الحق في التجمع السلمي حق دستوري
تدفعني مقابلة المسيرات الإحتجاجية بالعنف من قبل السلطات العامة، وتصريحات المسؤولين تبريرا لذلك، إلى إعادة نشر هذا المقال الذي كان قد كُتِب ووجد طريقه للنشر من قبل، في ظروف ربما كانت مشابهة للظروف الحالية.
تنص المادة40 (1) من الدستور على حقين الأول هو الحق في التجمع السلمي، والثاني هو الحق في التنظيم. والتنظيم يختلف عن التجمع من حيث الإستمرارية، فالتنظيم درجة أعلى من التجمع في الإرتباط بالآخرين، لأنه يتطلب إستمرارية لزمن معقول في حين أن التجمع قد يكون لمرة واحدة. ولذلك فقد فرق الدستور بينهما، ففي حين أنه أطلق الحق في حرية التجمع السلمي فإنه فى الفقرة الثانية من نفس المادة، منح القانون سلطة تنظيم الحق في التنظيم سواء تعلق ذلك بالأحزاب أوالنقابات وقد إشترط أن يكون ذلك التنظيم وفقاً لما يتطلبه المجتمع الديمقراطى.
. ويلاحظ هنا أن الدستور وصف حق التعبيربأنه حق لا يقيد، كما وأنه لم يقيد الحق في التجمع السلمي والسؤال هو، هل يجوز للقانون أن يقيد حق التظاهر السلمي؟
الإجابة القاطعة و الواضحة يجب أن تكون بالنفي، وذلك طالما أن التجمع المعني ظل سلمياً ولا يمس الحدود القانونية المعقولة لحماية النظام والسلامة والأخلاق العامة. ولكن هذا لايعني عدم جواز تدخل القانون مطلقاً، بل يعني أن يتدخل القانون لتنظيم المواكب السلمية من جهة لحمايتها، وليس لمنعها، وذلك لأن المادة 27 (2) من الدستور أوجبت على الدولة أن تحمي وثيقة الحقوق وتعززها وتضمنها وتنفذها. ومن الجهة الأخرى فإن من واجب الدولة حماية حق المواطنين في إستخدام الطريق العام بشكل آمن وبدون عرقلة غير مبررة. وهذا يمنح السلطات التدخل في خط سير الموكب وموعده.
أضف لذلك أن الحق نصت عليه مجموعة من الوثائق الدولية مما يجعلع جزء من إلتزام الدولة نحو المجتمع الدولي
تعريف التجمع السلمي
تعرف المفوضية الأوروبية للديمقراطية من خلال القانون، المعروفة باسم مفوضية فينيس، التجمع السلمي، بأنه حضور مقصود ومؤقت لمجموعة من الأشخاص بغرض التعبير الجماعي عن رأي معين، سواء أكان ثابتاً في مكان محدد أو متحرك. لكي يكون التجمع سلمياً فإن منظميه يجب أن يعبروا عن نواياهم في سلمية التجمع وان يكون سلوك التجمع بعد إنعقاده سلمياً. والمقصود بسلمي هو السلوك الذي يخلو من العنف حتى ولوكان يتضمن تعبيراً عن رأي من شأنه أن يزعج، أو يضايق الآخرين، أو يعرقل ممارستهم لنشاطهم العادي .معلوم أن المسيرات هي تعبير عن رأي في حدث ما إستنكاراً أو تأييداً له وغالباً ما يقف آخرون موقفاً مغايراً من ذلك التأييد أو الإستنكار. وقد يشكل المخالفون للمتظاهرين الأغلبية الساحقة من أعضاء المجتمع أو أهل المنطقة التي يقع فيها ذلك التجمع، إلا أن ذلك لا يجب أن يكون سبباً في عدم السماح بالموكب من قبل السلطات، بل مدعاة لحمايته من أي تدخل عنيف من قبل الآخرين.
