نحو عالم متعدد الأقطاب: نشاة بريكس
د. عمرو محمد عباس محجوب
23 October, 2024
23 October, 2024
(1)
د. عمرو محمد عباس محجوب
في عام ٢٠٠٧ تحدث بوتين بصراحة عن الحاجة لعالم متعدد الأقطاب لان الولايات المتحدة تقوم بأعمال غير معقولة في التدخل في شئون الدول (العراق مثلا).
كانت روسيا وحيدة انذاك في دعوتها فالصين تجتهد في ان تصبح عملاقاً اقتصادياً بالتعاون مع امريكا. في عام ٢٠١٤ تم تعليق عضوية روسيا من G8 بعد ضم القرم لأجل غير مسمى وعادت لاسمها القديم G7 وهو نادي الأمم المتطورة اقتصاديا.
عملت روسيا للدعوة لبريكس وبدات ٢٠٠٩ كنادي مجاور يدعو لعالم متعدد الأقطاب وضم الاجتماع الأول روسيا والهند والصين والبرازيل (بريك) ثم انضمت جنوب أفريقيا عام ٢٠١٠ واصبحت بريكس. تشكل مساحة هذه الدول ربع مساحة اليابسة، وعدد سكانها يقارب 40% من سكان الأرض.
تطور بريكس
مع ظهور بريكس واهمية مانادت به لم تكن الدول متحمسة لأخذ خطوات كبرى، فروسيا نفسها كان لها ارتباطات كبيرة بالاقتصاد الغربي وتعتمد الدولار في تعاملها كما ان الشعب الروسي كان يرتبط كجمهورية ديمقراطية بالثقافة الغربية وايضاً غيرها من الدول لم تكن مستعدة
حدث التحول بعد حرب أوكرانيا وقرار الغرب عبر قرارات المقاطعة وقطع علاقات روسيا بالغرب والدولار ولكن اخطر قرار كان تجميد أموال روسيا في البنوك الغربية (أثار هذا مخاوف الجميع ان يفعل بهم الغرب مثل هذا عند اول سوء تفاهم)..
كانت البريكس تتحفظ في التوسعة وهكذا تم الاعتذار لتركيا عام ٢٠١٩ ولكن بعد ٢٠٢٢ بدأت بريكس في إثارة حماس الجميع وبدأت في قبول فكرة التوسع. طرحت فكرة استبدال الدولار والتعامل بعملة جديدة واصبحت الفكرة التي كانت عليها تحفظات كثيرة قيد البحث والتنفيذ، بل ان السعودية رفضت ربط النفط بالدولار عندما حان تجديد الاتفاقية التي عقدت قبل ٥٠ عاماً.
بدأت بريكس ببناء بنيّاتها التأسيسية والإدارية وغيرها بسرعة فائقة خلال عام ٢٠٢٣ وتقدمت دول كثيرة تعلن رغبتها في الانضمام وبدات مناقشات متعددة حول كافة المنظومات السياسية مثل الأمم المتحدة خاصة مجلس الأمن والمالية مثل صندوق النقد والبنك الدولي حتى الآن، باعتبارها جزء من اجهزة تخدم الهيمنة الغربية عموما والأمريكية خصوصاً وتكرسها وتفرض بها سيطرتها.
كان استفزاز الروس لغزو أوكرانيا وتكشف نوايا الغرب عاملا مساعداً في تراجع التأييد لأمريكا من العالم، لكن العامل الحاسم كان في مساندة الكيان العنصري في ممارسة الإبادة الجماعية بدون أي ضوابط اخلاقية. لقد أدت هذه الحرب الوحشية إلى تفرق العالم من حول امريكا واسرائيل، خاصة دول الجنوب، ووصلت هذه إلى الدول الغربية وجامعات وشوارع امريكا كلها التي أخذت مواقفاً ضد جرائم الكيان والإمبراطورية.
أصبحت الإمبراطورية في تبلورها الأخير ممثلة للقطاع العسكري الصناعي وتعمل للحروب واثارة الفتن والقتل بدون أي اكتراث وفقدت في تطورها أي قيم اخلاقية أو إنسانية. كل ما تفعل هو كيفية اخضاع البشرية لمصالح بنيتها الأمنية العسكرية. بركس ونموها الكبير جزء من العوامل المسرعة لتأكل قوى الإمبراطورية، لكن دلت تحركات افضل جامعات امريكا وأكثر عقولها تميزا ان تأكل عفن الإمبراطورية سوف يأتي من داخلها.
سوف نتابع اجتماع البركس في قازان في اكتوبر الحالي ونحاول ان نرى كيف سيتفاعل المجتمعون حول الموضوعات المختلفة التي ستطرح في الاجتماع وكيف ستؤثر على صناعة النظرة الجديدة للعالم من تعدد الأقطاب، احترام الندية، اختفاء القهر الثقافي والاستعباد الحضاري والعبودية الاقتصادية عبر الصندوق والبنك وكل القضايا المعقدة في هذا العالم المتنوع والمتعدد.
نحو عالم متعدد الأقطاب: قضايا بريكس- ٢
ظل الدولار هو اهم عملة تقريبا لقرن كامل. كل الآليات والتنظيمات التي تسيطر على الاقتصاد العالمي تم خلقها في زمن استعمار الدول وتم مأسستها في بريتون وودز ١٩٤٤ التي أعطت العملات الغربية تميزا وجعلت الدولار هو عملة الاحتياط العالمي واعطت امريكا حق الفيتو في الاقتصاد. وحولت الدولار لسلاح اقتصادي واستعملت العقوبات في تجميد مليارات الدول المختلفة.
ان امريكا لا تقوم سوى بطباعة الدولار ويكلف بضع سنتات ويصبح الدولار يساوي قيمته (يساوي دولار في السوق) التي لم تساهم فيه امريكا باي جهد مادي. لذلك فان دخلها القومي القائم على الطباعة الحرة للدولار يبلغ ٢٥ ترليون دولار، لكن بدأت تبدو مشكلة ديون بلغت ٣٥ ترليون دولار. لمقاومة هذه السيطرة التي لاتقوم على أساس موضوعي بحثت الدول في بريكس عن كيفية التخلص من الدولار.
