نظام التفاهة* (في الوصاية والهذيان والتجاهل)
منعم عمر
31 March, 2022
31 March, 2022
31 مارس 2022
طالما أنّ (روسيا) تستغل عزلة العساكر الدولية، ذهباً ومعادناً ونفطاً وغازاً وسلاحاً وقاعدةً و(فاغنر) وهيدروكربونات؛ وطالما أن (الصين) تقف بجانبها في صف النفوذ الجيوسياسي هذا؛ وطالما المصادر تقول أن لقاء "السيسي -البرهان" قد تناول مخاوف (البرهان) من تحركات (دقلو) ومخاوف (القاهرة) بشأن أمن البحر الأحمر وإدارة وتشغيل الموانئ، والقاعدة البحرية الروسية وكل ما من شأنه أن يهدد أمن الملاحة ويؤثر على قناة السويس؛ وطالما أنّ ذلك ليس بمعزل عن مناقشة وضع التطبيع مع إسرائيل، وتخوفّات القاهرة من اليأس السوداني وانجراره نحو الحلف العربي الإسرائيلي الذي يضم القاهرة، وتضنّ به على الخرطوم؛ وطالما أنّ التصريحات عقب اللقاء، ولقاء (فولكر) مع (سامح شكري)، والتي لا تستحق هذا الكم الهائل من الوفود التي (تتطاقش) جيئةً وذهابا؛ فأنّ الصراع الدولي على الموارد الاقتصادية والموقع الاستراتيجي للسودان يهدّد بناء الدولة المدنية الديمقراطية؛ والراجح أنّنا موعودون بقرارات في الأسبوع الأوّل من رمضان، على زعم أنّها حلول للأزمة في السودان.
وبينما يتحدّث (فولكر) عن بناء الثقة، يُعيد (البرهان) كوادر النظام البائد، ويستعد لإلغــاء قرار حلّ حزب المؤتمر الوطني عبر المحكمة؛ وبينما يهرف بما لا يعرف عن تبنّي النظام الرئاسي كنظام للحكم "جاسّاً" نبض الشارع السياسي، يمارس مصدر استخباراتي من خارج البلاد -من داخل نظام التفاهة - الوصاية على السودانيين: "أن يا سودانيين تبنّوا النظام شبه الرئاسي، برئيس جمهورية ورئيس وزراء، ولكم في فرنسا أسوة حسنة"؛ فالأحزاب السياسية السودانية التي (ربما لا يختلف اثنان على حالتها من الضعف) -كما يتبجّح المصدر-، لا تستطيع مع هذا الضعف أن تجعل النظام البرلماني فعّالاً في تحقيق تطلعات الناس! والنظام شبه الرئاسي قادر على تحقيق قدر من تطور ديمقراطي (معقول)؛ عجبي!! تُرى ما هو مقياس هذه (المعقولية)!!
وبينما تذهب مصر إلى ليبيا وتشدّد على ضرورة الحفاظ على استقرار السودان ووحدة وسلامة أراضيه ودعم كافّة الجهود الرامية للتوصّل إلى حل سياسي سوداني-سوداني؛ تأتي للسودان وتُشدّد معه ، على ضرورة الحفاظ على استقرار ليبيا ووحدة وسلامة أراضيها ودعم كافة الجهود الرامية للتوصل إلى حل سياسي ليبــــي-ليبـــي.! بيد أنّ في السودان هذا التشديد يعني خروج المرتزقة والمقاتلين السودانيين من ليــبــيــا، فهل حلفاء الانقلاب سيؤيّدون، أم ستدور عليهم "المحاور"؟! على كلٍّ، فقد جاء لقاء البرهان-السيسي يوم أمس بالقاهرة، بعيداً عن الابتزاز المتبادل في ملف سدّ النهضة؛ تحت لافتات ضخمة من طراز علاقات اقتصادية وتبادل تجاري، وروابط تاريخية، وتكامل زراعي وربط سككي وكهربائي، وتعاون أمني وعسكري، بينما اللافتة الأبرز هي التي رفعها (البرهان) أنّ أمن السودان من أمن أمّ الدنيا!!
