"كان جوبلز يؤمن بحرية التعبير بالنسبة للذين يحملون آراء مقبولة له. وكذلك كان ستالين. إذا كنت تؤيد حقًا حرية التعبير، فأنت تؤمن بحرية التعبير عن وجهات النظر التي تعارضها. وإلا فأنت لا تؤيد حرية التعبير " نعوم تشومسكي
المواكب العامة تشكل وسيلة أساسية للتعبير عن الرأي. لذلك فإنها تقع بين حقين أساسيين من حقوق الإنسان. الأول يُعنى بمحتواها وهو حرية التعبير. والثاني يُعنى بشكلها، وهو حرية التجمع السلمي. ورغم ترديد المسؤولين المتكرر لإحترامهم للحق الدستوري في التظاهر إلا أن الممارسة العملية لتعامل السلطة مع المتظاهرين، لم تكشف عن ذلك. لا شك في أن مصاحبة وكلاء النيابة لقوات الشرطة المكلفة بحراسة المظاهرة هو أمر يجب أن نحمد للسيد/ النائب العام الأمر بإعادة العمل به، ولكننا نحتاج لأكثر من ذلك. لقد وجد وكلاء النيابة أنفسهم في حالة لا يحسدون عليها، من حيث أنهم لم يكونوا يعرفون المطلوب منهم بالضبط. لا أظن أن أيا منهم قد إنصرف ذهنه لأن القوة التي يصاحبها كانت مكلفة بحراسة المظاهرة. إذ أن ما شاهده من مقاطع فيديو في السوشيال ميديا، وما قرأه من تصريحات للمسؤولين، عند تكليفه بمصاحبة القوة، كانت تدعوه للإعتقاد بأن القوة التي يصاحبها هي قوة مكلفة بتفريق المظاهرة، بشكل يمنع المشاركين من أن يفكروا في أن يكرروا فعلتهم تلك. ولم يكن المتظاهرون من فرط ما لاقوه من معاملة في تجاربهم السابقة يتوقعون غير ذلك. لذلك فإن المتظاهرين الذين كانوا في الميدان الواقع أمام منزل شاعر الشعب الراحل المقيم محجوب شريف، لا بد أن يكونوا قد فوجئوا حين ذكر لهم وكيل النيابة المصاحب للقوة التي أحاطت بهم، أن تجمهرهم هو تجمهر غير مشروع، وأنه يأمرهم بالتفرق، وإلا فإنه سيأمر بإستخدام القوة لتفريقهم. ورغم أنهم كانوا يتوقعون تفريقهم بالقوة المفرطة، إلا أنهم لم يكونوا يعرفون ما الذي إرتكبوه ليجعل تجمهرهم غير مشروع. وللأمانة أنا أيضاً لا أعرف ما الذي جعل تجمهرهم غير مشروع. على أي حال فقد شجع مخاطبة وكيل النيابة للمتظاهرين، بغض النظر عن محتوى الخطاب، بعضهم ممن حباهم الله بمعرفة بعض القواعد المتعلقة بالحق في التجمع السلمي في المستوى الدولي، وبعض من سلاطة اللسان، وفقا لما جال في خاطر القوة المحيطة بالسيد وكيل النيابة، أن يسألوه عن إسمه وموقعه الرسمي، ولماذا يرى أن تجمعهم ذاك هذا غير مشروع. فرفض أن يجيبهم على سؤالهم الأول، ولم يكن لديه إجابة على الثاني. وقد أعاد هذا الحوار إلى ذهني شريط أخر لحوار مشابه وقع منذ عدة عقود، حين وقف الضابط قرشي فارس على رأس ثلة من الجند أمام المتجمهرين على أعتاب الهيئة القضائية، ليفرق جمعهم، فتصدى له مولانا الراحل عبد المجيد إمام وسأله من أنت؟ ليعلن الضابط إسمه ورتبته. ليأمره مولانا عبد المجيد بصوت مستفيض، أيها الضابط أنا عبد المجيد إمام قاضي محكمة الإستئناف آمرك بأن تأخذ القوة التي هي تحت إمرتك وتنصرف.
ففعل قرشي فارس ذلك، وبدأت الأحداث التي نعرفها الآن بإسم ثورة أكتوبر.