كذلك فإن التجمع المتحرك( المظاهرات أو المسيرة ) بالضرورة يعرقل سير الحركة في المناطق التي يمر بها، ولكن ذلك لايعني منعه وإن جاز تنظيمه بشكل يخفف من ذلك
تتطلب التصديق المسبق
لقد درجت السلطات على تطلب الحصول مسبقاً على تصديق بالنسبة للتجمعات بنوعيها سواء أكانت المتحركة ( المظاهرات أو المسيرة) أو الثابتة ( الإجتماعات العامة)، وهي سلطة إكتسبتها لجنة الأمن في الولاية، ولجانها الفرعية إستناداً على السلطات الواردة في المادة 127 إجراءات جنائية والتي تنص على أنه يجوز لأى وال ، حاكم ، معتمد او محافظ فى حدود دائرة اختصاصه وبالتنسيق مع وكيل النيابة او القاضي المختص أن يصدر أمراً بحظر أو تقييد أو تنظيم أى اجتماع أو تجمهر أو موكب فى الطرق أو الأماكن العامة مما يحتمل أن يؤدى إلى الإخلال بالسلام والطمانينه العامه. ورغم أن هذه السلطة لم تتطلب أخذ تصديق مسبق إلا أن السلطة التنفيذية أصبحت تستند عليها لتفريق أي مسيرة لم تحصل على تصديق مسبق ما لم تكن راضية عن محتوى المسيرة، وهذا الأمر مخالف للدستور.
لقد سبق وقررت مفوضية حقوق الإنسان الأفريقية في الدعاوي المرفوعة ضد حكومة السودان من قبل منظمة العفو الدولية وآخرين عدم دستورية هذه السلطة، عندما تعرضت للمرسوم الدستورى الثانى لسنة 1989 والذي كان في المادة 6 (3) (د) يحظر القيام بدون إذن خاص بأي تجمع لغرض سياسي في مكان عام أو خاص. ذكرت اللجنة أن ذلك الحظر العام لا يتناسب مع الإجراءات المتطلبة من الحكومة للحفاظ على النظام العام، والأمن، والسلامة العامة، وقد رأت اللجنة في ذلك خرق للمادة 10 (1) من الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب. يجدر بنا أن نذكر أن الميثاق لأفريقي قد أصبح بعد ذلك جزءاً لا يتجزأ من الدستور بموجب حكم المادة 27 (3) منه.
وهو أيضاً رأى محكمة القضاء الإداري المصرية في القضية رقم 1507 ق مجموعة السنة السابعة حين ذكرت ( وإنه وإن كان الدستور قد أباح تنظيم إستعمال هذين الحقين بقانون فإنه لم يقصد إلى الإنتقاص منهما، ومن ثم يكون كل قانون يصدر من السلطة التشريعية المختصة مقيداً لهذين الحقين غير دستوري. ولا حجة في القول بأن قانون الإجتماع قد صدر قبل الدستور ونصت مواده على إعطاء السلطة التنفيذية سلطة تقدير الظروف والملابسات مما يسمح لها بتقرير منع الإجتماع أو التظاهر، ولا حجة في ذلك لأنه بصدور الدستور وإعلان الحريات يسقط كل ما يناقضها من قوانين) .
((جلسة 9/3/1953 ق مجموعة السنة السابعة القاعدة 369 ص 627 ))
الإخطار وليس التصديق
تنص القواعد المرشدة لحق التجمع السلمي، التي صاغها خبراء الأمم المتحدة على أن حق التجمع السلمي كحق أساسي، يجب عدم إخضاعه، قدر المستطاع، لقواعد تنظيمية. وينبغي افتراض أن كل ما لا يحظره القانون صراحة مسموح به. ولا ينبغي أن يطلب من الراغبين في التجمع الحصول على إذن بذلك. وينبغي أن ينص القانون بوضوح وصراحة على افتراض شرعية التجمعات السلمية.
