مذبحة أحمد الخير
عشاري أحمد محمود خليل
30 March, 2019
30 March, 2019
1. مقدمة
[تحصل على نسخة منسقة بي دي إيف من الرابط]
مذبحة أحمد الخير
الموت تحت التعذيب
(1)
فموضوعُ هذ المقال تبيينُ الكيفية التي بها عذَّب الإسلاميون شهيدَ المقاومة الشبابية، أحمد الخير أحمد عوض الكريم، وكيف هم قَتَّلوه تقتيلا، مما جعل مقتلتَه مذبحةً قائمة بذاتها. فقد استدرَجَتْ الحكومةُ أحمد الخير، وألقت القبض عليه، واعتقلته ليكون جسده في حوزة الدولة، ومن ثم استفردت به، وعذبته، بما في ذلك باغتصابه جنسيا، دونما أي اكتراث لما إذا كان أحمد الخير سيموت، تحت التعذيب، أم هو كان سيعيش بجراحه الجسدية والنفسية وبكرامته المنتهكة.
(2)
والمذبحةُ مُعرَّفة بأنها حَدَثٌ تقتيليٌّ مستفظَعٌ، تُنفذُه مجموعةٌ من الأشخاص مسيطرةٌ، تمتلك أدوات التقتيل، ولها موقعُ المهيمِنِ في منظومة توزع القوة/السلطة، وهي تستخدم هيمنتَها، وسيطرتَها، وموقعَها، وأدواتها التقتيليةَ، ضد من تعتمدُهم هذه المجموعة أجسادا مستضعَفةً ونافقةً يمكن التخلص منها، ولا تخشى هذه المجموعةُ المسيطِرةُ أيَّ ضرر مقدر على نفسها قد يأتيها من مغبة أفعالها ذات البشاعة، في سياق حدث المذبحة، أو فيما بعده.
(3)
فأكيِّفُ تقتيلَ الإسلاميين، الأعضاء المعتمدين موظفين لدى جهاز الأمن والمخابرات الوطني، تقتيلَهم أحمد الخير، بأنه كان "مذبحة" قائمة بذاتها، "مذبحة أحمد الخير"، لِعلة تمثُّل هذا الحدثِ المكوِّنَ الجوهريَّ في أنموذج المذبحة الكلاسيكية، وهو "الاستفظاعية"، وحيث لا يعتد أصلا بعدد الضحايا ليكون الفعل مستفظعا، مما هو ثابت حتى بشأن جريمة الإبادة الجماعية ذاتها، فيكفي لإثبات الجريمة هنا مجرد التخطيط للإبادة الكلية أو الجزئية بالقصد الجنائي، وحتى الجرائم ضد الإنسانية المكيفة بتعددية الأفعال، تتكون من أفعال فردية يتخذ كل منها سمة الشناعة، لعلة السياق، ولوجود مخطط شرير متعارف عليه.
والتعذيب أصلا مكوِّنٌ قارٌ في كل مذبحة، بل تتشكل كل مذبحة من أدائيات مُمَسْرَحة للتحقق متعة الجناة في مشاهدة ضحية التعذيب يتلوى يصرخ من الألم لا يطاق ولا يسمعه أحد، وحتى المعذِّب المشاهِد ذاته لا يسمع من الضحية إلا الصراخ بدون منطوق ذي معنى.
ومكونات التعذيب هي: (1) استفظاعية الأفعال المقترفة؛ (2) القصد الجنائي، وفق القانون الطبيعي، لا القانون الوضعي أو الشرعي الساري، وهو في السودان يشرعن التعذيب ويقننه؛ (3) الغرض المتمثل في استعصار المعلومات من ضحية التعذيب، أو الانتقام منه، أو لاستعراض القوة، أو للحصول على المتعة واللذة الجنسية الاضطرابية؛ (4) دور ممثلي السلطة الحكومية الرسمية القائمة، دورها هنا في إصدار الأمر بوضع المعارض المستهدف في حوزة الدولة، منفردا مفصولا عن ذويه أو حماته، ومن ثم إنفاذها تعذيبه.
فالتطابق بين التعذيب والمذبحة الكلاسيكية ثابت.
(3)
راديكالية أحمد الخير
لم يكن أحمد الخير إسلاميا إلا في فترة أوهام المراهقة. وظل أحمد، خلال الأعوام العشرة الأخيرة من حياته القصيرة، ناشطا سياسيا راديكاليا، ضد الإسلاميين، بمن فيهم زعيم حزب المؤتمر الشعبي، حسن الترابي الذي كيَّفَه أحمد الخير، كتابةً في الفيسبوك، بأنه "دكتاتور" مثله مثل "عمر البشير، والصادق المهدي، ومحمد عثمان الميرغني".
وخص أحمد الخير بمقاومته الشرسة فسادَ حكومة آدم جماع والي ولاية كسلا، حينئذ، وفسادَ نقابة المعلمين التي أسند إليها أحمد الخير تزويرَها انتخابات المعلمين. كذلك خصَّ أحمد بمقاومته فساد النيابة العامة بولاية كسلا، التي شطبت بلاغه ضد نقابة المعلمين بسوق النيابة حججا واهية. وكان أحمد رافضا لنظام الإنقاذ، ولرئيسه عمر البشير.
وبسبب هذه مقاومته الراديكالية، كانت مقتلةُ أحمد الخير تحت التعذيب المُقيم، بتأليم الجسد وتوجيع الدماغ، وبسبب ذلك قصدوها له مذبحةً أنهت حياته بالمباغتة والفجاءة والغدر، وقطعت الطريقَ على تحقق إمكانياته الواعدة في مجال المقاومة المحلية الراديكالية، وإمكانياته في حياته المهنية كمعلم الكيمياء، وحياته المشدودة إلى ذوي القربي والأصدقاء.
أحمد الخير العاشق
كذلك قطَعت المذبحةُ المريعةُ الطريقَ على احتمالية تطور إحدى هيئات كينونة أحمد، إلى آفاق ذات احتمالات، هيئته عاشقاً لامرأة في مدينة خشم القربة، أو في مكان لم يكن ببعيد، وقد كتب أحمد، بالاقتباس، مُعبِّرا عن حقيقية تقلبات مزاجه الإنساني بين هيئات قلقه وهمومه واستغراقه في العشق: "أصبحتُ أحبُّ الفتنةَ، وأكره الحقَّ، وأُصلي بلا وضوءٍ، ولي فى الأرض ما ليس لله فى السماء" (5 يوليو 2018، الفيسبوك أحمد الخير، وأحمد الخير أحمد).
وما هي أيام إلا وتابع أحمد الخير فاتنته: "أنا والشوق يطول ليلي، وإنتَ تغيب" (14 يوليو 2018). ثم ألحقها بعد أسبوع برسالة كتب فيها: "مشتاق لي زول، حسي ما خاشي وَاتْسْ، أتَّصِل بيهو؟ ولا أمشي ليهو؟ ولا أعمل شنو؟" (21 يوليو، 2018). وفي يوم 17 أغسطس 2018، كتب أحمد: "لا أنا أقدر أخونك، ولا أبيعك، أو أشتريك، ولا أنا أقدر أصونك".
...
لكن الإسلاميين المعذبين لم يعطوا أحمد الخير مهلةَ حياةٍ ليتفكر في نصائح أصدقائه في الفيسبوك المشجِّعين المحرِّضين، بمثل تحريض أماني عثمان: "خَلِّي الجَهْجَهة واحسِم أُمورَك!"؛ ومثل تشجيع صديق آخر: "يا زول بطِّل حركات، وخُشْ في الجك طوالي".
ولم يُنظِرْه موتُه المُعجَّلُ تحت التعذيب، على يد إسلاميين مفزوعين بالخوف من أحمد، ومن الموت، عسى أن ينتظِر أحمد، كما كان نصحه من نصح: يا أحمد "اِنْتَظِرْ!"
وكلها بيوغرافيا أحمد الخير متاحة لملاقاته في موقعيه الشبكيين في الفيسبوك: "أحمد الخير"، و"أحمد الخير أحمد".
ذكرى مذبحة الضعين
يأتي توقيت هذا المقال، في نهاية شهر مارس، وقبل إكمال مسودة كتابي في ثلاثمائة صفحة عن مذبحة أحمد الخير، أو إكمال مسودة الكتاب في تسعمائة صفحة عن مذبحة الضعين، للاحتفاء، بمرور اثنين وثلاثين عاما على ذلك الحدث المأساوي التاريخي (27-28 مارس 1987).
وهذا نبش الذاكرة مقصود به تذكير الشباب بلزوم التعامل بالصرامة الأخلاقية مع كل من شارك، بأية طريقة أو هيئة، في تأسيس إجرام الدولة في السودان، وهو الإجرام المتمثل، الآن، في مذبحة أحمد الخير، موضوع هذا المقال.
2. كيف عذب الإسلاميون أحمد الخير وقتلوه
فيما يلي قصة مذبحة أحمد الخير، من بدايتها إلى نهايتها الحاضرة، وهي ليست النهاية الفاصلة للحدث، حيث إن المذبحة ذاتها تظل مستمرةً، حتى بعد وفاة أحمد الخير ودفن الجثمان، مستمرةً في مرحلتها المتمثلة في تقتيل الإسلاميين حقيقيتها، وإعمالهم التزوير وشتى أشكال الاحتيال لتدمير الاستحقاقات المترتبة على القبض على الإسلاميين متلبسين، قصد إفلات هؤلاء الجناة من العقوبة الشعبية، ولصرف الأنظار عن وجود مؤسسة التعذيب الإسلامي، بتقنياتها الشنيعة محلها جهاز الأمن والمخابرات الوطني برئاسة صلاح قوش.
اعتمدتُ لتركيب هذه القصة على عدة مصادر وثائقية، أهمها شهادة المعتقل الطيب محمد سليمان، والمعتقل كمال قمش، وشقيق أحمد الخير، سعد، وابن عم أحمد، عبد الرحيم حسن أحمد. كذلك اعتمدتُ على تقارير الصحفي عبد العبد المنعم سليمان، وقد تيقنت من مصداقيتها، وواضح أن لعبد المنعم مصادر داخل جهاز الأمن قريبة من الحدث ذاته، وكانت هذه المصادر تمده بالمعلومات التفصيلية الدقيقة عن الحدث وأسماء المتورطين فيه، وتتسق تقارير عبد المنعم مع أقوال الشهود الحاضرين ومع تصرفات الحكومة وخطابها.