لم يكن لدينا آنذاك وكلاء نيابة، أما الشرطة، والقضاة فلم يكونوا يخفون أسماءهم ولا وجوههم، ولم يكن هنالك أحداَ منهم ملثماً، ولم يخطر على بال أحدهم إمكانية أن يستقل هو أو غيره عربة بدون لوحات.
ما هو التجمهر غير المشروع؟
"الحكومة التي تنظر إلى المعارضة بإعتبارها تشكل خطرا لا تعرف الأساس الذي تقوم عليه الديمقراطية. والحكومة التي تقمع المعارضة تعتدي على أساس الديمقراطية" أونغ سان سو كي "رسائل من بورما"
حسناً، فلنعود إلى زماننا الحالي، وإلى سؤالنا الأول. وهوما الذي حعل السيد وكيل النيابة يعتقد أن التجمهر في الميدان الواقع أمام منزل الشاعر محجوب شريف، هو تجمهر غير مشروع؟ سيقودنا هذا السؤال إلى أسئلة أخرى.
أولاً: هل يعرف القانون السوداني ذلك التعبير؟ الإجابة بالإيجاب فقد ظهر ذلك التعبير بشكل مفاجيء في المادة 124 من قانون الإجراءات الجنائية حين ذكرت تلك المادة " يجوز لاي ضابط مسئول، أو وكيل نيابة، أن يأمر أي تجمهر غير مشروع، أو أي تجمهر يحتمل أن يرتكب جريمة الشغب، أو جريمة الاخلال بالسلام العام، أن يتفرق. وعلي أفراد ذلك التجمهر عندئذ التفرق".
حسناً ولكن ما هو ذلك التجمهر غير المشروع؟ لا يوجد في قانون الإجراءات الجنائية تعريف لمصطلح "تجمهر غير مشروع" وهو مصطلح لايظهر إلا في تلك المادة، ولم يستخدمه القانون في موضع آخر قبل ذلك ولا بعده. وهو أمر مثير الدهشة، إذ كيف يمنح القانون للضابط المسؤول، أو وكيل النيابة، سلطة تفريق تجمهر لعدم مشروعيته، دون أن يحدد شروط تلك المشروعية. خاصة وأننا نتحدث عن حق المواطن في التجمع السلمي، وهي أحد أهم الحريات الدستورية. وهذا يظهر من أن الدستور حين قررها في المادة 40 منه، لم يستخدم جملة "في حدود القانون" التي درج على إضافتها إلى أغلب الحقوق الواردة في وثيقة الحقوق.
التجمهر غير المشروع في المادة 124 هو تجمع سلمي لأن المادة إستخدمت حرف العطف "أو" وهي أحد وسائل ضم عددا من الطوائف المختلفة لحكم واحد في اللغة العربية. فجواز الأمر بالتفرق يشمل ثلاث طوائف، وفي حين أن الطائفتين الأخيرتين يمكن التعرف عليهما بالجريمة التي يحتمل أن يرتكبها كل منهما، فإن التجمهر غير المشروع لم تصفه المادة بما يمكن معه التعرف عليه.
لا يوجد أي تفسير للتجمع غير المشروع، سوى أن يكون هوالتجمع الذي صدر أمر بحظره من الوالي، أو المعتمد المختص، وفقاً لأحكام المادة 127 من قانون الإجراءات الجنائية، ونصها كالتالي "يجوز لاي وال أو محافظ في حدود دائرة اختصاصه أن يصدر أمرا يحظرأو يقيد أو ينظم بموجبه أي اجتماع أو تجمهر أو موكب في الطرق أو الاماكن العامة مما يحتمل أن يؤدي الي الاخلال بالسلام العام.". وهو تفسير يسبب من المشاكل القانونية والدستورية أكثر مما يحل كما سنرى حالاً.
