يا عيدُ مهلًا.. ففي السودان أتراح

 


 

 

ضفاف شاردة
== ==
يا عيدُ مهلًا.. ففي السودان أتراح.. خرطومه فيه أغراب وأشباح
بهذه المندوحة قذف الشاعر العماني حمد بن سعيد التوبي قصيدته (صبرٌ وسلوان للنيل والسودان) في قلوبنا علّها وعساها أن تخمد النيران التي في قلوب من شردتهم وانتهكت أعراضهم، ودمرت منازلهم الحرب ليجدوا أنفسهم، بين ليلةٍ وضُاحها، تحت تأثير عطف الآخرين، رُغمًا من مشاعرهم النبيلة، إلا أنها تزيد من اتساع عُمق الجِراح، وتُلبسك ثوب الهوان والضعف الذي لم نعتد عليه عند مقابلة الأشقاء من الدول الأخرى، فتبت يدى من جعلنا نهيم في الأرض ونتلقى التعازي في وطن كان يهب من حوله الحياة.
أقبل العيد، ونحن لم نفهم جيدًا وصية محمد الحسن حميد (أرضًا سلاح) التي تركها قبل الارتحال، ولم يجدى هتاف الثورة فتيلًا وهم يستبقون الأحداث؛ (الجيش للثكنات والجنجويد ينحل)، حتى وقع المحظور بفك الشراكة الكاذبة باشتعال حرب الخرطوم التي كشفت الأقنعة وسقطت أوراق التوت في شوارع وأزقة العاصمة، لم نجد السلوى في عيد الفداء لتأتي المواساة عابرة للبحار يا عيد تمهل ففي السودان أتراح، تمهل أيها العيد ففي كل منزل ثكلى ومكلوم ويتيم ومفقود، تمهل يا عيد فقد نضبت العيون من الدموع وشابها اليباس والشحوب، بعد ان شقت لها في الخدود أخدوداً دفنت فيه أكثر من عزيز، وأصبح الإنسان في بلادي بقايا إنسان.
أقبل العيد، وحزن المدن ترهل وارتحل للبوادي والأرياف لتستحيل التهاني لبكاءٍ ونواحٍ وعناقٍ تسمع فيه وجيف دقات القلب وهو يتمرجح في أناته يا رب سلم سلم.، وأقدار الحرب العبثية تمشي نحو الدمار وزرع الغل في صدر من وصوفهم بأطيب شعب في العالم حتى كادت الدواخل أن تتحول لبركانٍ يغلي من الظلم والضياع والقهر، ولا مبالاة من أشعلوا حربًا لا ناقة لهم فيها ولا جمل، فتلاشت أمنياتهم في العيد رمادًا، وذكرياتهم أطلالًا ينوحون عليها تحت الأنقاض كلما اجتاحهم الحنين الذي لم يتوقف.
أقبل العيد، ولعنات الأطفال والشيوخ تلاحق جنرلات الحرب الذي ساووا بين دماء الوطن الغالي والماء، واستباحوا كل ماهو مُحرم في الأشهر الحُرم، وكأنهم لم يسمعوا وصية حجة الوداع (دمائكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا)، كيف يسمعونها وشهوة السلطة قد سَدت آذنهم التي مُلئت وقرًا على وقرٍ، فكتبوا بياناتهم الكذوبة من شرايين أبناء الشعب الذين يتساقطون قتلًا أمامهم، ورفعوا راياتهم المسودة على جماجم الأبرياء، وسكِروا بنصرٍ مُزيف وهم يرقصون بلا خجل على إيقاع لعنات الموتى وتوسلات من بقى حيًا؛ وهو يئن من وطأة المآل لا للحرب لا للحرب، ويقهقهون وقد قذفوا بيوم الحساب وراء ظهورهم مانحين أنفسهم صكوك الخلد والبقاء في الحياة.

gamous1972@gmail.com

 

آراء