في مقاومة الانقلاب العسكري بقيادة البشير
عشاري أحمد محمود خليل
23 February, 2019
23 February, 2019
ushari@outlook.com
ألف
فهذا انقلاب عسكري، بقيادة عمر البشير، بدعم قيادات وصف الضباط والجنود في الجيش، والجيش هو المليشيا الإسلامية المعادية للشعب، مما هو الآن أمر يظهر بوضوح تام، اليوم.
والذي أمامنا هو ذاته "انحياز الجيش"، الذي تمناه ودعا إليه بعض المعارضين، مثل ياسر عرمان، والحاج وراق، وذو النون عثمان، بالإضافة إلى تجمع المهنيين، لكل من يعرف القراءة في "إعلان الحرية والتغيير".
باء
ليس هذا وقت بكاء أو تلاوم، بل هو وقت التفكير، المتعمق، في كيفية مقاومة الجيش بقيادة عمر البشير، وإلحاق الهزيمة به، وهو وقت المحافظة على ثورة الشباب حية ضد محاولة وأدها بهذا الانقلاب العسكري الإسلامي.
جيم
تشمل أجندة التفكير عدة بنود، أختار من بينها ما يلي:
أولا،
تفعيل مقاومة الانقلاب العسكري، والتركيز على أحكام الطوارئ، بخرقها، وتحدي الجيش والمليشيات الإسلامية الأخرى التي سيوكل إليها تطبيق هذه الأحكام وتنفيذها (انظر تحت تجد مقتطفات من مقالي بتاريخ 27/1/2019، والمقال الآخر في الرد على الطيب زين العابدين).
ثانيا،
إمساك الشباب بالأمر في أيديهم، ورفع سقف المطالب لتكون "البداية الجديدة"، لإنشاء السودان من أول وجديد، على أرضيات أساس في الاستحقاقات الاقتصادية الاجتماعية والحريات، وهو البرنامج المضاد للبرنامج الحقيقي للإسلاميين، الذي يترأس قيادة تنفيذه الآن عمر البشير، شخصيا، بقبول جميع الإسلاميين، بما في ذلك قبول المثقفين المخادعين منهم، فلا ينخدع الشباب بمثل لقاء الأفندي في الجزيرة أنه ضد إعلان حالة الطوارئ، وهو خطط لها، وإلا فكيف كان الأفندي ومجموعته سيضمنون بقاء الدولة الإسلامية العميقة كما هي، وضمان عدم نهاية الإسلامية، عقيدتهم السياسية برنامج نظام الدولة الإسلامية الإجرامية الفاسدة بالضرورة؟
ثالثا،
التفكير الجاد من قبل الشباب في تنحية قيادة تجمع المهنيين الحالية، واختيار قيادة موحدة جديدة، لا يكون فيها د. محمد يوسف أو محمد ناجي الأصم، تحت أي ظرف من الظروف، لأسباب واضحة للجميع، ولأن المرحلة القادمة لا تقدر عليها إلا قيادة يجلس فيها شباب الحراك أنفسهم في موقع القرار، قيادة لا تحوم حولها أية شكوك، فمحمد ناجي الأصم تم تلميعه من قبل الإسلاميين وهم كانوا يعدون لإطلاق سراحه، بعد اعتقال بدا وهميا، وأوكل الإسلاميون دور التلميع والتجهيز إلى عبد الله علي إبراهيم في مقاله "وا حلاتي ... الأصم!"، وعبد الله ثابت أنه من كتاب السلطان الإسلامي.
بالإضافة إلى أن القيادة الحالية من التجمع لا تدرك، حتى الآن، وحتى بعد إعلان الانقلاب العسكري، حقيقة الموقف، وتظل تجري وراء سراب "القوات المسلحة".
انظر الأوهام والخرافات عن الجيش، في الفقرة التالية المحشورة في بيان التجمع، بعد إعلان البشير حالة الطوارئ:
(وها هنا نؤكد على إيماننا بأن القوات المسلحة تذخر بالوطنيين الذين لم ولن يقبلوا أي مساومات لحماية الوطن وسلامته واستقراره، كدرع لحماية النظام ولا يوجد ما يستدعي ذلك فالثورة سلميتها معلنة).
كلام فارغ متهالك، من قيادة التجمع، بالمقارنة مع البيان القوي، والمتماسك، والمخادع، من عمر البشير، وهو بيان كتبته ذاتها مجموعة المثقفين الإسلاميين المعروفة، بالاقتباس من ورقة الواثق كمير، وبمشاورة دهاقنة الإسلاميين الأشداء الماكرين.
رابعا،
يتعين على الشباب الاعتراف بأنهم أمام عدو شرس ذي نذالة، وأن يعترفوا بأن لهذا العدو قوة الاحتيال والإجرام والمال. أي، الاعتراف بأن هذا الانقلاب العسكري يرجح كفة الإسلاميين ضد الشباب.
ومع ذلك، فلدى الشباب ما يفتقده الإسلاميون، وهو مشاركة المرأة، والشبابية، والأخلاقية، والقدرة على الإبداع، والنفس الطويل للمقاومة التي لا تتوقف.
خامسا،
المتابعة اللصيقة من قبل الشباب لنشاط مجموعة المثقفين الإسلاميين وأعوانهم، المجموعة التي رتبت، مع الإسلاميين داخل النظام وخارجه، ومع دويلة قطر، هذا الانقلاب العسكري، بلعب دور التلهية، والكاموفلاج، والخداع، وندوة الدوحة، وسيل المقالات الاحتيالية، وغير ذلك من حركات خبيثة.
وهي المجموعة المكونة من عبد الوهاب الأفندي، خالد التجاني النور، التجاني عبد القادر، عبد الله علي إبراهيم، والطيب زين العابدين، وقد قدم لهم الدعم المقدر الواثق كمير وآخرون محسوبون على الحراك الشعبي.
