزاع ذو أبعاد إقليمية دولية مستخدماً من قبل الولايات المتحدة الأمريكية كأحد كروت الضغط (Political pressures card) على السودان الشمالى (Northern Sudan) من أجل تقديم تنازلات لصالح الجنوب السودانى (الأرض الفاصلة) التى ساهمت فى إنشائها الولايات المتحدة الأمريكية من أجل تحقيق مصالحها النفطية واضعة حداً لتنامى النفوذ الصينى (Chinese Hegemony) النفطى فى المنطقة,ومن قبل دولة الإحتلال الإسرائيلى إستخدم كأحد الأدوات الإسرائيلية لدق إسفين فى العلاقات العربية الإفريقية (African Arab Relationship) فى إطار الصراع العربى الإسرائيلى وذلك عبر تصوير إسرائيل والمنظمات اليهودية الأمريكية للصراع الدائر فى دارفور أنه صراع بين القبائل العربية والإفريقية (عرب ضد زنج) (Arab versus Zurga),فتفاقمت الأوضاع بالإقليم نتيجة لإضطراب الأوضاع بين جمهورية تشاد والسودان نتيجة للإتهامات المتبادلة بين الطرفين بدعم المعارضة المسلحة للطرف الآخر قبل أن يصل الطرفان لإتفاق مصالحة مؤخراً أنهى الأزمة بين البلدين,ومما زاد تعقيد الأوضاع سؤاً فى إقليم دارفور إستخدام معظم الأحزاب السياسية السودانية (Sudanese Political Parties) لإقليم دارفور كحديقة خلفية (Backyard) لإدارة الخلافات السياسية التى بينها حيث نظرت معظم القوى الحزبية السودانية بما فيها الحركة الشعبية الموقعة على إتفاق السلام السودانى أنها يمكنها تحقيق أهدافها ومصالحها عبر إستقلال إضطراب (Unrest) وعدم إستقرار إقليم دارفور,مما أضاف بعداً آخر للأزمة فى الإقليم,كل هذه الصراعات والتدخلات السالبة (Negative Interventions) على المستوى المحلى والإقليمى والدولى أسهمت فى ميل الوضع فى إقليم دارفور إلى عدم الإستقرار.
إستخدام دارفور كأحد أوراق الضغط لتطبيق إتفاق السلام:
بعد كل هذا السرد المطول للحقائق (Facts) حول الأزمة فى دارفور تتشكل فى الزهن اسئلة محورية مركزية مهمة تحتاج لعصف زهنى من أجل الإجابة عليها,أول هذه الأسئلة يتمثل فى هل توقيت بداية الحرب (The timing of this war) فى دارفور فى عام 2003 بعد توقيع برتوكول مشاكوس (Machakos Protocol) الإطارى فى يوليو من العام 2002 م والإهتمام الدولى والإقليمى بالإقليم (International and Regional Concern) والتغطية الإعلامية (Extensive media coverage) الدولية الكبيرة التى لم يسبق لها مثيل لقضايا أكثر تعقيداً على مستوى القارة الإفريقية والعالم من قضية دارفور,يعكس دور إقليمى دولى يستخدم معانة دارفور من أجل إحداث شروخ فى التركيبة الإجتماعية (Social Fabric) والتأثير على المنطقة من أجل تهيأة ظروف مواتية فى المستقبل القريب لفرض تغيرات جيوسياسة (Geopolitical Changes) مستقبلية لصالحه؟ أم يعكس هذ الإهتمام الدولى والإقليمى فى هذا التوقيت فتح جبهة دارفور من أجل إستنفاد طاقات الحكومة وتشتيت جهودها من أجل إستخدامها كورقة ضغط سياسية لحمل الحكومة السودانية المركزية لتقديم تنازلات ذات معنى للولايات المتحدة الأمريكية لصالح دولة الجنوب السودانى (الدولة الفاصلة)لمصالح الولايات المتحدة النفطية فى المنطقة؟ لعل إتهام الرئيس السودانى بجرائم إبادة جماعية فى دارفور من قبل المحكمة الجنائية الدولية يدعم فرضية السؤال الثانى المطروح أعلاه,لقد أسهم إتفاق السلام الشامل فى وضع حد للحرب فى السودان,لقد كان سلام ناتج من ضغط أمريكى هائل على طرفى الصراع السودانى الحكومة المركزية والحركة الشعبية أى أنه بكل صراحة ليس سلام قومى (National Peace) نابع من الإرادة الذاتية لطرفى الصراع,وبالتالى نجد أن إتفاق نيفاشا (CPA) كانت تستر خلفه رغبة أمريكية جامحة لإقتسام بترول السودان الذى إكتشفته منذ سبعينات القرن الماضى بواسطة شركة شيفرون ,مع التنين الأصفر الصينى المنافس الشرس لها فى الإستحواز على موارد الطاقة الإفريقية وبالتحديد البترول (Oil),وبالتالى سعت الولايات المتحدة الأمريكية عبر مراكز البحوث والدراسات الإستراتيجية (Strategic Studies Research Centers) الأمريكية من أجل إيجاد رؤى تمكنها من المحافظة على إستمرار إتفاقية السلام الشمال فى السودان,فكانت النتيجة أن تبنت الولايات المتحدة رؤية المركز الأمريكى للدراسات الإستراتيجية والعالمية (CSIS) الذى تحدث عن مشروع إعادة بناء السودان بعد فترة الحرب الأهلية عبر ممارسة الضغوط على