كذلك اعتمدتُ على التقارير الصحفية التي كيفتُ مصداقيتها من حيث اتساقها مع ما كنت أعرف سبقا أنه حقيقة.
ذلك، بالإضافة إلى دراستي اللصيقة كاملَ خطاب الحكومة بشأن هذا الحدث، بما في ذلك بكتابة نص المؤتمر الصحفي لرئيس النيابة العامة، عامر محمد إبراهيم، قصد كشف مظان الخداع والتزوير فيه، ودراسة البيانات والتصريحات الحكومية الأخرى، وتشريح تقرير التشريح من الطبيب عبد الرحيم محمد صالح بمستشفى القضارف، ومستندات أخرى منها تقرير وفاة أحمد الخير الصادر من مستشفى كسلا، كذلك تقرير فيه احتيال من قبل الطبيب محمد علي محمد الحسن، ومكالمة مبارك الكودة مع سعد الخير.
لكني أعرض، في هذا الفصل من المقال، للمذبحة ذاتها، بالتفصيل، ببيان مكوناتها التالية: مراقبة أحمد الخير واعتقاله؛ الاستجواب العنيف بالضرب؛ الإيداع في الحراسة؛ تقنيات التعذيب المختلفة بما فيها الاغتصاب الجنسي؛ ووفاة أحمد الخير تحت التعذيب. وأترك خلفية الاعتقال وتفاصيل أسبابه الكامنة في نقد أحمد الخير والي ولاية كسلا، آدم جماع.
وتشمل بقية فصول الكتاب عن مذبحة أحمد الخير، مما لا أعرض إلا لإشارات منها، الموضوعات التالية: شخصية أحمد الخير ونشاطه السياسي الراديكالي؛ تشريح الجثة؛ السلوك الاحتيالي من قبل المؤسسات الحكومية المختلفة: النيابة، الأمن، الشرطة، حكومة ولاية كسلا، نقابة المعلمين، مستشفى كسلا، مستشفى القضارف، الإعلام الحكومي، والجيش.
لكني أضيف في هذا المقال الفصل عن تزوير رئيس النيابة عامر محمد إبراهيم تقرير التشريح المزور أصلا، قصد طرد واقعة الاغتصاب الجنسي من الخيال السوداني الجمعي عن نذالة الإسلاميين. ثم أكتب خاتمة أقدم فيها دلالة مذبحة أحمد الخير بشأن مؤسسة التعذيب الإسلامي، وبلزوم إقصاء الإسلاميين من المشاركة في "القرار الأولي" لتحديد مسار السودان، بسبب هذه مؤسسة التعذيب الإسلامي بين أسباب أخرى.
في قبضة وحدة أمن مدينة خشم القربة
أولا، المراقبة والاعتقال
مراقبة تحركات أحمد الخير
شاركت عدة كيانات حكومية، أمنية، وشرطية، وأمنية/بيطرية، وتعليمية، وعاطلين عن العمل، في تسهيل الأعمال الأولية لاعتقال أحمد الخير وتعذيبه، مما أفضى إلى تنفيذ قتله، ومن بعد، إلى التدليس على هذه الأفعال الإجرامية، وكله يتلخص في حدث «مذبحة أحمد الخير». ويتبين بصورة واضحة إفساد الإسلاميين الكيانات الحكومية المختلفة وإدراج موظفين منها في العمل الأمني المخابراتي، مما يدمر العلاقات الاجتماعية بين السودانيين، ويزرع عدم الثقة بين الناس.
ويبين رصدي الأفعال السبقية للحدث، حدث تنفيذ المقتلة، أن أحمد الخير كان مستهدفا، من البداية، بالتصفية الجسدية، حتى قبل مظاهرة «الزحف الأكبر»، التي كان شارك فيها يوم تم اعتقاله. وكل ذلك يظهر جليا، من كثافة التفاصيل المتاحة المتعلقة بمعارضته الحكومة الولائية في كسلا، وملاحقته نقابة المعلمين التي زورت الانتخابات، وباعتقاله، وتعذيبه حتى الموت، ومن ثم التغطية على الحقيقة بشأن ذلك كله.
منسق الشرطة الشعبية عبده جمع
شارك في تسهيل اعتقال أحمد، منسقُ الشرطة الشعبية بمدينة خشم القربة، واسمه عَبدُه جِمِع. كانت مهمةُ عَبدُه، الذي كان يستقل عربة معه فيها ثلاثة أشخاص، رصدَ المشاركين في المظاهرة التي كان فيها أحمد الخير، بالمدينة، ذلك يوم الخميس 31 يناير 2019، وهو ذاته يوم زيارة عمر البشير إلى مدينة كسلا، مع وعد من والي الولاية آدم جماع أن ولاية كسلا مُجمعة في ولائها للرئيس عمر البشير. وفي هذا السياق، كان تقديم المراقب عَبدُه جِمِع تقريره عن أحمد الخير إلى رئاسة الشرطة، وإلى وحدة الأمن، في خشم القربة.
تحدث عَبدُه مع المجموعة من ستة أشخاص من وحدة الأمن، المكلَّفة، قبل أن تعتقل هذه المجموعة، لاحقا، أحمد، ثم غادر عَبدُه المكان في منطقة المظاهرة. وجاء في أحد أهم التقارير الصحفية عن تعذيب أحمد الخير وقتله (عبد المنعم سليمان) أن عَبدُه شوهد مرة أخرى داخل مباني جهاز الأمن، بعد اعتقال أحمد الخير والعشرة الآخرين.
مدير التعليم حسن حمرون
كذلك شوهد شخص آخر، يُقال إنه «مصدر أمني كبير»، مشاركاً في الإعداد لمذبحة أحمد الخير، وهو حسن حمرون، مدير التعليم بمنطقة خشم القربة التعليمية، شوهد يقود عربته خلف أحمد الخير، قبل اعتقاله، وكان حسن حمرون هو المسؤول عن رصد تحركات أحمد الخير.
ويتعين هنا، بشأن مدير التعليم حسن حمرون، أن نتذكر الملاحقة الشرسة من قبل أحمد الخير لهذا حسن حمدون، وآخرين في الجهاز التعليمي الحكومي، وفي نقابة المعلمين، الحكومية، في بداية العام 2014، بسبب ما كان ادعاه أحمد الخير في ذلك الوقت أن هؤلاء زوروا انتخابات نقابة المعلمين، واتهم أحمد إدارة التعليم، حيث حسن حمرون، وآخرين، أنهم سرقوا أختام مديري المدارس، قصد استخدامها لتزوير الاستمارات المتعلقة بالانتخابات. وهذه المعلومات عن تزوير انتخابات المعلمين موجودة في موقع الفيسبوك لأحمد خير.
كذلك يرِد اسمُ حسن حمرون في تعقيب في الفيسبوك من أحد مواطني خشم القربة تحدث عن خيانة عملاء وحدة أمن خشم القربة، وذكر اسم حسن حمرون بين المتورطين في تعذيب أحمد الخير.
موظف الأمن الشعبي موسى فرغلي
كذلك كان من بين الذين قدموا الدعمَ لرصد تحركات أحمد، ومن ثم الإعداد لاعتقاله، موسى فرغلي، وهو من منسوبي الأمن الشعبي، ويعمل في الوحدة البيطرية بخشم القربة، وواضح أن عمله في ذلك يوم اعتقال أحمد كان رصد المشاركين في المظاهرة ومراقبتهم وتنقيل الأخبار عنهم لوحدة الأمن.
العاطل عن العمل الفاضل الطاهر
ذلك أعلاه، بالإضافة إلى مشاركة الفاضل الطاهر، وهو مصدر أمني لوحدة الأمن بخشم القربة، «عاطل عن العمل، يقتات من عمله كمصدر أمني، وله علاقة وثيقة بمدير وحدة جهاز الأمن بخشم القربة، شوهد وهو يسير خلف المتظاهرين، كما شوهد لحظة اعتقال الشهيد، وكان مسؤولاً عن مراقبة الشهيد منذ بدء الحراك الجماهيري في المدينة». وكل ذلك مأخوذ من تقرير عبد المنعم سليمان.
...
فتبين المعلومات أعلاه تعددية القدرات البشرية المستثمَر فيها من قبل جهاز الأمن والمخابرات الوطني، والتقنيات التي يستخدمها هذا الجهاز، في كامل عملية قمع معارضي نظام الإنقاذ، العملية المتمثلة هنا في رصد تحركات المعارضين أصحاب الرأي السياسي المخالف، المعبَّر عنه بالمظاهرة أو بالكتابة، قصد اعتقال هؤلاء المعارضين، وتعذيبهم، بما في ذلك بالاعتداء الجنسي عليهم، للحصول على معلومات منهم، أو للانتقام منهم، أو لإرهابهم، أو لتخويف الآخرين من ذات مصير المعتقلين، وأحيانا يتمثل غرض اعتقال المقاومين في قتلهم، ومن ثم دفن الجثامين دون معرفة ذوي القربي، أو تسليمهم لذويهم مع شهادات أسباب للوفاة مزورة بواسطة أطباء فاسدين.
اعتقال أحمد الخير
في التاسعة والنصف مساء يوم الخميس 31 يناير 2019، بعد «مباراة المريخ»، وبعد أن كانت المظاهرة الموسومة بالزحف الأكبر ضد نظام الإنقاذ قد انتهت، أو هي كانت ستبدأ مسائية، أو ليلية، اعتقلت وحدة جهاز الأمن بمحلية خشم القربة، الأستاذ أحمد الخير، من أمام منزله، أو بالقرب من صيدلية ديوان الزكاة، واقتادته إلى مكتبها بالمدينة.
