“هالووين” السودان!!

 


 

عدنان زاهر
3 November, 2023

 

سألنى جارى بمدينة " تورنتو " بكندا ....كيف أنوى الإحتفال هذا العام ب " الهالووين " ، هززت رأسى بإشارة لا معنى لها، تركت جارى الودود الذى لم يفهم شيئا ،وجهه عامر بالدهشة.
فى العادة يحتفل الكنديون بهذه المناسبة فى الحادى و الثلاثين من أكتوبر من كل عام، و عادة الإحتفال و الإحتفاء بالهلووين، يعود تاريخها الى طقس فلكلورى موغل فى القدم ،كان يقوم به الأيرلنديين فى عهد " السلتك " قبل ألفى عام . و بما أن تاريخ الإحتفال كان يتزامن عندهم مع آخر أيام الصيف و بداية الشتاء فقد كان معاصرو تلك الحقبة، يعتقدون إن أرواح الموتى تخرج من عالمها فى ذلك اليوم ومن بينها الأرواح الشريرة ، و تفادياً لما يمكن أن تسببه لهم من ضرر و لطردها، فقد كانوا يقدمون القرابين و يلبسون أغرب الملابس للتخفى منها، كما كانوا أيضا يتزينون بأزياء غريبة تثير الرعب.
عندما هاجر الأيرلنديين الأوائل الى الأرض الجديدة ( أمريكا ) نقلوا معهم ضمن ثقافتهم ذلك الطقس و من ثم إنتشر الى الدول المجاورة، كما ادخلت عليه بمرور الزمن كثير من المراسم و الطقوس المستحدثة . عندما عرفت الرأسمالية ولع الناس و شغفهم بهذا الطقس، قامت باستغلاله اقتصاديا لملئ خزائنها بمزيد من الربح من خلال الدعاية له، وغمر الأسواق بالأزياء العجيبة و الجديدة.
فى يوم الأحتفال ب "الهالووين " تزين الأسر منازلها بأشياء تبعث الرعب و الخوف للناظر اليها، كما يقوم الناس بتشكيل نبات " القرع " الى أشكال مختلفة و متنوعة فيها كثير من الإبداع، و يقال ان تشكيل نبات القرع هو اضافة تمت الى مراسم الإحتفال من قبل الأمريكيين ، و ذلك لتزامن موسم حصاد القرع فى أمريكا مع هذا الإحتفال بعد أن كان فى الماضى يشكل نبات " اللفت ".
فى هذا اليوم أيضا يقوم الأطفال و هم قد إرتدوا أغرب و أعجب الأزياء بزيارة المنازل القريبة منهم و مهددين أصحابها مزحَا، انهم سيقومون بتسليط الأرواح الشريرة و المؤذية عليهم اذا لم يستجيبوا لطلبهم بإعطائهم بعض الحلوى . يقوم أصحاب المنازل بتنفيذ طلبات الأطفال و ذلك بتقديم الحلوى التى تكون قد أحضرت و جهزت لهم منذ فترة.
بمرور الزمن الطويل منذ بِدء هذا الأحتفال بهذا الطقس، فقد تحولت المناسبة من حدث للرعُب و الأرهاب الجمعى الى طقس مسرحى أقرب للفكاهة و المرح، و لكن مع ذلك تظل الحقيقة قائمة و هى أن منشأ المناسبة و الإحتفال بها هى الخوف و الرعب المرتبط بالأسطورة.
بالطبع لم أذكر لجارى الودود و الملحاح، اننا نعيش فى السودان " هالووينا " من نوع آخر منذ أكثر من ثمانية أشهر، و هو أكثر رعبا و فتكا من كل ما ابتدعته و فكرت فيه عقلية الرعيل الأول من أسلاف الأيرلنديين.....