الحكومة السودانية عبر إرسال قوات أممية لدارفور وهو ما تم فعلاً عبر إصدار قرار مجلس الأمن (Security Council Resolution) رقم 1590 القاضى بتشكيل بعثة السلام الدولية للسودان (UNIMIS),وممارسة الضغط على السودان من خلال أزمة دارفور عبر آليات المنظمة الدولية,ومحاولة جذب الصين والهند أصحاب أكبر إسثمارات بترولية (Petroleum Investment) فى إتجاه الحملة على السودان عبر تقديم بعض الإغراءات (Incentives) والتنازلات لهم تضمن توفر مصادر الطاقة لهم من مناطق بديلة, إذن أزمة دارفور كانت حاضرة فى التخطيط الأمريكى لإستخدامها كأحد أدوات الضغط من أجل فرض إتفاقية السلام التى تلبى المصالح الأمريكية,وما يدعم هذه الفرضية أنه عندما بدأ مؤشر الأوضاع فى دارفور يميل نحو التهدئة وبعد الجهود القطرية الإفريقية العربية (Qatari & African efforts) المشتركة وبالتحديد بعد إجتماع أصحاب المصلحة فى قطر (Conference for stakeholders in Darfur),أصبحت الأحوال تنزع نحو الإستقرار فى دارفور,ظهرت على السطح وبصورة دراماتيكية أحداث يوليو 2011 م بجنوب كردفان فتعالت أصوات الرصاص بعد إستقرار دام لمدة خمسة أعوام فى المنطقة حيث رفض عبد العزيز الحلو مرشح الحركة الشعبية لمنصب الوالى نتائج الإنتخابات فى االولاية المتاخمة لجنوب السودان,أليس الحوار كان أفضل من هدم السلام وإراقة الدماء,أم منفستو الحركة الشعبية (السودان الجديد) لا يؤمن بالحوار ولا زال يتمسك بالبندقية؟على كل حال يؤكد إنفجار الأوضاع بهذه الصورة الدراماتيكية أن منطقة جبال النوبة دخلت فى إطار كروت الضغط ضد الحكومة السودانية فى إطار الضغط عليها لتقديم تنازلات لصالح دولة (الجنوب الفاصلة) للمصالح الأمريكية.
المقترحات الممكنة من أجل ضمان الإستقرار فى دارفور:
أعتقد أن هنالك العديد من المقترحات التى يمكنها مخاطبة جذور المشكلة فى دارفور من أجل الوصول لسلام شامل فى الإقليم,ولكن أهم المقترحات التى يمكن أن تلعب دوراً مهماً فى إذابة الخلافات هو الإهتمام بنشر ثقافة السلام (Peace Culture) والترويج لها عبر نشر مفهوم السلام القومى (National Peace) الذى ينبع من صميم رغبة الشعب السودانى,كما يجب الإهتمام بالعناصر الرئيسية التى يتحقق من خلالها السلام القومى وهى السلام السياسى الذى يعنى الإستقرار الذى تعكسه الحكومات القوية التى تلبى طموحات شعوبها,والسلام العسكرى الذى يعنى عدم إستخدام القوات المسلحة فى حل المنازعات الداخلية,والسلام الإقتصادى الذى يعنى زيادة الإنتاج عبر توفير الموارد ورأس المال اللازم وتحسين بئية العمل والتوظيف,ثانيها الإهتمام بمخاطبة المشكلات التنموية فى الإقليم عبر خطط تنهض بالتنمية المستدامة (Sustainable Development) فى الإقليم تعطى أولوية للمشاريع الخدمية ومشاريع البنية التحتية ومشاريع التمية الإجتماعية,خلق آليات لفض النزاعات (Conflict Resolution) فى الإقليم مستوحاة من الأعراف والتقاليد السائدة فى الإقليم تضمن فى الدستور الدائم للسودان والقوانين المنبثقة منه,تكون قادرة على فض أى نزاع مستقبلى ينشأ فى الإقليم ,إنعاش الإقتصاد فى الإقليم عبر تفعيل الأنشطة التجارية البينية مع دول الجوار المحازية للإقليم مع المراعاة فى تخفيض الرسوم والتعريفة الجمركية حتى تنشط تجارة الحدود,إنشاء آلية للتعويضات (Compensations) ورفع الضرر لتعويض المتضررين من النزاع فى دارفور,أن يكون هنالك برنامج فعال لضبط حركة المسلحين العائدين وإعادة دمجهم (Integration) سوى فى القوات النظامية أو المجتمع المدنى بعد تأهيلهم بصورة جيدة وفعالة وإستخداهم فى كافة أنشطة الدولة المدنية والخدمية الأخرى أو إنشاء مراكز حرفية منتجة لهم,جذب الإستثمارات العالمية والعربية والإسلامية للإقليم مع إنشاء آلية موحدة لتلقى المعونات وتوزيعها حسب الأسبقية,وضع برنامج دقيق من أجل العودة الطوعية للمهجرين (Displaced people) بسبب النزاع فى الإقليم مع تأمين مناطق العودة بكل الإحتياجات المطلوبة,إنشاء جهاز يعنى بالشفافية ومراقبة الأموال القادمة للإقليم حيث أن أى فساد مالى إتجاه الأموال القادمة للإقليم من شأنه أن يخلق أوضاع عدم رضا وإضراب يعيد إنتاج الأزمة.
عاصم فتح الرحمن أحمد الحاج
باحث وخبير إستراتيجى فى شؤن القارة الإفريقية و متخصص فى شؤن القرن الأفريقى
E-mail: asimfathi@inbox.com