[صورة مكتب جهاز الأمن بمدينة خشم القربة]
قوة الاعتقال
كانت القوة التي اعتقلت أحمد الخير مكونة من ستة أفراد من المنسوبين إلى وحدة الأمن بالمدينة: (1) المساعد (الصول) محمود أوشيك [وهو ليس أوشيك أحمد، المتورط أيضا في تعذيب أحمد الخير وقتله، والذي يعمل بجهاز الأمن بمدينة كسلا ويحمل رتبة رقيب أول]؛ (2) المساعد الشريف عثمان؛ (3) المساعد حسن إدريس بابكر؛ (4) فرد أمن نصر الدين أركا، المتخصص في التعذيب، وجاء أنه «كان كسر يد فتاة في موكب خشم القربة السابق» (عبد المنعم سليمان)؛ (5) فرد أمن سيف الدين عثمان عبده؛ (6) فرد أمن صفوت شاهين، وهو «رئيس وحدة التعذيب» بوحدة الأمن. (تقارير عبد المنعم سليمان)
سبب الاعتقال
وفي رواية أخرى، قال أحمد عبد الوهاب، وهو عم أحمد الخير، لوكالة فرانس برس، إن عنصرين [لا ستة] من قوات الأمن بخشم القربة أوقفا أحمد من منزله، واقتاداه إلى مكان غير معروف. وبالمتابعة والمراجعة مع جهاز الأمن، قال أحمد عبد الوهاب إن وحدة الأمن بخشم القربة قالت لهم إن أحمد الخير كان «أحد منظمي المظاهرات بخشم القربة».
وأكد أحمد عبد الوهاب أنه تم إبلاغ الأسرة، لاحقا، أن أحمد الخير كان تم إرساله يوم السبت إلى مستشفى كسلا للعلاج، قبل أن يؤخذ جثمانه إلى مشرحة مدينة القضارف. والصحيح هو يوم الجمعة مساء تم الإرسال إلى كسلا، وحدثت الوفاة في الطريق، وفي يوم السبت فجرا نقل الجثمان إلى مشرحة القضارف.
حسم التناقضات بين الروايات المختلفة
فيتعين متابعة مثل هذه التناقضات الصغيرة، بشأن تفاصيل عملية اعتقال أحمد الخير، مما يتيح تركيب صورة أكثر دقة وتمثيلا لما حدث حقيقة، في جميع تفاصيله المايكروسكوبية الدقيقة. وهو دَين عليْنا لأحمد الخير، وكذا لأن استشهاده تحت التعذيب قدَّم أفضل الفرص في تاريخ التعذيب في الدولة الإسلامية الإجرامية الفاسدة/نظام الإنقاذ، للتعرف على كامل تكنولوجيا هذه الممارسة الإسلامية الشطنية، التعذيب والاعتداء الجنسي، في كل مراحلها وأفعالها وتقنياتها.
مكونات التعذيب
كذلك يتم أحيانا، في علوم المقاومة، تجاهل هذه المرحلة السبقية للحياة في المعتقل، وهي المرحلة المركبة من عدة مراحل تكوينية متداخلة، مما يشمل: مرحلة تحديد المعارض واستهدافه؛ مرحلة الرصد والمراقبة؛ مرحلة القبض، بما فيها الاستدراج والغدر والمباغتة. وهنالك تكثر العناصر المشاركة في تنفيذ العملية ذات التفاصيل.
فيتعين ألا يتم الاكتفاء بمجرد القول إن المقاوم المحدد تم اعتقاله، بل لابد من تقديم توصيف تفصيلي وكامل للمراحل التي سبقت فعل الاعتقال ذاته، والذي يتعين أيضا توصيفه وتحليله بدقة، ومن بعد متابعته إلى نهاياته.
ثانيا، الاستجواب والضرب
الاستجواب
وصلَتْ إلى مبنى جهاز الأمن المجموعة من ستة أفراد من جهاز الأمن، ومعها أحمد الخير، قبل العاشرة ليلة الخميس 31/1/2019.
مباشرة، بدأ مدير وحدة الأمن بخشم القربة، النقيب فاروق عثمان [وهو ليس ميرغني فاروق، رئيس فرقة التعذيب المستقدمة من كسلا]، بدأ استجواب أحمد، في مكتبه. وهي نقطة محورية في مسار إخضاع أحمد الخير للتعذيب الذي كان أصلا بدأ منذ لحظة الاعتقال، وفعل الاعتقال في ذاته، كالقبض على الشخص، ضرب من ضروب التعذيب، وعلى أقل تقدير هو من نوع المعاملة القاسية غير الإنسانية، المكيفة أنها من التعذيب، في اتفاقية مناهضة التعذيب التي يرفض نظام الإنقاذ المصادقة عليها، علما أن مصادقة الدول على الاتفاقيات الدولية لا تعني الكثير، فحتى الدول المصادقة على الاتفاقية تمارس التعذيب.
والاستجواب بدون سبب موجب يعتبر مكونا من مكونات التعذيب كما هو معرف في تلك اتفاقية مناهضة التعذيب، وفي فقه التعذيب المتقدم، في الكتابات الفقهية المتعددة التي تعيد تكييف التعذيب من وحي الدراسات النفسانية والفلسفية والاجتماعية والأنثروبولوجية ومن العلوم السياسية.
التحقيق في الرأي السياسي
هكذا كانت تواصلت عملية التدشين المستمر والمتواتر لتعذيب أحمد الخير، بإخضاعه للاستجواب، هنا في مكتب رئيس وحدة الأمن بخشم القربة، الاستجواب بشأن آراء أحمد الخير، ومعتقداته السياسية، ومواقفه النقابية، ومشاركته في مظاهرة سلمية ضد الحكومة، أو قيادته هذه مظاهرة «الزحف الأكبر»، في نفس اليوم الذي كان فيه عمر البشير يتلقى الولاء من والي الولاية آدم جماع، ومن الأحزاب السياسية، والكيانات الأخرى الموالية للحكومة، وجموع من اللاجئين الإرتريين المغلوبين على أمرهم.
جمع المعلومات عن النشاط السياسي
كانت لدى النقيب فاروق عثمان، لأغراض الاستجواب، تقارير وافية عن آراء أحمد الخير المُعبَّر عنها في موقعي أحمد الشبكيين في الفيسبوك، وعن نشاط أحمد السياسي المعادي لنظام الإنقاذ الإسلامي، ولحكومة ولاية كسلا، خاصة نشاطه السياسي ضد الوالي آدم جماع، وحكومة ولاية كسلا، ونقابة المعلمين، وإدارة التعليم، والنيابة التي شطبت بلاغه ضد الذين ادعى أحمد الخير أنهم زوروا انتخابات المعلمين.
الضرب المبرح في سياق الاستجواب
هنا، في مكتب وحدة أمن خشم القربة، جرت في سياق الاستجواب للحصول على معلومات من أحمد، جرت مشادة كلامية بين النقيب فاروق عثمان والمعتقل أحمد الخير، بشأن حسن البنا (1906-1949)، زعيم الإخوان المسلمين الأول في مصر، وأحد مؤسسي حركات الإسلام السياسي.
وقد كانت صورة حسن البنا مثبتةً فعلا بواسطة أحمد على حائطه في الفيسبوك. وفي سياق هذه المشادة الكلامية عن حسن البنا، وربما عن حزب المؤتمر الشعبي المتهم أحمد الخير، بدون دليل، بالانتماء إليه، قام النقيب فاروق عثمان «بضرب الشهيد على صدره» (تقرير عبد المنعم سليمان).
الضرب بعد الاستجواب العنيف
وبعد ذلك الاستجواب والضرب من قبل رئيس مكتب رئيس وحدة الأمن، تعرض أحمد لضرب مبرح بواسطة بقية أفراد وحدة جهاز الأمن بخشم القربة، في مكتب رئيس الوحدة ذاته فاروق عثمان، قبل إحالة أحمد إلى غرفة الحراسة، كأول المعتقلين الأحد عشرة.
وواضح هنا أن الضرب من قبل أفراد وحدة الأمن بخشم القربة لم يعد جزءا من الاستجواب، ولم يكن ضروريا لاستعصار معلومات يخفيها أحمد، بل تحول الضرب إلى عنف مجاني قصده الانتقام من المقاوم الرافض للنظام الإسلامي، وإهانته، وفل عزيمته، وكذا قصد إشباع جوع نفساني في دواخل هؤلاء المعذبين، وبالدرجة الأولى كان ضرب أحمد بعد نهاية الاستجواب تنفيذا للخطة المرسومة سبقا لتعذيبه، وفيها ضربه بعد استجوابه، وكله من الإجراءات العملياتية المعيارية المعتمدة في بيروقراطية التعذيب الإسلامي في جهاز الأمن والمخابرات الوطني.
ثالثا، الإحالة إلى غرفة الحراسة
وضعية الاعتقال في قبضة الإسلاميين
كان أحمد الخير أول المعتقلين، وأول من تطور تعذيبه من فعل الاعتقال إلى الاستجواب تحت الضرب، وإلى الضرب المبرح قصد فل العزيمة والانتقام منه أن تجرأ على تحدي الدولة الإسلامية/نظام الإنقاذ.
كان أحمد لوحده في غرفة الحراسة. وفي ذلك كذلك فعل من أفعال التعذيب، يتمثل في إقصاء ضحية التعذيب، بعزله عن العالم، في غرفة حراسة مغلقة، ولو إلى حين، وفي هذه الوضعية يبدأ المعتقل يدرك حقيقية خطر وضعيته، وحيدا، في قبضة إسلاميين أنذال.
وصول المعتقل الطيب محمد سليمان
بعد ذلك، حضر إلى غرفة الحراسة، مخفورا، المعتقل الطيب محمد سليمان. قال الطيب في شهادته بالفيديو، ويظل الطيب أهم الشهود، في معية كمال حسن فضل الله قمش، إنه كان تم اعتقاله في نفس ليلة الخميس 31/1/2019، لكن ذلك كان بعد اعتقال أحمد، وأكد الطيب أنه، عند إدخاله حراسة الأمن، بعد استجوابه تحت التعذيب وضربه مجددا، وجد أحمد الخير «ملقىً على الأرض» في غرفة الحراسة:
"وصلنا [وصلتُ] المعتقلَ يوم الخميس الساعة عشرة ونص، وبعد تعذيب دخلنا [دخلتُ] الحراسة، في الحراسة وجدنا [وجدتُ] المرحوم [أحمد الخير] ملقى على الأرض.
سلَّمتَ عليهو، ما رد لَيْ. بعد مسافة، هو سلَّم علَيْ، قال لي: الطيب؟ قلت ليهو نعم، إنتَ منو؟ قال لَي أنا أحمد الخير. قلت ليهو إنت كْوَيِّس؟ قال «أنا كْوَيِّس، لكين مَرَدَّخْ».
