ولماذا اللجوء للمحطات النووية للتوليد الكهربائي؟
الجمعة، 23 مارس 2018
على الرغم من أن حصيلة السودان من التقدم العلمي في شأن الطاقة النووية جدّ متواضع، فإن السودان أعلن مؤخراً اتفاقه مع روسيا على البدء العام المقبل في إنشاء أول مفاعل نووي لإنتاج الطاقة الكهربائية، وإذا ما تم التنفيذ حسب ما هو مخطط، فإن المفاعل الأول سيبدأ الإنتاج خلال عام ونصف العام من بداية العمل.
الاتفاق على إنشاء هذه المحطة النووية تم مع مؤسسة الحكومة الروسية للطاقة النووية «روسا توم»، وهي مؤسسة قطاع عام مملوكة للدولة ومدعومة من الدولة، وقد وقّعت عشرات الاتفاقات مع العديد من الدول الإفريقية وبعض دول أميركا اللاتينية، مثل إثيوبيا ومصر والأردن والجزائر ونيجيريا والأرجنتين وبوليفيا. وكلها محطات ما زالت في طور الإنشاء أو الدراسة، وقد واجهت بعض الدول الإفريقية صعوبات جمة وهي تفكر في إنشاء المحطات النووية، بل إن بعضها استعصى عليه أن يعثر على موقع مناسب تتم حمايته بشكل كامل من احتمالات التسرب الإشعاعي، وأقرب الأمثلة لنا هي حالة مصر، التي ما زال مشروع الطاقة النووية الكهربائية فيها يواجه الكثير من التحفظات، مع أن القاعدة العلمية المتعلقة بالطاقة النووية لدى مصر أكبر وأكثر خبرة وتجربة ومعرفة من السودان.
والمؤسسة الروسية تتولى العمل بكامله، وهي التي تخطط وهي التي تنفذ وهي التي تموّل، وهي التي تدير المحطة بعد اكتمالها، وهي التي تتخلص من النفايات النووية رغم خطورتها، وبالتالي فإن أي مشروع تتبناه لا يتعرّض إلى محاسبات ومراجعات من جهات متعددة تشارك في عملية الإنشاء.
وإذا كان المشروع ينفّذ في أي قُطر من أقطار العالم الثالث -ومن بينها السودان- فإن بناه التحتية العلمية أضعف من أن تحيط المشروع برقابة علمية فعالة، وبذلك تزداد درجة الخطر عبر مراحل الإنشاء المتعددة ومراحل التشغيل الأكثر خطورة ومراحل التخلص من النفايات.
وإذا كانت وزارة الموارد المائية والكهرباء السودانية تريد أن تقتحم مجال التوليد النووي، فلا بدّ أن تستعد لتبعاته وفي ذهنها تجارب وكوارث عالمية، في مقدمتها محطة توليد شيرنوبل، فتتحوط للأمر باختيار مؤسسة عالمية علمية متخصصة كبيت خبرة عالمي، تتولى وظيفة (المستشار) بالنسبة لحكومة السودان فتُحكم الرقابة على أداء (المقاول) الذي هو موسسة «روسا توم» الروسية،
ثم لا بدّ من كشف جميع تفاصيل الاتفاق بين السودان وهذه المؤسسة حتى يتم الأمر بالشفافية الكاملة، وأن يكون أمراً متاحاً للنقاش من لحظة اختيار الموقع المناسب وحتى طريقة التخلص من النفايات والوقود المستهلك.. هذه ليست بالقضية التي تُبتسر ابتساراً ويُترك أمرها برمّته في يد الآخرين؛ إذ إن أي خلل في التخطيط أو التنفيذ أو الإدارة سيتسبب في كارثة عظمى.
وقد لاحظنا – أيضاً - في تصريحات مؤسسة «روسا توم» تبشيراً بأن روسيا قد عرضت على السودان محطة نووية عائمة للتوليد الكهربائي، ولو صح ذلك لكان أشد خطورة من المحطة الثابتة؛ لأن فكرة المحطة العائمة فكرة جديدة ولم تُجرب في أي بلد من قبل، وقد ابتدرتها مؤسسة «روسا توم» عندما بدأت في إنشاء (محطة أكاديميك) العائمة التي لم تكتمل بعد وما زالت تبني في أحواض السفن في ميناء مدينة سانت بطرسبرج،
وكانت الفكرة أن تكون هذه المحطة الأولى العائمة (نموذجاً)، فتبني روسيا محطات مماثلة لها، ولكن بعد المصاعب التي أحاطت بالمشروع تخلّت المؤسسة عن فكرة بناء محطات عائمة أخرى وستكتفي بهذا النموذح الوحيد ..
فهل يريد السودان أن يكون حقل تجارب لهذه «التكنولوجيا»؟
إذا أراد السودان أن ينوّع مصادر الطاقة الكهربائية، فإن الخيار المنطقي أن يلجأ إلى الطاقة المتجددة الصديقة للبيئة والخالية من المخاطر، والتي تمتلك البلاد ميزة نسبية فيها: الطاقة الشمسية، وطاقة الرياح ..
فلماذا يتجه لطاقة لم يحسن التزود بتفاصيل علومها بعد ؟!