هل من بدائل للقمح الأوكراني والروسي؟ إنها الحرب .. إنه الخبز!. بقلم: مـحمد أحمد الجاك
بهدوووء-
بينما الناس يركضون خلف أنباء الجحيم المندلع في أوكرانيا، وفيما الأنفاس محتبسةٌ خيفة ورعبًا من قفزة نووية مجنونة يقوم بها رئيس روسيا، تشهد الدول العربية مخاوف متزايدة هنا وحالات من الاستنفار هناك بسبب تداعيات الحرب في أوكرانيا على وارداتها من سلع غذائية أساسية على رأسها القمح الذي يُصنع من الخبز والمعجنات والحلويات ومنتجات أخرى. وفيما عدا السعودية والعراق والجزائر يعتمد العالم العربي بشكل أساسي على القمح المستورد من روسيا وأوكرانيا عبر البحر الأسود في توفير احتياجاته من هذه المادة الحيوية.
تراجيديا الحرب في أوكرانيا تختلف بحسب العين التي تنظر وتتابع، فبالنسبة للأوكرانيين والشعوب الجارة(الأوربيين) لهم الشغل الشاغل هو معركة الوجود، سواء في البيوت أو في المخابئ، أو في المهجر إن تصاعدت الكارثة. أما بالنسبة لغالبية الشعوب العربية، فإن الحرب التي يشنّها، فلاديمير بوتين، المسكون بأحلام روسيا القيصرية، هي القمح، ليصبح السؤال الرئيس: ماذا نحن فاعلون لكي نحصل على خبزنا؟ قد يتوقف بعضهم قليلًا عند عجائز وأطفال يتخبّطون في الطرقات بحثًا عن مخابئ، وقد تهزّهم صور وجوه غرقت في الدماء، أو أشلاء متطايرة حطام النوافذ، لكن يبقى القمح المستورد من أوكرانيا وروسيا هو القضية الكبرى بالنسبة لهم.
هذا وجه آخر للمأساة التي يعيشها الوطن العربي، معتمدًا في خبزه اليومي على ما يأتي من الخارج، فإن توّجعت أوكرانيا شعر بالجوع، أو بالحد الأدنى عاش في ذُعر احتمال الجوع إن توقفت الإمدادات، على الرغم من أن هذا الوطن المنكوب بطغاةٍ يعارك بعضهم بعضًا من أجل مصلحة عدو مشترك، يمتلك قارّة زراعية هائلة اسمها السودان، نقرأ ونسمع كغيرنا، طوال نصف قرن من الزمان على الأقل، أن السودان هو مستودع أحلام الشعوب العربية في وحدة اقتصادية تجعلهم يكتفون ذاتيًا من الغذاء.
قبل اندفاع القوات الروسية لغزو الأراضي الأوكرانية، صاح بعضهم في مصر مطالبًا الحكومة بسرعة تأمين احتياطي ضخم من القمحين، الأوكراني والروسي، قبل أن يجد المصريون أنفسهم في مجاعة. ومع اندلاع المعارك اندلعت بكائيات ولطميات على مستقبل بائس لا خبز فيه، ولا سائحين من روسيا وأوكرانيا، من دون أن يتوقف أحدٌ عند جوهر المأساة التي يمكن تلخيصها في أن بلدًا زراعيًا من الطراز الأول، يمتلك نهرًا هو الأعظم في الكون، وبيئة صالحة لزراعة كل المحاصيل، يعاني فقرًا مائيًا وخرابًا زراعيًا، ليس بفعل الحروب، وإنما نتيجة نظام انقلابي فرّط في كل شيء، ثم راح يتسوّل من هنا وهناك و يناشد الأمم المتحده والمجتمع الدولي التدخل لدي الجارة إثيوبيا لكي لا تخفض حصته من مياه النهر الذي ينبع منها قبل أن يصب في مصر. هكذا فعل عبدالفتاح السيسي وتلميذه البرهان (كل الطغاة يشربون من نفس الترعة الوسخه)، ما علينا .. المهم الحقيقة التاريخية الناصعة تؤكد أنّ التبعية السياسية تستدعي بالضرورة تبعيةً ومهانةً في كل شيء، من نقطة المياه إلى حبة القمح، ومنذ قرّر السادات رهن كل شيء للإرادة الأميركية، منطلقًا فيما سمّي (انفتاح السداح مداح) وفكرة الوصول بمساحات القمح المزروعة محليًا إلى تخوم الاكتفاء الذاتي من المحرمات والجرائم التي تستوّجب العقاب الرادع.