تقوم البريكس على تساوي الدول في التمثيل (عكس صندوق النقد الدولي الذي يقوم على أصوات مقابل مبدأ المساهمة المالية) والرئاسة الدورية وستعقد مؤتمر في كازان في روسيا ٢٠-٢٤ اكتوبر ٢٠٢٤ ورئيس السنة الحالية هي روسيا.
لهذا المؤتمر جهزت روسيا وثيقة بعنوان "تحسين النظام النقدي و المالي العالمي ". تحدد الوثيقة عاملان هما المشكلتان الأساسيتان وهي النظام النقدي والمالي العالمي وسيطرة عملة الدولار. تدعو الوثيقة لآليات مختلفة تدعو لدمقرطة هذا النظام لتستفيد منه كل الدول وليس الدول الغنية المسيطرة. وتقترح نظاما جديدا يمكن الدول من تحاشي الدولرة وبالتالي التعرض للعقوبات الأمريكية وتختار الاستثمار والنمو عن طرق أخرى بديلة.
وتدعو لإنشاء بنية مستقلة عن الدولار تستفيد منه الدول في التعامل مع عملاتها المحلية. على ان تقود هذه العملية لعملة عالمية جديدة على المدى المتوسط ، كما ناقشت الوثيقة قضايا متعددة حول إمكانيات تعامل البنوك المركزية مع بعضها وحلول عديدة لهذا القضايا التي سوف تناقش في المؤتمر وسوف نسمع عنها بتفاصيل اكثر.
من اهم التصريحات الروسية كرئيس لبركس أنها ليست تجمعا حربياً كما يروج صقور حلف الناتو ولكنها تجمع لدول متساوية وأنها قائمة على ثلاث مبادي. الأول السياسة والأمن؛ ثانيا: الاقتصاد والتمويل؛ ثالثاً: التعاون الثقافي والإنساني.
وهي تجمع لدول عانت من الاستعمار والتدخلات الغربية وخلق فرص للتطور الاقتصادي، التجارة، تطوير البنيات الأساسية، التبادل العلمي والبحث وبشكل عام البحث عن خيارات بعيداً عن السيطرة الغربية.
ويرى بن نورتون وهو صحافي ومحلل استضافته قناة تقرير اقتصاد الجيوبوليتيكا ( geopolitical economy report) على اليوتيوب. بتاريخ ١٧ اكتوبر ٢٠٢٤، ان البريكس هي تجسيد لشعارات رفعتها دول عدم الانحياز ومجموعة ٧٧ وتدعو لها الآن اكثر من ١٣٤ دولة تعاني من سيطرة الغرب اللامتناهية والمذلة.
ان اللا دولرة تحدث فعلياً منذ سنوات عبر تخفيض الصين استعمال الدولار من ٨٠٪ قبل عقد إلى اقل من ٥٠٪ حالياً وعبر الاتفاقات مع روسيا والهند والبرازيل تمضي المسيرة. وسوف نرى موقف السعودية التي رفضت ربط الدولار بالنفط في المؤتمر.
وتم إنشاء بنك التنمية الجديد في شنغهاي وهو بنك يعمل بمباديء بريكس والذي اعلن انه سوف يقدم ٣٠٪ من التمويلات بالعملات المحلية وسوف يعمل على التخلص من الدولارات في عمله في المستقبل القريب.
على مستوى أفريقيا فقد تم الاتفاق على إنشاء نظام بانافريكان للدفعيات والتسويات بالعملات المحلية ودشنت في غانا ٢٠٢٢. كما تم إنشاء نظام مماثل للدفع في اسيا وتم التوقيع عليه في إندونيسيا ٢٠٢٣.
مع كل هذه الأحداث والمواقف الإقليمية والدولية للابتعاد عن الدولرة عالمياً وافريقياً منذ عقود للتخلص من السيطرة الغربية. فقد حدث العكس في سودان الثورة. فقد كذب حمدوك ان قحت انذاك لم تسلمه البرنامج الإسعافي الذي يقوم تقريبا على هذه المباديء وتغيير العملة. وبعد ان كذب ذهب لمشغليه في شاتام هاوس واحضر للبلاد اتعس وأكثر الاتفاقات حقارة ومذلة مع صندوق النقد الدولي والتي رفعت سعر الدولار من ٤٥ جنيه إلى ٥٠٠ جنيه وقلبت حياة السودانيين لجحيم وكذلك اتفه تدخلات الأمم المتحدة.
نحو عالم متعدد الأقطاب: قضايا البريكس -٣
أشار التقرير "تحسين النظام النقدي و المالي العالمي" المشار اليه ان النظام المالي والنقدي العالمي (وهي الصندوق والبنك ونظام السويفت) غير كفء، علاوة على انه غير منصف وغير عادل أساسا. عمره اكثر من ١٠٠ عام ويحتاج لمراجعات واهم مشاكله هو الاعتماد على عملة وحيدة ونظام نقدي مركزي التي بالتالي تجعل كل المداخيل المالية تستثمر في الدول الغنية وليس الاقتصاديات الناشئة. وهناك تجيير اغلب الثروات للأغنياء بفضل هذه المنظومة ولصالحها وكذلك استغلال العقوبات التي يخضع لها ثلث العالم.
ان ممارسة التجارة عبر الحدود بالعملات المحلية تحتاج لإطارين مختلفين ، الأول: تغيير نظام السويفت الواقع تحت السيطرة الغربية بالكامل؛ والثانية: إنشاء شبكة معاملات تسمح بالتبادل عبر العملات المحلية تشمل البنوك والبنوك المركزية. كما دعت الوثيقة للأدولرة الاستثمار وذلك عن طريق الاستثمار المباشر بين الدول دون العبور بطريق المراكز المالية كلندن أو نيويورك أو غيرها من المراكز المالية في النموذج القديم.
هناك دعوة ايضاً لخلق نموذج جديد في تمويل التنمية والتي تضطر الدول الفقيرة للاستدانة بعملات اجنبية بفوائد كبيرة اكثر من الدول الغنية. ولذلك دعت لإنشاء بنوك وكنموذج انشات بنك التنمية الجديد في شانغهاي ( بدأ نشاطه بتوفير ٥ مليار دولار مقابل ٩٣٢ مليار في الصندوق).
