نظرات حول التنوع الثقافي والدستور

 


 

 

 


alshiglini@gmail.com

التنوع الثقافي الموجود في ما تبقى من وطن بعد انفصال جنوبه في صيف عام 2011. قد يعتبره المتفائلون ميزة إيجابية، تزيد ثراء الوطن بمكوناته المتعددة، أما المتشائمون فيعتبرونه مزالق تناحر وحروب تفضي في الغالب الأعم إلى انقسامات في الدولة الواحدة، وتحتاج
لقوانين دقيقة لتبني أنظمة حكم ديمقراطي، تجد فيه الأقليات نصيبها من التميّز، الذي تفضي إلى فيتو يحقق القبول المجتمعي لقومية ليس لها أغلبية. وقد يتفق معنا الكاتب " روبرت أ.دال" على أن التنوع الثقافي يتطلب الكثير من الحيطة والحذر تجاه أي مناهج الديمقراطية أنسب. ويصبح سؤال الهوية إنكاء لجراح أكثر منها إجابة عن سؤال.

لم يكن صراع الهوية مجدٍ، لأنه لا أحد يرغب في تغيير هويته. ومجرد طرحها للنقاش، لا يغير من طبيعة الأقليات الثقافية، وفي ذات الوقت تتطلب كل دولة أن تكون حاملة هوية اللغة أو اللغات الرسمية. وهو ما يضاد تكوين الهويات الضعيفة سكانياً. أما سيطرة الثقافة الغالبة فهو شر مطلق.

ويحدث الآن في نظام الإخوان المسلمين في السودان. فهو يفرض ثقافة جهة ذات فكر ديني ليصبح ثقافة الوطن، وحتى الإخوان لم تكن تحظ إلا بثقافة محدودة في وطن شاسع بتعدد ثقافاته. لم يكن لهم رؤية في الاقتصاد أو التعليم أو الاجتماع. وكان الفن والموسيقى غائبتان عن برنامجهم، وذلك عن جهل، وقد اضطروا لذلك.


(2)
نتفق مع ما" كتب " روبرت أ. دال "، في كتابه (عن الديمقراطية )، و ترجمة دكتور" أحمد أمين الجمل"،عن الكثير من المحاذير تجاه تبني نهج ديمقراطي، يناسب هذا التنوع الكبير. فكتب عن ذلك:

