بسم الله الرحمن الرحيم
إنتخابات 27 ديسمبر 2007 الكينية أنموزجاً
إعداد
أ.عاصم فتح الرحمن أحمد الحاج
باحث وخبير إستراتيجى فى شؤون القارة الإفريقية ومتخصص فى شؤون القرن الإفريقى
asimfathi@inbox.com
أزمة الديمقراطية والإنتخابات فى إفريقيا
إنتخابات 27 ديسمبر 2007 الكينية أنموزجاً
تمهيد:
جمهورية كينيا هى إحدى الدول الإفريقية التي خضعت للاحتلال البريطاني،وعرفت سابقاً باسم " شرق إفريقيا البريطانية"، نالت استقلالها من المملكة المتحدة في الثاني عشر من ديسمبر 1963م,وتقع كينيا شرق القارة الإفريقية حيث تطل سواحلها الجنوبية الشرقية على المحيط الهندي، وتحدها تنزانيا من الجنوب، وأوغندا من الغرب، والصومال من الشرق، وتشترك في حدودها الشمالية مع إثيوبيا، ومن الشمال الغربي مع السودان، وتطل على جزء من بحيرة فيكتوريا من الجنوب الغربي, تبلغ مساحة كينيا حوالى 582.650 كم2,ويبلغ عدد السكان 36.913.721 نسمة,والعاصمة القومية هى نيروبي ,وعملتها الشيلنج, وتشكل الديانة المسيحية البروتستانتية 45%،والمسيحيين الرومان الكاثوليك 33%،أما المسلمين فهم يشكلون حوالى 10%،وهنالك عدد من المعتقدات المحلية الأخرى تنتشر فى مناطق كينيا المختلفة.
مقدمة:
شكلت إنتخابات 27 ديسمبر 2007 م فى كينيا نقطة تحول كبيرة على مسار التحول الديمقراطى فى كينيا,لقد شاب العملية الإنتخابية الكثير من الغموض وخاصة فى مرحلة إعلان نتائجها,كما إنها تعرضت لإنتقادات واسعة من عدة أطراف محلية وإقليمية ودولية,وثبت بما لا يدعو إلى الشك أن نتائج العملية الإنتخابية لم تكن تعبر عن آمال وتطلعات الجماهير الكينية,وقد عبرت أعمال العنف الواسعة النطاق فى العاصمة الكينية نيروبى ومدن كينية أخرى عن مدى تأثير إعلان نتائج الإنتخابات على الشارع الكينى وإظهاراتها السالبة التى أبرزت فى الساحة السياسية الكينية مسألة إعلاء القبلية على القومية.
خلفية تاريخية عن النظام السياسى فى كينيا:
إستقلت كينيا من قبضة حكم الإحتلال البريطانى فى الثانى عشر من ديسمبر من العام 1963 م,وأصبحت كينيا منذ العام 1969 من الناحية الواقعية يحكمها نظام الحزب الواحد وهو حزب الإتحاد الوطنى الكينى (Kanu) (Kenya African National Union) بزعامة الرئيس الكينى الأسبق الراحل جومو كينياتا أول رئيس للجمهورية الكينية بعد رحيل الإحتلال البريطانى والذى يتنمى إلى عرقية الكيكويو التى تعتبر من أحد أكبر العرقيات فى كينيا حيث تمثل حوالى 22% من سكان كينيا,فى عام 1978 م توفى الرئيس جومو كينياتا وخلفه على سدة الحكم الرئيس الكينى الأسبق دانيال أرآب موى التى أصبحت كينيا فى عهده تأخذ بنظام الحزب الواحد (Single Party System) من الناحية القانونية حيث رفضت الجمعية الوطنية الكينية فى عام 1983 م بعدم تشكيل أحزاب سياسية أخرى بخلاف الحزب الحاكم,وفى ديسمبر من العام 1991 م تعرض الرئيس الكينى الأسبق دانيال أرآب مو (Daniel Arab Moi) للعديد من الضغوط الداخلية والخارجية أدت لإستجابته بقيام تعددية حزبية فى كينيا,وأجريت أول إنتخابات ديمقراطية رئاسية وبرلمانية فى كينيا فى ديسمبر من العام 1992 م,حصل فى حزب كانو فى هذه الإنتخابات على مائة مقعد فى البرلمان الكينى من جملة 202 مقعد,بينما فاز مرشح حزب كانو الرئيس دانيال أرآب موى بالإنتخابات الرئاسية متقدماً على سبعة مرشحين آخرين لأحزاب أخرى,وفى 29 ديسمبر 1997 م عقدت فى كينيا الإنتخابات البرلمانية والرئاسية الثانية والتى جرت العادة حسب نص الدستور أن تقام الإنتخابات كل خمس سنوات وأن تكون فترة الرئيس محددة بفترتين إنتخابيتين,إتسمت إنتخابات ديسمبر 2007 م بأنها جرت بصورة جيدة حيث فاز فى هذه الإنتخابات الرئيس الكينى الأسبق دانيال أرآب موى للمرة الثانية متقدماً على منافسيه الرئيسيين رايلا