سادسا،
تمسك الشباب بالأمل، وشحذ العزيمة، والاعتراف بالفشل المتمثل في عدم الاستعداد بصورة كافية لهذا الانقلاب العسكري، رغم الإدراك السبقي أن الإسلاميين سيستميتون، كما أسلفت في عدة مقالات، في الدفاع عن مكاسبهم في الدولة الإسلامية العميقة، وأنهم لن يقبلوا بتقديمهم لأية محاكمات، ولن يقبلوا التجريد من مليارات الأرصدة والممتلكات المنهوبة، وعمر البشير وضباط الجيش لن يقبل أي منهم ترك السلطة/القوة التي تحميهم من المحكمة الجنائية الدولية.
ولم يكن للإسلاميين من حل إلا هذا الانقلاب العسكري، وقد فعلوها، وكان الطيب زين العابدين وأعضاء مجموعته على علم بالانقلاب الآتي، بل لابد كانوا من بين المخططين له.
خاصة وأن الوضع قبل الانقلاب، والمتمثل في هيمنة ثورة الشباب، كان حتى قبل يوم أو يومين يتمثل تهديدا وجوديا لنظام الإسلاميين، وللدولة الإسلامية العميقة.
...
فيما يلي أعيد نشر فقرات من مقالي الأول بعنوان "لزوم المقاومة الشبابية ضد تدخل الجيش" (27 يناير 2019 سودانايل)، ومن المقال عن "الطيب زين العابدين يدعو إلى انقلاب عسكري)، فالأفكار فيهما تظل ذات علاقة قوية بالحدث الراهن، أعيدها دون أي تعديل فيها، غير حذف ما ليس له علاقة بهذا المقام:
...
المقال الأول: "لزوم المقاومة الشبابية ضد تدخل الجيش"
(1)
فأما وخطرُ تدخلِ الجيش ماثلٌ، يتعين على جموع الشباب المقاومين، بدعم مجتمعاتهم المحلية في جميع أرجاء السودان، يتعين عليهم رفض كل تدخل من قبل الجيش، بانقلاب عسكري أو بغيره.
ولأن الجيش لا يستأذن أحدا لكي يتدخل، ولأنه يتدخل بقوة العنف المحمية بقانون للطوارئ سيكتبه ويعلنه هذا الجيش فور تدخله، لا يمكن منع هذا التدخل قبل حدوثه.
ومن ثم يجب اتخاذ القرار السبقي المعلن، بأن كل تدخل من قبل الجيش، من أي نوع، ومهما كانت أسبابه، مرفوضٌ.
(2)
هنا يجب على الشباب الانشغال المبكر بالجاهزية الفكرية، لملاقاة مثل هذا التدخل المحتمل، والذي سيأتي بأسبابه المحلية في الوضع السوداني، وستكون له عقلانيته ومسوغاته، في مجال المصالح الطبقية للإسلاميين، بالإضافة إلى أنه تدخل سيكون له خطابه المخادع، ولديه أعوانه الانتهازيون بين السياسيين المعارضين مُشوَّنين مستعدين عند الإشارة والطلب.
...
وقد يحدث تدخل الجيش في أي وقت بعد زيارة عمر البشير إلى مصر، وحيث لابد كانت نصيحة الجنرال السيسي لعمر البشير ووفده أن "الحكم العسكري" هو الحل الأمثل لمنع ربيع عربي آخر، وأن أمريكا ترمب ستقبل تدخل الجيش وسترحب به، حتى إذا كان انقلابا "إسلاميا"، ما دام سيأتي بتحسينات وتطمينات، وما دام كبار الضباط سيقبلون أن يكونوا مثل السيسي عملاء لأمريكا ولحلفائها في المنطقة، المملكة العربية السعودية (الفريق طه)، والإمارات.
وللإسلاميين السودانيين ماض وحاضر في عمالتهم لهذه الدول، بالإضافة إلى العمالة لدويلة قطر.
(3)
وعلى مستوى آخر، لابد للشباب من اليقظة إزاء تسلق السياسيين المعارضين الانتهازيين إلى حكومة انتقالية مدنية، لابد سيشكلها الجيش المتدخل، وسيسميها "قومية"، أو تكنوقراطية.
ولشق صفوف الشباب، سيكون من بين أعضاء هذه الحكومة شباب محتالون أو مهنيون يتصنعون اليوم أنهم معارضون. .....
ولابد سيشكل الجيش مثل هذه الحكومة لأغراض تثبيت الخداع، ريثما يتمكن الجيش من السيطرة الكاملة على الأوضاع السياسية، بعنف قوانين الطوارئ، ومن ثم ليتمكن الجيش من تنفيذ أجندة التدخل.
(4)
فواقعية هذا السيناريو مستمدة من قراءة للوضع الراهن، من موقعي في مدينة سياتيل البعيدة، والقراءة من بعيد قد تكون أحيانا هي الأدخل في الصواب، فالقرب من الأحداث قد يحول دون إبصار الحقيقة، لأنه لا يتيح رؤية الصورة الكاملة في شموليتها وكامل تعقيداتها.
وتنطلق هذه القراءة من أنه لم يبق للإسلاميين اليوم، أمام التهديد الشبابي المتصاعد والمُتصيِّر يوميا ليكون ثورة بالمعنى الحقيقي للثورة، كاجتثاث النظام القديم بكامل هيكلته، تنطلق القراءة من أنه لم يبق لهؤلاء الإسلاميين إلا حلان متداخلان، كخيارين متواليين، أولهما استخدام عنف جهاز الأمن لتثبيت التشبث بالسلطة، وثانيهما، في حال فشل صلاح قوش، تدخل الجيش. وسأعرض لهذين الخيارين المتواليين:
أولا، الحل الأمني بمزيد إجرام من قبل صلاح قوش
(1)
يدرك الإسلاميون أن تشبثهم بالسلطة، حتى في شكلها المجرد من كل شرعية أو مشروعية، ضروري لحماية أنفسهم وأرصدتهم وممتلكاتهم المنهوبة.