وبحسب التسريبات، فهناك وثيقة سياسية جديدة، ودعوة لحوار الوثبة من جديد؛ إلا أنّ موقف تحالف الحرية والتغيير تجاه مبادرة "يونيتامس"، والذي كان مرناً ودبلوماسيّاً بطرحه إعلاناً دستورياً يستبدل ما سبق ويستصحب تداعيات الانقلاب؛ ويطالب بأن تنأى المؤسسة العسكرية عن السياسة بإعادة تشكيل مجلس الأمن والدفاع الوطني برئاسة مدنية؛ ويتضمّن خارطة طريق لإصلاح الأجهزة الأمنية والعسكرية عبر آليات محددة وواضحة، تنتهي بتكوين جيش قومي موحد في البلاد؛ قد يصطدم بأنّ هذه الوثيقة الجديدة، هي ذات وثيقة التوافق الوطني، نتاج المرحلة الأولى لعملية (فولكر)، والتي لا قيمة لها إذا أخذنا تصريحات (البرهان) على محمل الجدّ، بأنّه لن يسلم السلطة إلا لحكومة منتخبة. إنّ موقف الحرية والتغيير تجاه المبادرة يدعو أيضاً لإنشاء آلية دولية رفيعة المستوى تضم الترويكا والاتحاد الأوروبي والجيران من الدول الأفريقية والعربية، ويرأسها (فولكر)؛ وذلك من قبيل الحرص على إحداث اختراق في الأزمة، بيد أنّ تفويض بعثة اليونيتامس نفسه يمكن التشكيك فيه من الناحية الدستورية/القانونية، كونها أتت ابتداءً بطلب من الحكومة السودانية "الشرعية"؛ وهذا تحدٍّ دستوري لم تتناوله بجدّية أي جهة، على الرغم مما تواجهه المبادرة من تحديات عديدة أخرى من حيث عدم تهيئة المناخ وبناء الثقة، وكونها بلا سقف زمني.
وما يثير الدهشة - في سياقٍ "منفصل" - أنّه في الشهر الماضي، على قناة سودانية 24 في سؤال لشوقي عبد العظيم عما إذا كان سيتم التشاور مع الأحزاب التي كانت مع المؤتمر الوطني في الحكم وسقطت معه، ردّ (فولكر) بتبرّم واستعجال غير معهودين فيمن يُفترض فيه الدبلوماسية والحساسية؛ أنّ الحرية والتغيير -كونها هي التي ترفض شركاء المؤتمر الوطني- "ترفض أو لا ترفض" ليست هي الجهة التي تدير هذه الاستشارات، وهي طرف في اللعبة السياسية، وأنا أقرر من يجلس في طاولتي! كلام في منتهى الغرابة، كونه صادر عن المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتّحدة، وكأنّه يحاكم ويُقيّم الحرية والتغيير!وفي تعامٍ واضح أو جهلٍ مريع لم يستثن سوى المؤتمر الوطني، على الرغم من أنّ المادة 24 (1) من الوثيقة الدستورية التي تحوي الأركان الأساسية لمهمته، تنصّ على: (المجلس التشريعي ....... كافة القوى المشاركة التغيير، عدا أعضاء المؤتمر الوطني والقوى السياسية التي كانت مشاركة في النظام البائد حتى سقوطه)، ألم يستند قرار مجلس الأمن الذي أتى بفولكر وبعثته، على تلك الوثيقة؟! كما أنّ تسميته (اللعبة السياسية) للعملية السياسية يجعل منه (ثائر) في (شارع) الفلول، وليس المبعوث الخاص لرئيس العالم!
