لن تكون صفحة الانقلاب العسكري للإخوان المسلمين في السودان عام 1989، صفحة ناصعة . ولن يكون الهدف مبرراً للأسلوب، فقد شهدنا التكفيريين يقتلون ما يتيسر لهم من المدنيين الذين لا علاقة لهم بالأهداف، لكن الأسلوب يتم اختراعه ليناسب الأهداف. فقد كان خيار الإخوان في السودان إما أن يستولوا على السلطة وإما أن يقوموا بقتل رموز المعارضة، وترك الفوضى تعم البلاد. تلك عقيدة شديدة العداء للسودان الوطن ولمواطنيه. وقد بينت الأيام أن رفع صحائف الدين والشريعة، هي أستار تخفي رغبات التنظيم الإرهابي، وتستبين أن التنظيم يسرع نحو هيمنته على الدولة، لتكون ريع لعصابة الإخوان. ينزلقون إلى القساوة التي لم يواجههم بها السودانيون من شعب أو حكام من قبل، يقتلون ويعذبون ويغتصبون من أجل السلطة لأنها غنيمة سيحصلون عليها. ويستعبدون السودانيين ويستولون على الأرض وكنوزها . وسوف يستخدمون أموال الناس من أجل غاياتهم ويشيعوا الفساد، فهو طريقهم للثراء السريع.
لقد أرغمهم العالم أن يتبينوا سبيلاً، غير أخلاقي لوقف الهجمة الشرسة عليهم، فتدفقت المعلومات عن قبيل الإرهابيين من النظام السوداني إلى واشنطن، ومعهم الإرهابيين ينتقلون بطائرات من السودان إلى "غوانتنامو"، حيث السجون الخاصة التي لا علاقة لها بسجون أمريكا. وليت الهجمة توقفت، بل استفادت الإدارات الأمريكية على مدّ حبال الشنق لمسئولي السلطة السودانية بعد تخويفهم بتسليمهم للمحكمة الجنائية الدولية، رغم المفارقة أن أمريكا لا تعترف بالمحكمة الجنائية الدولية، وتوالي إصدار القوانين الخاصة لحماية الجنود الأمريكيين من المحاكمات!.
(2) في صفحة 110 في كتاب المحبوب عبد السلام (الحركة الإسلامية السودانية – دائرة الضوء -خيوط الظلام – تأملات في العشرية الأولى لعهد الإنقاذ):
فالمقر الذي أقام فيه نائب الأمين العام، يغشاه ليلاً قادة أجهزة التأمين من الرسميين الجدد والشعبيين القدامى، وتصدر عنه نهاراً القرارات الموصولة بقنوات مؤمنة إلى الجهات الرسمية الملتزمة، التي تتولى إصدارها الرسمي وإعلانها إن كانت تقتضي الإعلان والإشهار. وترد إليه شفاهة ليلاً تقارير الأمن والخوف في مسيرة تأمين الثورة وتمكين النظام، كما يصل إليه يومياً غالب عمل الحكومة الرسمي وتقاريرها وقراراتها.
(3) في صفحة 111 في كتاب المحبوب عبد السلام (الحركة الإسلامية السودانية – دائرة الضوء -خيوط الظلام – تأملات في العشرية الأولى لعهد الإنقاذ):
أحاط كذلك عمل أجهزة المعلومات والأمن بالجهاز التنفيذي الرسمي للدولة، وتولى أعضاؤه الملتزمون حراسة أبواب الوزراء وأبواب كبار المسئولين كافة في الأجهزة المركزية والأجهزة الولائية ( الإقليمية آنذاك)، وأصبحت وظيفة ( مدير المكتب) حكراً لعناصر الأجهزة الخاصة بلا منازع، فهم فضلاً عن طمأنة القيادة بأن كل شيء يجري أمام سمعها وبصرها ، يؤمنون قنوات الاتصال الفاعل السريع الذي يوافي شروط السرية والكتمان الذي كان مطلب المرحلة الأقصى، لكنه اتصل في الزمان مرسخاً أخلاق الدولة الأمنية المجافية لطبيعة الحركة الإسلامية السودانية المتحررة الشورّية.
