ومضات عن الأغنية الكردفانية (1)   

 


 

 

 تعد الموسيقى والغناء رافداً مهماً وأساسياً من روافد الفن والإبداع والتراث، سيما وأنها من العوامل التي تشكل وتوحد وجدان الشعوب، وتسهم في تكوين هويتها وذوقها الفني، علاوة على تأثيرها في الشعور الوطني، وهي لذلك تعد من أهم مكونات الهوية وممسكات النسيج الاجتماعي؛ نظراً لما تحمله من معاني جمالية، وتساهم في بث القيم والأخلاق عبر الإيقاعات ذات الدلالات المتنوعة، وما توحي به من ارتباط وثيق بالبيئة والموروث الثقافي بشكل عام. وهي لذلك جديرة بالبحث والنقاش والنقد، والتقييم؛ ولهذا السبب سوف نسلط الضوء عبر هذه الومضات على الأغنية الكردفانية باعتبارها ذات طابع خاص؛ لأنها تجمع بين ايقاعات متنوعة منها الجراري والمردوم والكرنق والهسيس والدلوكة أو السيرة والطنبور وغيرها من ضروب الفنون والإيقاعات السائدة في كردفان الكبرى. ومن أجل الحصول على معلومات موثوقة عما يمكن تسميته بالأغنية الكردفانية طرحت جملة من الأسئلة على عدد من الأشخاص المهتمين بالفن والأدب منهم الدكتور عبد القادر سالم، هذا الرجل القامة الذي كان له القدح المعلى في ابراز الأغنية الكردفانية على المستويين المحلي والعالمي عبر أغنياته التي تمثل نماذج واقعية للفن والتراث الكردفاني، والدكتور عوض إبراهيم عوض، الإعلامي البارز والشاعر المجيد. ومن الذين طرحت عليهم الأسئلة الأستاذ محمد عثمان الحلاج، الباحث في التراث الكردفاني، والأستاذ خالد حاج محمود الباحث المتبحر في هذا الشأن، والسفير الدكتور خالد فرح، والأستاذ سيف الدولة أحمد خليل، الأديب صاحب القلم المعروف، والأستاذة أمل كرار إبراهيم فرح، المتابعة للفن الكردفاني، والدكتور أحمد التجاني ماهل صاحب الباع الطويل في بحوث التراث والفن، وغيرهم من الإخوة والأخوات الكرام. وقد كانت الأسئلة التي طرحتها على الجميع كالتالي: هل هنالك ما يمكن تسميته بالأغنية الكردفانية؟ وما هي خصائص تلك الأغنية؟ وماذا عن إيقاعات الأغنية الكردفانية، إن وجدت؟ وما هي العوامل البشرية والجغرافية التي أثرت في الأغنية الكردفانية من حيث الكلمة أو المفردة واللحن والأداء والإيقاعات؟ وما هي مواضيع وقوالب الغناء الكردفاني؟ ومن هم رواد تلك الأغنية ومن هم حملة لوائها الآن؟ وكان هنالك إجماع بين هؤلاء النفر على أن هنالك أغنية كردفانية ذات طابع خاص جداً، وإن كانت تعتبر جزءاً لا يتجزأ من الأغنية السودانية التي ظهرت في الوسط أو في أم درمان على وجه التحديد وتدرجت من غناء الطنبارة ثم الحقيبة حتى وصلت إلى ما يعرف بالأغنية السودانية الحديثة. عموماً، تتميز الموسيقى السودانية بتنوعها وثرائها الإيقاعي؛ نظراً لتعدد الثقافات والبيئات الجغرافية في السودان وتاريخ تلك الموسيقى الموغل في القدم؛ إذ تعود جذورها إلى حضارات السودان الأولى. وتقوم موسيقانا أساساً على السلم الخماسي إلا أن بعض مبدعي كردفان، من أمثال عبد القادر سالم، قد تغنى على السلم السباعي، وهذه لعمري إضافة نوعية للموسيقى السودانية. ومع هذا التنوع المبهر من إيقاع الدليب في الشمال إلى الجراري والمردوم في كردفان، إلا أن المستمع السوداني يتذوق كل هذا الطيف الواسع من الإيقاعات ويطرب لها ويتفاعل معها وجدانياً، سيما وأن الموسيقى هي من العوامل التي وحدت إحساس الشعب السوداني ويعود الفضل في ذلك لإذاعة أم درمان وأجهزة الإعلام الأخرى؛ خاصة الكاسيت الذي كان رائجاً في وقت مضى ونقل الأغنية السودانية إلى المستمع في كل أنحاء البلاد. ومن أهم الخصائص العامة للتراث والفن الكردفاني أنه يتميز بالأداء الجماعي الذي يشارك فيه الرجال والنساء والشيب والشباب سواء كان ذلك في إيقاع الجراري أو المردوم أو الكرنق والكمبلا. وبما أن الأغنية الكردفانية قد خرجت من رحم هذا التراث الشعبي، فإنها تمتاز بطابع عالي التطريب وهي في مجملها ذات موسيقى راقصة. في معرض إجابته على الأسئلة المذكورة أعلاه يقول الأستاذ سيف الدولة أحمد خليل: نعم هنالك أغنية كردفانية لها كلماتها وبعدها الثقافي والاجتماعي والبشري أو الطبيعي الذي يرتبط بكردفان ولها إيقاعاتها وألحانها النابعة من تراث إقليم كردفان. والأغنية الكردفانية ارتبطت من حيث الإيقاع بسبل كسب العيش لأهالي كردفان، فهنالك إيقاع الجراري المستوحى من سير الجمل وحركته وهو مشتهر لدى رعاة الإبل في الشمال والغرب، وهنالك المردوم وهو قائم على حركة الأبقار. ولا بد من ملاحظة أن الأغنية الكردفانية في كلماتها دوما ما تستعير مفردات من طبيعة كردفان كالدعاش، والرشاش وبريق القبلي الشال، وبريق العينة، والرهيد، والسواقي، والغزال، وأم بشار، والبلوم، والقمري، والإبل. ولقد تنوعت الأغنية الكردفانية تبعا لتنوع كردفان العرقي والثقافي والتضاريسي والمناخي والاقتصادي. بمعنى آخر خلت الأغنية الكردفانية من تلك المحسنات اللفظية والبديعية كتلك التي عرفت بها أغنية الحقيبة، ولذلك نجد أن الأغنية الكردفانية قريبة جداً من وجدان المستمع لأنها ترتبط بالواقع. وتطورت الاغنية الكردفانية من منتوج شعبي إلى أغنية مموسقة، ذات طابع خاص، من حيث الكلمات والمواضيع واللحن والإيقاع. وظهر في كردفان شعراء يكتبون الشعر الغنائي، بشكل متفرد ولكنه متأثر إلى حد ما بالغناء الحديث الذي ظهر في الوسط أو في أم درمان حتى أصبحت هنالك أغنية كردفانية، لها مطربوها.


gush1981@hotmail.com

 

آراء