فيتضح، من شهادة الطيب، ومن مجمل الأوصاف من شاهد آخر، كمال قمش، أن المنهج الذي اتبعته وحدة الأمن هو اعتقال كل ناشط سياسي، منفردا، واستجوابه تحت التعذيب، في مكتب رئيس الوحدة، أو في مكتب آخر خاص، ثم ضربه، ومن بعد، إرساله إلى الحبس في غرفة حراسةٍ، بمبنى وحدة الأمن.
وكان رئيس وحدة الأمن، النقيب فاروق عثمان، على علم سبقي أن فرقة التعذيب المتخصصة ستصل في الغد، الجمعة في منتصف النهار، للانتقام من المعتقلين، بتعذيبهم واغتصابهم جنسيا، وكله أصلا من تقنيات التعذيب المعتمدة في الجهاز، ومن ثم نقلهم إلى كسلا لمزيد تعذيب وحبس.
المعلومات الناقصة
فلأن هذه الوثيقة تظل مسودة دائمة ومفتوحة للتصحيح والإضافة والتعديل، بواسطة الجميع، أحدد أحيانا ما أراه ضروريا البحث فيه وإضافته إلى الوثيقة، لتكون مرجعية، ولا أحتفظ إلا بالحق في تحديد مدى صحة التعديلات المقترحة، بعد إخضاعها لمعايير المراجعة التحققية الضرورية، ومن ثم تصبح الملكية مشاعة.
-
توصيف غرفة الحراسة، من حيث المساحة، والأبواب، والشبابيك، والأرضية، والسقف، والأثاث، وكل التفاصيل ذات العلاقة بالحبس والتعذيب. الإضاءة، هل توجد حشرات؟
-
التوصيف الأكثر دقة وتفصيلا، عن أحمد الخير، حالته، ملابسه، أقواله الكاملة في المحادثة مع الطيب، قبل وصول المعتقلين الآخرين، وبعد وصولهم.
وصول بقية المعتقلين
بدأ يفد إلى هذه غرفة الحراسة، حيث أحمد والطيب، معتقلون جدد، الواحد تلو الآخر، حتى الفجر، وبلغ العدد الإجمالي أحد عشرة معتقلا.
فيظهر من أقوال الطيب أن المجموعة المحلية في وحدة أمن خشم القربة، المختصة بالاعتقال، والمكوَّنة من ستة أفراد، كانت تعتقل كل ناشط منفردا، وتنقله إلى مكتب الوحدة، ثم تعود لاعتقال ناشط آخر، من القائمة المعدة سلفا، وكانت هذه العمليات للاعتقال تدور بالتنسيق مع كوادر الأمن الشعبي، وكوادر الشرطة الشعبية، والمخبرين الأمنيين (المصادر الأمنية)، وكيانات أخرى متواطئة مع مكتب الأمن.
فالذي يعنيه هذا الأمر للسودان المختلف مستقبلا عن سودان الإسلاميين هو لزوم تجريم استعانة جهاز الأمن بالمهنيين من غير ذوي العلاقة بالعمل الأمني، وتجريم التعاون مع جهاز الأمن في ترصد المعارضين، مثل ترصد ذات هؤلاء الإسلاميين الذين لابد سيتحولون إلى معارضين من نوع آخر.
قال الشاهد الطيب محمد سليمان، إنه بعد اعتقاله، واستجوابه تحت التعذيب، وبعد اقتياده إلى غرفة الحراسة، حيث وجد أحمد «ملقى على الأرض»، وتحادث معه، قال إن المعتقلين التسعة الآخرين بدأوا يصلون تباعا إلى غرفة الحراسة، «قَعدْنا [أنا وأحمد]، وبعد شوية بدوا الشباب يِتوافدوا، واحِد وَرا واحِد، لحدِّي الصباح.»
وكان ذلك ليلة الخميس 31/1 وفجر الجمعة 1/2/2019.
قائمة المعتقلين
هذه هي القائمة بأسماء المعتقلين الأحد عشر [غير مكتملة، وتنتظر الإكمال، بتفاصيل وافية عن كل معتقل:
-
أحمد الخير أحمد عوض الكريم
-
الطيب محمد سليمان
-
عبد الله سعدوك
-
كمال حسن فضل الله قمش
-
أمجد بابكر
-
كامل إدريس
-
مصطفى كير
-
مصطفى درش
-
....
-
....
-
11....
حالة أحمد الخير ليلة الخميس وصباح الجمعة
وصف الشاهد، الطيب محمد سليمان، حالة أحمد الخير، في صباح اليوم التالي، الجمعة، بأن أحمد كان «بحالة جيدة جدا، بصحة كاملة».
وقد تم نشر الفيديو وفيه الطيب يتحدث في يوم 5 فبراير 2019، وجاء قول الطيب أعلاه في معرض رد الطيب على الأقوال التي كانت صدرت من مدير الشرطة بولاية كسلا، اللواء شرطة يسن محمد حسن، في يوم 3 فبراير 2019، إن أحمد الخير توفي بسبب تسمم، ولم يتعرض لأي تعذيب.
ولكي يدلل الطيب على أن أحمد كان «بحالة جيدة جدا، بصحة كاملة»، حين كان صحا من النوم، صباح الجمعة، وبعد ذلك حتى فترة الظهر، قبل عمليات التعذيب بواسطة الفرقة المبتعثة من مدينة كسلا، قال الطيب إنهم كانوا طلبوا من رجال الأمن السماح للمعتقلين الأحد عشرة بالصلاة في جامع وحدة الأمن، الموجود داخل المبنى، وإنه، عندما قوبل طلبهم بالرفض، وطُلب منهم أن يُصلوا في غرفة الحراسة، قام أحمد الخير، شخصيا، بإمامة المعتقلين العشرة، لصلاة الجمعة، وقال الطيب إنهم جلسوا جميعهم بعد الصلاة يتآنسون.
طلبنا منَّهُم إنُّو نْصلِّي معاهم الجمعة، في المسجد الخاص بجهاز الأمن، رفضوا، وقالوا لينا إنتو صلُّوا جُوَّا.
صلينا الضُّهر، صلَّى بينا هو [أحمد] كإمام. قعدنا بعد داك نِتْوَنس.
فثابت من أقوال الطيب أعلاه أن أحمد الخير كان بخير، حتى تلك اللحظة بعد صلاة يوم الجمعة 1/فبراير/2019، وهي ذاتها لحظة تعذيبه، مجددا، لكن، هذه المرة، تعذيبه مع بقية المعتقلين، وبواسطة فرقة التعذيب المتخصصة، المُستقدمة، أو هي المبتَعثة، خصيصا، من مدينة كسلا عاصمة الولاية.
كذلك كان ذلك بعد أكثر من ساعتين من تقديم وجبة طعام متعفنة متخمرة في الساعة الحادية عشر صباحا، وهي الوجبة التي لم يأكل منها أحمد الخير شيئا.
وسنعرف في الأجزاء اللاحقة أن أحمد سيفارق الحياة بعد أقل من ثمان ساعات، تحت التعذيب المتواتر، من تلك لحظة الانتهاء من صلاة الجمعة، حتى بعد السابعة مساء، في مبنى جهاز الأمن بمدينة خشم القربة.
وسنرى كيف أن تعذيب أحمد استمر حتى بعد أن كان أفراد فرقة التعذيب المبتعثة رفعوه رفعا، بسبب عدم قدرته على الحركة المستقلة، في سيارة جهاز الأمن الخاصة بالنقيب ميرغني فاروق، رئيس فرقة التعذيب، لتنقيله إلى كسلا.
رابعا، التجويع وتقديم الطعام المتعفن
الحرمان من الماء ومن الطعام
فلنعد إلى الوراء قليلا، قبل صلاة الجمعة، حين كان المعتقلون الأحد عشرة في غرفة الحراسة، قبل حضور فرقة التعذيب المتخصصة المبتعثة بتوجيه مدير جهاز الأمن بالولاية العميد آدم علم الدين، في سياق أعمال لجنة الأمن بالولاية ورئيسها الوالي آدم جماع.
قال الشاهد الطيب محمد سليمان، في أقواله في الفيديو المنشور في الأنترنيت، وأكد أنها ذات أقواله التي كان أدلى بها لدى وكيل النيابة الأعلى بولاية كسلا، التيجاني عباس، إنه كان تم حرمان المعتقلين من الماء ومن الطعام، منذ ليلة الخميس، عند اعتقالهم، وحتى بعد صلاة الجمعة: «ما قدَّموا لينا أيَّ حاجة، لا موية، لا أكل، لا حاجة».
والنقطة المهمة التي قد تبدو صغيرة، لكنها خطيرة، هي أن من تقنيات التعذيب الإسلامي تجويع الخصم ومنع الماء عنه، بعد أن وقع هذا الخصم تحت قبضة المُعَذِّب الآمر الناهي مالك سلطة الحياة والموت.
تقديم الأكل المتعفن
في تفسير ماهية الطعام المتعفن
استدرك الشاهد الطيب محمد سليمان واقعة بدا ألا أحد بين المعتقلين، ومنهم الطيب نفسه، فهمها بصورة جيدة، من حيث حقيقتها المَخفِية، وتعلقت الواقعة بطعام متعفن، قدَّمته وحدة الأمن بخشم القربة للمعتقلين، في حوالي الحادية عشرة صباح ذلك يوم الجمعة.
فقد تعامل الطيب، والمعتقلون الآخرون، مع الطعام المتعفِّن في هيئته الظاهرة، كطعام متعفِّن، مما يحدث في العادة دون قصد، ولم يدركوا ماهيته المُستَبطنة، وهي أن ذلك الطعام المتعفِّن، في تلك هيئته، كان كذلك أحد التقنيات الإسلامية، المعتمدة للتعذيب، مع تقنيات أخرى، فيما يمكن أن نسميه «قِدْر التعذيب الإسلامي»، على وزن "قدر الساحرات" في رواية ماكبيث لشكسبير، وفيه أدوات التعذيب الأساسية، فينتقي الإسلامي المعذِّب التقنيةَ المعيَّنةَ المرادَ استخدامها ضد المعتقل المستهدف بالتعذيب، من داخل هذا القِدر، ومكانه في دماغ الإسلامي المعذِّب، في منطقة الذاكرة العملية المستحضَرة في سياق الحدث، ومن بين هذه أدوات التعذيب المختلفة، وموضوعها جسد المعتقل: الضرب، بأشكاله مثل اللكم، والجلد، والركل؛ الإساءة بالألفاظ البذيئة من قاموس اللواط، على وجه التحديد؛ التجويع؛ التسميم؛ الحرق؛ نزع الأظافر؛ الحرمان من الماء والغذاء؛ الاغتصاب الجنسي؛ بالإضافة إلى هذه تقنية تقديم الطعام المتعفن.