ولكن هل نفهم من هذا أن ذلك التجمهر أمام منزل الشاعر محجوب شريف، كان قد صدر أمراً من الوالي بحظره. سنتغول في هذا الإحتمال لاحقا، ولكن لو كان ذلك كذلك، ألم يكن الأولى بالسيد وكيل النيابة، أن يرد على تساؤل المتسائلين بأن يتلو عليهم الأمر الصادر من المعتمد، أو الوالي المختص، بحظر التجمهر في ذلك الزمان والمكان، ويوضح لهم السلطات المخولة له لإتخاذ أمر بتفريقهم وفقاً للقانون؟
مشروعية أمر الحظر
هذا ما كان من أمر وكيل النيابة أمام منزل شاعر الشعب، ولكن ذلك لا ينهي التساؤلات بل يضيف إليها. بفرض أن هنالك أمراً من الوالي أو المعتمد بحظر التجمع في ذلك الزمان والمكان، بإعتبار أن ذلك هو الإحتمال الوحيد لوصف السيد وكيل النيابة للتجمهر الذي أمر بتفريقه بأنه غير مشروع، ولكن هل مجرد صدور الأمر يلزم وكيل النيابة بتفريق التجمع؟ صحيح أن وكيل النيابة ليست لديه سلطة مراجعة المعتمد أو الوالي في الحظر، ولكن كان عليه ان يتيقن من أن الأمر الصادراً من أياً منهما، قد صدر بعد مشاورة القاضي، أو وكيل النيابة المختص، كما وتتطلب المادة، وأنه يحمل أسباب الحظر. إذ أن إستيفاء الشروط الشكلية للأمر حسب متطلبات القانون ضرورية، لكي يقرر وكيل النيابة أن التجمهر غير مشروع. فهل كان ذلك الأمر مسبباً؟ ومتى علم المتظاهرون به؟ هل تم نشره بوسائل الإعلام؟ أم أنه يكفي هنا أن يكون الغرض من الإعتصام هو معارضة الحكومة القائمة لكي يصبح من المناسب إصدار ذلك الأمر؟ أولا: لا بد لنا من أن نقول أنه لم يطلع أحد على الأمر الذي تم تفريق المتظاهرين بموجبه. ولكنه بالضرورة، إذا كان هنالك ثمة أمر، فهو أمر مخالف للدستور، وللمستوى الدولي، وذلك لأسباب لا تخفى على فطنة القانونين.
إذا فالمسألة في واقع الأمر لم تكن متعلقة بمشروعية التجمهر، بل بمشروعية أمر الحظر، إذا كان هنالك ثمة أمر. أما إذا لم يكن هنالك أمر، فإن تفريق المتظاهرين هو إجراء غير مشروع، مما يلزم الدولة بأن تعوض أي شخص تعرض لأضرار نتيجة لذلك التفريق.
مجرد إستيفاء الشروط الشكلية لا يكفي لتفريق المظاهرة، لأن سلطة وكيل النيابة في تفريق التجمهر غير المشروع هي سلطة جوازية. كذلك فإن إستيفاء الشروط الشكلية لأمر الحظر لا يكفي ليضفي على أمر التفريق مشروعية، بل يجب أن يكون ذلك الأمر متلائما مع الدستور. وأن يكون قد تم إتخاذه بعد التشاور مع القاضي أو وكيل النيابة المختص. وأنه موجة للمتجمهرين الذين إستخدم وكيل النيابة الأمر لتفريقهم. وأنهم قد بُلغوا بهذا القرار، في وقت يسمح لهم بالطعن فيه. وقد لاحظ تقرير مجموعة الدراسة الخاصة بحرية التجمع والتنظيم، التابعة للمفوضية الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب، أنه من الجائز إخضاع حقوق الإنسان لقيود، ولكن تلك القيود يجب أن تكون 1/ مفروضة بواسطة القانون 2/ وان تهدف لخدمة هدف مشروع 3/أن تكون ضرورية في مجتمع ديمقراطي.
الحظر يجب أن يكون تنفيذا لقيد مفروض بواسطة القانون
" أساس وثيقة الحقوق هو أن تحد من سلطات الحكومة، وتؤطرها، بأن تخرج من نطاق تلك السلطات تلك الحالات التى يمتنع فيها على الحكومة أن تفعل شيئاً، أو أن تفعل ذلك الشئ فقط بطريقة معينة. " ماديسون فى خطابه للمؤتمر الذى أقر التعديلات العشر الأوائل فى الدستور الأمريكى المعروفة بوثيقة الحقوق
الثابت هو أن الوالي أو المعتمد لا يجوز أن تكون له سلطة منبسطة Blanket Power تجيز له حظر المظاهرات وفق إرادته، بل يجب أن تكون سلطته في الحظر محددة بتوافر شروط معينة تجيز له حظر المظاهرة. وهي بالضرورة سلطة يخضع في إستعماله لها لمراقبة قضائية.