المنازعات الثقافية للأقليات:
إن نشوء واستمرار المؤسسات الديمقراطية أكثر احتمالاً في دولة متجانسة إلى حد كبير وأقل في دولة بها ثقافات شديدة الاختلاف ومتنازعة. والثقافات المميزة تتكون عادة حول خلافات في اللغة والدين والجنس والهوية العرقية والاقليم. وفي بعض الأحيان، الأيدولوجية، والأعضاء يشتركون في هوية عامة وروابط عاطفية، ويفرقون بشدة بين " نحن" و "هم" ويلجئون إلى الأعضاء الآخرين في مجموعتهم في علاقاتهم، الشخصية الأصدقاء والأصحاب والأزواج والجيران والضيوف. وكثيراً ما يشتركون في احتفالات وطقوس تبين حدود مجموعتهم إلى جانب أشياء أخرى. ومن خلال هذه الطرق وغيرها قد تصبح الثقافة أسلوباً للحياة بالنسبة لأعضائها، دولة داخل دولة، أمة داخل أمة. وفي هذه الحالة يكون المجتمع مقسماً رأسياً.
ويمكن أن تنفجر المنازعات الثقافية في المعترك السياسي، وهي تفعل ذلك عادة : بشأن الدين واللغة، وما ترمز إليه الملابس في المدارس مثلاً، أو المساواة في الحصول على التعليم، أو ممارسات تفريقية من جانب إحدى المجموعات ضد أخرى. أو ما إذا كانت الحكومة يجب أن تدعم الدين أو المؤسسات الدينية وفي هذه الحالة أيها وبأي الطرق أو الممارسات لمجموعة تجدها مجموعة أخرى مهينة جداً وترغب في منعها ، مثل الإجهاض وذبح الأبقار أو الملابس غير المحتشمة ، وكيفية توافق الحدود السياسية والإقليمية مع رغبات أو مطالب المجموعة، وهكذا.
فالمعتقدون في ثقافة معينة ينظرون إلى مطالبهم السياسية عادة على أنها مسألة مبدأ، معتقدات دينية أو شبه دينية عميقة والمحافظة على الثقافة والحفاظ على المجموعة، ونتيجة لذلك يعتبرون مطالبهم حاسمة جداً بحيث لا تسمح بأي حل وسط. وهي غير قابلة للتفاوض، ولكن في ظل عملية ديمقراطية سليمة تحتاج تسوية المنازعات السياسية إلى مفاوضات وتوفيق وحل وسط.
ولن يكون من المفاجأة أن نكتشف أن الدول الديمقراطية الأقدم المستقرة سياسياً قد أمكنها أن تتجنب المنازعات الثقافية الشديدة إلى حد بعيد، وحتى إذا كانت هناك خلافات ثقافية كبيرة بين المواطنين، فقد سمحوا بصفة عامة لخلافات أكثر قابلية للتفاوض في الأمور الاقتصادية مثلاً، لتتغلب على الحياة السياسية أغلب الوقت.
توجد قلة من الاستثناءات ولكنها قلة. لقد كان التنوع الثقافي ملحوظاً بصفة خاصة في الولايات المتحدة وسويسرا، وبلجيكا وهولندا وكندا ،ولكن إذا كان التنوع يهدد بتولد منازعات حضارية مزمنة، فكيف أمكن المحافظة على المؤسسات الديمقراطية في هذه الدول؟.
إن خبرتها رغم تنوعها الشديد، تبين أنه في دولة تكون فيها جميع الظروف الأخرى ملائمة للديمقراطية يصبح من الممكن التعامل مع العواقب السياسية الضارة للتنوع الثقافي.


(3)
الخلافات الثقافية يخرجها التنافس السياسي ويزيد نارها اشتعالاً. وقد يلجأ السياسيون مدفوعين بالعائدات السهلة التي تقدمها الهويات الثقافية الغالبة إلى إثارة العداوات الكامنة بينهم.
وعندما تكون الفوارق الثقافية أعمق ولا يمكن حلها بالتوافق، فليس أمام المجموعات الثقافية إلا فصل أنفسهم إلى وحدات سياسية مختلفة، وقد يكون الحل بإبداع نظام فيدرالي ان تتمتع بإقليم أو وحدات ذات استقلال ذاتي. وقد نجحت سويسرا في خلق نظام فيدرالي، وأغلب أقاليمه متجانسة ثقافياً إلى حد كبير، فقد كانت إحدى الأقاليم ناطقة بالفرنسية وكاثوليكي والآخر ناطقاً بالألمانية وبروتستانتي، وسلطات الأقاليم كافية للاحتياجات الثقافية. ورغم أن الحل السويسري هو المفضل فيجب على المواطنين، رغم تقسيمهم إلى وحدات مستقلة ذاتياً، أن يكون لهم هوية قومية وأهداف وقيم مشتركة، من القوة بحيث تحافظ على المنظومة الفيدرالية.


(4)
إن تدريس اللغات الخاصة بالثقافات الضعيفة سكانياً، في مراحله، قد تبدو دعوة لتساوي أهل تلك الثقافات بجميع المجتمعات الغالبة، ولكنها دعوة توفير دعم اقتصادي، يفوق قدرة الدولة الاقتصادية، أو قدرة الأقلية الثقافية، التي ترغب في تدريس لغاتها المحلية في المدارس الأولية، أو القفز بها إلى التعليم المتوسط. وهي وإن تيسرت فإنها تناقض فهم هوية الدولة التي ترغب في أن تكون هوية مجتمعها بلغة واحدة، وإن شمل أهلها حكم فيدرالي، يناسب الوطن.