تطلب إخطار مسبق بالإجتماع أو المسيرة لايخرق الحق في التجمع السلمي، بل أن تطلب القانون من منظمي الموكب إخطار الإدارة قبل فترة معقولة بالموكب وخط سيره، يتسق مع واجبات الإدارة. ويجوز للإدارة أن تتدخل من حيث المواعيد وخط السير، وذلك بغرض حماية الموكب وعدم مضايقة الآخرين فى إستعمالهم للطريق العام. ونحن هنا بالطبع لا نتحدث عن سلطة الإدارة في منع الشغب، فهي سلطة تتعلق بالمواكب غير السلمية، والتي لا تتمتع بحماية دستورية في الأصل، وهي سلطة لا تنشأ، إلا بعد أن يقع من الموكب ما يعكر صفو الأمن. و سلطة التدخل هنا تمكن الإدارة من أداء واجبها في حفظ الأمن والنظام، ولا تتعارض مع حق التجمع السلمى.
وهذا هو ما قررته المحكمة الدستورية المصرية مؤخرا فقضت بأن المادة العاشرة قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 107 لسنة 2013 بتنظيم الحق فى الاجتماعات العامة والمواكب والتظاهرات السلمية، مخالفة للدستور حين منحت وزير الداخلية أو مدير الأمن المختص سلطة الترخيص بالاجتماع العام أو الموكب أو التظاهرة.
أسست المحكمة الدستورية حكمها على أن ممارسة حق الاجتماع السلمى وما يتفرع عنه من حقوق، تتم ممارستها بالإخطار دون غيره من الوسائل الأخرى لاستعمال الحق وممارسته كالإذن والترخيص، ولما كان الإخطار كوسيلة من وسائل ممارسة الحق، هو إنباء أو إعلام جهة الإدارة بعزم المُخطِر ممارسة الحق المُخطَر به، دون أن يتوقف هذا على موافقة جهة الإدارة أو عدم ممانعتها، وكل ما لها فى تلك الحالة أن تستوثق من توافر البيانات المتطلبة قانونًا فى الإخطار، وأن تقديمه تم فى الموعد وللجهة المحددين فى القانون، فإذا اكتملت للإخطار متطلباته واستوفى شرائطه قانونًا، نشأ للمُخطِر الحق فى ممارسة حقه على النحو الوارد فى الإخطار، ولا يسوغ من بعد لجهة الإدارة إعاقة انسياب آثار الإخطار بمنعها المُخطِر من ممارسة حقه أو تضييق نطاقه، ولو اعتصمت فى ذلك بما يخوله لها الضبط الإدارى من أماكن، فالضبط الإدارى لا يجوز أن يُتخذ تكئة للعصف بالحقوق الدستورية، فإن هى فعلت ومنعت التظاهرة أو ضيقت من نطاقها، تكون قد أهدرت أصل الحق وجوهره، وهوت بذلك إلى درك المخالفة الدستورية.
صحيح أن المحكمة العليا الأمريكية في دعوى Forsyth County V. Nationalist Movement رأت أن طلب التصديق المسبق للمواكب لا يخالف الدستور و لكنها إشترطت أن لا يكون للسلطات المصدقة سلطة تقديرية واسعة لقبول أو رفض التصديق بل يجب أن تكون أسباب المنع متفقة مع الدستور.
الحدود الدستورية لتدخل الإدارة في تنظيم المواكب
تكون الدولة مسؤولة عن وضع آليات وإجراءات كافية، لضمان التمتع بهذا الحق عمليا وعدم خضوعه لتنظيم بيروقراطي لا مبرر له. وعلى وجه الخصوص، ينبغي للدولة أن تسعى دائما إلى تيسير وحماية التجمعات العامة في الموقع المفضل للمنظمين، وأن تضمن أيضا عدم عرقلة الجهود المبذولة لنشر المعلومات المتصلة بالمسيرات المقبلة.