تجربة المعتقلين في 2013 مع تقنية التعذيب بالطعام المتعفن
هذه التقنية ذاتها، تقديم الطعام المتعفن، كان تم استخدامها لتعذيب المعتقلين الشباب في العام 2013. ووفق شهادة المعتقل سابقا، محمد صلاح، الذي حين تحدث عن «الموية البِنشربها في المعتقل...»، قدم محمد شكل الماء المعكر بالطين مصفر اللون، في زجاجتي بلاستيك، مما كان يُقدم لهم كالماء للشرب. وقال محمد: «آخِر أيام، أغلب الناس عندهم مشاكل بتاعت كِلي... أملاح وحصاوي في الكلى...».
ثم قدم محمد صلاح توصيفا للأكل المتعفِّن الذي كان يقدمه لهم جهاز الأمن، 2013، مما شمل وجبات فيها ديدان:
الأكل، يعني حاجة أسوأ مما أي زول يتخيل. ممكن الزول [الأمنجي] يجي يجيب ليك وجبة، من غير مؤاخذة، ممكن يكون فيها دُود في الأكل، جاي تاكل...
وأضاف محمد صلاح:
دا بس كلو نحن بالنسبة لينا كان... دا البِقَوِّينا زيادة،... قَدُر ما هو يحاول يضغط نفسيا، إنت بِتِتْقوَّى زيادة وبتزيد إيمان... ونحن حنصَل... الزمن بيننا وإسقاط النظام...
https://www.youtube.com/watch?v=sLejSBapRBo
رفض المعتقلين الطعام المتعفن
ذكر الشاهد الطيب محمد سليمان أنهم كانوا رفضوا تناول الطعام الذي قدمه لهم أفراد وحدة أمن خشم القربة، قبل صلاة الجمعة، في الحادية عشرة، وهو كان «فتة بِتاعتْ فول مُخَمِّرة»، أي إنها كانت خليطا متعفنا من الفول والخبر وربما أشياء أخرى. فرفض المعتقلون، بمن فيهم أحمد، أكل ذلك الخليط.
وقال الطيب إن أحمد، الذي كان ذاق ذلك الخليط المخمِّر المتعفن، رده من فمه: «المرحوم شال لُقمة واحدة، ومرقها، رجعها الصحن، وكلنا رجعناها».
فتدعم هذه الواقعة أن المعتقلين لم يفهموا أن تلك الوجبة المتعفنة كانت واحدة من تقنيات التعذيب المُعتمدة والمُتَعَمَّدة، وأنه كان تم انتقاؤها من داخل «قِدر التعذيب»، لإهانة كل معتقل، ولزرع اليأس لديه، وجعله في وضعية الشخص المسلوب القوة والإرادة بصورة كاملة، ليفهم هذا المعتقل أن رجل الأمن يمكنه أن يميته وأن يحييه.
يميته بأن يقدم له طعاما متعفنا مسمما، أو بألا يقدم له شيئا، وهو محبوس، أو أن يعده بأن وجبة طيبة ستأتيه، لكنها لا تأتي إطلاقا.
ويحييه بمثل الوعد الكاذب بتغيير الطعام من متعفن إلى طعام لائق، مما هو تقنية إسلامية للتعذيب إضافية، تحت.
الوعد الكاذب بطعام أفضل
قال الطيب إنهم، بعد أن اكتشفوا تعفن الطعام المقدم لهم، ضربوا على باب الحراسة من الداخل، وحين جاءهم بعض أفراد جهاز الأمن سلموهم صحن الفتة المخمرة، وقالوا لهم: «دا مُخَمِّر». فرد عليهم فرد وحدة الأمن بأنهم سيأتونهم بطعام بديل: «قالوا نْبَدِّلو لِيكُم».
كذلك لابد أن المعتقلين، وهم لم يكونوا متمرسين في تجربة حالة الاعتقال، لم يفهموا أن «نْبَدِّلو لِيكُم» كانت كذلك تقنية تعذيب مفعَّلة بالإجراءات العملياتية المعيارية المعتمدة في روتينية التعذيب، أن يُظهر المعذِّبُ الإسلامي المعقولية الرأفة بحال المعتقل وحيدا مغلوبا على أمره، وأن يقدم له الوعود بتحسين الوضع، وكأنه المعذِّبُ الإسلامي النذل يتعاطف مع المعتقلين، دائما قصد إحباطهم وزرع اليأس في قلوبهم حين لا يتحقق ما كان وعد به.
وفعلا، وكما قال الشاهد، الطيب محمد سليمان: «تاني ما جونا نهائي، لَحدِّي ما جات العصابة دي بعد صلاة الجمعة مباشرة»، وهي «ناس الجهاز من كسلا».
وكان الطيب يقصد بـ "العصابةِ" المجموعةَ المتخصصةَ في فنون التعذيب، وهي، كما أسلفتُ، فرقة التعذيب التي كانت لجنة الأمن في الولاية، برئاسة والي الولاية آدم جماع، اتخذت قرار إرسالها إلى خشم القربة، تحديدا لتعذيب أحمد الخير، والمعتقلين الآخرين، للانتقام منهم بسبب المظاهرات في أعقاب الزيارة «الناجحة» لعمر البشير في مدينة كسلا، ولِبَثِّ الخوف عند الجميع في خشم القربة من مغبة المشاركة في أية مظاهرات مستقبلا.
وقد تم تنفيذ هذا القرار بابتعاث فرقة التعذيب المتخصصة، بواسطة عضو لجنة الأمن في الولاية، العميد علم الدين آدم، رئيس جهاز الأمن الولائي بمدينة كسلا.
في قبضة فرقة التعذيب المتخصصة
فأقدم في هذا الجزء من المقال تفصيلا لعمليات التعذيب، بعد أن تم تنقيلها من اختصاص رئيس وأفراد وحدة أمن خشم القربة، إلى اختصاص الفرقة المتخصصة المبتعثة من مدينة كسلا، بقيادة النقيب ميرغني فاروق والنقيب عبد الله هاشم مهدي.
أولا، التعذيب المستمر
وصول فرقة التعذيب المتخصصة من مدينة كسلا
قال الطيب إن «العصابة»، وهي فرقة التعذيب المتخصصة، المُكوَّنة من 31 شخص، وفي رواية أخرى من عبد المنعم سليمان كانت الفرقة مكونة من 35 شخص، وصلت إلى مكتب وحدة الأمن بخشم القربة على متن أربع سيارات «تاتْشَر»، وفي الرواية الأخرى خمس سيارات، والتاتشر هو الاسم المتداول لعربات جهاز الأمن.
وحدة الاعتداء على المقاومين
وحدة تحليل التعذيب الإسلامي
إن العدد مهم، عدد السيارات التاتشر، وعدد الأفراد في كل تاتشر، لأن العدد يبين الطريقة التي يعمل بها جهاز الأمن لملاقاة الناشطين المقاومين، دائما في سيارة تاتشر، فيها حوالي ثمانية أشخاص، سائق السيارة، والضابط قائد المجموعة، في مقدمة السيارة، وستة أفراد من الملثمين أعضاء الجهاز في خلفية السيارة، يرتدون الزي العسكري الكاكي.
هؤلاء أفراد الوحدة، يأتون مسلحين بالسيطان والهراوات، أو البنادق، وأحيانا يكون معهم على متن ذات السيارة شخص أو أكثر بملابس مدنية يحملون المدافع الرشاشة والبنادق، وهم من كيانات أخرى متخصصة في قمع المقاومين، قوامها أحيانا طلاب الجامعات المنتمين إلى حزب المؤتمر الوطني، أو هم من كتائب الظل التابعة لعلي عثمان محمد طه، أو من كيانات أخرى غير معروفة.
وتبين جميع الصور الفوتوغرافية، وأشرطة الفيديو، والشهادات، بنية قمعية موحدة، قوامها هذي "وحدة التعذيب الإسلامي"، الممركزة في منصة التاتشر، والحاملة معها في أدمغة أفراد الوحدة "قِدر التعذيب الإسلامي"، وهو قِدر دينامي متغير فيه التقنيات مصنفة بخصائصها الجوهرية، ومن ثم هي ذات قابلية للاجتهاد بتعديلها لتلائم كل وضعية محددة حسب خصوصيتها.
وبهذه الإجراءات العملياتية المعيارية المعتمدة، تعمل كل وحدة في سيارة تاتشر كقطيع ذئاب، وهي الوحدة-القطيع التي تهجم على الناشطين المستهدَفين، على طريقة الذئاب القاصدة فريستها، تعتدي وحدة الذئاب على هؤلاء الناشطين مستخدمة جميع تقنيات التعذيب من داخل ذلك "قِدر التعذيب الإسلامي"، سواء أكانت التقنية المختارة اقتحام البيوت، أو دهس المتظاهرين، أو مطاردة هؤلاء المقاومين والمقاومات والقبض عليهم، أو ضربهم وتركهم، أو دحرجتهم أرضا، أو إهانة كرامتهم بالألفاظ البذيئة، أو الاعتداء الجنسي عليهم، بما في ذلك باغتصابهم جنسيا، وأحيانا تقتيلهم مباشرة دون تردد.
تنوير فرقة التعذيب عن المعتقلين
وصلت فرقة التعذيب المبتعثة من مدينة كسلا إلى مكتب وحدة جهاز الأمن بخشم القربة، مع نهاية صلاة الجمعة، أي بعد لحظات من إكمال أحمد الخير إمامته المعتقلين العشرة الآخرين في صلاة الجمعة، داخل غرفة الحراسة (الزنزانة).