أودينقا (Raila Odinga) ومواى كيباكى (Mwai Kibaki) وأثنى عشر مرشح رئاسى آخر, بينما حصل حزب كانو (KANU) على مائة وسبعة معقداً من مقاعد البرلمان البالغ عددها 224 مقعداً,وفى السابع والعشرون من ديسمبر 2002 م تم إجراء الإنتخابات الرئاسية والبرلمانية الثالثة فى كينيا,وفى هذه الإنتخابات فاز السيد مواى كيباكى مرشح إئتلاف قوز قزح (National Rainbow Coalition NARC) متقدما على أربعة مرشحاً رئاسياً من بينهم مرشح حزب كانو (KANU) حيث حصل مواى كيباكى على 62% من جملة الأصوات,كما حاز فى هذه الإنتخابات إئتلاف قوس قزح على 125 مقعدا برلمانياً بينما تحصل حزب كانو على 64 مقعداً برلمانياً,وبالتالى تولى السيد كيباكى منصب رئيس كينيا إعتباراً من 31 ديسمبر 2002 م خلفاً للرئيس دانيال أرآب موى,وشكل كيباكى حكومة وحدة وطنية مثلت الجماعات العرقية المختلفة فى كينيا وفيها تم تعيين خمسة وزراء لكل من جماعتى الكيكويو واللوهيا,وأربعة وزراء من اللو,ووزيرين لكل من الكالنجيين والكامبا والمجيكندا والماساى,ووزير واحد لكل من الإمبو والصوماليين.
البئية السياسية الكينية قبل وبعد إنتخابات 2002 :
قبل إنعقاد إنتخابات 2002 م الكينية شهدت الساحة السياسية الكينية العديد من التغيرات المهمة كان أهمها توجه العديد من القوى المعارضة لتوحيد صفوفها,حيث إتحد الحزب الديمقراطى (Democratic Party) بقيادة مواى كيباكى (Mwai Kibaki) وحزب فورد كينيا والحزب الوطنى الكينى وشكلوا ما يعرف بالتحالف الوطنى من أجل التغيير (National Alliance for Change NAC),وفى نفس الوقت ظهرت إنشقاقات فى حزب كانو (KANU) الحاكم نتيجة لترشيح الرئيس الأسبق لكينيا دانيال أرآب موى لإبن الزعيم الراحل الرئيس الكينى الأسبق جومو كينياتا السيد أوهورد كينياتا ليكون مرشح الحزب للرئاسة الكينية خلفاً له,عليه إنشق قسم من حزب كانو (KANU) أطلق على نفسه إئتلاف قوس قزح (Rainbow Coalition) الذى شكل حزباً سياسياً فيما بعد أطلق عليه إسم الحزب الديمقراطى اليبرالى (Liberal Democratic Party LDP) بقيادة رايلا أودينقا,ووقع فيما بعد كل من الحزب الديمقراطى الليبرالى (LDP) بقيادة رايلا أودينقا والتحالف الوطنى الكينى (NAK) فى نوفمبر من العام 2002 م مذكرة تفاهم تم عبرها إنشاء إئتلاف أطلق عليه إسم إئتلاف قوس قزح الوطنى (National Rainbow Coalition NARC),وضم هذا الإئتلاف فى عضويته أكثر من 15 حزب سياسى كينى وتم إختيار السيد مواى كيباكى مرشح الإئتلاف للإنتخابات الرئاسية,حيث فاز كيباكى بالرئاسة الكينية وأحرز إئتلاف قوس قزح الوطنى (NARC) 125 مقعداً برلمانياً,ولكن سرعان ما طفت إلى السطح خلافات بين الإئتلاف الحاكم بعد فترة قصيرة من مزاولة الحكومة الجديدة أعمالها حيث طالبت مجموعة من الحزب الديمقراطى اليبرالى بأن يعامل حزبهم كشريك فى الحكومة مع التحالف الوطنى الكينى وإنشاء منصب رئيس وزراء وتعيين أودينقا فى هذا المنصب كما إتهمت هذه المجموعة الرئيس مواى كيباكى بخيانة بنود الإتفاق المبرم بينهم,وفى نوفمبر تم رفض مشروع الدستور الجديد فى إستفتاء حوله,وفى أواخر العام 2005 م إنسحب بعض أعضاء الإئتلاف الحاكم مكونين حركة سياسية جديدة بقيادة رايلا أودينقا أطلقوا عليها إسم الحركة الديمقراطية البرتقالية (Orange Democratic Movement ODM),وفى يونيو من 2005 م تم الإعلان رسمياً عن إنشاء حزب سياسى جديد اطلق عليه إسم نارك ـ كينيا (NARK-KENYA),وقد أدى تأسيس هذا الحزب فى إحداث تغيير كبير فى الواقع السياسى الكينى,وفى سبتمبر من العام 2007 م أعلن الرئيس الكينى مواى كيباكى عن تشكيل إئتلاف جديد تمثل فى إنشاء حزب الوحدة الوطنية (Party of NATIONAL Unity PNU) الذى ضم كل من حزب كانو ونارك كينيا وفورد كينيا وفورد بيبول والحزب الديمقراطى.