في الجارة الشمالية كانت الحجة البليدة في السابق أنّ التوسع في القمح سيستنزف كل حصة مصر من المياه، لكن ذلك، بشهادات خبراء زراعة هو الباطل بعينه، ذلك أنّ زراعة القمح لا تتطلب مياها كثيرة، وعلى حد وصف أحد المزارعين البسطاء في المشاريع المروية السودانية، فإن زراعة القمح يطلقون عليها (زرعة العاجز)، بالنظر إلى أنها لا تتطلب كثيرا من مياه الري أو الجهد أو الأسمدة(بإختصار شديد مدخلات الانتاج فيها غير مكلفة ماعدا مرحلة الحصاد التي تتطلب الآلة الحاصدة في الحيازات الكبيرة).
زراعة القمح في السودان أو مصر قصة حزينة ومؤلمة، منذ مطلع سبعينات القرن الماضي، جوهرها أنه ممنوع التوسّع في زراعة القمح بكميات تكفي المصريين مذلة المعونة والاستيراد بقرار أميركي صارم تخضع له السلطة في مصر، أنّ الاكتفاء الذاتي ممنوع بقرار من أعلى مستويات السلطة، وقرأت عن قصة بطلها نائب الرئيسي الأميركي الأسبق، آل غور، ونائب رئيس الوزراء المصري الراحل، يوسف والي، ملخص الحكاية أنه في فترة رئاسة بيل كلينتون الولايات المتحدة، كان نائبه آل غور في زيارة إلى مصر، وقرّر أن يسافر لمشاهدة مشروع توشكى على الطبيعة، وسافر إلى هناك يرافقه وزير الري المصري في ذلك الوقت، ولم يكن معهما صحفيون ولا إعلاميون على الطائرة، وحين وصلا سأل آل غور الوزير محمود أبوزيد: ماذا أنتم فاعلون بهذه الأراضي؟ فرد الأخير نخطط لزراعتها قمحًا .. ابتلع آل غور الإجابة، من دون أن يعلّق. وبعد أقل من ساعة من العودة إلى القاهرة، رنّ هاتف الوزير وكان المتصل وزير الزراعة يوسف والي في ذلك الوقت، ولم تخرج المكالمة عن توجيه سؤال غاضب: هل تحدّثت مع نائب الرئيس الأميركى فى زراعة توشكى بالقمح فردّ: نعم. .. فطلب والي، بصرامة، من وزير الري عدم الكلام فيما لا يخصّه بعد ذلك،(بالبلدى كده لا تتدخل في حاجة ما بتخصك تاني).)
اما في السودان ، لم يحدُث أن توسّع في زراعة القمح حتى وصلت إلى ما يعادل ولو40%من المطلوب لتحقيق الاكتفاء الذاتي، إلا في العام 2021 ، في فترة الحكومة الإنتقالية برئاسة عبدالله حمدوك لكن هذا الإنجاز/ الخطيئة فتح عليه أبواب الجحيم، إذ كان ذلك في فترة التحضير والحشد للانقلاب عليه، وهي الحرب التي استعرت بعد إعلان بشرى وزير الزراعة عن توقع انتاجية عالية من القمح في ذلك العام، وهذا يعنى أننا بتنا قاب قوسين أو أدنى من الوصول إلى الاكتفاء الذاتي ولكن انقلاب 25 اكتوبر من نفس العام حطم الآمال والأحلام واعاد كل شئ إلى الوراء مرة أخرى.
أبان حكم البشير ولسنوات طويلة كانت الأمارات والسعودية وحدهما من يستمتعان بقمح السودان عبر الاستثمارات المشبوهة التي لم تفيد البلاد بشيء حتى العمالة لهذه الاسثمارات تأتي من خارج السودان والمواطن المطحون يشاهد جوالات القمح تخرج إلى المطارات والموانيء(كما يشاهد ذهب بلاده يخرج أمام ناظريه) ويتعذب يومه كله ما بين الصفوف والمخابز بحثا عن بضع خبزات تسد رمقه.
