وانطلق قطار وحدة وادي النيل … بقلم: جمال عنقرة

 


 

جمال عنقرة
10 November, 2009

 

          قد يبدو مستغرباً للبعض الحديث عن وحدة وادي النيل في هذا الزمان الذي صارت فيه وحدة جنوب الوادي مهددة بالألعاب الخشنة التي يمارسها شريكا نيفاشا وهما يديران معاركهما النتافسية، ولكني أجدد القول لهؤلاء أن أي تقارب مصري سوداني في هذا الظرف سوف يكون مردوده إيجابياً علي تقارب أهل السودان، في الشمال والجنوب، أو بين فرقاء السياسة السودانية، ذلك لما تتمتع به مصر من صلات واتصالات مميزة بكل مكونات السودان المختلفة بلا استثناء. ثم أن الوحدة مع مصر هدف منشود أيضاً لتقوية صف البلدين لمواجهة تحديات عصر لامكان فيه للضعفاء. ولهذا نسعد بكل خطوة تجعل من هذه الوحدة هدفاً قريب المنال.

          ولقد شهد الإسبوع الماضي حدثين مهمين شكلا دفعاً قوياً لهذه الوحدة المنشودة. الحدث الأول هو مؤتمر فرص وتحديات الإستثمار في السودان الذي نظمته بالقاهرة شركتا سوداكسبو السودانية وكوميسا المصرية تحت رعاية وزير الدولة بوزارة الإستثمار السوداني الأخ سلمان سليمان الصافي، والأمين العام لمجلس الوحدة الإقتصادية العربية الدكتور أحمد جويلي وزير التجارة المصري الأسبق، ولقد شهد المؤتمر حضوراً كثيفاً من أهل المال ورجال الأعمال السودانيين والمصريين، وحشداً إعلامياً مميزاً، وشارك في افتتاحه مستشار رئيس الجمهورية الدكتور مصطفي عثمان إسماعيل. وشهد المؤتمر حواراً جاداً ورؤي ممتازة شكلت خارطة طريق لمسار حركة الإستثمار بين البلدين الساعيين للتكامل والوحدة.

          أما الحدث الثاني والذي شكل ولوجاً قوياً لنوع جديد وجاد من الإستثمار المشترك، أجمع كل الذين شهدوه أنه مفتاح النهضة والوحدة لوادي النيل. وكان هذا الحدث هو تدشين مشروع (مزرعتي) بولاية سنار. وهو مشروع يرعاه والي سنار المهندس أحمد عباس الذي قام بتخصيص خمسين ألف فدان لشركة سودانية مصرية تقوم بإعدادها وتسويقها للمستثمرين مع التركيز علي الحيازات الصغيرة ــ عشرة أفدنة ــ تستهدف بهم المزارعين المصريين، وكذلك السودانيين الراغبين في الزراعة مستفيدين من التجربة المصرية الزراعية العريقة. فوجد المشروع في يوم طرحه الأول في مصر إقبالاً كبيراً، ولم يقف الإقبال عند حدود المزارعين المصريين الذين استهدفهم الطرح، وإنما شمل مصريين أخر لم تكن لهم تجارب زراعية، لكنهم موقنون أن الزراعة في السودان هي مفتاح الكسب والغني، ثم شمل أيضاً سودانيين من قطاعات مختلفة، أعجبهم المشروع فقرروا دخوله، وقد شجعهم علي ذلك روعة التصميم، وعظيم الخدمات، ويسر قيمة الحيازة التي تكاد تكون متاحة لأكثر المواطنين العاديين.

          ومثل مشروع (مزرعتي) هذا من شأنه أن يغير خارطة الزراعة في السودان. وتقوم فلسفته علي استخدام مساحات صغيرة من الأرض، وكميات قليلة من مياه الري، لإنتاج أكبر قدر من المحصولات الزراعية المختلفة، باستعمال تقنيات عالية للزراعة، ووسائل حديثة للري، ونوعيات عالية الجودة من البذور. وهذه هي مرتكزات الزراعة الحديثة الأساسية. ثم أنه يعيد المزارعين المصريين إلي سابق عهدهم الزاهي قبل أن تفقد بعض الأراضي الزراعية المصرية بعض خصوبتها، وقبل أن يتعدي المواطنون علي أكثرها فحولوها إلي سكنية وصناعية. والمشروع يجمع بين المزارع المصري ونظيره السوداني في حيازات متداخلة، ومثل هذا التداخل فضلاً عن نقله لثقافة الزراعة والحياة، فإنه كذلك يكون أسرع في نقل المشاعر، التي تفتح الأبواب لعلاقات متعددة تداخل الأنساب فتتداخل الأسر والعائلات والقبائل. وبذلك تتحقق الوحدة في أشمل وأروع صورها. وهي وحدة الشعب المجتمعية.

 

Gamal Angara [gamalangara@hotmail.com]

 

آراء