المشكلة الكبيرة تكمن في صندوق النقد الدولي والذي نظام حوكمته غير عادل تماماً. حيث يمثل ٣٥ دولة غنية ١٢ عضوا ويمثل ١٥٥ دولة ١٢ عضواً وتعتبر تحت سيطرة الغرب كلياً، كل الرؤوساء كانوا امريكين وكل المدراء التنفيذيين كانوا من الاوربيين الغربيين. وهناك دولة وحيدة لديها الفيتو في الصندوق والبنك الدولي هي الولايات المتحدة.
تمتلك G7 ما مقداره ٤١٪ من الأصوات رغم أنهم يمثلون ٣٠٪ فقط من القدرة الاقتصادية. بينما تمثل دول البريكس ٣٢٪ من القدرة الاقتصادية ولديهم ١٣.٥٪ من الأصوات فقط. وقامت دول البريكس منذ دورات عديدة بانشاء مايسمى اتفاقية احتياطي الطواريء (contingent reserve agreement). ودعت الوثيقة لاصلاحه من الخطاً الأساسي في ان الذين وضعوه ممن تدربوا في الغرب أنهم وضعوه مثل الصندوق. ان الصورة العامة جعلت الأغنياء يزدادون غنى والفقراء يكافحون للنمو ويعزي هذا للنظام المالي والنقدي. مما فتح أعين العديد من الدول وجعلها تفكر فيما إذا كان النظام المالي العالمي الحالي، القائم على هيمنة الدولار واليورو، عادلا وقابلا للحياة.
مؤتمر كازان سوف يناقش مسائل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ونظام السويفت والحلول البديلة التي يتم نقاشها واللادولرة. كل هذه الآليات هي وسائل السيطرة الغربية ومجرد نقاشها تعني أنها وضعت كاجندة للدول الضد هذه السيطرة وتعني أغلب دول العالم.
ويضم تجتمع البريكس في عضويته حالياً كلا من : البرازيل ، روسيا ، الهند ، الصين ، جنوب أفريقيا ، مصر ، إثيوبيا ، إيران ، السعودية ، والإمارات العربية المتحدة. وهي بداية مثيرة للاهتمام لان الدول الأربع غير ايران مرتبطة بالاقتصاد والسياسة الغربية بشكل لصيق ووجودها هنا في قلب منطقة تغيير عنيفة ضد الهيمنة الغربية يحتاج لتفحص دقيق وسوف نتابعها في تطوراتها.
نحو عالم متعدد الأقطاب: قضايا البريكس -٤
بدات عملية التقارب منذ عدة أعوام بين الدول النامية نحو التخلص من الدولار في مدفوعاتها الدولية والابتعاد عن الدولار واليورو في الاحتياطيات المالية لبلادها، وأن البريكس بدأت العمل كمنصة تنسيق لتوحيد هذه الدول بهذه العملية، كما تشير إلى ذلك الأرقام وقائمة الدول التي تسعى للانضمام إلى المنظمة
وبرأي بن نورتون، ان الحديث الدائر في وسائل الإعلام الغربية -بأن "بريكس" راكدة اقتصاديا وفشلت في تحقيق أهدافها لأن منطلقاتها سياسية صرفة- لا يستقيم مع الواقع، إذ انتعشت التجارة البنية بين دول "بريكس" بشكل ملحوظ. ويوضح أن الجهات المشككة تتجاهل عامل الوقت الضروري اللازم لبلورة نظام اقتصادي دولي جديد، وهي مرحلة إلزامية مرت بها كافة المنظمات الدولية عند نشأتها، بما في ذلك مجموعة الدول الصناعية السبع.
ويعتبر أن مخاوف المنظومة الغربية التي دفعتها لتوجيه تهديدات لبعض "بريكس" هي أكبر دليل على الخطر الذي يمثله إنشاء بنك تنمية عالمي جديد للمجموعة، والذي يعني في المقام الأول التخلي التدريجي عن اليورو والدولار في المدفوعات وتعزيز العملات الوطنية. ويشير إلى أنه حتى لو كان الاتفاق على تطوير التعاون المالي، وتوفير خطوط ائتمان متبادلة بالعملات الوطنية بين الأعضاء، ذا طابع إطاري عام، فإن الخطوة الأولى نحو التخلص من "الدولرة" ما زالت في الطريق.
وكان من المقرر أن تناقش قمة البريكس الأخيرة في جوهانسبرغ بجنوب أفريقيا العام الماضي إمكانية إنشاء عملة موحدة للدول الأعضاء، لكن هذا لم يحدث. ويتوقع أن تتم العودة إلى هذه القضية في قمة قازان. وبهذا الخصوص، قال ألكسندر بانكين نائب وزير الخارجية الروسي أن العمل جارٍ للتحرك نحو عملة موحدة للاستخدام في إطار البريكس، لكن هذه العملية تواجه بعض التعقيدات بسبب التشريعات، فكل دولة لديها حيثياتها الوطنية الخاصة في هذا الشأن،
نشأت المجموعة في سياق الأزمة المالية العالمية عام 2008 كتحالف إصلاحي يهدف إلى تحدي الهيمنة الغربية على المؤسسات المالية المتعددة الأطراف. ومنذ عام 2014، اكتسبت مجموعة البريكس طابعًا جيوسياسيًّا بهدف تحدي النظام العالمي الحالي الذي تهيمن عليه القوى الغربية، ويتجاهل أصوات الأغلبية، ولتعزيز نظام دولي أكثر شرعي
تواجه المجموعة تحديات ربما أكبرها المنافسة بين الصين والهند في الزعامة وماقد تفرزه هذه من إشكالات في قضايا الحوكمة. كما ان هناك القضية الأخرى حول الاختلاف في الممرات التجارية وتحالفاتها، مثل طريق الحرير الصيني عبر اسيا وروسيا لاوربا والطريق الشرق أوسطي الهند الخليج اسرائيل اوربا وهو مشروع غربي بالكامل.