ويجب أن تكون أي قيود مفروضة على الموكب أساسها القانون. ويجب أن يكون القانون نفسه متماشيا مع الدستور والمعايير الدولية لحقوق الإنسان وأن يكون دقيقا بما فيه الكفاية لتمكين الفرد من تقييم ما إذا كان سلوكه سيخالف القانون، وكذلك النتائج المحتملة لأي مخالفة للقانون.
ومن ذلك يتضح أنه لا يجوز للسلطات المحلية على الإطلاق حظر موكب بعينه قبل أن يبدأ، وإن جاز لها أنتحظر المواكب بصفة عامة لزمن محدد ولأسباب محددة مثل إنتشار وباء معين أو ظروف مناخية تفرض ذلك.
أما تطلب القانون تصديقاً للمواكب كما هو الحال في أمريكا أو فى ظل القانون الحالي، فإن الأمر بالحظر يجب أن يخضع لرقابة مدققة من القضاء. ويجب على الوالي أو المحافظ بحسب الحال أن يسبب حظره للموكب. وقد وضعت المحكمة العليا في امريكا معياراً واضحاً للتوصل لصحة الحظر، وهو ضرورة أن يكون السبب فيه محايداً تجاه محتوى المسيرة. أى أنه لا صلة له بموضوع الموكب، فإن لم يكن كذلك فإن الحظر يكون قمعياً وغير دستوري.
واجب الحكومة في حماية المواكب
لو رأت الإدارة أن الموكب بطبيعة شعاراته قد لا يكون مقبولاً من الرأي العام، أو قد يؤدي إلى إثارة مشاعر مناهضة حادة، فإن ذلك لا يعطيها سبباً لمنع الموكب، طالما أن الآراء المعبر عنها هي في حدود حق التعبير المكفول بالدستور، وإنما عليها التدخل في سير الموكب بغرض حمايته من أي شخص تسول له نفسه إعتراض الموكب، أو منع المشاركين فيه من التعبير عن رأيهم وهذا يدخل ضمن واجب الدولة الدستوري الذي نصت عليه المادة 27 (2) من الدستور وعدم القيام به يرتب على الدولة مسئولية داخلية وخارجية بالنسبة للعهود الدولية التي تحمي حق التعبير .
فى دعوى جمعية مناهضة الإجهاض ضد حكومة النمسا لدى محكمة حقوق الإنسان الأوروبية، كانت الجمعية المذكورة وهي مشكلة من أطباء، قد أخطرت الشرطة وفقاً للقانون برغبتها في إقامة الصلاة في كنيسة بعينها، ثم الخروج بعد ذلك في خط سير تم توضيحه ينتهى أمام إحدى العيادات التي تمارس الإجهاض للإحتجاج على القانون الذي يبيحه.
تم إخطار الشرطة بعد ذلك بالرغبة فى تسييرمظاهرتين تأييداً لحق الإجهاض في نفس الزمان والمكان، فمنعتهما الشرطة، ومع ذلك فقد خشي منظمو المظاهرة أن يحدث تصادم مع مؤيدي حق الإجهاض، فغيروا خط سيرهم بالتشاور مع السلطات، وألغوا فكرة التظاهر أمام العيادة التي تمارس الإجهاض، وأبدلوها بإقامة صلاة أمام تمثال دينى فى العراء. لم تكن الشرطة راضية عن ذلك لأنها كانت قد وضعت قواتها بالفعل على الطريق الأول، ولأن الطريق الثانى ليس من السهل إحتواء الجماهير فيه. وفى أثناء الصلاة الأولى تجمع عدد كبير من مؤيدى الاجهاض حاملين شعاراتهم، ومكبرات الصوت، ورددوا هتافات دون أن تفرقهم الشرطة. ثم إعتدوا على أعضاء الموكب الأول حال خروجهم من المعبد بأن قذفوهم بالبيض، وإستمروا فى ذلك حتى أثناء إقامة الصلاة الثانيه، ولم تتدخل شرطة مناهضة الشغب حتى كاد الوضع أن يؤدى للانفجار، ففرقت بين المظاهرتين حيث عاد المتظاهرون الى مبنى الكنيسة. قام المتظاهرون