فالطريق واضح أمام الإسلاميين، وهو لزوم الاستمرار في استخدام قوة العنف الإجرامي، بمدد العقول الشريرة والأيدي الشريرة لدى نخبة الحركة الإسلامية، الضباط البلطجية في جهاز الأمن، بقيادة صلاح قوش، وفي معية الإسلاميين بلطجية كتائب الظل بقيادة علي عثمان محمد طه، وقوات المؤتمر الوطني الأخرى.
وهذا الحل الأول هي الساري في الوقت الراهن، وقد طور صلاح قوش فلسفة هذا الحل الأمني المتمثل في سعيه إلى إرهاب شباب المقاومة، حين أضاف صلاح قوش تقنية إرهابية جديدة، استخدامه سيارات الأمن كأسلحة في ذاتها، لدهس المتظاهرين.
وهذه عربات الدهس سلاح أقوى في مفعوله التخويفي من سلاح القناصة الإسلاميين ببنادقهم ذوات المناظير.
ثانيا، الحل بخيار تدخل الجيش
(1)
فأما في حال ظهر فشل قوة العنف الإجرامي بواسطة البلطجية الإسلاميين بقيادة صلاح قوش، وبواسطة كتائب الظل تحت قيادة علي عثمان محمد طه، تبقى للإسلاميين تعبئة قوة الجيش، كملاذ أخير، لحماية أنفسهم وممتلكاتهم المنهوبة.
وقد تطورت الأحداث بصورة سريعة، وأدرك الإسلاميون أنه قد لا يبق لهم الآن إلا خيار تدخل الجيش لإنقاذهم من الشباب، قبل فوات الأوان. خاصة وهم شاهدوا فشل صلاح قوش وخلو وفاضه من كل حل لهم، عند مخاطبته الأطباء الإسلاميين، ناس الله أكبر، قصد تعبئتهم ضد المقاومة الشبابية.
...
هكذا لا يبق الآن للإسلاميين جميعهم، في الإنقاذ وخارج الإنقاذ، إلا تدخل الجيش، المليشيا الإسلامية، لإنقاذهم.
دور المال الإسلامي في رشوة ضباط الجيش ليتدخلوا
(1)
فلنتذكر أولا أن للإسلاميين المذعورين مليارات الدولارات المنهوبة من المال العام، وهم على استعداد لبذل القليل منها لشراء جميع كبار الضباط في الجيش، لتنفيذ تدخل انقلابي، أو غير انقلابي، لمصلحة هؤلاء الإسلاميين الحرامية.
فكبار ضباط الجيش وصف الضباط، المليشيا الإسلامية، قد لا يشمل تحركُهم الهَمَّ بإنقاذ الإسلاميين المذعورين، بل هم يريدون بالتدخل إنقاذ مصالح الشريحة الطبقية من ضباط الجيش.
والإسلاميون المذعورون، الملكيون، كذلك مدركون أن الجيش سيتحرك لمصلحة ضباطه، بالدرجة الأولى، فلابد عندئذ من تقديم رشوة ليس فقط لشمل الإسلاميين الحرامية تحت حماية الجيش، بل للإسراع بتنفيذ التدخل العسكري ضد الشباب المقصدهم "تسقط بس".
(2)
ومن ثم يأتي دور المال، بالملايين الدولارية، لرشوة هؤلاء كبار الضباط في الجيش، ربما جميعهم، خاصة وأن صلاح قوش طلع فشنك.
ونعلم أن بلايين الدولارات المنهوبة موجودة عند هؤلاء الإسلاميين في حساباتهم الخاصة، وفي حسابات أبنائهم وبناتهم.
ونعرف من التجربة أن الرشوة تقنية إسلامية لها فقه متكامل، وقد استخدمها الإسلاميون من قبل، لرشوة الفريق سوار الذهب والفريق تاج الدين، لتسويغ تدخل الجيش في زخم الانتفاضة ووأدها، وعند تشكيل المجلس العسكري الانتقالي، وبعد ذلك برشوتهم هذين الجنرالين بالمال العربي الإسلامي الأجنبي، في هيئة أمان السودان، ومنظمة الدعوة الإسلامية، وهما كيانان للحركة الإسلامية السودانية أسهما في التخطيط لانقلاب الحركة الإسلامية في 1989وتنفيذه والدفاع عنه.
واستخدم الإسلاميون الحرامية الرشوة كذلك لتطويع عمر البشير، ليسمح باستمرارية صناعة الفساد، وليحميها، من موقعه كالقائد العام للقوات المسلحة.
بث الخرافات الإسفيرية عن الجيش
(1)
لقد ظل الإعداد السري والعلني لتسويغ تدخل الجيش يسير على قدم وساق منذ بداية الحراك الشعبي وبروز الشباب بقوة غير معهودة. وظهر توافق غريب في الخطاب لتسويغ تدخل الجيش، من قبل جهاز الأمن، وهو أمر مفهوم، ومن قبل بعض السياسيين المعارضين، مثل ياسر عرمان، وهو كان أمرا غريبا، سآتي إليه.
وانتشرت في الأسافير خرافاتٌ وأكاذيبُ وأوهامٌ وخدعٌ، منها أن في الجيش أملا كبيرا للانحياز إلى جانب الجماهير؛ وأن الجيش حمى المتظاهرين؛ وأن الجيش وقف على الحياد أثناء بعض المعارك بين المتظاهرين والشرطة؛ وأن الجيش ضرب الشرطة ورجال الأمن وقوفا منه مع المتظاهرين؛ وأن الجيش تكبد خسائر في الأرواح شهيدين، في القضارف؛ وأن الجيش رفض الانصياع للأوامر العليا لضرب المتظاهرين.