القضية المهمة الأخرى هي استراتيجياتها التوسعية والمعايير التي ستحدد اضافة الأعضاء الجدد، غير ايران - الأعضاء الأربع الحاليين أثيوبيا ومصر والإمارات والسعودية والمرتبطة بنيويا بالسيطرة الغربية ومن اهم أدواتها في تكريس سياساته. وكذلك مع رغبة أعداد كبيرة من الدول -حالياً حوالي ٤٠ دولة- في الانضمام لبريكس بلس كما سيسمى.
هناك ايضاً وجهتي نظر بخصوص العمل العسكري. الصين وروسيا وايران هي محور من محاور هذه الدول وقد اجرت مناورات بحرية عسكرية مشتركة في مارس ٢٠٢٤ في خليج عمان وهي نقطة العبور في الخليج لحوالي ٣٠٪ من انتاج النفط العالمي عبر مضيق هرمز. أما الدول الأخرى فكانت اكثر تحوطاً وتجنباً للانحياز العسكري. حيث لم تنضم -على نحو جاد- إلى العقوبات الأمريكية والغربية الصارمة على روسيا، أو تشارك في الحرب التُجارية الأمريكية على الصين، كما انخرطت البلدان العربية، لا سيما السعودية، في اتفاق لخفض التصعيد مع إيران برعاية صينية. لذا من المستبعد وغير المتوقع أن توافق الدول التي تخلق “كُتلة عدم انحياز جديدة” بميثاق غير مكتوب أو مُعلن على أي كيانات أو أفعال عسكرية قد تأتي تحت مظلة البركس.
انعقد مؤتمر كازان منذ ٢٢ -٢٤ اكتوبر ٢٠٢٤ وسوف تعكس في بيانها الختامي القضايا التي تم الاتفاق عليها وسوف نتابع قضايا الخلاف وكيفية سوف يتطور كنظام عالمي خلال عقد أو اثنين. كما سوف نتابع المناورات ومحاولات التخريب الذي سوف تمارسها الإمبراطورية وامتداداتها على المؤسسات والأبنية التي سوف تنشأها دول البريكس، وكذلك محاولات الضغط لثني الدول عن الانتساب.
نحو عالم متعدد الأقطاب: قضايا البريكس -٥
قبل انعقاد قمة كازان استطاعت الصين والهند التوصل لاتفاق حول حل المشاكل الحدودية طويلة الأمد عن طريق الدبلوماسية.
شاركت في القمة 38 دولة، منها 24 دولة ممثلة بقادتها، أما 8 دول فسيمثلها مسؤولون رفيعو المستوى، كذلك من المقرر أن يشارك في القمة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش.، ورئيس بنك التنمية الجديد التابع لتجمع البريكس ديلما روسيف.
وتضم بريكس بشكلها الحالي أكثر من 45% من سكان العالم (3.25 مليارات نسمة) و 33.9% من إجمالي مساحة اليابسة، ويبلغ حجم اقتصاد المجموعة 29 تريليون دولار، بما يمثل حوالي 29% من حجم الاقتصاد العالمي. وبحسب بيانات البنك الدولي أضافت الدول الخمس الجديدة 3.24 تريليونات دولار إلى اقتصادات المجموعة. وهناك التباين في القوة الاقتصادية والتنموية، فالصين تمثل وحدها 69% من إجمالي الناتج المحلي لبريكس، وهو أكثر من ضعف حجم جميع أعضاء "بريكس" الآخرين مجتمعين.
يمثل حجم الناتج المحلي الإجمالي لمجموعة "بريكس" بناء على معيار تعادل القوة الشرائية نسبة 36.7% من الاقتصاد العالمي، وتشكل حوالي 16% من التجارة العالمية، حيث يساهم التكتل بحوالي 16% من حركة الصادرات، و15% من واردات العالم من السلع والخدمات. . وتسيطر المجموعة -بعد انضمام السعودية والإمارات وإيران- على 80% من إنتاج النفط العالمي، وعلى 38% من إنتاج الغاز و67% من إنتاج الفحم في السوق العالمية.كما تتحكم مجموعة بريكس في أكثر من 50% من احتياطي الذهب والعملات، وتنتج أكثر من 30% مما يحتاجه العالم من السلع والمنتجات بقيادة الصين والهند.
في اللادولرة تشير الأرقام إلى أن المبادلات بالعملات المحلية تكتسب زخما متزايدا خصوصا الروبية الهندية واليوان الصيني، وبذلت بكين جهودا كبيرة للترويج لعملتها (اليوان) في التجارة الدولية مع زيادة التوترات الجيوسياسية مع الولايات المتحدة، ويشهد اليوان منذ عام 2016 أسرع معدل نمو بين العملات العالمية.
وبدأت المملكة العربية السعودية والبرازيل والهند والأرجنتين وباكستان وبوليفيا والعراق ودول أخرى إنجاز صفقات باستخدام اليوان أو أعربت عن استعدادها للمشاركة في التجارة المقومة باليوان في المستقبل. كما بدأت الهند والإمارات ودول أخرى اعتماد الروبية والعملات المحلية في المعاملات البينية.
ومن شأن اعتماد عملات أخرى في تجارة النفط والغاز والسلع الإستراتيجية الأخرى كالمعادن النادرة أن يحد كثيرا من هيمنة الدولار على الأسواق العالمية. وفي السياق ذاته، تسعى دول المجموعة إلى إقرار نظام دفع وتحويلات مالية جديد متعدد الأطراف والجنسيات يشكل بديلا لنظام الدفع الأميركي "سويفت".
كما عرضت البركس نظام دفع جديد Pay وتم اختباره بنجاح كما شكل حضور صربيا من الاتحاد الأوربي ورغبة تركيا عضو الناتو الانضمام للمجموعة، انشقاقات خطيرة في تماسك توابع الإمبراطورية.
ان العالم يشهد بحق انبثاق عالم جديد تؤذن بانتهاء العالم الذي قام على انقاض الاستعمار بعد الحرب العالمية الثانية وترافق معها نشوء اسرائيل وتايوان. نشهد بام أعيننا انهيار تابرادايم القديم ونشوء آخر جديد.