وتشير التقارير إلى ما هو روتيني في مثل هذه الوضعية، بتوجه قيادة فرقة التعذيب المبتعثة إلى مكتب رئيس وحدة الأمن بخشم القربة، النقيب فاروق عثمان، حيث قدم النقيب فاروق تنويرا لقيادة الفرقة عن المعتقلين، مشددا على أن "رأس الهوس" هو أحمد الخير أحمد عوض الكريم، ومعه الطيب محمد سليمان، وأمجد بابكر ومعتقلين آخرين محددين.
ملاقاة المعتقلين وجها لوجه مع فرقة التعذيب
عندئذ، بعد ذلك وصول فرقة التعذيب، وتنويرها، جاء إلى غرفة الحراسة حيث كان المعتقلون الأحد عشرة، فرد وحدة جهاز الأمن بخشم القربة، صفوت شاهين، وهو «رئيس وحدة التعذيب» بوحدة أمن خشم القربة.
فتح صفوت شاهين باب غرفة الحراسة، وأمر المعتقلين بالخروج منها، واقتادهم إلى فضاء خارجها، هو حوش جهاز الأمن.
هنا، في الحوش، وجد المعتقلون أن أعضاءَ فرقة التعذيب كانوا ينتظرونهم، وبالمباغتة انهال أعضاء الفرقة على المعتقلين بالبذاءات، وبالأيدي القوية مسددة اللكمات، وبالأنابيب البلاستيكية يوسعونهم بها ضربا، تُوجِع لكنها قد لا تكسر عظما، وحددها الشاهد الطيب محمد سليمان بأنها من «خرطوش البي بي آر، لتوصيل المياه، وخراطيش تانية».
الضرب واستباحة الجسد
انهال أفراد فرقة التعذيب، ثلاثون منهم تقريبا، على الأحد عشرة معتقلا بالضرب، بالتزامن وبالتوالي، «ضَرِب مستمر».
إذ أحاط بكل معتقل، منفردا، خمسة أو ستة عساكر، مما يترك بعض المعتقلين يشاهدون أقرانهم يُعذَّبون، وينتظرون فيأتيهم الدور، وكان المعذِّبون يجُرُّون المعتقلين ضحاياهم على الأرض، ويركلونهم.
أكد الشاهد كمال قمش هذه الوقائع:
كل قُصاد معتقل، بكون في خمسة ستة، خمسة ستة. لو تعاين لي كمال، ستة.. معاهو خمسة. لو قاعد تعاين لأستاذ محمد، تلقى معاهو ستة. تعاين لي كدة، تلقى معاهو أربعة. تعاين للطيب...، تلقى معاهو خمسة. تعاين لي كامل إدريس داك، تلقى معاهو خمسة.
ديل كلهم بِعذبوا في الزول، دق، وجَرْ في الواطَة.
وقال الطيب محمد سليمان: «استباحونا بكل الأشكال»، في إشارة منه إلى الاعتداءات الجنسية، وغيرها من أشكال الاستباحة والتعذيب، على الطريقة الإسلامية المؤصلة في ممارسة الحركة الإسلامية السودانية منذ بدايات حكمها بالانقلاب العسكري 1989، والأرشيف حاضر.
ومن هذي أشكال الاستباحة الجنسية توجيه أفراد فرقة التعذيب كلَّ معتقلٍ بخلع ملابسه، قصد تمكينه الإسلاميين معذبيه من نيل وطرهم منه، كل من هؤلاء الإسلاميين المتوترين له من الأدوات المتاحة كَيْرَنْج.
قدم الطيب محمد سليمان تفاصيل إضافية لتوصيف التعذيب، جاء فيها أن العساكر المحيطين بكل معتقل كانوا يضربونه في لحظة واحدة، حتى يقع على الأرض، ثم يَجرُّونه أو يركلونه ليتقلب على الأرض وفيها أشواك.
القسر على خلع الملابس
في تفصيل لأشكال «الاستباحة»، قال الطيب إن أفراد فرقة التعذيب، وهم أولئك المبتعثون بواسطة لجنة الأمن بقيادة آدم جماع، الوالي، قسروا المعتقلين على خلع ملابسهم، «مَلَّصوا ملابسنا»، ثم «دَرْدَقُونا في الضِّريسة».
أي إنه بعد إجبار المعتقلين على خلع كل أو بعض ملابسهم، دحرجهم أفراد فرقة التعذيب على الأرض، وفي الأرض أشواكُ الضِّرِيسَةْ، والضِّرِيسَةْ نوع من الأشواك القصيرة أقل من ربع سنتيمتر، أشواك قوية مُركَّبة في كرات صغيرة مثل حبة الفول الكروية، وهي أقسى أنواع الشوك، لأن الشوكة منها لا تتكسر مثلما تتكسر شوكة الحَسْكنيت، بل تنفذ أشواك الضريسة إلى داخل الجسد، حتى عبر الملابس المُردَّفَة.
قِوام كل معتقل خمسة عسكري. بدُقوهو في لحظة واحدة، بدقوهو في الواطة، دَرْدَقُونا في الشوك، ملصوا ملابسنا، دَرْدَقُونا في الضِّرِيسَةْ.
ومن عبقرية هذي تقنية التعذيب المُطوَّرة بالاجتهاد، أنها تحقق عدة مقاصد، فبالإضافة إلى تسبيب الألم من طعن أشواك الضِّرِيسَةْ، قصد الانتقام من المقاومين، تحقق هذه التقنيةُ إهانةَ المعتقل عاريا من ملابسه، جزئيا أو كليا.
وفي معية إهالة البذاءات من قاموس اللواط على المعتقلين، تتمثل التقنيةُ اعتداء جنسيا وإعدادا لفعل الاغتصاب الجنسي ذاته، وهو ما حدث حقيقة لكل من الطيب وأمجد، اللذين تم اغتصابهما جنسيا في سياق هذه العملية.
وكذا تُحقق التقنيةُ الشنيعةُ لأفراد مجموعة التعذيب من أنذال الإسلاميين المتعةَ الجنسيةَ من مشاهدة المقاومين تتلوى أجسادهم بالألم ويعلو صراخهم.
استخدام "الغُرباء" لتعذيب المعتقلين
قال الطيب إنه أثناء استباحتهم بواسطة فرقة التعذيب المبتعثة من مدينة كسلا، وهو يسمي أفرادها بـ «الغُرباء»، اختفى من الأنظار تماما أفرادُ جهاز الأمن من خشم القربة، «ناس مكتب القربة اختفوا تماما، بقينا نحن والناس الغُرباء ديل».
واستخدام «الغرباء» لتعذيب المقاومين واحدة من تقنيات جهاز الأمن الإسلامي، مما يشير، في سياق مدينة خشم القربة، إلى من لا علاقة قرابة لهم مع أهل المجتمع المحلي، قصد تسهيل تنفيذ هؤلاء الغرباء أكثر الأفعال انحطاطا وقذارة ضد المعتقلين، دون خوف من رد فعل محلي.
وذلك بسبب أثر العلاقات المجتمعية في تحجيم وحشية عضو جهاز الأمن، وفي خوفه من المجتمع المحلي، مما سنراه بشأن رد الفعل الشعبي على مذبحة أحمد الخير، والمطالبة بالقصاص، وأثرِ ذلك على استهداف المجتمع المحلي أعضاء وحدة الأمن في خشم القربة.
فقد تم بعد خبر وفاة أحمد الخير تحت التعذيب كشفُ أسماء أفراد مكتب الأمن بخشم القربة، في وسائل التواصل الاجتماعي، وصدرت دعوات لمقاطعتهم، بل للانتقام منهم، مما جعل أحدهم يفر من المدينة، وتسبب رد الفعل المحلي في تنقيل الآخرين، ولاحقا في قفل مكتب وحدة الأمن بالمدينة، وفي صدور بيان من أحد أعضاء الوحدة يقول إنه لم يكن حاضرا بخشم القربة حين كان تم تعذيب أحمد الخير.
الضرب المقرون بالإساءة اللفظية
واصل الطيب محمد سليمان توصيفَ التعذيب الجسدي والنفسي، التعذيب بأفعال الضرب دون هوادة ودون توقف، والسب بالألفاظ البذيئة:
ضربونا ضرب متواصل، من بعد صلاة الجمعة لِحدِّي أذان المغرب، متواصل بدون توقف، تعذيب بدني، تعذيب جسدي، تعذيب نفسي، ألفاظ نابية يعِف اللسان عن ذكرها.
وسآتي لاحقا لتوصيف دقيق للتعذيب بالألفاظ من قاموس اللواط.
ثانيا، الاعتداء الجنسي
كانت مسألة الاغتصاب الجنسي على أحمد الخير، بواسطة أعضاء فرقة التعذيب المبتعثة من كسلا الجنسي، أخطر قضية من منظور نظام الإنقاذ/الدولة الإسلامية/الحركة الإسلامية السودانية. ومن ثم نفذت الكيانات الإسلامية المختلفة عمليات تزوير واسعة النطاق للحقائق بواسطة مدير الشرطة، وجهاز الأمن، والنيابة المركزية، وطبيب مستشفى كسلا، وطبيب مشرحة مستشفى القضارف، وبواسطة آخرين من أعوان النظام.
فأعرض هنا للوقائع بشأن مسألة الاغتصاب الجنسي بأن أضعها في إطار كامل منظومة تقنيات التعذيب التي استخدمها رئيس وأفراد وحدة أمن خشم القربة، وفرقة التعذيب المبتعثة من مدينة كسلا. وأضع الاغتصاب الجنسي المدعى به في سياق أفعال الاعتداء الجنسي التي يمكن تلخيصها في أربع تقنيات للتعذيب متداخلة، فلا يمكن الفصل بينها إلا تجريدا لغرض بيان تقنيات التعذيب المختلفة:
(1) التوجيه بخلع الملابس، وفيه دائما الإيحاء بالمقاصد الجنسية، وهو ما فهمه المعتقلون؛
(2) التحقير اللفظي بلغة اللواط، كذلك بالإضافة إلى الإهانة تهيئ هذه اللغة المعذب نفسه ليندرج في نفسانيات جنسية عنيفة من نوع الاغتصاب الجنسي المجرب والمتدرب عليه في مدرسة جهاز الأمن والمخابرات الوطني؛
(3) التهديد بالاغتصاب الجنسي، وهو يتداخل مباشرة مع الفعل الجنسي الاغتصابي، لأن الضحية ليست لديه أية قدرة على المقاومة الناجحة، فالتهديد بالاغتصاب وفعله سيان وهما في منداح لامتهان الكرامة واحد موضوعه العنف الجنسي؛
(4) فعل الاغتصاب الجنسي، وهو الموضوع الأساس من البداية، وهو منتهى لذة الإسلامي المعذب بل يبز قتل الضحية الذي يفوت على هذا المعذب وعد استمرارية المتعة الجنسية المصبوغة بالعنف الدموي.