إنتخابات 2007 م الكينية وإفرازاتها:
أحدثت الإئتلافات والإنشقاقات التى حدثت قبل وبعد إنتخابات ديسمبر 2002 م الكينية إلى إحداث تغيرات كبير فى المشهد السياسى الكينى,وتمهيداً لإجراء إنتخابات ديسمبر 2007 م الرئاسية والبرلمانية فى كينيا قام الرئيس مواى كيباكى (Mwai Kibaki) بحل الهيئة البرلمانية فى 23 إكتوبر من العام 2007 م,وتنافس على منصب الرئاسة فى هذه الإنتخابات بجانب الرئيس مواى كيباكى مرشح حزب الوحدة الوطنية (PNU) ثمانية مرشحين آخرين كان أشدهم منافسة للرئيس مواى كيباكى السيد رايلا أودينقا مرشح الحركة الديمقراطية البرتقالية (ODM),وبدأت مراسم التصويت فى 27 من ديسمبر من العام 2007 م,حيث قامت لجنة الإنتخابات الكينية (The Electoral Commission of Kenya) بنشر عدد 245 ألف فرد مدرب يتبعون لإشرافها لتغطية عدد 27555 مركز إنتخابى للإقتراع,تم تسجيل عدد 14.2 مليون ناخب أى ما يساوى 82% من عدد الأفراد المؤهلين للتصويت,وفى يوم 28 ديسمبر أظهرت النتائج الجزئية للإنتخابات الرئاسية الكينية تقدم مرشح الحزب الديمقراطى البرتقالى (NARC-KENYA) السيد رايلا أودينقا بعدد 1.862.537 صوتاً مقابل 1.179.271 صوتاً للرئيس كيباكى,بعدها أعلنت اللجنة الإنتخابية أن إعلان النتائج يمكن أن يتأخر الشىء الذى أدى إلى وقوع أعمال عنف من قبل المعارضة فى يوم 29 ديسمبر من العام 2007 م إحتجاجاً على عملية تأخير النتائج وخوفاً من تزويرها,ولكن فى يوم 30 ديسمبر 2007 أعلنت لجنة الإنتخابات الكينية (The Electoral Commission of Kenya) عن فوز مرشح حزب الوحدة الوطنية (PNU) الرئيس مواى كيباكى بحصوله على عدد 4.578.034 صوتاً مقابل 4.352.860 صوتاً للسيد رايلا أودينقا بفارق من الأصوات بلغ 231.788 صوتاً,أما نتيجة الإنتخابات البرلمانية فقد حصل فيها حزب الحركة الديمقراطية البرتقالية (NARK-KENYA) برئاسة السيد رايلا أودينقا على 99 مقعداً بينما حصل حزب الوحدة الوطنية (PNU) برئاسة كيباكى على 43 مقعداً,فى أعقاب إعلان رئيس اللجنة الكينية الإنتخابية السيد صامويل كينوتو (Samuel M Kivuitu) نتيجة الإنتخابات وفوز مرشح حزب الوحدة الوطنية الكينى مواى كيباكى بفترة رئاسية جديدة تعقدت الأوضاع فى الساحة السياسية الكينية ورفض السيد رايلا أودينقا النتيجة الإنتخابية ودعا الرئيس كيباكى للإعتراف بالهزيمة,كما إتهم الرئيس كيباكى وحزبه بالتزوير والعبث بنتيجة الإنتخابات,ودعا فيما بعد أودينقا أنصاره للتظاهر ضد النتيجة,وتصاعدت وتيرة العنف وإندلعت على خلفيتها أزمة بين الحكومة والمعارضة حيث هدد قائد الشرطة الكينية بإعتقال مرشح الحزب الديمقراطى البرتقالى رايلا أودينقا فى حال قيام أنصاره بأى مظاهرة,عليه نتيجة لأزمة الثقة بين الطرفين إندلعت موجة من العنف الخطيرة فى العاصمة الكينية نيروبى وكيسومو ونيفاشا والدوريت,أدت هذه الموجة من العنف إلى قتل أكثر من 1000 شخص من بينهم برلمانيان يتبعون للمعارضة ونزوح حوالى 30000 ألف شخص وحرق ونهب أكثر من 208 منزل ومتجر,لم تهدأ الأحوال فى كينيا إلا فى يوم 4 يناير 2007 م حيث طلب المتحدث بإسم المعارضة السيد وليم روتو (William Roto) من أنصاره العودة إلى منازلهم وإلغاء المسيرة المليونية التى دعت إليها المعارضة,تم وصف الصراع التى شهدته كينيا عقب إعلان نتائج هذه الإنتخابات من قبل العديد من المراقبين إنه صراع عرقى بين جماعة الكيكويو التى ينتمى إليها الرئيس كيباكى وجماعة الليو والكالنجيين التى ينتمى إليها معظم أنصار المعارضة,وكان الكيكويو مستهدفين من قبل أنصار المعارضة بينما إستهدفت الشرطة الليو والكالنجيين,بينما وصفت منظمات المجتمع المدنى العنف بأنه ناتج من خوف المعارضة من رجوع البلاد إلى نظام الحزب الواحد,بينما يرى آخرين أن الصراع نتج من أبعاد إقتصادية تمثل فى الصراع بين الطبقات الغنية والفقيرة.