(4) الوثائق: في صفحتي 130- 131 في كتاب المحبوب عبد السلام (الحركة الإسلامية السودانية – دائرة الضوء - خيوط الظلام – تأملات في العشرية الأولى لعهد الإنقاذ):
ظل الكتب القائد بشكله الجديد يولي البت في القرار في القضايا الأكثر قبل أن تجتاحه قضايا ذات أهمية قصوى ، أهمها حرب الخليج الثانية ( احتلال صدام للعراق) ثم أزمة داخلية هي الأولى في صف الإنقاذ الذي بدأ موحداً شديد الانسجام، تمحورت حول عضو مجلس الثورة الأقدم التزاما في الحركة والأرفع رتبة بعد رئيس الثورة ورأس التنظيم السابق في الجيش ، إذ كان آخر مسئول رسمي يزور دولة الكويت قبل ساعات من الغزو ، فجاء رأيه مخالفاً لإجماع رأي الأمين العام وغالب أعضا مجلس الثورة في الإدانة الصريحة للغزو وكبح كل التصريحات والتظاهرات المؤيدة للرئيس صدام حسين. لكن ذلك لم يكن السبب الأول في تحفظاته المتوالية على طريقة إدارة الدولة والحكم ، إذ ظل رافضاً لوجود المحور المستتر الذي يصدر الأوامر فيقوم أعضاء مجلس الثورة وأعضاء مجلس الوزراء بإنفاذها دون أن يشتركوا في مداولاتها أو إقرارها، وكان يقترح وجود مكتب أو هيأة تجمع العسكريين والمدنيين ، مهما يكن شكله ، فهو أفضل من طريقة( الإمام الغائب). وأخيراً مع تطور رأيه بأن الثورة تقابل بالرفض والحصار كلما أفصحت عن وجهها المنتمي للجبهة الإسلامية ، دعا إلى قيام حكومة عسكرية مؤقتة تشرف على إجراء انتخابات عامة ، كما أوضح لدائرة صغيرة من الملتزمين ظل قليل الثقة بتقديرات قيادة الحركة في المواقف السياسية في الفترة التي تلت انتفاضة أبريل ( نيسان ) 1985، عندما دعت لتوسيع الصف العسكري للحركة باقتراح ضم أسماء جديدة، ثبت أنها ذات ولاء لأحزاب وجهات أخرى، وإنه اليوم لا يوافق الموقف من حرب الخليج، كما أن رفع الصوت بالشارات الإسلامية وإعلان تطبيق قوانين الشريعة الإسلامية في يناير ( كانون الثاني) 1991 وتكوين قوات الدفاع الشعبي تعتبر أخطاء استراتيجية أدخلت الثورة في مأزق المواجهة الدولية، وألا خروج منه إلا بحكومة محض عسكرية تعيد الثقة في حياد الإنقاذ وقومية عساكرها. تبلورت كل تلك الآراء والمواقف لدى عضو المجلس بتقديم استقالته، ومعه اثنان من مجلس الثورة، بدا أنهما يوافقانه الرأي وإن لم يكونا من العناصر الملتزمة في صف الحركة. هامش تركه الكاتب ليستبين القارئ من يقصد: حمل ذات بيان قائد الثورة الذي أعفى العميد عثمان أحمد حسن قراراً بإعفاء العميد فيصل مدني مختار والعميد فيصل أبو صالح من عضوية مجلس قيادة الثورة ، كما شمل الأخير العفو من منصب وزير الداخلية. * التعليق: حرب الخليج الثانية ( حرب تحرير الكويت – 17 يناير 1991 إلى 27 فبراير 1991) كانت حرب تحرير دولة من دولة مغتصبة لها وتدعي أنها أصبحت المحافظة 19 من العراق. وكان موقف سلطة الإخوان المسلمين في السودان دوراً مخزي، إذ أنها وقفت بجانب المعتدي . وتكلف السودان إنهاء عمل القوات السودانية المنتدبة في أرض الخليج، وتشريد عشرات الألوف من الأسر. ولولا نائب ملك المملكة السعودية آنذاك الأمير " عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود" لتم تشريد الملايين من الجالية السودانية في المملكة، كما تم بالفعل إنهاء خدمات مليون يمني بعد موقف بلده من حرب الخليج. وقد كانت كارثة بالمعنى الحقيقي.
(5) الوثائق : في صفحة 117 في كتاب المحبوب عبد السلام (الحركة الإسلامية السودانية – دائرة الضوء .خيوط الظلام – تأملات في العشرية الأولى لعهد الإنقاذ):
كذلك أبرز التلفزيون مباينة أخرى، إذ بدت روح التعبئة العسكرية اليومية التي سيطرت على البرامج شديدة الأدلجة، لا سيما في الأوساط غير المؤدلجة التي ما عهدت التلفزيون إلا أداة للإمتاع والمؤانسة ، وإذ جلبت حلقات برنامج ( ساحة الفدا) والحديث الصباحي المشهور باسم الرائد " يونس محمود" وحلقات التوجيه المعنوي في الإذاعة والتلفزيون، جلبت تعاطفاً وتأييداً بالغاً للإنقاذ الأولى ، لاسيما مع تصاعد الحملة العسكرية في الجنوب. أفزعت آخرين من عامة المثقفين بالمزاج السوداني المعتدل المتحفظ، فترك بعضهم مشاهدة القناة الرسمية، وتطرف بعضهم فغادر السودان جملة يعتبر هجرته من السودان هروباً بعقائدهم أو أمزجتهم من مناخات ( الهوس الديني)التي وصل بها التلفزيون إلى خاصة بيوتهم. * التعليق: لقد كانت أيام سوداء، تلك التي رافقت برنامج ( ساحة الفداء) الذي روج للحرب الدينية وانتهت بهزيمة السلطة ، وتفتيت الوطن. وهي قضية معروفة. أما حديث الرائد " يونس محمود" الصباحي ، فقد نزل حامضاً بسب دول الجوار العربي وسب رؤساء تلك الدول بأقزع كلمات السباب. وقد تسبب ذلك البرنامج الصباحي في تدهور العلاقات العربية السودانية، والسودان في أمس الحاجة إليها.
