هل تظل القوانين المتبقية هي العقبة قي سبيل التطور الدستوري ؟؟؟ … بقلم: صلاح الباشا
24 December, 2009
salahelbasha@hotmail.com
ملامح من المشهد السياسي الملتهب 3 – 3
من هنا أتت الدهشة التي تحدثنا عنها في بداية هذه الحلقات ، وهي أن للحركة أجندة خاصة تعتبرها قمة في الوطنية حسب أدبيات وتراكم نضالها الطويل ، وهي تختلف جدا عن رغبات قوي التحالف الشمالية التي تظل تدعم مواقف الحركة مثلما نري الآن ، دون أن تجهد نفسها للتفكير العميق في مآلات هذا التأييد الأعمي . فالحركة لن تحارب شريكها في الحكم نيابة عن التحالف مطلقا ً. فهي لها أهداف محددة تجهد نفسها لتحقيقها لشعبها حسب معتقدها ومشروعيتها المنصوص عليها في إتفاقية السلام الشامل ، كما أن كل مكونات القوي السياسية في الحكم أو المعارضة لديها مفاتيح تفاهم وخطوط إتصال مع السلطة الحاكمة ، ويأتي من أهمها إتفاقية التراضي الوطني بمستحقاته المكسبية ذات المردود المادي المعروف ، وإتفاقية القاهرة بمستحقاتها ذات التفاهم الذي يطل بخجل شديد أحيانا ايضا ، مع ترابط خيط قبلي رفيع يظهر أحيانا أيضاً داخل منظومات السياسة ، كما يظهر ذات الرباط القبلي غليظاً ومتيناً في أحايين اخري ، ولايغيب عن المتابعين للأمر، بل لايغيب عن جل شعب السودان المفتح جداً .
ذلك أن الحركة الشعبية ، وهذا من حقها ، تعمل جاهدة علي تحقيق العديد من المكتسبات لشعبها الفقير ، وتعتبر الأمر مشروعاً ، خاصة وهي تصرح دوما بأن المحيط العربي في المنطقة لم يعمل ذات يوم لتحقيق نماء أو مساعدة لشعب الجنوب ، وبالتالي فهي تسعي الآن لخلق علاقات مع دول المنطقة لتحقيق تعاون إقتصادي تجاري مع لدول الحوض حين ينفصل الجنوب ، وذلك لعدة أسباب إستراتيجية تتعلق بمستقبل التجارة ومسار النفط ومستقبل المياه وإستراتيجيات التوافق الأمني حولها ، فضلا علي نشاطها الدولي المتمثل في تأسيس مكاتب لها في معظم دول العالم.
وهنا .. تصبح القوي السياسية الشمالية تعيش في مأزق كيفية التعامل مع توجهات الحركة الشعبية التي بانت بوضوح أكثر الآن وهي تستصحب معها مبدأ تقرير المصير المجاز في ميثاق التجمع وفي إتفاقية نايفاشا ، بغض النظر عن محاولات رتق تصريحات ماجاء من قمة قياداتها بشأن خيار الإنفصال ، فالأمر يحتاج إلي إعمال الفكر الحزبي المتعدد للوصول إلي مناطق وسطي تضمن تقوية العلائق مع الجنوب في حالة إختيار شعبه لخلق دولة مستقلة ، وذلك بسبب أن الترابط الطبيعي والجغرافيا الإقتصادية والتوزيع الديموقرافي الحديث للسكان بالسودان كله تفرض علي حكومات الشمال المستقبلية أن تهيء نفسها لتقوية هذا الرابط منذ الآن وتعقد له كل القوي المؤتمرات وورش العمل من المختصين ، حتي يصبح أمر الجنوب شيئا طبيعيا إن إنفصل حيث يجب أن تتمدد وتتواصل العلاقات بين الشعبين بعيدا عن توترات بعض القوي السياسية التي تعتبر أن ذهاب الجنوب منفصلا عن الشمال وكأنه إنهاء لكافة أشكال التواصل بين الإقليمين في دولة السودان القديم ، أو أنه يهدد الدولة كلها ، برغم وجود تيار عريض داخل الجنوبيين أنفسهم لديه قناعات ذكية ومبدئية تدعو للتمسك بوحدة السودان القديم ، مع إضافة وتعميق مفهوم التوزيع العادل للسطة والثروة حسب المكون السكاني في البلاد ، حتي ينهض الجنوب تنمويا ويلحق بركب الحاضرة المدنية والخدمية التي فاتته كثيرا بسبب الحروب ، وينسحب الأمر كذلك علي إقليم دارفور الكبير ، فللحركات الدارفورية المعارضة أجندتها التي تسعي إلي تحقيقها مع طول الزمن ، فهي تمتلك مفاتيح ضغط – حسب فهمها - لم تتنازل عنه بعد .
كما أن إنفصال الجنوب إن تم ، فإنه يفرض علي الحركة الشعبية أن تتعامل مع الواقع الجديد بفهم إستراتيجي عالي المقام مع الشمال ، يهدف إلي خلق دولتي جوار مفتوح وليس مغلقاً وعدائياً مثلما يحدث بين العديد من الدول الأفريقية المتنافرة ، ذلك أن مصالح الشعبين ليس لهما أدني علاقة بمسائل الحدود أو ترسيمها حتي لا نقع في عمق بؤر التوتر القبلي السكاني المترابط منذ مئات السنين . فلايزال الجنوب في حاجة ماسة لخبرات أهل الشمال في الإدارة والهندسة والطب والتزود بالمعارف وتأمين الغذاء من حبوب وخلافه ، أي أن يبتعد أهل الجنوب عن الغل وأن يطردوا الروح الشريرة من النفوس طالما كان هناك توافق علي السلام الشامل الذي تتقاصر دونه قوانين الأمن والصحافة ، فالأمر يحتاج من الشريك الأساس وهو المؤتمر الوطني ألا يخاف من تعديل القوانين التي لا تتوافق مع الدستور الإنتقالي النابع من إتفاقية السلام ، وإلا كيف يقنع شعب السودان والمحيط الأقليمي والدولي بأن التحول الديموقراطي قد تحقق في السودان ، إذ لا يكفي تسجيل الجماهير ودعوتهم إلي الإنتخابات دون تهيئة إستحقاقات هذا التحول الذي ظلت تلوكه ألسن المعارضة والإعلام المحلي والدولي معاً
وحتي أجهزة الأمن هي الأخري ستواجه مهاما جسيمة ، ليس من بينها بالطبع تتبع المعارضين في كافة تيارات السياسة ، فتلك ثقافة قد ولي زمانها بعد أن إتسعت مواعين العمل السياسي المفتوح ، ونرجو ألا ترهق الأجهزة نفسها كثيرا بهذا الأمر بسبب أن القادم من خارج الحدود هو ما يستوجب التحليل والتتبع ثم إيجاد المعالجات الوطنية له ، ألم تأت المصائب دوما وعبر كل الحقب السياسية من خارج حدود الوطن ، ومن الأطراف أحياناً ؟؟؟
وفي الختام نقول .... أن تعديل القوانين المتبقية وفقاً للدستور الإنتقالي ولبنود سلام نايفاشا أخف وطأة علي البلاد ونظامه الحاكم من مقاطعة التيارات السياسية للعملية الإنتخابية بمجملها ، لأن لذلك مآلات وإحتمالات لا نعرف تقاطعاتها بعد ، لكنها تلوح من الأفق البعيد من وقت لآخر .... وإلي اللقاء ،،،،،