ماذا تبقى إذاً لـــــ(فولكر) بعد اضطراب التفكير هذا سوى أن يرفض التعاطي مع قوى الحرية والتغيير وينعتها بــــــــ " قحط"، أو لعلّه يطلب منها اعلان توبتها، طالما –"كيتاً فيها" أنّ أحد وجهي العملة (العَقَدِيَيْن) يريد أن يستردّ دولته الإجرامية، والآخر يريد أن يهدّ الدولة ليبني دولته الدكتاتورية التي يمني نفسه -واهماً- أن ميعادها الآن! فهل يدرك (فولكر)، ماذا يعيب الناس على الحرية والتغيير؟! إنّهم يعيبون عليها شراكة العسكر التي يركض هو خلفها صباح مساء! أو ليست هذه مفارقة؟! وبعضهم يعيبون عليها إنجازها تخفيض الديون كونها حقّقته عبر صندوق النقد الدولي والمؤسسات المالية الدولية، أو ليست هذه مفارقة؟ وبعضهم يتحدّثون عن الوحدة ويريدونها أن تتفرّق أيدي سبأ كما أراد (فولكر) نفسه في دعوته للمشاورات أن تأتيه فُرادى، أو ليست هذه مفارقة؟! الحرية والتغيير لم تنقض عهداً ولا نكصت عن ميثاق؛ فلماذا يريد (فولكر) الضلوع في الاغتيال السياسي ودفن الحرية والتغيير - وإن أجاز له المضلّلون اغتيال الخصوم - فهي ليست من خصومه، بل هي تتعامل بحكمة بالغة وثمّنت تقريره الأخير لمجلس الأمن ؟!
إنّ أيّ محاولات لإقصاء الأحزاب السياسية والجماعات المدنية المنظّمة، ستهدم العملية الانتقالية كلها، حتى ولو كان برغبة الأحزاب نفسها، فقدرتها على العمل مع بعضها البعض وتمثيل مواقف المواطنين بشكل فعّال بما لها من خبرات سياسية في التصدي لأيّ محاولات تغوّل من المؤسسة العسكرية، سيُقوّي الانتقال ويخلق بيئة سياسية صحية، تتهيأ بها الدولة إلى التحوّل الديمقراطي الحقيقي مفاهيماً وعملاً، وتُبنى بها الثقة بينها وبين الجماهير في هذه الفترة الانتقالية. فعلى أصدقاء السودان ورُعاة المبادرة ودعاتها وكافّة المجتمع الدولي اتاحة بيئة مدنية ديمقراطية وليس الاستعجال على حكومة مدنية صورية. وعليهم لجم رئيس الانقلاب الذي يستخدم الانتخابات كأنها تهديد، بالردّ عليه كما حذّره من قبل عرّاب مشروع العقوبات الفردية على "معرقلي الاستقرار في السودان"، عضو الكونغرس، السيناتور الديمقراطي (كريس كونز)، بقانون يفرض عقوبات على مهددّي الانتقال الديمقراطي ومنتهكي حقوق الإنسان، إن لم يغيـــّر الجيش من مساره ويخرج من السياسة، مؤكّداً له أن مسار الانتخابات الوطني لا يمكن استعجاله قبل الإصلاحات الكبيرة للحرص على انتخابات ذات مصداقية.
فعلى المجتمع الدولي أيضاً الخروج من الدور النمطي والتقليدي ويلعب دوراً حاسماً وبناءًّ لإعادة الثقة بين المكونات المدنية نفسها من لجان مقاومة وأحزاب ومهنيين وغيرها لإنتاج خارطة طريق سياسية تفيد الكل. نعم، يقع على عاتق السودانيين مسؤولية تحقيق أهدافهم الديمقراطية، لكن هذا لا يمنع الأمم والولايات المتّحدة والمجتمع الدولي من أداء دور واضح لصالح الاستقرار الإقليمي والدولي. وعملياً، يمكن التقدم خطوة بالموافقة على الطلب الذي تقدمت به المنظمة البريطانية (ريدريس)، منذ قرابة الشهرين للحكومة الأمريكية لفرض عقوبات على أحد عشر فردًا سودانياً وأربعة كيانات بعد تقديم أدلة على تورّطهم في انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان منذ الانقلاب. وكذلك متابعة الطلبات المماثلة المقدّمة إلى وزارة الخارجية والكومنولث والتنمية في المملكة المتحدة في أواخر العام الماضي.