وعليه فإن لا يجوز الإستناد على السلطة المشار إليها في المادة 124 للقول بالإيفاء بأن الحظر يستند على القانون، لأن القانون لا يحدد قيود لإستخدام حق التجمع السلمي، بل يترك ذلك للوالي أو المعتمد، وهذا غير كاف. كان على المادة حين منحت الوالي أو المعتمد سلطة حظر المواكب، أن تحدد له الشروط التي تسمح له بحظرها تحديدا دقيقا، ولا يجوز لها أن تترك هذه السلطة لتقديره ، دون أن تضع قيوداً عليها.
ورغم ذلك فلابد لنا من القول أن قرار الوالي يخضع من حيث صحة تطبيقه للقانون، وكونه يخدم غرضاً مشروعاً، وأنه ضرورياً في مجتمع ديمقراطي، يخضع في كل ذلك للمراجعة القضائية العادية والدستورية، بحيث يكون أي ضرر ناجم عن تفريق تجمع وفقاً لقرار لا يتمتع نفسه بالمشروعية، سبباً لمقاضاة الدولة، وتحميلها كافة النتائج الناجمة عن تلك الأضرار.
يجب أن يكون القانون الذي يحدد أسباب تقييد المظاهرة، أو حظرها قانونا عام التطبيق لا يستهدف مظاهرة بعينها Media Rights Agenda and Others v. Nigeria. ويتوجب على القانون أن يكون واضحاً لا غموض فيه ولايسمح بتطبيق واسع للحظر لأن ذلك يجعل منه قانونا مخالف للدستور والمستوى الدولي أنظر سابقة
Law Society of Zimbabwe v. The Minister of Transport and Communication and Others
يجب أن يخدم القيد غرضا مشروعاً
لما كان القيد على الحق في التظاهر ينتهك حقا دستوريا، فإنه يتوجب أن يكون القيد الوارد في القانون يهدف إلى تحقيق غرض مشروع. الغرض المشروع لتقييد الحق في التظاهر، يتحقق حين يهدف القيد لحماية حقوق الآخرين، أوحماية السلام العام والمصلحة العامة. وعلى القانون أن يحدد بشكل واضح صلة القيد المفروض بالغرض المراد تحقيقه منه. المقصود من الغرض المشروع يتحقق بتقييد سير المواكب نفسه، وليس ما يرفعه من شعارات، أو مطالبات، لأن الحظر هنا ليس متصلاً بالحق في التعبير، بل فقط بالتجمع السلمي، أي بما يحدثه شكل التعبير في مسيرة متحركة في الطريق العام.