خلال النجاحات البسيطة من ولكنها مقدرة لحكومة الثورة جنّ جنون الذين عقدوا العزم على التخلّص من حمدوك وحكومته، فتنوّعت أساليب الحرب، ما بين حرائق بفعل فاعل في صوامع تخزين محصول القمح، وحرائق على المحصول داخل الأراضي حتى قبل حصاده وممارسة إرهابٍ على المزارعين لمنعهم من توريد المحصول، وحملة إعلامية مجنونة بلغت بتهديد المزارعين بالانتقام إن هو ظهر في وسائل الإعلام، وتكلم عن زيادة محصول القمح.
لم يكن العالم العربي في تاريخه معتمداً إلى هذا الحد على استيراد القمح كما هو عليه الحال في الوقت الحاضر. وفي دول مثل مصر وتونس والمغرب والعراق وسوريا ولبنان والسودان كانت الإنتاج المحلي يسد معظم حاجة السوق أو القسم الأكبر منها. غير أن إهمال زراعات استراتيجية كالقمح أدى إلى تدهور هذا الإنتاج وزاد من الاعتماد على الخارج بشكل دراماتيكي. . والسودان فيا للعجب يعتمد وبشكل كبير جدا على القمح الروسي، ويستورد نحو 46% من روسيا وحدها، في حين لا يستورد القمح الأوكراني!.
الخلاصة من دون أدنى مبالغة هكذا يقول التاريخ ، يمكن اعتبار أن تأمين الغذاء ذاتيًا، وبالأخص تحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح، هو معركة وجود بالنسبة لأي أمة، وكما قلت أكثر من مرّة هو ليس مجرد إنجاز زراعي أو اقتصادي، وإنما يعني أن أمةً قرّرت أن تنبعث من تحت ركام الفقر والحاجة، وأن تمدّ قدميها وتضرب بهما الأرض فتثمر خيرا، بدلا من أن تمدّ يديها تسوّلا واستجداء من هنا وهناك.
والتاريخ يقول إن الأوطان كيانات مقدّسة، وليست محطات خدمة مدفوعة الأجر، تتوقف عندها قوافل الأعداء المحمّلة بموارد البلاد وخيراتها للاستراحة والتزوّد بالوقود والمياه، قبل مواصلة الرحلة إلى الشمال .. فلنطرد هذا التاريخ من مناهج الدراسة كي لا يؤثر سلبًا على زعيم السوق/ الوطن.
كان (الزعيم نبيه) يحكم ويتصرّف وهو على ثقة تامة بأن الشعب كله رهائن عنده، في مملكته التي لا يصل، أو يعرف، أو يهتم بما يدور فيها أحد، حتى حلّقت طائرة في سمائها واكتشفت وجود الرهائن، فانطلقوا للتحليق معها. حتمًا، ستأتي طائرةٌ في وقت ما
أخـر الهدوووء :في عيد الأم.. غياب الأبناء ينكأ جراح أمهات سودانيات:
في عيد الأم، تزداد معاناة الأمهات السودانيات اللواتي فقدن أبنائهن خلال ثورة ديسمبر بداية بإسقاط الطاغية البشير وحتى الآن في ظل السلطات الانقلابية، وكذلك تزداد معاناة اللواتي يبتعد أبناؤهنّ عنهنّ بسبب الهجرة بحثاً عن فرص أفضل خارج الباد الذي يعاني من أزمة سياسية نتجت عنها أزمات وكوارث اقتصادية وأمنية.