- كنت أنوى أن أقول له ان المغول و الهمج الجدد الجنجويد و مع الجيش السودانى الذى أصبح تابعا يأتمر بفكر " تنظيم الأخوان المسلمين " و سياساته قد قاما بالتضامن و الأنفراد..... و من أجل السلطة ،المال و المصالح بتدمير عاصمة البلاد الخرطوم حتى باتت أطلالا و أنقاضا و من ظل واقفاً على رجلين من تلك البنايات، لم يعد صالحاً للسكن.
- كنت سأقول له.... قتل بالقصف الطيرانى للجيش و دانات مدفعية الجنجويد فى الخرطوم وحدها عشرة آلاف قتيل من المواطنين كما مات المئات من الأشخاص لنقص الأدوية و إنعدام الرعاية الصحية اللازمه، و منهم من مات بالحسرة و الغضب و مهانة الحقارة بما يطلق عليه عامة الناس " موت الغبينه ". هذا غير الذين تم اعتقالهم و تعذيبهم و اغتصابهم من النساء كما نزح منها عشرة مليون شخصا خارجيا و داخليا.
- كنت أود مواصلة الحكى ذاكرا أن هنالك فى غرب السودان مدينة تسمى " الجنينه " دمرت تماما بواسطة الجنجويد، و هاجر منها مليون " مسلاتى " الى الدول المجاورة كما قتل الآلاف منهم.
كما استباح الجنجويد أيضا مدينة " نيالا " حاضرة جنوب دارفور بقتل مواطنيها و أغتصاب عدد كبير من النساء، و نزوح من تبقى منهم حيا الى القرى و المدن القريبة و طيران الجيش يقوم بقصفهم.
- الهجوم على العليفون بواسطة الجنجويد و نهبها ثم احتلال أم ضوبان كما تم الهجوم على القرى المتاخمة للكاملين تمهيدا للهجوم على مدينة مدنى.
- دمرت سته من محطات الشرب و معظم مكاتب الكهرباء
- دمرت معظم الأسواق فى العاصمة ونهبت بالكامل
- تم تدمير معظم مصانع أمدرمان ، الخرطوم و الخرطوم بحرى
- تم نهب و تدمير معظم صيدليات العاصمة و خروج 200 مؤسسة صحية من الخدمة
- تم طرد السكان من منازلهم بعد الإعتداء عليهم و الإستلاء على ممتلكاتهم و سكن فيها الجنجويد.....
- باختصار دمرت البنية التحتية للدولة و لا زال الطرفان يتحاربان و يموت المئات من المواطنين الأبرياء
- وددت أن أقول له أن الاطراف المتحاربة تعمل بالوكالة لصالح قوى خارجية دولية و أقليمية و ذلك لتأمين مصالحهم فى السودان ،كما انهم يساومون على السلام فى المؤتمرات لوقف الحرب، فهم يقدمون خطوة الى الأمام و ثلاث خطوات الى الخلف.
- وددت القول له ان مواطنى السودان المنتشرين على خارطة الدنيا، لا ينامون و لا يعرفون الراحة......قلقون على أسرهم " المشتته " داخليا و خارجيا وهم يعيشون فى ظروف بالغة الصعوبة.
- تمنيت أن أقول له....... فى خضم هذا الواقع البائس و المزرى هنالك مجموعات تنهض من تحت تلك الأنقاض و تعمل بعزيمة، اصرار و صمت من أجل تغيير ذلك الواقع، بغرس مفهوم السلام و بناء جبهة جماهيرية عريضة لتحقيق شعار مدنية الدولة و ديمقراطيتها.
فى الواقع و أنا أحكى لنفسى كنت مقتنعا أن جارى الودود لن يقوم بتصديقى اذا حكيت له لما يدور بذهنى، لأن ذلك ببساطة ووفقا لمفاهيمه من قبيل المستحيلات !! ..............لذلك آثرت الصمت و تركته ينعم باحتفال " هالوونى " ممتع !!!
عدنان زاهر
31 أكتوبر 2023

elsadati2008@gmail.com

 

آراء