خلع الملابس تمهيدا للاغتصاب الجنسي
كان أحمد الخير قد انهار تماما تحت التعذيب الأليم، ليس فقط بالتعذيب الأليم على يد رئيس وأفراد وحدة أمن خشم القربة، بل كذلك بالتعذيب المقيم بالضرب المبرح المستمر، بواسطة أفراد فرقة التعذيب المتخصصة المبتعثة من مدينة كسلا، بالإضافة إلى روع مشاهدة أحمد الخير تعذيب المعتقلين الآخرين وسماعه صراخهم.
هنا، أمرت مجموعة التعذيب الصغيرة أحمد الخير أن يخلع ملابسه، التقنية الأولية في مبتدأ منداح الاعتداء الجنسي:
طلبوا من المرحوم إنو يطلِّع مَلابْسو،...
هكذا قال الشاهد الطيب، وقال إن أحمد امتثل لأمر فرقة التعذيب، وفك حزام بنطلونه، مما يبين أن أحمد كان فهم أن القصد هو اغتصابه جنسيا، فهو على سبيل المثال لم يخلع قميصه، وربما كان التوجيه بخلع اللباس الداخلي ذاته، لكن جاءنا القول مترجما من الشاهد بعبارة «ملابسو»:
طلبوا من المرحوم إنو يطلِّع مَلابْسو، والمرحوم هو في ساعة لحظة مِنتهي جدا جدا، فَكَّ القاش [الحزام] بِتاعو.
نشهد عليهو قدام ناظِريْن.
وقد أكد شاهدٌ آخر، كمال قمش، ذات هذه المقدمات لاغتصاب أحمد الخير:
وكِت مشوا للأستاذ، قال ليه مَلِّصْ! أحمد، في اللحظة ديك، بِكون منهار، أنا حسيت بيه، انا زاتي الانهيار حصل لَيْ، بعد أدُّوني دْرِبْ حتَّن... حصل ليهو انهيار. مَلَص. قام فكَّ الهِناي [الحزام]، ما خَلاسْ، انهار، قام فَكَّ البنطلون، وكِدا، وقام...
... أحمد دا منهار... مَلَّصو سريع.
وأضاف الشاهد كمال قمش أن الجناة المعذِّبين حين التفوا حول أحمد، لم يُبْدِ أحمد أيَّةَ مقاومة، وحين أمروه بملص ملابسه، «قام ملَص».
فلقد فعل أحمد ما هو طبيعي في ظروف غير طبيعية، ظروف العزلة الكاملة، عزلة المعتقل، وفقدان كل قدرة لديه للتأثير على الوضعية التي وجد نفسه فيها، بل هي ظروف فقدان الأمل في الإنسانية، ظروف أن تجد نفسك في قبضة إسلامي سوداني، والإسلامي السوداني نذل متوحش تم تدريبه ليكون كذلك دائما نذلا متوحشا.
التحقير بلغة اللواط
ما أن امتثل أحمد الخير للتوجيه، وأنزل بنطاله من صلبه، حتى انهالت عليه الإهانة بالألفاظ من لغة اللواط.
واللواط معرف في القانون الجنائي السوداني، الإسلامي، تحت المادة 148 (اللواط). ويتعين أن ننظر إلى هذا الفعل المجرم في سياق علائقيته مع الأفعال الأخرى المجرمة تحت الباب الخامس عشر من القانون الجنائي (جرائم العرض والآداب العامة والسمعة).
ومن ثم فإن نصوص تقنيات التعذيب الأربعة أعلاه في منداح الاعتداء الجنسي، وهي المستخدمة من قبل فرقة التعذيب الإسلامي، تتناص مع نصوص القانوني الجنائي، المتعلقة بالأفعال الجنسية التالية: الزنا؛ اللواط؛ الاغتصاب؛ الأفعال الفاحشة؛ الأفعال الفاضحة والمخلة بالآداب العامة؛ ممارسة الدعارة؛ الإغواء؛ القذف؛ إشانة السمعة؛ الإساءة والسباب.
ويكيِّف القانون الجنائي الساري اللواطَ في المادة 148 على النحو التالي:
(1) يعد مرتكباً جريمة اللواط كل رجل أدخل حشفته أو ما يعادلها في دبر امرأة أو رجل آخر أو مكن رجلاً آخر من إدخال حشفته أو ما يعادلها في دبره.
(2) (أ) من يرتكب جريمة اللواط يُعاقب بالجلد مائة جلدة، كما تجوز معاقبته بالسجن مدة لا تجاوز خمس سنوات.
(ب) إذا أدين الجاني للمرة الثانية، يُعاقب بالجلد مائة جلدة، وبالسجن مدة لا تجاوز خمس سنوات.
(ج) إذا أدين الجاني للمرة الثالثة يعاقب بالإعدام، أو بالسجن المؤبد.
ويرد ذكر اللواط في نفس القانون في المادة 149 عن جريمة الاغتصاب، ذات العلاقة بحالة أحمد الخير،
(1) يعد مرتكباً جريمة الاغتصاب من يواقع شخصاً زناً أو لواطاً دون رضاه.
...
(3) من يرتكب جريمة الاغتصاب يعاقب بالجلد مائة جلدة وبالسجن مدة لا تجاوز عشر سنوات، ما لم يشكل الاغتصاب جريمة الزنا أو اللواط المعاقب عليها بالإعدام.
هكذا، يتداخل وضع اللواط في القانون الجنائي مع تكنولوجيا التعذيب الإسلامي، أحيانا بصورة مستحدثة وغريبة سنأتي إليها.
وهنا، في وضعية أحمد الخير والمعتقلين الآخرين، نشهد الكيفية التي بها كانت فرقة التعذيب تستعرض قوتها في مسرحية إسلامية شيطانية، والتوصيف التقييمي بـ «الإسلامية» مقصود هنا، وهو متصل بما سيأتي بشأن تأصيل ذم اللواط في النصوص الإسلامية الحاكمة، وتاريخية إسناد اللواط لقادة الحركة الإسلامية السودانية، بالإضافة إلى موقع اللواط في الثقافة السودانية الذكورية.
وفي هذه الأدائية المسرحية، ركز معذبو أحمد الخير، في إهانتهم له، على المقارنة بين أحمد الذي خلع بنطاله مباشرة عندما أمروه بذلك، وبين المعتقل الآخر، الحاضِر، أمجد بابكر، الذي كان رفض حل سرواله، وقبض بأسنانه على تِكة سرواله، وصرخ بشتائم ضد رجال الأمن، «كُسُّمَكُم يا ناس الأمن». لكن أمجد ذاته، وبالرغم من تلك مقاومته، لم ينج من الاغتصاب، إذ حشر أعضاء فرقة التعذيب العصاة بصورة متكررة في جسده، مخترقين دبره عبر سرواله (شهادة الطيب محمد سليمان).
قال الشاهد كمال قمش، في توصيفه الإهانة التي تعرض لها أحمد الخير على يد فرقة التعذيب، أنهم أسندوا اللواط لأحمد، وعبروا عن احتقارهم له، بسبب ما وصفوه بأنه اعتياد أحمد اللواط منذ أن كان صغير السن، وقالوا لأحمد، وللجميع الحاضرين من المعتقلين والمعذِّبين سواء، إن اللواط كان مهنة أحمد، في دوره كالمفعول به، «قاعِد تِتْناك»، و "متعوِّد تشيلو"، والمقصود بـ «متعوِّد تشيلو»، شيل الزب، بمعنى استقبال الزب وقبوله في الدُّبر، مما هي «الشَّغَلة»، عبارة الإسلاميين المعذبين العامية المستخدمة للإشارة إلى اللواط، ممارسةً عادية أو مهنةً، لا يهم.
وكله إسلامي، وأظل أركز -- إن تثبيت إسلامية التعذيب، في كل تقنياته، وخاصة في مجال الاعتداء الجنسي، ضروري لفهم مؤسسة التعذيب المنشأة في جهاز الأمن والمخابرات الوطني. وهنا الأمر متعلق بتبيان إسلامية تقنية التعذيب بلغة اللواط، بخصوصية اللواط، الإسلامية الشرعية، والقانونية، والثقافية، في السودان، وفي الدولة الإسلامية عبر تاريخها.
وهذي لغة اللواط المستخدمة تقنيةً للتعذيبِ مستوحاةٌ من تلك عقيدة اللواط في الفقه الإسلامي، بشأن تحريم اللواط في الشريعة الإسلامية، مما يستلهم منه المعذبون الإسلاميون أعضاء جهاز الأمن والمخابرات الوطني في السودان أدائيات تعذيب المقاومين لنظام الإنقاذ/الدولة الإسلامية.
التهديد بالاغتصاب الجنسي
لم تكن تقنية أمر أحمد الخير بخلع ملابسه، وتقنية إسناد معذبيه اللواط إليه إلا للتمهيد لاغتصاب أحمد الخير جنسيا، وإلا كان كل خطاب الجناة الإسلاميين المسكون بقاموس اللواط بدون معنى. ولتعزيز أن المقدمات كانت مقدمات للتمهيد لفعل الاغتصاب الجنسي، أضاف الجناة تقنية ثالثة متداخلة مع التقنيتين السابقتين، وهي تهديد أحمد الخير بالاغتصاب الجنسي، أحيانا التهديد بلغة إيحائية، وأحيانا بصورة مباشرة.
قال الشاهد كمال يصف تركيز فرقة التعذيب على أحمد الخير، وخصه بأشد العذاب، بتقنية تعبئة لغة اللواط ضده:
قال ليهو... لي... آي، ما إنت مِتعَوِّد يا خي، ما قاعد تِتْناكْ.