في المقال القادم سوف أبدا في تناول انبثاق هذا العالم الجديد في السودان.
omem99@gmail.com
د. عمرو محمد عباس محجوب
في عام ٢٠٠٧ تحدث بوتين بصراحة عن الحاجة لعالم متعدد الأقطاب لان الولايات المتحدة تقوم بأعمال غير معقولة في التدخل في شئون الدول (العراق مثلا).
كانت روسيا وحيدة انذاك في دعوتها فالصين تجتهد في ان تصبح عملاقاً اقتصادياً بالتعاون مع امريكا. في عام ٢٠١٤ تم تعليق عضوية روسيا من G8 بعد ضم القرم لأجل غير مسمى وعادت لاسمها القديم G7 وهو نادي الأمم المتطورة اقتصاديا.
عملت روسيا للدعوة لبريكس وبدات ٢٠٠٩ كنادي مجاور يدعو لعالم متعدد الأقطاب وضم الاجتماع الأول روسيا والهند والصين والبرازيل (بريك) ثم انضمت جنوب أفريقيا عام ٢٠١٠ واصبحت بريكس. تشكل مساحة هذه الدول ربع مساحة اليابسة، وعدد سكانها يقارب 40% من سكان الأرض.
تطور بريكس
مع ظهور بريكس واهمية مانادت به لم تكن الدول متحمسة لأخذ خطوات كبرى، فروسيا نفسها كان لها ارتباطات كبيرة بالاقتصاد الغربي وتعتمد الدولار في تعاملها كما ان الشعب الروسي كان يرتبط كجمهورية ديمقراطية بالثقافة الغربية وايضاً غيرها من الدول لم تكن مستعدة
حدث التحول بعد حرب أوكرانيا وقرار الغرب عبر قرارات المقاطعة وقطع علاقات روسيا بالغرب والدولار ولكن اخطر قرار كان تجميد أموال روسيا في البنوك الغربية (أثار هذا مخاوف الجميع ان يفعل بهم الغرب مثل هذا عند اول سوء تفاهم)..
كانت البريكس تتحفظ في التوسعة وهكذا تم الاعتذار لتركيا عام ٢٠١٩ ولكن بعد ٢٠٢٢ بدأت بريكس في إثارة حماس الجميع وبدأت في قبول فكرة التوسع. طرحت فكرة استبدال الدولار والتعامل بعملة جديدة واصبحت الفكرة التي كانت عليها تحفظات كثيرة قيد البحث والتنفيذ، بل ان السعودية رفضت ربط النفط بالدولار عندما حان تجديد الاتفاقية التي عقدت قبل ٥٠ عاماً.
بدأت بريكس ببناء بنيّاتها التأسيسية والإدارية وغيرها بسرعة فائقة خلال عام ٢٠٢٣ وتقدمت دول كثيرة تعلن رغبتها في الانضمام وبدات مناقشات متعددة حول كافة المنظومات السياسية مثل الأمم المتحدة خاصة مجلس الأمن والمالية مثل صندوق النقد والبنك الدولي حتى الآن، باعتبارها جزء من اجهزة تخدم الهيمنة الغربية عموما والأمريكية خصوصاً وتكرسها وتفرض بها سيطرتها.
كان استفزاز الروس لغزو أوكرانيا وتكشف نوايا الغرب عاملا مساعداً في تراجع التأييد لأمريكا من العالم، لكن العامل الحاسم كان في مساندة الكيان العنصري في ممارسة الإبادة الجماعية بدون أي ضوابط اخلاقية. لقد أدت هذه الحرب الوحشية إلى تفرق العالم من حول امريكا واسرائيل، خاصة دول الجنوب، ووصلت هذه إلى الدول الغربية وجامعات وشوارع امريكا كلها التي أخذت مواقفاً ضد جرائم الكيان والإمبراطورية.
أصبحت الإمبراطورية في تبلورها الأخير ممثلة للقطاع العسكري الصناعي وتعمل للحروب واثارة الفتن والقتل بدون أي اكتراث وفقدت في تطورها أي قيم اخلاقية أو إنسانية. كل ما تفعل هو كيفية اخضاع البشرية لمصالح بنيتها الأمنية العسكرية. بركس ونموها الكبير جزء من العوامل المسرعة لتأكل قوى الإمبراطورية، لكن دلت تحركات افضل جامعات امريكا وأكثر عقولها تميزا ان تأكل عفن الإمبراطورية سوف يأتي من داخلها.
سوف نتابع اجتماع البركس في قازان في اكتوبر الحالي ونحاول ان نرى كيف سيتفاعل المجتمعون حول الموضوعات المختلفة التي ستطرح في الاجتماع وكيف ستؤثر على صناعة النظرة الجديدة للعالم من تعدد الأقطاب، احترام الندية، اختفاء القهر الثقافي والاستعباد الحضاري والعبودية الاقتصادية عبر الصندوق والبنك وكل القضايا المعقدة في هذا العالم المتنوع والمتعدد.
نحو عالم متعدد الأقطاب: قضايا بريكس- ٢
ظل الدولار هو اهم عملة تقريبا لقرن كامل. كل الآليات والتنظيمات التي تسيطر على الاقتصاد العالمي تم خلقها في زمن استعمار الدول وتم مأسستها في بريتون وودز ١٩٤٤ التي أعطت العملات الغربية تميزا وجعلت الدولار هو عملة الاحتياط العالمي واعطت امريكا حق الفيتو في الاقتصاد. وحولت الدولار لسلاح اقتصادي واستعملت العقوبات في تجميد مليارات الدول المختلفة.
ان امريكا لا تقوم سوى بطباعة الدولار ويكلف بضع سنتات ويصبح الدولار يساوي قيمته (يساوي دولار في السوق) التي لم تساهم فيه امريكا باي جهد مادي. لذلك فان دخلها القومي القائم على الطباعة الحرة للدولار يبلغ ٢٥ ترليون دولار، لكن بدأت تبدو مشكلة ديون بلغت ٣٥ ترليون دولار. لمقاومة هذه السيطرة التي لاتقوم على أساس موضوعي بحثت الدول في بريكس عن كيفية التخلص من الدولار.