وكله كان محض كذب بوقاح.
وحتى أحداث بورتسودان عن تأديب قوات الجيش لعناصر جهاز الأمن قليلة الأدب لا تعني شيئا، زيتهم في بيتهم، مجرد شكلة حرامية.
(2)
ومن الأكاذيب الخبيثة أيضا أن ضباط الجيش من عميد إلى فوق "يضحكون" على عمر البشير، وأن الجيش يريد إنقاذ السودان من "الكيزان"، وهذه الأكاذيب كانت من خدع جهاز الأمن التي روج لها الشاب مصعب الضي بشارة، من موقعه في المملكة العربية السعودية.
...
(3)
وأخيرا جاء الحديث عن "مجلس عسكري"، من مقترحات مبارك الفاضل وغازي صلاح الدين، في مجموعة الـ 22 حزبا من الانتهازيين الهاربين، ليس في أي حزب منها أكثر من شخص أو ثلاثة.
ثم ظهر حديث د. الواثق كمير، عن احتمالية دور الجيش كالآلية الوحيدة لانتقال السلطة. وغيره كثير من نوع الترحيب بتدخل الجيش، تحت ستار المعقولية والبراغماتية والسوسيولوجيا.
الأسباب الحقيقية للتدخل المحتمل من قبل الجيش
(1)
فإن تَدَخَّلَ الجيشُ، وهو الاحتمال الغالب، سيكون تدخله قصد تحقيق أهداف محددة ومرسومة، وهو أصلا، كجيش، لا يتحرك لتنفيذ عملية من عملياته إلا وجلس القادة العسكريون سبقا لتحديد الغرض النهائي من العملية المزمعة، وأهدافها، والاستراتيجيات التي تقود إلى الأهداف المرسومة، ولبيان التكتيكات كالأفعال المفضية إلى تحقق المخرجات المرغوبة.
(2)
لا يوجد كيان آخر يضاهي قدرة الجيش في تخطيط المشروعات وتنفيذها، بقوة السلاح وبالاحتيال والخداع والتدليس، ولنا عبرة ودروس من كل العسكريين الذين حكموا السودان، جميعهم استخدموا قدراتهم في التخطيط، وفي أمور الخداع والاحتيال، من عبود، إلى النميري، إلى سوار الذهب، إلى عمر البشير.
(3)
ولا يتدخل الجيش إلا لسبب، ومن ثم يصبح الأمر مجرد تقنيات يعرفها الجيش، حيث تتداخل الأسباب مع الأهداف، وقد تظهر أهداف إضافية في سياق دوران تنفيذ الخطة المرسومة.
وتشمل الأسباب الرئيسة للتدخل المحتمل من قبل الجيش، وجوهرها الخوف من الشباب وما يمكن أن يفضي إليه انتصارهم على نظام الإنقاذ:
(1) ضمان بقاء واستمرارية الدولة العميقة؛
(2) ضمان عدم التجريد من الأرصدة والممتلكات المنهوبة؛
(3) ضمان عدم الملاحقة القضائية بشأن الجرائم المقترفة.
فأعرض لكل سبب على حدة:
أولا، ضمان بقاء الدولة العميقة
سيتدخل الجيش قصد ضمان الإبقاء على استمرارية الدولة الإسلامية العميقة، كما هي، بذات كياناتها المؤسسية، وتركيبتها البشرية، وممارساتها، وفلسفتها، وأحيانا بذات قياداتها من الصف الأول أو الثاني. ويشمل ذلك ما يلي:
(1)
ضمان بقاء الجيش نفسه، بتركيبته البشرية الراهنة، خاصة تركيبة الضباط الإسلاميين، والجيش أهم كيانات الدولة العميقة، ومعه القوات النظامية الأخرى، مثل الشرطة، لتواصل الاضطلاع بذات دورها في حماية الإجرام والفساد، وكله بين يدينا في الأرشيف؛
(2)
ضمان بقاء جهاز الأمن كما هو، بعد طرد صلاح قوش، ليس بسبب أنه تصاعدت الكراهية الشعبية ضده، أو بسبب ثبوت تورطه الشخصي في توجيه قواته لتقتيل المتظاهرين، أو استخدامه القناصة لوضع حد لحياة أطفال وشباب محددين تم انتقاؤهم للقتل الاستهدافي، أو توجيه صلاح قوش وتشجيعه جنوده لاستخدام عربات الجهاز لدهس المتظاهرين، من بنات أفكاره كإرهابي.
فكل هذه الأفعال الإسلامية الدنيئة يحمدها له الجيش، المليشيا الإسلامية. لكن طرد صلاح قوش سيكون بسبب فشله في احتواء الحراك الشعبي المهدِّد لمصالح كبار الضباط الإسلاميين أنفسهم.
وفشل صلاح قوش هو الذي يُدخل الجيشَ الآن في ورطة تدخل يراه كبار الضباط ضروريا، لكن كبار ضباط الجيش لا بد قلقون من أن الشباب سيلحقون بهم الهزيمة الماحقة في أية مواجهة، خاصة وهم ضباط الجيش في حياتهم لم يواجهوا كيانا مخيفا مثل الشباب غير المسلحين، وكانت كامل خبرة الجيش في تقتيل المدنيين في قراهم الآمنة، وفي قصف شعب النوبة من الأجواء، وفي مناوشات مع حركات مسلحة لا يؤبه لها.
(3)
ضمان بقاء السلطة القضائية الفاسدة، بعد طرد أي رئيس للقضاء وربما أحد نوابه. ونحن نرى السلطة القضائية لابْدة مُتَمسكِنة تتربص، وعاملة لا سامعة لا فاهمة. ويريد قضاتها الفاسدون رؤساء العصابات للجريمة المنظمة في تجارة القرارات القضائية ألا يحدث تفكير في حل السلطة القضائية.