. إليك.. زهرة الروح ، ونجمة الطريق .. التي بذرتني في مرابيع الحياة ، متقدا بنور القيم ، و نسمات النيل التي تلثم نخيل التجربة
أمي .. و التي بلا شك ستغفر لي غيابي بالسنوات عنها ، لم تكل أو تمل من عقوق الإنشغال عن يومها ، أو عنائها . تصنع من الغياب فرحا لغد ، أرجو أن تسامحيني على كل هذا .. ولكن هذه البلاد وهذا الطريق فاعفي ، يا حبيبتي. .
mido34067@gmail.com
///////////////////////////
بينما الناس يركضون خلف أنباء الجحيم المندلع في أوكرانيا، وفيما الأنفاس محتبسةٌ خيفة ورعبًا من قفزة نووية مجنونة يقوم بها رئيس روسيا، تشهد الدول العربية مخاوف متزايدة هنا وحالات من الاستنفار هناك بسبب تداعيات الحرب في أوكرانيا على وارداتها من سلع غذائية أساسية على رأسها القمح الذي يُصنع من الخبز والمعجنات والحلويات ومنتجات أخرى. وفيما عدا السعودية والعراق والجزائر يعتمد العالم العربي بشكل أساسي على القمح المستورد من روسيا وأوكرانيا عبر البحر الأسود في توفير احتياجاته من هذه المادة الحيوية.
تراجيديا الحرب في أوكرانيا تختلف بحسب العين التي تنظر وتتابع، فبالنسبة للأوكرانيين والشعوب الجارة(الأوربيين) لهم الشغل الشاغل هو معركة الوجود، سواء في البيوت أو في المخابئ، أو في المهجر إن تصاعدت الكارثة. أما بالنسبة لغالبية الشعوب العربية، فإن الحرب التي يشنّها، فلاديمير بوتين، المسكون بأحلام روسيا القيصرية، هي القمح، ليصبح السؤال الرئيس: ماذا نحن فاعلون لكي نحصل على خبزنا؟ قد يتوقف بعضهم قليلًا عند عجائز وأطفال يتخبّطون في الطرقات بحثًا عن مخابئ، وقد تهزّهم صور وجوه غرقت في الدماء، أو أشلاء متطايرة حطام النوافذ، لكن يبقى القمح المستورد من أوكرانيا وروسيا هو القضية الكبرى بالنسبة لهم.
هذا وجه آخر للمأساة التي يعيشها الوطن العربي، معتمدًا في خبزه اليومي على ما يأتي من الخارج، فإن توّجعت أوكرانيا شعر بالجوع، أو بالحد الأدنى عاش في ذُعر احتمال الجوع إن توقفت الإمدادات، على الرغم من أن هذا الوطن المنكوب بطغاةٍ يعارك بعضهم بعضًا من أجل مصلحة عدو مشترك، يمتلك قارّة زراعية هائلة اسمها السودان، نقرأ ونسمع كغيرنا، طوال نصف قرن من الزمان على الأقل، أن السودان هو مستودع أحلام الشعوب العربية في وحدة اقتصادية تجعلهم يكتفون ذاتيًا من الغذاء.
قبل اندفاع القوات الروسية لغزو الأراضي الأوكرانية، صاح بعضهم في مصر مطالبًا الحكومة بسرعة تأمين احتياطي ضخم من القمحين، الأوكراني والروسي، قبل أن يجد المصريون أنفسهم في مجاعة. ومع اندلاع المعارك اندلعت بكائيات ولطميات على مستقبل بائس لا خبز فيه، ولا سائحين من روسيا وأوكرانيا، من دون أن يتوقف أحدٌ عند جوهر المأساة التي يمكن تلخيصها في أن بلدًا زراعيًا من الطراز الأول، يمتلك نهرًا هو الأعظم في الكون، وبيئة صالحة لزراعة كل المحاصيل، يعاني فقرًا مائيًا وخرابًا زراعيًا، ليس بفعل الحروب، وإنما نتيجة نظام انقلابي فرّط في كل شيء، ثم راح يتسوّل من هنا وهناك و يناشد الأمم المتحده والمجتمع الدولي التدخل لدي الجارة إثيوبيا لكي لا تخفض حصته من مياه النهر الذي ينبع منها قبل أن يصب في مصر. هكذا فعل عبدالفتاح السيسي وتلميذه البرهان (كل الطغاة يشربون من نفس الترعة الوسخه)، ما علينا .. المهم الحقيقة التاريخية الناصعة تؤكد أنّ التبعية السياسية تستدعي بالضرورة تبعيةً ومهانةً في كل شيء، من نقطة المياه إلى حبة القمح، ومنذ قرّر السادات رهن كل شيء للإرادة الأميركية، منطلقًا فيما سمّي (انفتاح السداح مداح) وفكرة الوصول بمساحات القمح المزروعة محليًا إلى تخوم الاكتفاء الذاتي من المحرمات والجرائم التي تستوّجب العقاب الرادع.