تقوم البريكس على تساوي الدول في التمثيل (عكس صندوق النقد الدولي الذي يقوم على أصوات مقابل مبدأ المساهمة المالية) والرئاسة الدورية وستعقد مؤتمر في كازان في روسيا ٢٠-٢٤ اكتوبر ٢٠٢٤ ورئيس السنة الحالية هي روسيا.
لهذا المؤتمر جهزت روسيا وثيقة بعنوان "تحسين النظام النقدي و المالي العالمي ". تحدد الوثيقة عاملان هما المشكلتان الأساسيتان وهي النظام النقدي والمالي العالمي وسيطرة عملة الدولار. تدعو الوثيقة لآليات مختلفة تدعو لدمقرطة هذا النظام لتستفيد منه كل الدول وليس الدول الغنية المسيطرة. وتقترح نظاما جديدا يمكن الدول من تحاشي الدولرة وبالتالي التعرض للعقوبات الأمريكية وتختار الاستثمار والنمو عن طرق أخرى بديلة.
وتدعو لإنشاء بنية مستقلة عن الدولار تستفيد منه الدول في التعامل مع عملاتها المحلية. على ان تقود هذه العملية لعملة عالمية جديدة على المدى المتوسط ، كما ناقشت الوثيقة قضايا متعددة حول إمكانيات تعامل البنوك المركزية مع بعضها وحلول عديدة لهذا القضايا التي سوف تناقش في المؤتمر وسوف نسمع عنها بتفاصيل اكثر.
من اهم التصريحات الروسية كرئيس لبركس أنها ليست تجمعا حربياً كما يروج صقور حلف الناتو ولكنها تجمع لدول متساوية وأنها قائمة على ثلاث مبادي. الأول السياسة والأمن؛ ثانيا: الاقتصاد والتمويل؛ ثالثاً: التعاون الثقافي والإنساني.
وهي تجمع لدول عانت من الاستعمار والتدخلات الغربية وخلق فرص للتطور الاقتصادي، التجارة، تطوير البنيات الأساسية، التبادل العلمي والبحث وبشكل عام البحث عن خيارات بعيداً عن السيطرة الغربية.
ويرى بن نورتون وهو صحافي ومحلل استضافته قناة تقرير اقتصاد الجيوبوليتيكا ( geopolitical economy report) على اليوتيوب. بتاريخ ١٧ اكتوبر ٢٠٢٤، ان البريكس هي تجسيد لشعارات رفعتها دول عدم الانحياز ومجموعة ٧٧ وتدعو لها الآن اكثر من ١٣٤ دولة تعاني من سيطرة الغرب اللامتناهية والمذلة.
ان اللا دولرة تحدث فعلياً منذ سنوات عبر تخفيض الصين استعمال الدولار من ٨٠٪ قبل عقد إلى اقل من ٥٠٪ حالياً وعبر الاتفاقات مع روسيا والهند والبرازيل تمضي المسيرة. وسوف نرى موقف السعودية التي رفضت ربط الدولار بالنفط في المؤتمر.
وتم إنشاء بنك التنمية الجديد في شنغهاي وهو بنك يعمل بمباديء بريكس والذي اعلن انه سوف يقدم ٣٠٪ من التمويلات بالعملات المحلية وسوف يعمل على التخلص من الدولارات في عمله في المستقبل القريب.
على مستوى أفريقيا فقد تم الاتفاق على إنشاء نظام بانافريكان للدفعيات والتسويات بالعملات المحلية ودشنت في غانا ٢٠٢٢. كما تم إنشاء نظام مماثل للدفع في اسيا وتم التوقيع عليه في إندونيسيا ٢٠٢٣.
مع كل هذه الأحداث والمواقف الإقليمية والدولية للابتعاد عن الدولرة عالمياً وافريقياً منذ عقود للتخلص من السيطرة الغربية. فقد حدث العكس في سودان الثورة. فقد كذب حمدوك ان قحت انذاك لم تسلمه البرنامج الإسعافي الذي يقوم تقريبا على هذه المباديء وتغيير العملة. وبعد ان كذب ذهب لمشغليه في شاتام هاوس واحضر للبلاد اتعس وأكثر الاتفاقات حقارة ومذلة مع صندوق النقد الدولي والتي رفعت سعر الدولار من ٤٥ جنيه إلى ٥٠٠ جنيه وقلبت حياة السودانيين لجحيم وكذلك اتفه تدخلات الأمم المتحدة.
نحو عالم متعدد الأقطاب: قضايا البريكس -٣
أشار التقرير "تحسين النظام النقدي و المالي العالمي" المشار اليه ان النظام المالي والنقدي العالمي (وهي الصندوق والبنك ونظام السويفت) غير كفء، علاوة على انه غير منصف وغير عادل أساسا. عمره اكثر من ١٠٠ عام ويحتاج لمراجعات واهم مشاكله هو الاعتماد على عملة وحيدة ونظام نقدي مركزي التي بالتالي تجعل كل المداخيل المالية تستثمر في الدول الغنية وليس الاقتصاديات الناشئة. وهناك تجيير اغلب الثروات للأغنياء بفضل هذه المنظومة ولصالحها وكذلك استغلال العقوبات التي يخضع لها ثلث العالم.
ان ممارسة التجارة عبر الحدود بالعملات المحلية تحتاج لإطارين مختلفين ، الأول: تغيير نظام السويفت الواقع تحت السيطرة الغربية بالكامل؛ والثانية: إنشاء شبكة معاملات تسمح بالتبادل عبر العملات المحلية تشمل البنوك والبنوك المركزية. كما دعت الوثيقة للأدولرة الاستثمار وذلك عن طريق الاستثمار المباشر بين الدول دون العبور بطريق المراكز المالية كلندن أو نيويورك أو غيرها من المراكز المالية في النموذج القديم.
هناك دعوة ايضاً لخلق نموذج جديد في تمويل التنمية والتي تضطر الدول الفقيرة للاستدانة بعملات اجنبية بفوائد كبيرة اكثر من الدول الغنية. ولذلك دعت لإنشاء بنوك وكنموذج انشات بنك التنمية الجديد في شانغهاي ( بدأ نشاطه بتوفير ٥ مليار دولار مقابل ٩٣٢ مليار في الصندوق).