فالوضع على الأرض الآن، يصفه قتل المدنيين على يد العساكر؛ ومظاهرات ومواكب تطالب بالحكم المدني؛ وانهيار اقتصادي شامل ترافقه المجاعة، بجانب حركة دؤوبة للفاعلين الأساسيين في الداخل والخارج، لتبيان وجهات النظر حول الوضع السياسي برمته، لاستعادة الانتقال المدني الديمقراطي الحقيقي فما الذي يؤخّر أمريكا عن العقوبات؟! سواء بعزل الشركات التي يسيطر عليها الجيش، أو بمعاقبة من ينخرط في أعمال العنف ومؤسسات الأمن الاقتصادية؟! فالشارع بكافّة كياناته عنوانه الأبرز هو استمرار الثورة، وموقفه الأبرز هو " لا شراكة، ولا تفاوض ولا مساومة- لا شرعية"، ومحاولاته جادّة لتنظيم الحراك وآليات التنسيق وغرف ميدانية مشتركة، وتحرٍّ لتمثيل عادل في آليات صنع القرار. فالمطلوب من الفاعلين الدوليين دراسة تطور هذا الحراك وإيجاد السبل للتنسيق معه، دون الالتفات للأصوات الإقصائية داخله، فلا ضير في أن يكون من بينهم من يعارضون التنسيق مع الأحزاب السياسية ومن يريد أن يقصيها تماماً من المشهد، ومن لا يريد أن يكون لها دور في الانتقال إلا بعد الانتخابات لكن المنطق والعقل يقولان "إنّ حراك يقوم على وحدة الهدف لن يعدم رؤية تنسيق الأدوات، لو صدق من يدّعون رعاية مبادرات بشأنه"!
_________________
*اسم كتاب لألان دونو
#لماذا_يستهدفون_لجنة_التفكيك_؟
aboann7@hotmail.com
طالما أنّ (روسيا) تستغل عزلة العساكر الدولية، ذهباً ومعادناً ونفطاً وغازاً وسلاحاً وقاعدةً و(فاغنر) وهيدروكربونات؛ وطالما أن (الصين) تقف بجانبها في صف النفوذ الجيوسياسي هذا؛ وطالما المصادر تقول أن لقاء "السيسي -البرهان" قد تناول مخاوف (البرهان) من تحركات (دقلو) ومخاوف (القاهرة) بشأن أمن البحر الأحمر وإدارة وتشغيل الموانئ، والقاعدة البحرية الروسية وكل ما من شأنه أن يهدد أمن الملاحة ويؤثر على قناة السويس؛ وطالما أنّ ذلك ليس بمعزل عن مناقشة وضع التطبيع مع إسرائيل، وتخوفّات القاهرة من اليأس السوداني وانجراره نحو الحلف العربي الإسرائيلي الذي يضم القاهرة، وتضنّ به على الخرطوم؛ وطالما أنّ التصريحات عقب اللقاء، ولقاء (فولكر) مع (سامح شكري)، والتي لا تستحق هذا الكم الهائل من الوفود التي (تتطاقش) جيئةً وذهابا؛ فأنّ الصراع الدولي على الموارد الاقتصادية والموقع الاستراتيجي للسودان يهدّد بناء الدولة المدنية الديمقراطية؛ والراجح أنّنا موعودون بقرارات في الأسبوع الأوّل من رمضان، على زعم أنّها حلول للأزمة في السودان.