مبدأ الضرورة في مجتمع ديمقراطي
" التعديل الأول ، يعني وقبل أي شيء آخر ، أن الحكومة لا تملك سلطة لتقييد حق التعبير عن رأي بسبب الرسالة التي يحملها، أو الأفكار التي ينقلها ذلك الرأي، أو بسبب موضوعه أو محتواه ". المحكمة العليا الأمريكية
POLICE DEPARTMENT OF CHICAGO v. MOSLEY(1972)
لما كانت سلطة حظر المظاهرة، هي سلطة في المبتدأ مخالفة للدستور، لما فيها من إنتهاك لحق التعبير، وحق التجمع السلمي، فإن إستخدامها يجب أن يكون لتحقيق أغراض مقبولة، وأن يتم ذلك وفق معايير محددة. يجب أن يكون القيد ضرورياً لمجتمع ديمقراطي وهذا يتصل بشكل مباشر بمبدأ التناسب. فرغم أن القيد قد يكون مشروعاً، إلا أنه يجب أن لا يسبب إهداراً للحرية لا يتناسب مع ما يسعى الحظر لتحقيقه . فيجب أن يكون القيد مطلوبا لحماية مصلحة مطلوبة في مجتمع ديمقراطي. ولكن يجب أيضا أن يكون متناسبا مع ما يسببه من إهدار للحق. ولذلك فإنه يجب أن يكون أقل الوسائل الذي تحدثها الحماية المطلوبة تدخلاً في الحرية التي تقيدها، إذ يجب أن يكون الحظر متناسباً مع المصلحة التي يحميها. فإذا كان هنالك إنقساما حادا في المجتمع حول ما تدعو له المظاهرة مما يدعو للإعتقاد بأنها قد تُقابل بمعارضة عنيفة بواسطة جزء من السكان، فإن تفادي الإحتكاكات لحفظ السلام العام ومنع العنف يشكل غرضا مشروعا تسعى الدولة لتحقيقه، ولكنه لا يجوز حظر المظاهرة رغم شرعية الهدف من ذلك الحظر، طالما أن هنالك قيود أقل تدخلا في حرية المتظاهرين يمكن أن تؤدي لذلك الغرض، مثل أن تحدد لها خط سير وزمن يبعدها عن مناطق أو أمكنة تجمع معارضيها، أو توفير قوى أمنية مكثفة لحماية المتظاهرين بدلاً من حظرها. يضع دستور جنوب أفريقيا معيار التناسب على وجه أكثر وضوحاً بحيث يدعو إلى مراجعة الإعتبارات الآتية (أ) طبيعة الحق (ب) أهمية الغرض من التقييد (ج) طبيعة ومدى التقييد (د) العلاقة بين التقييد والغرض منه (هـ) أقل الوسائل تقييداً لتحقيق هذا الغرض. المادة 36 (1) من دستور جنوب أفريقيا
وقد أشارت مفوضية حقوق الإنسان الأفريقية إلى أن مبدأ التناسب يجب أن يتم إحترامه، ليس فقط بواسطة القانون، بل أيضاً بواسطة السلطات الإدارية التي تطبقه، والسلطات القضائية التي تراجعها.
عموماً فإن فقه القانون الإفريقي المكون من القضاء الإفريقي وأيضاً مفوضية حقوق الإنسان الإفريقية مجمع على أنه يقع على عاتق الدولة عبء إثبات أن القيود التي يتبناها القانون، أو التي تأمر بها السلطات الإدارية تقييدا لحق التظاهر السلمي، هي قيود مقبولة وفقاً للمستوى الدولي، وأحكام الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب. كذلك يرى فقه القانون الإفريقي أن هذه القيود لا يجب أن تستخدم إلا بإعتبارها ملاذاً أخيراً للمحافظة على السلام العام.
التصديق أو الإخطار
رغم أن علم الإدارة بالمظاهرة ضروري لكي تقوم بواجبها لحماية المظاهرة، إلا أن ذلك يتطلب الإخطار، وليس التصديق. تطلب تصديق السلطات على المظاهرة ينتهك الحق في التجمع السلمي، لأن إستخدام الحق هو رخصة لا تحتاج لتصديق، لكونه من الأعمال المباحة. لذلك فالصحيح هو أن تتطلب الإدارة من منظمي الموكب إخطارها قبل وقت يسمح لها بحماية المسيرة. على أنه لا يجوز فرض أي إلتزامات على منظمي الموكب، حيث أنهم لا سلطة لهم على المشاركين، وبعد وصول المشاركين إلى محل بدء سير الموكب فإنه على الشرطة أن تساعدهم في السير بشكل لا يعرقل حركة المرور، وتحميهم. كما ويجوز لها أن تمنعهم من مخالفة القواعد التي تسمح للموكب بأن يحترم حريات الآخرين.
وفقاً لكل ذلك يمكننا أن نقول أنه على الحكومة أن تقوم على وجه السرعة بإصدار تشريع ينظم سير المواكب العامة، ويحميها، ويحدد الشروط التي تسمح للشرطة بالتدخل في سير الموكب بما لا يسمح بإنتهاك حرية المشاركين فيه.
أما ما شاهدناه في الأيام الماضية من التعامل مع المواكب فهو مخالف للدستور وللمستوى الدولي.
نبيل أديب عبدالله
المحامي
nabiladib@hotmail.com