في الجارة الشمالية كانت الحجة البليدة في السابق أنّ التوسع في القمح سيستنزف كل حصة مصر من المياه، لكن ذلك، بشهادات خبراء زراعة هو الباطل بعينه، ذلك أنّ زراعة القمح لا تتطلب مياها كثيرة، وعلى حد وصف أحد المزارعين البسطاء في المشاريع المروية السودانية، فإن زراعة القمح يطلقون عليها (زرعة العاجز)، بالنظر إلى أنها لا تتطلب كثيرا من مياه الري أو الجهد أو الأسمدة(بإختصار شديد مدخلات الانتاج فيها غير مكلفة ماعدا مرحلة الحصاد التي تتطلب الآلة الحاصدة في الحيازات الكبيرة).
زراعة القمح في السودان أو مصر قصة حزينة ومؤلمة، منذ مطلع سبعينات القرن الماضي، جوهرها أنه ممنوع التوسّع في زراعة القمح بكميات تكفي المصريين مذلة المعونة والاستيراد بقرار أميركي صارم تخضع له السلطة في مصر، أنّ الاكتفاء الذاتي ممنوع بقرار من أعلى مستويات السلطة، وقرأت عن قصة بطلها نائب الرئيسي الأميركي الأسبق، آل غور، ونائب رئيس الوزراء المصري الراحل، يوسف والي، ملخص الحكاية أنه في فترة رئاسة بيل كلينتون الولايات المتحدة، كان نائبه آل غور في زيارة إلى مصر، وقرّر أن يسافر لمشاهدة مشروع توشكى على الطبيعة، وسافر إلى هناك يرافقه وزير الري المصري في ذلك الوقت، ولم يكن معهما صحفيون ولا إعلاميون على الطائرة، وحين وصلا سأل آل غور الوزير محمود أبوزيد: ماذا أنتم فاعلون بهذه الأراضي؟ فرد الأخير نخطط لزراعتها قمحًا .. ابتلع آل غور الإجابة، من دون أن يعلّق. وبعد أقل من ساعة من العودة إلى القاهرة، رنّ هاتف الوزير وكان المتصل وزير الزراعة يوسف والي في ذلك الوقت، ولم تخرج المكالمة عن توجيه سؤال غاضب: هل تحدّثت مع نائب الرئيس الأميركى فى زراعة توشكى بالقمح فردّ: نعم. .. فطلب والي، بصرامة، من وزير الري عدم الكلام فيما لا يخصّه بعد ذلك،(بالبلدى كده لا تتدخل في حاجة ما بتخصك تاني).)
اما في السودان ، لم يحدُث أن توسّع في زراعة القمح حتى وصلت إلى ما يعادل ولو40%من المطلوب لتحقيق الاكتفاء الذاتي، إلا في العام 2021 ، في فترة الحكومة الإنتقالية برئاسة عبدالله حمدوك لكن هذا الإنجاز/ الخطيئة فتح عليه أبواب الجحيم، إذ كان ذلك في فترة التحضير والحشد للانقلاب عليه، وهي الحرب التي استعرت بعد إعلان بشرى وزير الزراعة عن توقع انتاجية عالية من القمح في ذلك العام، وهذا يعنى أننا بتنا قاب قوسين أو أدنى من الوصول إلى الاكتفاء الذاتي ولكن انقلاب 25 اكتوبر من نفس العام حطم الآمال والأحلام واعاد كل شئ إلى الوراء مرة أخرى.
أبان حكم البشير ولسنوات طويلة كانت الأمارات والسعودية وحدهما من يستمتعان بقمح السودان عبر الاستثمارات المشبوهة التي لم تفيد البلاد بشيء حتى العمالة لهذه الاسثمارات تأتي من خارج السودان والمواطن المطحون يشاهد جوالات القمح تخرج إلى المطارات والموانيء(كما يشاهد ذهب بلاده يخرج أمام ناظريه) ويتعذب يومه كله ما بين الصفوف والمخابز بحثا عن بضع خبزات تسد رمقه.