وبينما يتحدّث (فولكر) عن بناء الثقة، يُعيد (البرهان) كوادر النظام البائد، ويستعد لإلغــاء قرار حلّ حزب المؤتمر الوطني عبر المحكمة؛ وبينما يهرف بما لا يعرف عن تبنّي النظام الرئاسي كنظام للحكم "جاسّاً" نبض الشارع السياسي، يمارس مصدر استخباراتي من خارج البلاد -من داخل نظام التفاهة - الوصاية على السودانيين: "أن يا سودانيين تبنّوا النظام شبه الرئاسي، برئيس جمهورية ورئيس وزراء، ولكم في فرنسا أسوة حسنة"؛ فالأحزاب السياسية السودانية التي (ربما لا يختلف اثنان على حالتها من الضعف) -كما يتبجّح المصدر-، لا تستطيع مع هذا الضعف أن تجعل النظام البرلماني فعّالاً في تحقيق تطلعات الناس! والنظام شبه الرئاسي قادر على تحقيق قدر من تطور ديمقراطي (معقول)؛ عجبي!! تُرى ما هو مقياس هذه (المعقولية)!!
وبينما تذهب مصر إلى ليبيا وتشدّد على ضرورة الحفاظ على استقرار السودان ووحدة وسلامة أراضيه ودعم كافّة الجهود الرامية للتوصّل إلى حل سياسي سوداني-سوداني؛ تأتي للسودان وتُشدّد معه ، على ضرورة الحفاظ على استقرار ليبيا ووحدة وسلامة أراضيها ودعم كافة الجهود الرامية للتوصل إلى حل سياسي ليبــــي-ليبـــي.! بيد أنّ في السودان هذا التشديد يعني خروج المرتزقة والمقاتلين السودانيين من ليــبــيــا، فهل حلفاء الانقلاب سيؤيّدون، أم ستدور عليهم "المحاور"؟! على كلٍّ، فقد جاء لقاء البرهان-السيسي يوم أمس بالقاهرة، بعيداً عن الابتزاز المتبادل في ملف سدّ النهضة؛ تحت لافتات ضخمة من طراز علاقات اقتصادية وتبادل تجاري، وروابط تاريخية، وتكامل زراعي وربط سككي وكهربائي، وتعاون أمني وعسكري، بينما اللافتة الأبرز هي التي رفعها (البرهان) أنّ أمن السودان من أمن أمّ الدنيا!!
وبحسب التسريبات، فهناك وثيقة سياسية جديدة، ودعوة لحوار الوثبة من جديد؛ إلا أنّ موقف تحالف الحرية والتغيير تجاه مبادرة "يونيتامس"، والذي كان مرناً ودبلوماسيّاً بطرحه إعلاناً دستورياً يستبدل ما سبق ويستصحب تداعيات الانقلاب؛ ويطالب بأن تنأى المؤسسة العسكرية عن السياسة بإعادة تشكيل مجلس الأمن والدفاع الوطني برئاسة مدنية؛ ويتضمّن خارطة طريق لإصلاح الأجهزة الأمنية والعسكرية عبر آليات محددة وواضحة، تنتهي بتكوين جيش قومي موحد في البلاد؛ قد يصطدم بأنّ هذه الوثيقة الجديدة، هي ذات وثيقة التوافق الوطني، نتاج المرحلة الأولى لعملية (فولكر)، والتي لا قيمة لها إذا أخذنا تصريحات (البرهان) على محمل الجدّ، بأنّه لن يسلم السلطة إلا لحكومة منتخبة. إنّ موقف الحرية والتغيير تجاه المبادرة يدعو أيضاً لإنشاء آلية دولية رفيعة المستوى تضم الترويكا والاتحاد الأوروبي والجيران من الدول الأفريقية والعربية، ويرأسها (فولكر)؛ وذلك من قبيل الحرص على إحداث اختراق في الأزمة، بيد أنّ تفويض بعثة اليونيتامس نفسه يمكن التشكيك فيه من الناحية الدستورية/القانونية، كونها أتت ابتداءً بطلب من الحكومة السودانية "الشرعية"؛ وهذا تحدٍّ دستوري لم تتناوله بجدّية أي جهة، على الرغم مما تواجهه المبادرة من تحديات عديدة أخرى من حيث عدم تهيئة المناخ وبناء الثقة، وكونها بلا سقف زمني.