جهود تسوية أزمة إنتخابات 2007 م الكينية:
لقد تحرك الإتحاد الإفريقيى (OAU) فور وقوع أحداث العنف فى كينيا لإحتواء الأزمة الناشبة بين الحكومة والمعارضة فى كينيا,وقد قدم رئيس الإتحاد الإفريقيى فى ذلك الوقت السيد جون كوفور رئيس جمهورية غانا مبادرة من أجل رأب الصدع ولكنه فشل فى الجمع بين مواى كيباكى رئيس الحكومة والسيد رايلا أودينقا زعيم المعارضة,بينما نجح الأمين الأسبق للأمم المتحدة السيد كوفى عنان فى الجمع بين كيباكى ورايلا أودينقا فى الربع الثانى من يناير 2008 م حيث وافقت كل من الحكومة والمعارضة من تشكيل إطار سياسى (Political Framework) من أجل وقف أعمال العنف أطلق عليه إسم الحوار الوطنى للمصالحة يهدف إلى تحقيق السلام والعدل والمساواة فى كينيا,وفى نهاية شهر فبراير من العام 2008 م توصلت حكومة كيباكى والمعارضة بقيادة رايلا أودينقا إلى إتفاق لتقاسم السلطة أطلق عليه قانون الإتفاق والمصالحة الوطنية (National Accord and Reconciliation ) Actوالذى إحتوت أهم بنوده على الآتى:
1.أن يكون هنالك منصب رئيس وزراء فى الحكومة الكينية.
2.أن يكون رئيس الوزراء منتخب من البرلمان.
3.يقوم كل طرف بترشيح شخص واحد من أعضاء البرلمان للتعيين فى منصب نائب الرئيس.
4. يتكون مجلس الوزراء من رئيس الدولة ونائبه ورئيس الوزراء ونائبيه,والوزراء الآخرين.
5.لا يتم عزل رئيس الوزراء ونائبيه إلا بموافقة أغلبية البرلمان لحجب الثقة منهم.
وفى يوم 18 مارس 2008 م وافق البرلمان على الإتفاق بالإجماع وفى 3 أبريل من العام 2008 م تم الإتفاق عل تعيين مجلس وزراء من 40 عضواً وشغل رايلا أودينقا منص رئيس الوزراء.
الخاتمة:
أزمة الدميقراطية والإنتخابات التى حدثت فى إنتخابات كينيا الرئاسية والبرلمانية فى ديسمبر 2007 م تعبر بوضوح عن أزمات التحول الديمقراطى التى تعانى منها القارة الإفريقية حيث هنالك إختلاف كبير فى الرؤى بين دعاة التغيير والآخرين الذين يرفضونه ويحبذون بقاء الأمور على ما هى عليه,إنعكس هذا الإختلاف فى الرؤى فى صعوبة إجراء عمليات التحول الديمقراطى فى كل القارة الإفريقية كما أدى إل صعوبة ضبط إنفعالات المتنافسين على السلطة عبر الطريقة الإنتخابية, وقد ولدت تلك الإنفعالات بين المتنافسين أحداث عنف صعبت السيطرة عليه فى كثير من الأحيان,هذا يحتم على الأفارقة البحث عن إطار يجعل من التحول الديمقراطى مسار للإستقرار السياسى بدلاً من أن يتجه نحو العنف والصراع.
www.communication.gov.ke/elections/default.asp
عاصم فتح الرحمن أحمد الحاج
باحث وخبير إستراتيجى فى شؤن القارة الإفريقية و متخصص فى شؤن القرن الأفريقى
E-mail: asimfathi@inbox.com