بعد ذلك بتقديم شكوى متعلقه بسلوك الشرطة بدعوى أنهم لم يقدموا لهم الحماية الكافية التى يفرضها عليهم واجبهم فى حماية حق التعبير الدستوري، فرفضت شكواهم، فقدموا طعناً للمحكمة الدستورية فى النمسا فقضت بعدم الاختصاص، إستناداً لأن السلطات لم تقمع المظاهرة وإنما قمعها أفراد. نظم معارضو الإجهاض مظاهرة أخرى بعد ذلك تعرضت أيضاً للاعتداء، ولم يروا جدوى فى تقديم طعن دستوري، بل ذهبوا للمحكمة الاوربية حيث دفعت الحكومة النمساوية بأن واجبها ينحصر فى عدم التعرض للمظاهرة، أما ما يحدث بين الافراد فليس سبباً للطعن بالإخلال بالحقوق الدستورية. إلا أن المحكمة الأوربية رفضت ذلك الدفع لأن من واجب الحكومة أن تتيح للمتظاهرين أن يقوموا بمسيرتهم دون خشيه من تدخل معارضيهم فى الرأي، وأن الشرطة متى ما أُخطرت بالمسيرة عليها توفير الحماية اللازمة لها، ومنع إقتراب معارضيها منها، لأن حق التجمع السلمى يفرض على الدولة ليس فقط الإلتزام السلبى بعدم التدخل، بل الإلتزام الإيجابى بتوفير الحماية لمن يرغب فى ممارسة الحق.
و تدخل الإدارة فى الموكب يجب أن يكون معقولاً لذلك فإن التقييد المتعلق بزمان أو مكان أو سلوك الموكب في الأغلب يكون معقولاً متى ما كان متعلقاً بمنع التعدي على حريات الآخرين أو إرهابهم .
و حدود التنظيم هي الموازنة بين حق المواطنين الأصيل في التعبير عن رأيهم، بالإشتراك مع من يشاركونهم الرأي، ولفت نظر الآخرين إلى ذلك الرأي، ودعوتهم للإنضمام إليهم، وبين حق العامة في إستخدام الطريق العام بأقل عرقلة ممكنة. والإدارة حين تفعل ذلك يجب أن تفعله بغض النظر عن موقع منظمي الموكب، أو رأيهم السياسي.
ومدة الإخطار يجب أن تكون معقولة فلا تكون قصيرة جداً بحيث لا تيسر للسلطات العامة فرصة دراسة خط السير وحمايته، ولا تكون طويلة جداً بحيث يفقد موضوع الموكب أثره على الرأي العام. وفي غير الأحوال الإستثنائية فإن فرصة يوم أو يومين قد تكون كافية ولابد أن يسمح القانون بتجاوز الإخطار في الحالات التي تستوجب ذلك ومنها الأحداث التي تفجر ردود فعل شعبية لا يسمح الموقف بإنتظار فترة الإخطار بشأنها.
سلطة القضاء في حماية الحق
بغض النظر عن السلطة الممنوحة بالقانون بشأن المواكب لجهة الإدارة فإن قرارها يجب أن يخضع لرقابة القضاء. وقد ذكرت فى ذلك محكمة القضاء الإدارى المصرية وهى تفسر نصوص دستورية مشابهة للنصوص التى حواها الدستور الإنتقالى بشأن حقى التعبير والتجمع السلمى (إن حق الإجتماع ليس منحة من الإدارة، تمنعها أو تمنحها كما تشاء، بل هو حق أصيل للناس إعترف به القانون وأكده الدستور، ولذا فهو لا يقتضي طلباً من قبل صاحب الشأن ولا يلزم لنشوئه صدور قرار الإدارة بالترخيص به، وإنما هو مستمد من القانون وفقط يجب عليه إن أراد إستعماله أن يخطر الإدارة بزمان الإجتماع ومكانه وغير ذلك من البيانات التي نص عليها القانون وسلطتها في منع الإجتماع وفي فضه هي سلطة إستثنائية وهي تخضع لرقابة المحكمة لتتعرف على ما إذا كان إستعمالها مطابقاً للقانون نصاً وروحاً أم إنه ليس كذلك) .