لكن حل السلطة القضائية الفاسدة آت، ومن ثم يريد الجيش بتدخله قطع الطريق على هذا المصير، وفيه تسريح قضاتها الفاسدين وهم الأغلبية الساحقة من القضاة، والجيش يحتاج هؤلاء القضاة الفاسدين، بشأن جرائم فساد الضباط، وبشأن عقد محاكم صورية للمتهمين في الجرائم العالمية، لتجنب اختصاص المحكمة الجنائية الدولية.
(4)
ضمان استمرارية ذات التركيبة البشرية في المؤسسات التي تسيطر فيها عضوية الحركة الإسلامية، وهي جميع مؤسسات الدولة الأخرى.
...
فعند تدخل الجيش، ستنتشر قواته في العاصمة وبقية المدن، لحراسة المؤسسات الإسلامية قصد حمايتها من العنف الثوري المشروع، والمتوقع، لاجتياحها واحتلالها والاستيلاء على أوراقها التي فيها بينات صناعة الفساد الإسلامية.
واليوم لابد أن الإسلاميين في هذه المؤسسات الحكومية والمصرفية منهمكون في تدمير الأوراق التي فيها بينات فسادهم. لكن ذلك لن يفيدهم في شيء، فالأوراق مستنسخة ونصوصها متناصة مع نصوص أخرى ليست تحت سيطرة هؤلاء الفاسدين.
وسينتج الجيش المتدخل خطابا احتياليا فيه فزاعات فوضى العراق واليمن وليبيا وسوريا، لتبرير تدخله وحمايته مؤسسات الإسلاميين.
ثانيا، ضمان عدم التجريد من الأرصدة والممتلكات المنهوبة
(1)
سيتدخل الجيش لضمان احتفاظ الإسلاميين بالأرصدة والممتلكات التي نهبوها، وهي في مئات مليارات الدولارات، فكافية كذلك لاقتطاع القليل منها لرشوة كامل قيادة الجيش، وصف الضباط، للتحرك و"الانحياز للشعب"، وهو الانحياز لمصلحة الإسلاميين ولمصلحة هؤلاء كبار الضباط.
سيستخدم الجيش ذات خدعة عفا الله عما سلف، وتقنية "التحلل" على الطريقة الإسلامية، وسيجرد الجيش بعض صغار حرامية الإسلاميين، من ناس الخمسين مليون دولارا، الذين تحدث عنهم مبارك الكودة، فداء رمزيا لكبار الهمباتة الإسلاميين أصحاب المليارات من الدولارات، وهم في عداد المئات.
(2)
وبشأن الأرصدة والممتلكات المنهوبة، سيَصْدُر الجيش من موقف يتصنع فيه البراءة، أن ضباط الجيش لا علاقة لهم بفساد.
لكنا نعلم كما يعلمون أن كبار ضباط الجيش والصف من عقيد إلى أعلى متورطون، أغلبهم، في صناعة الفساد الإسلامية.
ثالثا، ضمان عدم الملاحقة القضائية على الجرائم العالمية والخطيرة
(1)
سيتدخل الجيش لضمان عدم إجراء أية محاكمات بشأن الجرائم العالمية (الإبادة الجماعية، الجرائم ضد الإنسانية، جرائم الحرب، المفظعات من نوع التطهير العرقي والتعذيب)، خاصة وأن المتورطين فيها ليسوا فقط عمر البشير وأحمد هارون وعبد الرحيم محمد حسين، من قادة الإنقاذ الحاضرين، بل من بين المتورطين مئات كبار الضباط في الجيش، وهنالك المنفذون المباشرون لهذه الجرائم من طيارين وضباط صف، وجنود.
جميعهم هؤلاء ضباط الجيش يخافون أية سيرة لمحاكمات بشأن هذه الجرائم التي اقترفوها ضد المدنيين في مجموعة النوبة، وفي دارفور ضد مجموعات الفور والزغاوة والمساليت، وفي جنوب السودان، بما في ذلك في شمال بحر الغزال، وفي مدينة واو، وجوبا، وغيرها.
فالجيش حين يتدخل، سيكون بمقدوره منع تقديم أي من ضباطه، أو من المدنيين الإسلاميين، للمحاكمة على مثل هذه الجرائم العالمية، ربما باستثناء بضعة أنفار صغار أشقياء، وسيتم تقديمهم لمحاكمات صورية لكف العين.
(2)
باختصار، يتلخص الأمر في أن الجيش له مصلحة حقيقية فيما سيسميه بالخداع "الانحياز" للجماهير، وهو الانحياز بالتدخل المدفوع بالخوف:
(1) خوف ضباط الجيش من الملاحقة القضائية بشأن الجرائم العالمية، وضباط الجيش متورطون فيها كلية؛
(2) خوف ضباط الجيش من التجريد من الأرصدة والممتلكات المنهوبة، وضباط الجيش مشاركون في النهب والهمبتة؛
(3) خوف ضباط الجيش من تفكيك الدولة العميقة، وفيها مؤسسة الجيش، من كياناتها الرئيسة، وحيث يمثل الضباط الإسلاميون الأغلبية الساحقة من الضباط من مستوى فريق هبوطا حتى مستوى النقيب، بل لا يوجد في الجيش إلا عضوية الحركة الإسلامية.
كيفية مقاومة الجيش بعد أن يتدخل
(1)
فالذي أريد للشباب أن يعوه، وأن يتفكروا فيه، وأن يخططوا له، مبكرا، هو "الجاهزية لمقاومة الجيش، إن هو تدخل"، مقاومته بقوة ذات تلك الجموع الشبابية المتراصة الأجساد الواقفة، من الشابات والشباب، بدون سلاح، غير سلاح العزيمة وسلاح أخلاقية المقاومة، قصد إلحاق الهزيمة الماحقة بهذا الجيش، في مخططه المتوقع تنفيذه قصد حماية الدولة الإسلامية الإجرامية الفاسدة.