المشكلة الكبيرة تكمن في صندوق النقد الدولي والذي نظام حوكمته غير عادل تماماً. حيث يمثل ٣٥ دولة غنية ١٢ عضوا ويمثل ١٥٥ دولة ١٢ عضواً وتعتبر تحت سيطرة الغرب كلياً، كل الرؤوساء كانوا امريكين وكل المدراء التنفيذيين كانوا من الاوربيين الغربيين. وهناك دولة وحيدة لديها الفيتو في الصندوق والبنك الدولي هي الولايات المتحدة.
تمتلك G7 ما مقداره ٤١٪ من الأصوات رغم أنهم يمثلون ٣٠٪ فقط من القدرة الاقتصادية. بينما تمثل دول البريكس ٣٢٪ من القدرة الاقتصادية ولديهم ١٣.٥٪ من الأصوات فقط. وقامت دول البريكس منذ دورات عديدة بانشاء مايسمى اتفاقية احتياطي الطواريء (contingent reserve agreement). ودعت الوثيقة لاصلاحه من الخطاً الأساسي في ان الذين وضعوه ممن تدربوا في الغرب أنهم وضعوه مثل الصندوق. ان الصورة العامة جعلت الأغنياء يزدادون غنى والفقراء يكافحون للنمو ويعزي هذا للنظام المالي والنقدي. مما فتح أعين العديد من الدول وجعلها تفكر فيما إذا كان النظام المالي العالمي الحالي، القائم على هيمنة الدولار واليورو، عادلا وقابلا للحياة.
مؤتمر كازان سوف يناقش مسائل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ونظام السويفت والحلول البديلة التي يتم نقاشها واللادولرة. كل هذه الآليات هي وسائل السيطرة الغربية ومجرد نقاشها تعني أنها وضعت كاجندة للدول الضد هذه السيطرة وتعني أغلب دول العالم.
ويضم تجتمع البريكس في عضويته حالياً كلا من : البرازيل ، روسيا ، الهند ، الصين ، جنوب أفريقيا ، مصر ، إثيوبيا ، إيران ، السعودية ، والإمارات العربية المتحدة. وهي بداية مثيرة للاهتمام لان الدول الأربع غير ايران مرتبطة بالاقتصاد والسياسة الغربية بشكل لصيق ووجودها هنا في قلب منطقة تغيير عنيفة ضد الهيمنة الغربية يحتاج لتفحص دقيق وسوف نتابعها في تطوراتها.
نحو عالم متعدد الأقطاب: قضايا البريكس -٤
بدات عملية التقارب منذ عدة أعوام بين الدول النامية نحو التخلص من الدولار في مدفوعاتها الدولية والابتعاد عن الدولار واليورو في الاحتياطيات المالية لبلادها، وأن البريكس بدأت العمل كمنصة تنسيق لتوحيد هذه الدول بهذه العملية، كما تشير إلى ذلك الأرقام وقائمة الدول التي تسعى للانضمام إلى المنظمة
وبرأي بن نورتون، ان الحديث الدائر في وسائل الإعلام الغربية -بأن "بريكس" راكدة اقتصاديا وفشلت في تحقيق أهدافها لأن منطلقاتها سياسية صرفة- لا يستقيم مع الواقع، إذ انتعشت التجارة البنية بين دول "بريكس" بشكل ملحوظ. ويوضح أن الجهات المشككة تتجاهل عامل الوقت الضروري اللازم لبلورة نظام اقتصادي دولي جديد، وهي مرحلة إلزامية مرت بها كافة المنظمات الدولية عند نشأتها، بما في ذلك مجموعة الدول الصناعية السبع.
ويعتبر أن مخاوف المنظومة الغربية التي دفعتها لتوجيه تهديدات لبعض "بريكس" هي أكبر دليل على الخطر الذي يمثله إنشاء بنك تنمية عالمي جديد للمجموعة، والذي يعني في المقام الأول التخلي التدريجي عن اليورو والدولار في المدفوعات وتعزيز العملات الوطنية. ويشير إلى أنه حتى لو كان الاتفاق على تطوير التعاون المالي، وتوفير خطوط ائتمان متبادلة بالعملات الوطنية بين الأعضاء، ذا طابع إطاري عام، فإن الخطوة الأولى نحو التخلص من "الدولرة" ما زالت في الطريق.
وكان من المقرر أن تناقش قمة البريكس الأخيرة في جوهانسبرغ بجنوب أفريقيا العام الماضي إمكانية إنشاء عملة موحدة للدول الأعضاء، لكن هذا لم يحدث. ويتوقع أن تتم العودة إلى هذه القضية في قمة قازان. وبهذا الخصوص، قال ألكسندر بانكين نائب وزير الخارجية الروسي أن العمل جارٍ للتحرك نحو عملة موحدة للاستخدام في إطار البريكس، لكن هذه العملية تواجه بعض التعقيدات بسبب التشريعات، فكل دولة لديها حيثياتها الوطنية الخاصة في هذا الشأن،
نشأت المجموعة في سياق الأزمة المالية العالمية عام 2008 كتحالف إصلاحي يهدف إلى تحدي الهيمنة الغربية على المؤسسات المالية المتعددة الأطراف. ومنذ عام 2014، اكتسبت مجموعة البريكس طابعًا جيوسياسيًّا بهدف تحدي النظام العالمي الحالي الذي تهيمن عليه القوى الغربية، ويتجاهل أصوات الأغلبية، ولتعزيز نظام دولي أكثر شرعي
تواجه المجموعة تحديات ربما أكبرها المنافسة بين الصين والهند في الزعامة وماقد تفرزه هذه من إشكالات في قضايا الحوكمة. كما ان هناك القضية الأخرى حول الاختلاف في الممرات التجارية وتحالفاتها، مثل طريق الحرير الصيني عبر اسيا وروسيا لاوربا والطريق الشرق أوسطي الهند الخليج اسرائيل اوربا وهو مشروع غربي بالكامل.