وما يثير الدهشة - في سياقٍ "منفصل" - أنّه في الشهر الماضي، على قناة سودانية 24 في سؤال لشوقي عبد العظيم عما إذا كان سيتم التشاور مع الأحزاب التي كانت مع المؤتمر الوطني في الحكم وسقطت معه، ردّ (فولكر) بتبرّم واستعجال غير معهودين فيمن يُفترض فيه الدبلوماسية والحساسية؛ أنّ الحرية والتغيير -كونها هي التي ترفض شركاء المؤتمر الوطني- "ترفض أو لا ترفض" ليست هي الجهة التي تدير هذه الاستشارات، وهي طرف في اللعبة السياسية، وأنا أقرر من يجلس في طاولتي! كلام في منتهى الغرابة، كونه صادر عن المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتّحدة، وكأنّه يحاكم ويُقيّم الحرية والتغيير!وفي تعامٍ واضح أو جهلٍ مريع لم يستثن سوى المؤتمر الوطني، على الرغم من أنّ المادة 24 (1) من الوثيقة الدستورية التي تحوي الأركان الأساسية لمهمته، تنصّ على: (المجلس التشريعي ....... كافة القوى المشاركة التغيير، عدا أعضاء المؤتمر الوطني والقوى السياسية التي كانت مشاركة في النظام البائد حتى سقوطه)، ألم يستند قرار مجلس الأمن الذي أتى بفولكر وبعثته، على تلك الوثيقة؟! كما أنّ تسميته (اللعبة السياسية) للعملية السياسية يجعل منه (ثائر) في (شارع) الفلول، وليس المبعوث الخاص لرئيس العالم!
ماذا تبقى إذاً لـــــ(فولكر) بعد اضطراب التفكير هذا سوى أن يرفض التعاطي مع قوى الحرية والتغيير وينعتها بــــــــ " قحط"، أو لعلّه يطلب منها اعلان توبتها، طالما –"كيتاً فيها" أنّ أحد وجهي العملة (العَقَدِيَيْن) يريد أن يستردّ دولته الإجرامية، والآخر يريد أن يهدّ الدولة ليبني دولته الدكتاتورية التي يمني نفسه -واهماً- أن ميعادها الآن! فهل يدرك (فولكر)، ماذا يعيب الناس على الحرية والتغيير؟! إنّهم يعيبون عليها شراكة العسكر التي يركض هو خلفها صباح مساء! أو ليست هذه مفارقة؟! وبعضهم يعيبون عليها إنجازها تخفيض الديون كونها حقّقته عبر صندوق النقد الدولي والمؤسسات المالية الدولية، أو ليست هذه مفارقة؟ وبعضهم يتحدّثون عن الوحدة ويريدونها أن تتفرّق أيدي سبأ كما أراد (فولكر) نفسه في دعوته للمشاورات أن تأتيه فُرادى، أو ليست هذه مفارقة؟! الحرية والتغيير لم تنقض عهداً ولا نكصت عن ميثاق؛ فلماذا يريد (فولكر) الضلوع في الاغتيال السياسي ودفن الحرية والتغيير - وإن أجاز له المضلّلون اغتيال الخصوم - فهي ليست من خصومه، بل هي تتعامل بحكمة بالغة وثمّنت تقريره الأخير لمجلس الأمن ؟!