(6) الوثائق: (أ) نقتطف من مقال بكري الصائغ (هذه هي قصة انقلاب الجبهة الاسلامية من البداية حتى البيان العسكري رقم واحد) الذي أورده في صحيفة الراكوبة الإلكترونية بتاريخ 29 يونيو 2017:
{سأقوم بنقل ما نشرته الجريدة تماما كما ورد بها، بدون اي اضافات او حذف او شطب او تعديل من عندي. يقول العقيد فيصل أبو صالح:
كنا الضباط المنضوين تحت (لواء التنظيم الاسلامي) أربعة اشخاص فقط في الاستوائية وهم: كمال علي مختار، وانا، وعبدالقيوم محمد احمد الحاج، ويونس محمود. وكان هناك عدد اخر من الضباط القربين من التنظيم ممن نطلق عليهم (المؤلفة قلوبهم)، وهم التيجاني ادم الطاهر، وفيصل مدني، وصلاح عبدالله عظيمة. (ج) العقيد أركان حرب فيصل أبو صالح كان عضوا في (المجلس العسكري العالي لثورة الانقاذ)، كان أيضا واحد من الضباط الذين شاركوا مشاركة كبيرة وفعالة في انجاح الانقلاب، شغل العقيد فيصل أبو صالح منصب وزير الداخلية مباشرة بعد نجاح الانقلاب. (د) بعد أن شغل العقيد أركان حرب فيصل مهام وزارة الداخلية تعرض لمضايقات كثيرة وتدخلات من بعض زملاءه أعضاء (المجلس العسكري العالي لثورة الانقاذ) في شؤون وزارته بصور سافرة، واتخذوا قرارات كبيرة تمس صلاحياته دون اذنه، فقام بتقديم استقالته للعميد عمر البشير، الا ان البشير رفض قبول الاستقالة وارجاءها فترة من الزمن، ثم اصدر بعدها قرار بعزله، وكان هدف البشير أن تأتي الاقالة من عنده لا استقالة من العقيد فيصل!!.} * التعليق: يوافق مقال " بكري الصائغ " رأي "المحبوب عبدالسلام " في قبول استقالة ( فيصل) (7) نعود للغابة الإخوانية التي تحيط بظلمة التنظيم وإخطبوطه الهدام. فقد غيرت مسلك الأفراد المنتمين تحت العصبة والمقيدين بفتوى الإمام الغائب الحاضر، وصناعة الانتماء الخالص للتنظيم. فتغيرت انتماءاتهم للأسر السلالية الطبيعية إلى الانتماء للأسر الإخوانية. وصار التنظيم يزوجهم، ويغرفون من معين التسامح السوداني، بالانتساب عن طريق الزواج لعوائل لها شأنها. فقد سبقهم الأمين العام السابق الذي سن لهم إلى الاحتماء بالزواج، وسيلة لأغراض خفيّة.
لم يستطيعوا في التنظيم إلى تذويب الخلافات العرقية والمناطقية، لأنهم استعجلوا الانقلاب على الدستور، فظهرت بؤر في دارفور، حاولوا إطفاءها بالعنف، فانفضح المسلك وعمّت الفوضى، على غير ما كانوا ينشدون في أحلامهم.
وسار بهم التخبط وعدم كفاءة منسوبيهم، على الولوغ في العمل بدون رشاد أو هداية. وانقسموا لأجزاء وقبائل. واستعرت النار التي أضرموها في المعارضين، وأصابهم مكرهها . وتفرقت سبلهم، كلٌ يبني جهازه الأمني ببشره وعتاده. وتبقت قشة التنظيم الذي يتمسك بها أفراده بشراع السفينة الفضفاض، لأن انهيار الجزء هو انهيار الكل، والذي يعني انهيار باطل التنظيم، وبالتالي سقوط مؤسسات المال المسروق من الدولة والفساد. وهذا ما يتركهم يحافظون على " شعرة معاوية" بينهم، بينما يقطعونها مع الآخرين. والقبضة الأمنية هي ما كل ما تبقى من سلطة الإخوان المسلمين. من هنا تباينت مواقفهم وهم يواجهون الموجة الأخيرة للثورة، بخطها السلمي وحضارية مسلك الشباب من الجنسين تجاه الفوضى العارمة لأجهزة التنظيم العشوائية ،وبطشها بالمواطنين، بما ينافي الخلق السوداني الإيجابي المتوارث.
جاءت المعونة الجهادية من حدود ليبيا ، فدكت الطائرات فلولهم. ها هي ماليزيا تقطع "شعرة معاوية " بالانضمام للاعتراف بمحكمة الجنايات الدولية. والتي هي التي تدعو لتمسك عدد (51) من أعضاء التنظيم الأسود والمتمكنين بالسلطة لأنهم سوف يواجهون القبض عليهم وإحضارهم بواسطة الدول الموقعة على تكوين وشرعية محكمة الجنايات الدولية. * لن يستسلم الإخوان المسلمين طالما أن سيف التسليم للمحكمة الجنائية مسلطاً عليهم.