(5)

نظرات حول الدستور المرتقب:
إن الدستور الإسلامي قاد لانقلاب مايو 1969 ، وظلت الإيديولوجية الدينية ترغب في دستور ديني ، وهو عنصر فشل في التئام القوميات تحت مظلة دولة ، تحفظ للتنوع الثقافي أن يمتد إلى وطن آمن ، يعيش أفراده دون تمييز ديني أو ثقافي. وأي دستور أو قوانين دينية ليس في مصلحة بقاء الدولة الواحدة ، فقد انفصلت دولة الجنوب من قبل.
في مصر أكثر من 3500 رسالة دكتوراه في القانون الدستوري . وعندنا في السودان قليل من التخصصات المشابهة ،إذ أن المحامين يركزون على الدراسات العليا في جوانب أخرى تخدم اقتصاد السوق. من المهم إنجاز دستور السودان الدائم قبل الانتخابات . ومعالجة أسس بلاء حكم الإخوان المسلمين تحتاج سنوات كثيرة.

تصور لمحتوى الدستور:
الدولة- المقومات السياسية للمجتمع – الحقوق والحريات العامة – سيادة القانون- نظام الحكم- الأحكام العامة.
القيم التي يتعين تفعيلها:
1. للدولة نظام ديمقراطي يأخذ بالتمثيل الحر والنسبي مناصفة، ونظام يقوم رئيس الوزراء بأعمال التنفيذ، بينما يقوم مجلس رأس الدولة من 8 أشخاص ، لكل واحد يمثل إقليم من اقاليم السودان، وهو سيادي ليس له في التنفيذ، يرأسه أحد كل ثلاثة شهور، وله في الأصوات صوتين في حالة تعادل الأصوات. والحكم الإقليمي حكم ذاتي وللسلطة المركزية القدرة على الرقابة والضبط.
2. فصل السلطة التنفيذية من التشريعية من سلطة القانون، وسلطة القانون هي الحكم.
3. إعادة قوانين 1972.
4. لشعوب السودان أديانهم: الإسلام والمسيحية وكريم المعتقدات. وهي عمل أهلي ليس للدولة عليه سلطان أو تمويل، بل تقوم بالتصديق على الأرضي والبنايات الدينية.
5. لمراحل الدراسة حتى الثانوية كتاب الأخلاق: ويحتوي على مبادئ الديانات الثلاث الإسلامية والمسيحية واليهودية ومبادئ عامة ومفصلة حول النظام الديمقراطي والأخلاقي واحترام الأعراق والمعاقين والأطفال ..الخ
6. الزكاة مشروع ديني أهلي، وليس للدولة شأن به.
7. القوات النظامية ليست سياسية ولا تشارك في الانتخابات وترأسها شخصيات منتخبة.
8. قوانين سب الأديان يجب التفريق بينها وبين النقد لتلك الأديان.
9. حريات عامة لتكوين المنظمات الأهلية والأحزاب ، وإنشا الصحف والنوادي غير العرقية .
10.ضبط تمويل الأحزاب التي تشارك الانتخابات داخلياً وخارجياً.
11.اعتماد قوانين حرية الرجال والنسا ء في الميراث والزواج والملكية وكافة القوانين ولا تقل نسبة تمثيل المرأة عن 30%.
12.تملك أي من الأفراد لقطعة سكن واحدة في أرض السودان.
13. توزيع الدوائر الانتخابية بناء على إحصاء السكان.
14.النظام الإقليمي يتبع للنظام المركزي في بعض جوانبه وسيادة المركز عليه.
15. للدولة لغة عربية وإنكليزية، يتم التدريس بها في كافة المستويات التعليمية.


عبدالله الشقليني
29 يناير 2019

 

آراء