(2)
وقد كتبتُ قبل عامين عن الدرس للسودانيين المقاومين، الدرس من التجربة التركية في مقاومة الجيش وهزيمته، وكله كان حدث أمام أعيننا مصورا بالفيديو من تركيا.
يختلف وضع المقاومة الشبابية السودانية عن وضع المقاومة الشعبية من قبل الإسلاميين في تركيا، حيث هزم الإسلاميون الأتراك، الأبطال، لا يهم أن أردوغان دكتاتور مغرور، هزموا بأجسادهم العارية الجيش التركي العلماني الشرير، وردوه على أعقابه.
ومع ذلك، يبقى الدرس المتعلم من تركيا أنه يمكن للمقاومين المدنيين في السودان هزيمة الجيش المليشيا الإسلامية، حتى بدباباته وعرباته المدرعة وبنادقه وبخداعه.
تفكيك خرافة الجيش
(1)
ولأن المقاومة الأخلاقية ضد الجيش محلها الأساس في الدماغ، يتعين على الشباب تفكيك خرافة "الجيش"، التي زرعها في عقولهم النظام القديم، التفكيك بالتفكر في ماهية هذا الجيش، واستحضار ماضيه الدموي الإجرامي، واستبداده، وفساده.
وليتذكر الشباب المقاومون دائما أن الإسلاميين جردوا هذا الجيش من كل ما كان تبقى له، حتى من خرقة شرف عسكري مدعى ذات قدود يتخفى بالكذب من تحتها ضباط هذا الجيش.
(2)
وليتذكر الشباب أنه جيش تشكل بطريقة جديدة معينة، في عهد الإنقاذ، تحديدا لحماية الدولة الإسلامية الشمولية. وأنه كان دائما ضالعا في صناعة الفساد.
وثابت أنه جيش ثَبَّت عقيدتَه العسكرية لتكون اقترافَ المفظعات الجماعية من كل نوع، في منطقة النوبة، ودارفور، وجنوب السودان، واليوم كذلك عبر الحدود الدولية، حيث يعمل ضباط وجنود هذا الجيش المليشيا مرتزقة لدى شيوخ الخليج في حربهم الإجرامية ضد شعب اليمن.
رسالة إلى ضباط الجيش
ولضباط الجيش أقول:
(1)
لا يريد الشعب انحيازكم، ولا صداقتكم، ولا تحشركم في الأمر السياسي.
(2)
يرفض الشعب تدخلكم، بانقلاب أو بغير انقلاب.
....
(5)
باختصار، أيها الضباط الإسلاميون وأنتم كامل عدد الضباط جميعكم من عضوية الحركة الإسلامية السودانية، في الجيش -- يريد الشعب ابتعادكم عن الصراع السياسي الدائر، حيث لم يعذب الشعب كيان مثلما عذبتموه أنتم.
وبلغة أخرى، أكثر وضوحا، يريد الشعب السوداني من هذا الجيش، وهو اليوم في هذي هيئة المليشيا الإسلامية، أن يغرب عن وجه السودانيين، فيما يتعلق بالسياسة، ريثما يرتب السودانيون أمرهم السياسي، مما قد يأخذ عدة أعوام.
(6)
وفي هذه الأثناء، يريد الشعب أن يسعى هذا الجيش إلى ما يمكنه فعله لإصلاح ذاته، على مستوى الشرف العسكري، وعلى مستوى الأخلاق، وعلى مستوى شحذ القدرة على التفكير.
ثم أن ينتظر قادة هذا الجيش تلقي أوامر الشعب، بشأن ما يتعين على الجيش تنفيذه، وبشأن مستقبله كجيش، وهو مستقبل سيتم تقريره من قبل السياسيين، نعم في سياق الاستشارة مع الضباط والجنود، الاستشارة العلنية المستندة على الحجة والوقائع والمعرفة والتاريخ، لكن القرار النهائي سيكون بيد ممثلي الشعب المنتخبين.
(7)
وإلا يصبح صحيحا، بقوة إثبات إضافية، تكييف هذا الجيش بأنه شركة إسلامية مخصصخة، فله، كشركة، تجارته الخاصة في منظومة شركات الفساد الإسلامي، ومن أعمال هذه الشركة التجارية الارتزاق لدى شيوخ العرب.
وكذا يصبح صحيحا استحضار أن هذا الجيش المليشيا الشركة يظن أن من حقه الإلهي أن يتأمر في الشعب السوداني، وأن يستخدم قوة السلاح والتهديد بها، ضد الشعب، لضمان حماية مصالح طبقة الضباط الإسلاميين، ومصالح الإسلاميين المدنيين المُعَسكَرين، وهم دائما ذاتهم الهمباتة قطاع الطرق المرابطين في مؤسسات الدولة.
...
....
...
....
مهام الشباب إزاء التدخل المحتمل من قبل الجيش، هي:
...
(3) سلمية المقاومة ضد الجيش إذا تدخل
إعداد استراتيجيةَ وتكتيكاتِ المقاومة السلمية ضد الجيش، وهي "سلمية" في شراسة، ولن تعني سلمية مجرد الجلوس على الأرض والهتاف سلمية سلمية، أمام جيش سيسعى بقوة العنف المسلحة لفرض أمر واقع خلقه الجيشُ ذاته بتدخله، المحتمل الآن.
علما أن الذي سيهزم الجيش، إن هو تدخل، هو ما يفتقده هذا الجيش، العزيمة والأخلاقية، وهما عصب المقاومة الشبابية.
وليعلم الشباب أن إعداد التكتيكات لمقاومة الجيش لا يكون سبقيا إلا على سبيل التخمين، بل تتفتق عبقرية الشباب عن التكتيكات الملائمة والضرورية أثناء وقوع الحدث، بعد نقطة بداية تدخل الجيش، ومن هنا قيمة التفكير، والقدرة على التفكير، في وقته، في لحظة الحدث.
