في سبتمبر هذا ٢٠١٥ كانت قصة الطفل السوداني في أمريكا احمد محمد الحسن الصوفي. او سمها ان شئت قصة الطفل السوداني-الامريكي احمد محمد التيشدت الانتباه اذ تناقلتها اجهزة إعلام ووسائط التواصل الاجتماعي لتتصدر عناوينها في أنحاء العالم شرقه وغربه. ولعل اكبر ما هم معظم من تناقل الخبر والذين تابعوه، وهم يروى صورة ذلك الصبي مغلول اليدين، رهينا ومن بعد معرفتهم بان الامر قد اتخذ شكله ذلك بعد ان عرف البوليس بان اسم الفتى هو احمد محمد. لقد همهم وبأشكال مختلفة ما كاد ان يتخطفه او يفتك به ذلك الهلع الذي ظل يمسك بخناق بعض جوانب الحياة الامريكية ذلك الذي يوصف بالارهاب او ما يتوقع ان يأتي من بعض المسلمين الذين لا يرى فيهم مثل ذلك الهلع غير أدوات للعنف. ولعل ما جعل من امر احمد ذي الأربعة عشر ربيعا مسالة جديرة بالاهتمام هو كيف يمكن ان يتبدد في لحظة فارقة مثل ذلك الوعد الذى قد بدر لكل ذي عيان من ما ود ان يثير به احمد اهتمام استاذة العلومفي مدرسته. وكيف كان يمكن ان يتحول امر تلك الساعة الالكترونية قد قام باختراعها الى جريمة في إطار الشك الذي لم يعطي مجالا لتلك الجهات التي يتحكمها ذلك الخوف خاصة عندما علمت ان اسمه احمد بأن تلك الساعة هي في الأساس قنبلة. لذلك فقد عبر احمد عن طريق من رأى فيه بوادر وعد من حال كاد ان يكون فيه هو الضحية وامره هو الماساة الى مشارف ما يمكن ان يكون في يوم ما بوابه الدخول الى عالم الانجاز المتميز.
لذلك ولعل ما تكشف للمراقب في ما بدر من ما جرى من امر احمد وأمثاله من الذين يحملون الاسم ذلك وتنوعه من مصدره من السودانيين وغير السودانيين في أمريكا هوذلك التقارب بين حدي الخطر والأثر. لحظة كان من الممكن ان يكون فيها احمد ذاك ضحية لما هو نتاج تلك الحالة المعقدة التي ترسب في بعض العقول من تطورات من مايسمى بالحرب ضد الاٍرهاب والخوف من المسلمين والإسلام وتبعات ما ترسب من ناتج سبتمبر 2001 وتمدد ذلك ليشمل إسقاطات الحرب ضد القاعدة والعراق وداحش. وكيفظل ذلك الامر يتفاعل ويعتمل أمره لانشاء ما يمكن ان نسميه بنظام الحقيقة ونظامالجهل وكيف يمكن ان يتنزل اي منهما على فهم وسلوك الجهات الأمنية والسياسية والإعلامية ومن ثم الأفراد كل حسب حاله وموقعه من هذا او ذاك. ومن واقع ذلك نرى كيف قد ذهبت بالبعض الظنون ليتساءل ان كان الرئيس اوباما ربما كان في تصرفه السريع والمتعاطف تجاه احمد يعبر بطرف خفي عن حال كونه مسلم.
بين رأى طرف اخر بان تصرف الرئيس الامريكي ذلك يأتي من باب حساسية ومسؤلية تجاه حقائق الأمور عسى ان تلهم المزيد من الأطفال لما يمكن ان يجعل من أمريكا بلدا عظيما حسب تعبيره. لكل من الحالين مكانه في مكونات وصناعة وتفاعل كل من نظام الحقيقة اونظام الجهل.
وبين هذا وذاك تتكرر صورة ذلك الطفل الذي أخذ منه الرعب ماخذه وهو مصفد اليدين بالقيد--وتلاحق لبعضها البعض اللحظة اثر الاخرى على مدار الساعة واليوم والزمان لتكون بذلك واحدة من صور العام او العصر التي تنبئ عن تينك الحالتين.
