*هذه ليست المرة الأولى التي تطرح فيها الحكومة مبادرة للحوار، لكن سرعان ما يتم الإنقضاض عليها من داخل كابينة قيادة الحزب الحاكم، كما حدث عقب إطلاق مبادرة حوار"الوثبة" من إجراءات وإعتقالات أجهضت المشاركة الفاعلة فيها. *في خطابه امام "الهيئة التشريعية القومية" أعلن الرئيس البشير عن مبادرة للحوار حول الدستور وعن مشاورات لتشكيل الية قومية لوضعه، لكنه في ذات الخطاب وجه بإتخاذ إجراءات مشددة ضد ما إعتبره "الجمع بين العمل العسكري المضاد للدولة والعمل السياسي" في إشارة واضحة للإمام الصادق المهدي رئيس حزب الامة القومي. *بغض النظر عن دواعي هذه المبادرة وتوقيتها فإن ما واكبها وتبعها من إجراءات تقدم بموجبها جهاز الأمن بعريضة لنيابة أمن الدولة التي بدورها وجهت بتقييد دعاوى جنائية في مواجهة الإمام الصادق المهدي بحجة تعامله مع الحركات المسلحة، قد أغلق الطريق أمام إنجاح مبادرة الحوار حول الدستور. *لن أدخل في ردود الفعل التي حدثت من الإمام الصادق المهدي وحزب الأمة القومي فهذا معلن ومعروف، لكن الواقع الماثل يؤكد أن المبادرة التي مازالت تحت التشاور قد أُجهضت مسبقاً. *يبقى السؤال الأهم هو لماذا الإستعجال في وضع دستور دائم قبل أن يتحقق الإتفاق القومي الذي لم تحققه مخرجات حوار الوثبة المختلف عليها حتى من بعض الذين شاركوا في إخراجها. • إن الحديث عن دستور دائم للسودان لا يمكن إنجازه بعزل عن القوى السياسية التي تحفظت على حوار الوثبة مع إستمرار الاوضاع السياسية والقانونية والامنية القائمة، كما لايمكن إجراء تعديل في قانون الأحزاب في ذات أجواء الهيمنة الحزبية الاحادية، كما لايمكن إجازة قانون الصحافة والمطبوعات الصحفية الذي تبرأمنه ا رئيس المنجلس القومي للصحافة والمطبوعات الصحفية السابق الخبير الإعلامي على شمو، وبمعزل عن إتفاق أهل الشان من الصحفيين والإعلاميين عليه. • *إن ما يجري في كواليس حزب المؤتمر الوطني "الحاكم الغائب" والأحزاب والحركات المسلحةالموالية للحكومة من تبادل أدوار فوقية لن يحل مشاكل السودان وإختناقاته السياسية والإقتصادية والأمنية، إنما لابد من دفع إستحقاقات التحول الديمقراطي الحقيقي والسلام الشامل العادل لتحقيق الإتفاق السوداني على الأجندة القومية المعبرة عن تطلعات عموم أهل السودان . • إن الإختناقات المتفاقمة في السودان وفي مقدمتها الإختناقات الإقتصادية والمعيشية تتطلب الإسراع بإحداث تغيير سياسي حقيقي بدلاً من الإستمرار في عملية شك أوراق"كوتشينة الإنقاذ" القديمة، والإصرار على ذات السياسات التي فشلت في الحفاظ على وحدة وسلام السودان وتسببت في كل الأزمات والإختناقات القائمة والمتفاقمة. •