ذلك بعد أن يكون الشباب تدارسوا فيما بينهم، في مجتمعاتهم المحلية، حول الجيش المتدخل وكيفية مقاومته قصد إلحاق الهزيمة به ورده إلى ثكناته.
ولا يعني ذلك البتة استخدام أي سلاح ناري ضد هذا الجيش، بل تظل المقاومة الشرسة بقوة جموع الأجساد المتراصة من الإناث والذكور، بذات أسلحتها المجربة الثابت مضاؤها حتى هذه اللحظة، وبتقنيات سلمية إضافية يُتفكر فيها في لحظتها.
وفي جميع الأحوال، لا يوجد كيان مسلح في السودان قادر على إخافة الجيش أو هزيمته على الأرض إلا مليشيات حميدتي، كما يروج لها أدعياء أشقياء، لكن مليشيا حميدتي ذاتها ستكون موضوع المقاومة من قبل الشباب، إن هي تجرأت على أي تدخل من أي نوع.
وحيث يريد الشباب تسريح هذه المليشيا الإجرامية بقيادة حميدتي، التي روعت الشباب من عدة دول مجاورة، بفرية حراسة الحدود، وكان كامل أمرها عمالة للأجنبي الأوربي مقدم الرشوة للإسلاميين في نظام الإنقاذ، وسيكون تسريح مليشيات حميدتي أحد أول القرارات الثورية، في معية قرار تسريح مليشيات الجيش في اليمن.
وكله في سياق التفكير في العلن، وبعلانية عملية التفكير ذاتها، في مساراتها الحاضرة.
(4) التوعية والتعلم عن حقيقة الجيش
توعية الشباب أقرانَهم ومجتمعاتهم المحلية بخطر الجيش، وبأن الجيش كان دائما، كمؤسسة، عدوا للشعب السوداني.
نعم، أدرك أن هذه العبارة قد تبدو غريبة لدى القراء، بسبب تغلغل الخرافات عن الجيش في الأدمغة. لكنها عبارة محتواها صحيحٌ، وهي مركوزة في الوقائع الموجودة في الأرشيف، وفيها الحقيقة المخفية، فخلال الثلاثين عاما الماضية كان الجيش هو المسؤول الأول، عبر ضباطه خيرة نخبة الحركة الإسلامية، عن تخطيط وتنفيذ الجرائم العالمية في منطقة النوبة، ودارفور، وجنوب السودان، وفي اليمن، وكذا في تثبيت نظام الإنقاذ.
وهذا هو معنى تكييف هذا الجيش عدوا للشعب، وإلا كان أهلنا في دارفور وفي منطقة النوبة، وفي جنوب السودان من غير الشعب، وإلا كانت عمليات الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية مجرد كلام خامل.
وليست هذه التوعية للشباب عن حقيقة الجيش من نوع شحن العقول بالمعلومات، بل هي عملية تَعلُّم الشباب كيفية التحقق بأنفسهم عن ماهية وضعية الجيش، وطبيعته، وتاريخه، وممارساته، ودوره في دعم الاستبداد، وماضيه الدموي الإجرامي، وما إذا كان حقيقة صديقا أم عدوا للشعب السوداني.
....
...
هنا فقط، بمثل هذا التفكر والتأمل والتقصي عن "حقيقة الجيش"، يستطيع الشباب الوصول إلى الحقيقة بأنفسهم، وفي ذلك يتحررون من الخرافات التي ظل يتم بثها عن الجيش، خاصة من قبل المثقفين كتاب السلطان، وكذلك حتى من ياسر عرمان (انظر بيان ياسر في 25 ديسمبر عن ترحيبه بانحياز الجيش للجماهير واستلام السلطة، "لتحقيق التغيير المنشود"!)
...
وليست مهمة تماما السيناريوهات التي فصَّلها د. الواثق كمير، فالمسألة لم تعد تحديد تقنيات كيفية "انتقال السلطة"، بل المهمة الأساس هي ملاقاة احتمالات وإمكانية "البداية الجديدة"، لإنشاء السودان، "من أول وجديد". وحسنا فعلت الإنقاذ أنها لم تسقط مباشرة، وفي تشبثها بالسلطة جعلت الإنقاذ الشباب أكثر راديكالية، لأنهم فهموا بصورة أكثر وضوحا وحشية الإسلاميين.
...
...
المقال الثاني: د. الطيب زين العابدين ودعوته إلى انقلاب عسكري
(1)
فجميع الإسلاميين، خاصة المثقفين المتحللين، يريدون تدخل الجيش، لأسباب واضحة. والأسباب هي أن الجيش مليشيا إسلامية، فمن ناسهم، حقهم، ولأن الجيش عدو الشعب، اسأل الفور والنوبة وشعوب جنوب السودان، والإسلاميون ثابت عداؤهم ضد الشعب، وأن هذه المليشيا الإسلامية لن تتدخل إلا لحماية هؤلاء الإسلاميين، ضد الشعب.
(2)
تتمثل حماية الإسلاميين في حمايتهم من الملاحقة القضائية، على جرائمهم الخطيرة؛ وفي حمايتهم من التجريد من الأرصدة والممتلكات التي نهبوها.
بالإضافة إلى حمايتهم على مستوى ضمان بقاء "الدولة الإسلامية العميقة"، كما هي، دون تغيير، بعد طرد عمر البشير وزمرته.
(3)
والدولة العميقة موجودة في الجيش ذاته، وجهاز الأمن، والسلطة القضائية، والنيابة الفاسدة، والشرطة، وفي القطاع الاقتصادي العام والخاص، بل في كامل مؤسسات الدولة، وهي ليست إلا سيطرة عضوية الحركة الإسلامية وهيمنتها على هذه المؤسسات، وجميعها مؤسسات فاسدة.