لذلك فانه وان بدأ الامر في إطاره الشخصي حدثا عارضا الا انه وبمزيد من التامل يمكن ان نرى في ذلك وبمجرد محاولة فتح تلك الكوة الصغيرة لنتمكن من ان ونسمع بل نرى بجلاء ما وصفه ادورد سعيد ذات يوم "بضوضاء التاريخ المعاصر". في ظل مثل تلك الضوضاء قد يسمع البعض اصواتهم هم باقتناع لا ينفك بعضهم من ترديد ما عن لهم بالصوت العالي وبالصورة. بلا شك لا يقف الامر عند دونالد ترمب وبن كارسون وامثالهم وإنما يتجاوز ذلك الى كل أشكال وألوان تلك العدوانيات المدروسة. قد يسمعها البعض الاخر باْذن اخرى ويرى فيها بعين اخرى ليعبر بجلاء ما يدعو للاستنكار. ولايقف الامر عند ما ذهبت اليه هليري كلنتون بان "الخوف لا يجعلنا آمنين. انه يعيقنا." قد يكون وبلا شك ما ذهبت اليه السيدة الاولى الامريكية الأسبق وزيرة الخارجية السابقة ومرشحة الرئاسة الامريكية الان هام جدا وضروري ولكن بلا شك ان الامريذهب الى ما هو ابعد من ذلك. ان القيمة الكبرى لأمن وسلامة وتقدم النظم تقوم على اخلاقية الكرامة الانسانية للإنسان الفرد والتي لا تحد منها عوامل العمر او الجنس اواللون او الدين حتى ولو كان ذلك الفرد عدوا. وسط تلك الضوضاء نسمع ولا شك نحن المسلمين ضيق أفق السلفية وسطحية الاسلاموية وتلاحم الاثنين معا في صناعة مستجداتهما من قاعدة وداعش او داحش وأمثالها وما بينهما من تيارات ونظم العنف. ولك ان تتأمل ماذا خسر المسلمون من قفل باب الاجتهاد. وقد يسمع من يسمع من السودانيين صوتا يجمع ما بين السطحية والانتهازية يدعو محمد بالرجوع الى السودان. ضعف الطالب اذ علا شان المطلوب.
اما ما يأتي من باب الأثر فهو لأمثال احمد محمد من الأبناء والبنات في الشتات يبدوالان ان كل تلك الطرق المفتوحة نحو بوابات الحياة المشرعة بداية من كون ان امر الهويةلا يقف في إطار الدوائر المغلقة التي جعل منها النظام احد أساليب حكمه التي يتقاسم فيها توزيع المغانم والمظالم في إطار قبليه يدخل بها البعض مداخل السلطة والجاه والفساد من كون انه شايقي او جعلي ويخرج عن طريقها من يخرج والحال كذلك بواقع انه لا ينتمي لأي او ما يسميه السودانيون سخرية بالأحجار الكريمة مثلا. فالهوية ومن واقع ما يمثله احمد امر مفتوح ومتجدد اذ لدينا الان سودانيين امريكان وسودانيين بريطانيين والى غير ذلك. وبمقدار ما تصبح الهوية السودانية تمدد في الزمان والمكان والإنسانية لا تحده او تقيده جاهلية الإنقاذ، يتكون الان فصيل سوداني جديد في المهاجر يحمل في وجدانه وأحلامه للمستقبل كل ما يمثل البديل الموضوعي للانقاذ. ومنذلك يبدو جليا ما يمكن ان يأتي به مشروعا قد يجمع السودانيين في إطار السودان الوطن الممكن. ويمتد ويتسع الامر ليفتح أبواب المستقبل لمثل هؤلاء من أبناء وبنات تلك الهويات الجديدة ان يكون فيهم مثل صاحب الدعوة للبيت الأبيض اوباما القادم اواصحاب الدعوات الى مواطن وفعاليات شركات العصر وأسباب التقدم العلمي. كل حسب اجتهاده ومثابرته في التحصيل لا منهج الكسب والتمكين.