((القضية رقم 1320 لسنة 5 ق محكمة القضاء الإداري جلسة 31/7/1951 - مجموعة السنة الخامسة القاعدة 371 ص 1150)).
وإمتناع القاضى عن إصدار أحكام تخرق حق التجمع السلمى هو جزء من إلتزام الدولة الدستورى بكفالة تلك الحريات، لذلك فقد قضت محكمة حقوق الإنسان الأوروبية في دعوى Iselin ضد فرنسا والتي تتلخص وقائعها في أن المدعى وهو محامي، شارك في مظاهرة ضد أحكام قضائية، وقد حدث في أثناء تلك المظاهرة أن قام المتظاهرون بتوعد ضابط بوليس بعينه حين كانوا ينشدون ستدفع الثمن يوماً ما one day you will pay، وقاموا بشتم القضاة الذين أصدروا الأحكام، كما رسموا على حائط السجن وبعض المباني العامة رسومات كاريكاتورية تهاجم تلك الأحكام القضائية. عندما ظهر إيزلين فى التحقيق القضائى كان رده واحداًعلى كافة الاسئلة التى وجهت له وهو أنه ليس لديه شئ ليقوله فى هذا الصدد. قُدم إيزلين الى لجنة تأديب تابعة لنقابة المحامين، رأت عدم إرتكابه لأية مخالفة. إستؤنف ذلك القرار إلى محكمة الإستئناف التي ألغت قرار اللجنة، ووجهت له صوت لوم وقد أيدت محكمة النقض هذا الحكم. تقدم إيزلين بطعن ضد الحكم لدى محكمة حقوق الإنسان الأوربية بدعوى أن ذلك الحكم يخرق حقه في التجمع السلمي، وكان رد الحكومة الفرنسية أن حقه في التجمع لم يُخرق فقد أتيح له المشاركة في المظاهرة ولم يمنع وأن ما أُخذ من إجراءات كان تالياً للمظاهرة. رأت المحكمة أن قمع حرية التظاهر لا يتم فقط بالإجراءات السابقة للمظاهرة أو المعاصرة لها التي تمنع وقوعها أو إكتمالها بل يتم أيضاً بفرض عقوبة على المشاركين فيها.
فمسألة حرية التجمع السلمي يجب أن يتم تنظيمها بقانون يتسم بوضوح أحكامه، فيعرف الإجتماعات العامة والمواكب تعريفاً جامعاً مانعاً، يتولى تنظيم المسألة بشكل يهدف إلى حماية الحق ومنع إنتهاكه، بحيث يتضمن نصوصاً تمنع منع الإجتمعات والمواكب العامة أو فضها طالما أنها سلمية، ولا تهدف لمخالفة القانون أو الأداب العامه. ويجب أن يكون القانون واضحاً في عدم تطلب أي تصديق لعقد الإجتماعات والمواكب العامة، وتنظيم الإخطار بشكل يساعد السلطات على تنظيم الطرق والميادين التي تكون في في طريق الموكب، أو على مقربه من الإجتماع، حتى يخفف مايمكن أن يحدثه الموكب أو الإجتماع من عرقلة سير المرور دون أن يشكل الإخطار عائقاً يحول والتعبير عن الرأي في الحالات التي تتطلب سرعة التفاعل معها ويضع على السلطات واجب توفير الحماية للمواكب التي تخرج تلقائيا نتيجة لتفاعل مع أحداث طارئة من شأنها أن تخلق ردود أفعال شعبية.
نبيل أديب عبدالله
المحامي
nabiladib@hotmail.com