إنّ أيّ محاولات لإقصاء الأحزاب السياسية والجماعات المدنية المنظّمة، ستهدم العملية الانتقالية كلها، حتى ولو كان برغبة الأحزاب نفسها، فقدرتها على العمل مع بعضها البعض وتمثيل مواقف المواطنين بشكل فعّال بما لها من خبرات سياسية في التصدي لأيّ محاولات تغوّل من المؤسسة العسكرية، سيُقوّي الانتقال ويخلق بيئة سياسية صحية، تتهيأ بها الدولة إلى التحوّل الديمقراطي الحقيقي مفاهيماً وعملاً، وتُبنى بها الثقة بينها وبين الجماهير في هذه الفترة الانتقالية. فعلى أصدقاء السودان ورُعاة المبادرة ودعاتها وكافّة المجتمع الدولي اتاحة بيئة مدنية ديمقراطية وليس الاستعجال على حكومة مدنية صورية. وعليهم لجم رئيس الانقلاب الذي يستخدم الانتخابات كأنها تهديد، بالردّ عليه كما حذّره من قبل عرّاب مشروع العقوبات الفردية على "معرقلي الاستقرار في السودان"، عضو الكونغرس، السيناتور الديمقراطي (كريس كونز)، بقانون يفرض عقوبات على مهددّي الانتقال الديمقراطي ومنتهكي حقوق الإنسان، إن لم يغيـــّر الجيش من مساره ويخرج من السياسة، مؤكّداً له أن مسار الانتخابات الوطني لا يمكن استعجاله قبل الإصلاحات الكبيرة للحرص على انتخابات ذات مصداقية.
فعلى المجتمع الدولي أيضاً الخروج من الدور النمطي والتقليدي ويلعب دوراً حاسماً وبناءًّ لإعادة الثقة بين المكونات المدنية نفسها من لجان مقاومة وأحزاب ومهنيين وغيرها لإنتاج خارطة طريق سياسية تفيد الكل. نعم، يقع على عاتق السودانيين مسؤولية تحقيق أهدافهم الديمقراطية، لكن هذا لا يمنع الأمم والولايات المتّحدة والمجتمع الدولي من أداء دور واضح لصالح الاستقرار الإقليمي والدولي. وعملياً، يمكن التقدم خطوة بالموافقة على الطلب الذي تقدمت به المنظمة البريطانية (ريدريس)، منذ قرابة الشهرين للحكومة الأمريكية لفرض عقوبات على أحد عشر فردًا سودانياً وأربعة كيانات بعد تقديم أدلة على تورّطهم في انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان منذ الانقلاب. وكذلك متابعة الطلبات المماثلة المقدّمة إلى وزارة الخارجية والكومنولث والتنمية في المملكة المتحدة في أواخر العام الماضي.
فالوضع على الأرض الآن، يصفه قتل المدنيين على يد العساكر؛ ومظاهرات ومواكب تطالب بالحكم المدني؛ وانهيار اقتصادي شامل ترافقه المجاعة، بجانب حركة دؤوبة للفاعلين الأساسيين في الداخل والخارج، لتبيان وجهات النظر حول الوضع السياسي برمته، لاستعادة الانتقال المدني الديمقراطي الحقيقي فما الذي يؤخّر أمريكا عن العقوبات؟! سواء بعزل الشركات التي يسيطر عليها الجيش، أو بمعاقبة من ينخرط في أعمال العنف ومؤسسات الأمن الاقتصادية؟! فالشارع بكافّة كياناته عنوانه الأبرز هو استمرار الثورة، وموقفه الأبرز هو " لا شراكة، ولا تفاوض ولا مساومة- لا شرعية"، ومحاولاته جادّة لتنظيم الحراك وآليات التنسيق وغرف ميدانية مشتركة، وتحرٍّ لتمثيل عادل في آليات صنع القرار. فالمطلوب من الفاعلين الدوليين دراسة تطور هذا الحراك وإيجاد السبل للتنسيق معه، دون الالتفات للأصوات الإقصائية داخله، فلا ضير في أن يكون من بينهم من يعارضون التنسيق مع الأحزاب السياسية ومن يريد أن يقصيها تماماً من المشهد، ومن لا يريد أن يكون لها دور في الانتقال إلا بعد الانتخابات لكن المنطق والعقل يقولان "إنّ حراك يقوم على وحدة الهدف لن يعدم رؤية تنسيق الأدوات، لو صدق من يدّعون رعاية مبادرات بشأنه"!
_________________
*اسم كتاب لألان دونو
#لماذا_يستهدفون_لجنة_التفكيك_؟
aboann7@hotmail.com