ان حدود الخطر والأثر لا تقف عند هذا الحد ولا في في حدود ذلك المكان والزمان. اذاغسطس الماضي كانت قصة الشاب السوداني عبدالرحمن هارون مثار اهتمام الصحافة البريطانية اولا ومن ثم بعض وسائل الاعلام العربية والعالمية من بعد. لقد تمكن عبدالرحمن هارون البالغ من العمر أربعين عاما في ما فشل فيه بعض اخر من الذين حاول قبله من المهاجرين الى بريطانيا عبور نفق المانش. اذ تمكن هو من عبور مذهل قطع خلاله اكثر من ٥٠ (خمسين) كيلومترا مشيا على الأقدام في ما وصف بانه اول تسلل ناجح عبر ثاني الإنفاق طولا في العالم. وبذلك فقد تخطى او اخترق كما وصفت ذلك الصحافة البريطانية "ارقى الحواجز واجهزة الرصد والتفتيش ومر باكثر من٤٠٠ من اجهزة تصوير ومراقبة في نفق مظلم تصل درجة الحرارة فيه الى ٥٠ مئوية. "لم يكن ما فعل عبدالرحمن انجازا يمكن يفخر به وإنما كان هربا من ماساة خلفها وراءه في وطن ظل يدفع نظامه القائم بمواطنيه دفعا الى محارق الملاجئ والمهاجر على مدىربع قرن من الزمان. وبمقدار ما يكشف لنا امر احمد محمد عن حدود الخطر والأثرمن واقع جديد يتمثل في نمو فصيل جديد هو سودان الشتات بمن فيه وما فيه، يكشفامر عبدالرحمن هارون عن واقع اخر اكثر مأسوية عن واقع اخر يتمثل في قضية دارفورفي ظل نظام الانقاذ لا في ظل القضية الوطنية. وبين هذا وذاك يقع الظل. في إطارقضية دارفور والنظام يظل القاتل والمقتول ضحية هذا النظام. ويظل خليل وحمدتيوموسى هلال ضحية هذا النظام.
وتظل الجريمة الكبرى في وجود أطفال ولدوا وشبواعن الطوق ولم يعرف اي منهم عن دولتهم ونظامها القائم الا وجه الماساة المتمثّلة في هذه الملاجئ. اي مستقبل ينتظر هؤلاء؟ يضاف الى ذلك إعداد أولئك الرجال والنساء الذين كانوا مكتفين بما أنتجوا ليصبحوا منتظرين لعون من جهات اجنبية قد يأتي وقد لايأتي. لمن أوكلتيهم دولتهم؟ حتى ستات الشاي اللاتي يشكل وجودهن شكلا من أشكالا للجوء بالمأساة لسودان المركز واهله ينقض النظام على قلة ما يجمعن للاستعانة على ظروف وصروح الحياة.
في ذات شهر اغسطس من هذا العام كاد ان يوارى الثرى جثمان الشاب السوداني حسام عثمان الزبير ذي الاثنين وعشرين عاما الذي وجد مهشم الرأس على ظهر قطار بضاعة قادم من فرنسا الى بريطانيا على اعتبار انه شخص مجهول الاسم والهوية. حسام خريج الهندسة المدنية من جامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا جاهد هو ومن خلفه أسرته الى العبور به الى ما يمكن ان يكون اكثر رفقا بإنسانيتهم. بعد ان أصبحت الهجرة والمهاجرون هما البديل الشعبي لدعم ضرورات حياة من ظلوا في البلاد من اباء وأمهات وإخوان وأخوات ومن الأقربين من الأهل والجيران حتى في بلد اتسعت فيه دائرة الفقر لتشمل اكثر من نصف سكانه. اذ تذهب اكثر الدراسات تواضعا بان هناك اكثر من (٥٠٪) من مواطني سودان الداخل يعيش تحت خط الفقر و(١٤٪) منهم يعيش فقرا مدقعا. وفوق هذا وذاك فان معدل البطالة في السودان الان يزيد على (٢٠٪) حسب ما ورد في تقارير سودانية حكومية وبعض تقارير الامم المتحدة. في ذلك نموذج ماثل الى كيف تصنع النظم الفقر وكيف تنمو الهوامش وتترعرع لتجعل من حياة الناسجحيمها طاردا وكيف يمكن ان يكون اي من هذا وذاك اسلوبا من أساليب الحكم. والحال كذلك اصبح سودان المهجر هو الساعي بدفع ما واقع من الضرر عن كاهل من بقي في الداخل من أب وأم وأخوة وأخوات. وهكذا الحال يظل امر حسام عثمان الزبير قائما باعتباره ضحية ذلك الأمل الذي كان ينتظره الأهل من ما يمكن ان تأتي به رحلة الهجرة المأسوية تلك.
وياتي شهر سبتمبر ليظل سبتمبر احد علامات الطريق الذي يرى فيه الشباب الخروج من نظام لم يحسّن شي الكثر من طرد مواطنيه من ديارهم وقتلهم.
يا احمد محمد يالك من طفل فتحت قصته مواطن الأثر والخطر.