(4)
خذ مثالا، لفساد هذه الدولة العميقة، المؤسسات المتورطة في التخطيط لمذبحة أحمد الخير، وتنفيذ هذه المذبحة، والتغطية عليها، لتجد أن جميع كيانات نظام الإنقاذ، بولاية كسلا، كيانات إجرامية وفاسدة، من مكتب الوالي، إلى جهاز الأمن، إلى النيابة، إلى الشرطة، إلى المستشفى، إلى نقابة المعلمين.
وضف إليها، بشأن مذبحة أحمد الخير، فساد النيابة العامة في الخرطوم، وفساد مستشفى القضارف، وفساد الإعلام الحكومي وشبه الحكومي، وفساد رئاسة جهاز الأمن، في مجال التزوير وبث الأكاذيب، للتدليس على حقيقة مذبحة أحمد الخير.
(5)
لقد برر د. الطيب تدخل الجيش، وزيَّنه، على هذا النحو التالي:
(أن يدرك الجيش السوداني أن النظام قد فقد شرعيته السياسية التي يدعي كسبها في الانتخابات، وأن الحراك الشبابي الضخم هو الذي يمتلك الشرعية الشعبية بحق، وأن استمرار الأوضاع المضطربة كما هي خطر على كل مؤسسات الدولة بما فيها القوات النظامية. ويتوجب عليه [الجيش] حينئذ أن يتدخل لإزاحة هذا النظام الذي استلم السلطة بانقلاب عسكري واستدامها بالبطش والاستبداد ونهب الأموال، وذلك حماية لأمن المجتمع السوداني من انتشار الفوضى والعنف اللذان يمثلان خطراً حقيقيا على البلاد كما حدث في بلاد أخرى.)
(6)
فاحتيال د. الطيب زين العابدين ثابت في نص الفقرة أعلاه. وهو احتيال بالكتابة، حيث نجد الخداع والتدليس، كالخصيصتين الرئيسيتين في كامل نص مقاله.
أولا،
يسوغ د. الطيب تدخل الجيش "لإزاحة هذا النظام"، بحجة أن النظام "استلم السلطة بانقلاب عسكري".
فخدعة الطيب هنا، هي ادعاؤه الكاذب أن تدخل الجيش لن يكون هو أيضا "انقلابا عسكريا"، وإلا كانت حجته مغالطة بليدة.
ثانيا،
يبرر د. الطيب تدخل الجيش بأن النظام استدام سلطته الانقلابية "بالبطش والاستبداد ونهب الأموال".
وهنا نجد أن الغش الذي يستخدمه الطيب مضحك في سذاجته، فلكأن الجيش ذاته لم يكن هو ذاته الجيش الذي دعم بطش ذات هذا النظام، واستبداده، ونهبه الأموال، على مدى ثلاثين عاما، وحتى قبل أيام قليلة.
ولكأن الجيش، ممثلا في الشريحة الطبقية لكبار الضباط والمجموعة الوسطية منهم، وجميعهم إسلاميون، لم يشارك في نهب الأموال العامة. علما أن الفساد في القوات المسلحة من العلم العام لا يستدعي تقديم أي دليل.
ثالثا،
أما الاستهبال الأكبر، والاستهبال من تقنيات الاحتيال في كتابة الإسلاميين، فهو أن د. الطيب يقول، دون إفصاح، إن الجيش ليس جزءا من النظام المطلوب إزالته. أي، إن الجيش، في كلام الطيب، خارجي على النظام، فوق هناك، في السحاب.
(7)
مسكين د. الطيب، لأن زملاءه المثقفين الإسلاميين المذعورين، في السودان وعبر الحدود الدولية، وقد توزعوا الأدوار بينهم، لصناعة الخبث، تركوا للطيب مهمة الدفاع الصريح، بالواضح، عن لزوم تدخل الجيش، بانقلاب عسكري، لكي يفهم الجيش.
أما د. عبد الوهاب الأفندي، وهو إسلامي حريف، فقد خص نفسه بدور محاولة دغدغة مشاعر الشباب، أن قيادة الجيش عندها "رؤية" للتغيير، وبقية كلامه الفارغ معروف.
(8)
هؤلاء الإسلاميين يرهقوننا، لكن يجب أن نتصدى لكل كلمة يأتون بها، ونحن نعرفهم بصورة جيدة الآن، وقد خبرناهم ثلاثين عاما، ويزيد، إلى عشرين عاما، وأكثر، وهم لم يتغيروا شيئا، إلا في أنهم نجحوا في تأسيس الفساد والإجرام وإقامة صروح للاحتيال الإسلامي غير متصورة.
(9)
هدفهم اليوم واحد، وهم موحدون حوله، هو تدخل الجيش، بانقلاب عسكري، لإنقاذهم من ثورة الشباب، ومن ثم تطبيع الحركة الإسلامية، قصد بقائها في الحكم إلى الأبد، بعد القذف بالشريعة في سلة المهملات، باعتبار الشريعة "صناجة" ساكت، خاصة وقد صورا لأنفسهم أن الشريعة ستضيع عليهم صناعة الفساد بأكملها.
(10)
أما ذلك حديث د. الطيب بفزاعة الفوضى والدول الأخرى، فمن سخفه وتفاهته حديثٌ لا يستحق الرد عليه.
(11)
أُذَكِّر الإسلاميين، وأُذَكِّر ضباط الجيش، أن الجيش موعود بالمقاومة الشرسة من قبل الشباب، إن هو جرَّب أن يتدخل، بانقلاب عسكري أو بغيره من حركات، وأنه، الجيش، المليشيا الإسلامية، وقد ظل دائما عدوا للشعب، سيمنَى بهزيمة ماحقة، إن هو تدخل، وحيث يعلم الشباب أن تدخل الجيش لا يكون إلا لوأد ثورة الشباب.
فليجرب الجيش أن يتدخل، وسيرى.
….
عشاري أحمد محمود خليل
ushari@outlook.com