خلال النجاحات البسيطة من ولكنها مقدرة لحكومة الثورة جنّ جنون الذين عقدوا العزم على التخلّص من حمدوك وحكومته، فتنوّعت أساليب الحرب، ما بين حرائق بفعل فاعل في صوامع تخزين محصول القمح، وحرائق على المحصول داخل الأراضي حتى قبل حصاده وممارسة إرهابٍ على المزارعين لمنعهم من توريد المحصول، وحملة إعلامية مجنونة بلغت بتهديد المزارعين بالانتقام إن هو ظهر في وسائل الإعلام، وتكلم عن زيادة محصول القمح.
لم يكن العالم العربي في تاريخه معتمداً إلى هذا الحد على استيراد القمح كما هو عليه الحال في الوقت الحاضر. وفي دول مثل مصر وتونس والمغرب والعراق وسوريا ولبنان والسودان كانت الإنتاج المحلي يسد معظم حاجة السوق أو القسم الأكبر منها. غير أن إهمال زراعات استراتيجية كالقمح أدى إلى تدهور هذا الإنتاج وزاد من الاعتماد على الخارج بشكل دراماتيكي. . والسودان فيا للعجب يعتمد وبشكل كبير جدا على القمح الروسي، ويستورد نحو 46% من روسيا وحدها، في حين لا يستورد القمح الأوكراني!.
الخلاصة من دون أدنى مبالغة هكذا يقول التاريخ ، يمكن اعتبار أن تأمين الغذاء ذاتيًا، وبالأخص تحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح، هو معركة وجود بالنسبة لأي أمة، وكما قلت أكثر من مرّة هو ليس مجرد إنجاز زراعي أو اقتصادي، وإنما يعني أن أمةً قرّرت أن تنبعث من تحت ركام الفقر والحاجة، وأن تمدّ قدميها وتضرب بهما الأرض فتثمر خيرا، بدلا من أن تمدّ يديها تسوّلا واستجداء من هنا وهناك.
والتاريخ يقول إن الأوطان كيانات مقدّسة، وليست محطات خدمة مدفوعة الأجر، تتوقف عندها قوافل الأعداء المحمّلة بموارد البلاد وخيراتها للاستراحة والتزوّد بالوقود والمياه، قبل مواصلة الرحلة إلى الشمال .. فلنطرد هذا التاريخ من مناهج الدراسة كي لا يؤثر سلبًا على زعيم السوق/ الوطن.
كان (الزعيم نبيه) يحكم ويتصرّف وهو على ثقة تامة بأن الشعب كله رهائن عنده، في مملكته التي لا يصل، أو يعرف، أو يهتم بما يدور فيها أحد، حتى حلّقت طائرة في سمائها واكتشفت وجود الرهائن، فانطلقوا للتحليق معها. حتمًا، ستأتي طائرةٌ في وقت ما
أخـر الهدوووء :في عيد الأم.. غياب الأبناء ينكأ جراح أمهات سودانيات:
في عيد الأم، تزداد معاناة الأمهات السودانيات اللواتي فقدن أبنائهن خلال ثورة ديسمبر بداية بإسقاط الطاغية البشير وحتى الآن في ظل السلطات الانقلابية، وكذلك تزداد معاناة اللواتي يبتعد أبناؤهنّ عنهنّ بسبب الهجرة بحثاً عن فرص أفضل خارج الباد الذي يعاني من أزمة سياسية نتجت عنها أزمات وكوارث اقتصادية وأمنية.
. إليك.. زهرة الروح ، ونجمة الطريق .. التي بذرتني في مرابيع الحياة ، متقدا بنور القيم ، و نسمات النيل التي تلثم نخيل التجربة
أمي .. و التي بلا شك ستغفر لي غيابي بالسنوات عنها ، لم تكل أو تمل من عقوق الإنشغال عن يومها ، أو عنائها . تصنع من الغياب فرحا لغد ، أرجو أن تسامحيني على كل هذا .. ولكن هذه البلاد وهذا الطريق فاعفي ، يا حبيبتي. .
mido34067@gmail.com
///////////////////////////