القضية المهمة الأخرى هي استراتيجياتها التوسعية والمعايير التي ستحدد اضافة الأعضاء الجدد، غير ايران - الأعضاء الأربع الحاليين أثيوبيا ومصر والإمارات والسعودية والمرتبطة بنيويا بالسيطرة الغربية ومن اهم أدواتها في تكريس سياساته. وكذلك مع رغبة أعداد كبيرة من الدول -حالياً حوالي ٤٠ دولة- في الانضمام لبريكس بلس كما سيسمى.
هناك ايضاً وجهتي نظر بخصوص العمل العسكري. الصين وروسيا وايران هي محور من محاور هذه الدول وقد اجرت مناورات بحرية عسكرية مشتركة في مارس ٢٠٢٤ في خليج عمان وهي نقطة العبور في الخليج لحوالي ٣٠٪ من انتاج النفط العالمي عبر مضيق هرمز. أما الدول الأخرى فكانت اكثر تحوطاً وتجنباً للانحياز العسكري. حيث لم تنضم -على نحو جاد- إلى العقوبات الأمريكية والغربية الصارمة على روسيا، أو تشارك في الحرب التُجارية الأمريكية على الصين، كما انخرطت البلدان العربية، لا سيما السعودية، في اتفاق لخفض التصعيد مع إيران برعاية صينية. لذا من المستبعد وغير المتوقع أن توافق الدول التي تخلق “كُتلة عدم انحياز جديدة” بميثاق غير مكتوب أو مُعلن على أي كيانات أو أفعال عسكرية قد تأتي تحت مظلة البركس.
انعقد مؤتمر كازان منذ ٢٢ -٢٤ اكتوبر ٢٠٢٤ وسوف تعكس في بيانها الختامي القضايا التي تم الاتفاق عليها وسوف نتابع قضايا الخلاف وكيفية سوف يتطور كنظام عالمي خلال عقد أو اثنين. كما سوف نتابع المناورات ومحاولات التخريب الذي سوف تمارسها الإمبراطورية وامتداداتها على المؤسسات والأبنية التي سوف تنشأها دول البريكس، وكذلك محاولات الضغط لثني الدول عن الانتساب.
نحو عالم متعدد الأقطاب: قضايا البريكس -٥
قبل انعقاد قمة كازان استطاعت الصين والهند التوصل لاتفاق حول حل المشاكل الحدودية طويلة الأمد عن طريق الدبلوماسية.
شاركت في القمة 38 دولة، منها 24 دولة ممثلة بقادتها، أما 8 دول فسيمثلها مسؤولون رفيعو المستوى، كذلك من المقرر أن يشارك في القمة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش.، ورئيس بنك التنمية الجديد التابع لتجمع البريكس ديلما روسيف.
وتضم بريكس بشكلها الحالي أكثر من 45% من سكان العالم (3.25 مليارات نسمة) و 33.9% من إجمالي مساحة اليابسة، ويبلغ حجم اقتصاد المجموعة 29 تريليون دولار، بما يمثل حوالي 29% من حجم الاقتصاد العالمي. وبحسب بيانات البنك الدولي أضافت الدول الخمس الجديدة 3.24 تريليونات دولار إلى اقتصادات المجموعة. وهناك التباين في القوة الاقتصادية والتنموية، فالصين تمثل وحدها 69% من إجمالي الناتج المحلي لبريكس، وهو أكثر من ضعف حجم جميع أعضاء "بريكس" الآخرين مجتمعين.
يمثل حجم الناتج المحلي الإجمالي لمجموعة "بريكس" بناء على معيار تعادل القوة الشرائية نسبة 36.7% من الاقتصاد العالمي، وتشكل حوالي 16% من التجارة العالمية، حيث يساهم التكتل بحوالي 16% من حركة الصادرات، و15% من واردات العالم من السلع والخدمات. . وتسيطر المجموعة -بعد انضمام السعودية والإمارات وإيران- على 80% من إنتاج النفط العالمي، وعلى 38% من إنتاج الغاز و67% من إنتاج الفحم في السوق العالمية.كما تتحكم مجموعة بريكس في أكثر من 50% من احتياطي الذهب والعملات، وتنتج أكثر من 30% مما يحتاجه العالم من السلع والمنتجات بقيادة الصين والهند.
في اللادولرة تشير الأرقام إلى أن المبادلات بالعملات المحلية تكتسب زخما متزايدا خصوصا الروبية الهندية واليوان الصيني، وبذلت بكين جهودا كبيرة للترويج لعملتها (اليوان) في التجارة الدولية مع زيادة التوترات الجيوسياسية مع الولايات المتحدة، ويشهد اليوان منذ عام 2016 أسرع معدل نمو بين العملات العالمية.
وبدأت المملكة العربية السعودية والبرازيل والهند والأرجنتين وباكستان وبوليفيا والعراق ودول أخرى إنجاز صفقات باستخدام اليوان أو أعربت عن استعدادها للمشاركة في التجارة المقومة باليوان في المستقبل. كما بدأت الهند والإمارات ودول أخرى اعتماد الروبية والعملات المحلية في المعاملات البينية.
ومن شأن اعتماد عملات أخرى في تجارة النفط والغاز والسلع الإستراتيجية الأخرى كالمعادن النادرة أن يحد كثيرا من هيمنة الدولار على الأسواق العالمية. وفي السياق ذاته، تسعى دول المجموعة إلى إقرار نظام دفع وتحويلات مالية جديد متعدد الأطراف والجنسيات يشكل بديلا لنظام الدفع الأميركي "سويفت".
كما عرضت البركس نظام دفع جديد Pay وتم اختباره بنجاح كما شكل حضور صربيا من الاتحاد الأوربي ورغبة تركيا عضو الناتو الانضمام للمجموعة، انشقاقات خطيرة في تماسك توابع الإمبراطورية.
ان العالم يشهد بحق انبثاق عالم جديد تؤذن بانتهاء العالم الذي قام على انقاض الاستعمار بعد الحرب العالمية الثانية وترافق معها نشوء اسرائيل وتايوان. نشهد بام أعيننا انهيار تابرادايم القديم ونشوء آخر جديد.
في المقال القادم سوف أبدا في تناول انبثاق هذا العالم الجديد في السودان.
omem99@gmail.com