إنتَ ما مِتعود تَشيلو، إنت، أصلا من صغير، الشَّغَلَة دي شَغَلْتَكْ.
ثم صاح أحد أفراد مجموعة التعذيب في أحمد الخير، على مسمع ومرأى من بقية أعضاء فرقة التعذيب، ومنهم المجموعة الخماسية أو السداسية المحيطة بأحمد، قائلا إن أحمد «مَلَّاصْ»، أي مَلَّاصُ ملابسه الداخلية، وقال إن أحمد دائما «جاهز»، للنيك، كالمفعول به، وإنه أحمد الخير متعود على اللواط، وعلى حمل الزب في دبره.
وتلك هي اللغة الإسلامية الصحيحة والمعبرة بدقة عن عقيدة التعذيب باللواط، المعتمدة في جهاز الأمن والمخابرات الوطني، ولها مصادرها حيث تأصيلها في القرآن والحديث والفقه مما سآتي إلى بيانه في القسم الخاص بتأصيل التعذيب:
آ ملاَّص، إنتَ ما جاهز، ما مِتعَوِّد،
قال ليهو أنت مِتعَوِّد، ما مِتعَوِّد تَشيلو ياخي.
وقال الشاهد كمال إن مجموعة التعذيب المحيطة بأحمد كانوا «بِيِنضُمُوا مع بعض»، وقال أحدهم مخاطبا زملاءه، معيدا معنى قوله أعلاه، لإهالة مزيد إهانة على أحمد، مجددا، بالقول إن أحمد متعود على اللواط، «دا ماا متعود [على اللواط]»، وبأن اللواط عند أحمد كان عاديا، «دا ماا حاجة عادية».
وذلك كله كان على سبيل الإيحاء بالتهديد بالاغتصاب الجنسي، وهو كان من المقدمات المدروسة، كإجراءات عملياتية معيارية، للتمهيد على فعل الاغتصاب الجنسي المقرر سلفا بالتوجيهات العليا من العميد علم الدين آدم رئيس جهاز الأمن بمدينة كسلا، والممتثل لابد لرغبة الوالي، رئيس لجنة الأمن، والذي كان على علم، أو ينبغي عليه أن يكون على علم، أن التعذيب المخصص للمعارضين المقاومين بمثل شراسة أحمد الخير هو الاغتصاب الجنسي.
ثم خلص الإسلامي المُعذِّبُ إلى التصريح مباشرة وبصراحة، أن كل ذلك التعيير بالألفاظ من قاموس اللواط لم يكن إلا المقدمة لاغتصاب أحمد الخير جنسيا، حين قال لأحمد: «والله ندخل ليك الحاجة دي في صلبك»، وكانت الإشارة إلى "الحاجة دي" حمالة أوجه، وإن كان معناها فيما علمنا لاحقا هو "كَيْرنج" كل إسلامي معذب يعمل في جهاز الأمن والمخابرات الوطني، ذاتها العصاة بأشكالها المتعددة الفيها مآرب أخرى متعددة.
قال الشاهد كمال قمش:
آ... بِيَنضُموا مع بعض، قال لي دا ما مِتعَوِّد، دا ما حاجة عادية، والله نْدَخل ليك حاجة في صلبك.
قال كمال أيضا إن أحد المعذِّبين خاطب زملاءه في فرقة التعذيب أن يُدخِلوا في دبر أحمد، «في صلبك»، أية آلة، من أي نوع، لأن أحمد «مِتْعوِّد»:
يا خي دا ما مِتْعوِّد، دخِّلْ ليهو أي حاجة، ما [هو] مِتْعوِّدْ.
ثم التفت المعذِّب إلى أحمد وقال له، والآخرون يسمعون: "إنت جاهز [للنيك]، دا متعود [على النيك]".
وحين قال الشاهد كمال إن أفراد مجموعة التعذيب كانوا يتحادثون فيما بينهم، فذلك كان لكي يسمع تهديداتهم ومقاصدهم الجنسية العنيفة المعتقلون الآخرون، وهو البعد المسرحي الاستعراضي في عملية التعذيب.
وعند تعذيبهم أحمد، في تلك اللحظات وبعدها سيبدأ أحمد الخير رحلته الانتقالية إلى عالم عدمي ينهي كينونته كإنسان، قال أحدهم مخاطبا أحمدا، بعد أن خلع أحمد بنطلونه، «إنت جاهِز»، ثم التفت إلى أفراد المجموعة وقال لهم «دا متعود»، أي متعود لملص لباسه، لممارسة اللواط اغتصابا جنسيا في جسده.
عند هذه النقطة، لابد كان واضحا لأحمد الخير أن اغتصابه جنسيا بات وشيكا.
الاغتصاب الجنسي
لم يقل أي من الشاهدين، الطيب محمد سليمان، أو كمال قمش، وهما الوحيدان بين المعتقلين اللذان تحدثا عن تجربتهما مع أحمد الخير أحمد عوض الكريم في المعتقل، حين كانوا جميعهم يتعرضون للتعذيب، لم يقل أي منهما أنه شاهد عملية اغتصاب أحمد جنسيا، ذاتها.
فما السبب؟ خاصة وأن الشاهد الطيب وصف عملية الاغتصاب الجنسي للمعتقل أمجد بابكر، بواسطة فرقة التعذيب، الإسلامية، حين قال الطيب إن اثنين من فرقة التعذيب أمسكا بأمجد بابكر، الذي كان يرفض بشدة اغتصابه جنسيا، ورفعاه، ومكَّنا أمنجيا إسلاميا آخر من إنفاذ فعل الاغتصاب المخطط، بدفع عصاة في دبر أمجد، خلال السروال الذي كان أمجد يرفض ملصه.
وكذا صرح الطيب بما معناه أنه هو ذاته الطيب تعرض لاغتصاب جنسي، في قراءتي عبارته «استباحونا بكل الأشكال»، وحين قدم الطيب توصيفا دقيقا لإسناد الإسلاميين المعذِّبين اللواط إليه، مما كان مقدمة هؤلاء الإسلاميين الأمنجية لاغتصاب الطيب جنسيا، هو الآخر.
وحتى سعد الخير، شقيق أحمد، وعبد الرحيم حسن أحمد خاله وابن عمه، وهما سعد وعبد الرحيم شاهَدا جسد أحمد وفتَّشاه تفتيشا، بل صوره عبد الرحيم فيما يبدو، قبل تشريح الجسد بمستشفى القضارف، لم يقل أي منهما جازما إن أحمد الخير جرى اغتصابه جنسيا، بل تحدث كل منهما عن بينات ظرفية، أنهما شاهدا دماء سائلة من الدبر.
والذي أراه هو أن أحمد الخير يرجح ترجيحا قويا أنه تم اغتصابه جنسيا، الترجيح القوي إلى درجة الوكيدة، وهو مما لا يضيف شيئا لحقيقية أن أحمد الخير تعرض لتعذيب فظيع أفضى إلى وفاته خلال ساعات قليلة.
فالوقائع الثابتة، من أقوال الشهود الأربعة، ومما تمت مشاهدته في جسد أحمد الخير، كافية لإثبات أنه تعرض لتعذيب إسلامي مريع، فلا يهم ما إذا كان ذلك شمل تقنية التعذيب الإسلامي المحددة، الاغتصاب الجنسي العنيف بكيرنج، وهي أصلا هذي تقنية الاغتصاب الجنسي معتمدة لدى جهاز الأمن والمخابرات الوطني، وتم استخدامها بواسطة الإسلاميين في حالة العميد محمد الريح، على سبيل المثال، وكذا لابد في حالات إضافية منعت الثقافة الذكورية من تسجيلها في العلن.
فلنقدم الإثباتَ الذي يفضي بصورة كافية ومقنعة إلى أن أحمد الخير جرى اغتصابه جنسيا في مكان لم يكن متاحا للشاهدَين رؤيته.
وأعتمد في هذه الملاحظة على أن شهادة الطيب محمد سليمان تحتوي على تلك العبارة المحورية التي لا يمكن ملاحظتها إلا بالتمعن في نص الفيديو مكتوبا على الورق، وهي عبارة "ساقوهو"، أي إنهم المعذبين ساقوا أحمد الخير، من محل تعذيبه في حوش مكتب الأمن، أو من محل تعذيبه في غرفة الحراسة، إلى مكان آخر، وفيه اغتصبوه جنسيا.
وتتيح القراءة المتمعنة في النص المكتوب من الفيديو لشهادة الطيب اكتشاف هذه العبارة المحورية، "ساقوهو"، في أقوال الطيب، أي إنهم اقتادوا أحمدا إلى ذلك المكان الذي لا يراه فيه الطيب ولا كمال قمش، الشاهدان الوحيدان، حتى الآن، بين المعتقلين العشرة، اللذان تحدثا عن تجربتهما مع التعذيب وحضورهما تعذيب أحمد الخير.
ولنتذكر هنا، حتى لا ننسى، أن وكيل النيابة الأعلى، بولاية كسلا، هاشم عباس، استجوب شاهدين فقط، من بين المعتقلين العشرة الحاضرين، فيما يبدو، ذلك وفق ما قاله عامر محمد إبراهيم، رئيس النيابة العامة، رئيس اللجنة العليا للتحقيقات، بوزارة العدل، وإن كانت أقوال وكيل النيابة غامضة أحيانا بسبب قصده تزوير الحقيقة وطمسها:
كان مع المرحوم بعض المحتجزين.
تم استجواب عدد 2 من الأفراد المواطنين الذين الكانوا محتجزين مع المرحوم، بوحدة محلية خشم القربة، والذين تم ترحيلهم إلى ولاية كسلا تم استجوابهم بمحضر التحقيقات بواسطة وكيل النيابة الأعلى.
...
استجواب بعض الأفراد الكانوا محتجزين مع المرحوم، أيضا بمحضر التحقيقات.
وليس واضحا ما يريد وكيل النيابة تسجيله في الأوراق، بشأن عبارتيه المتناقضتين في ذات النص: (1) "تم استجواب عدد 2 من الأفراد المواطنين الذين الكانوا محتجزين مع المرحوم"؛ (2) "استجواب بعض الأفراد الكانوا محتجزين مع المرحوم". فهل يعني أنه تم استجواب اثنين فقط أم أكثر؟
ولنعد إلى شهادة الطيب بشأن عبارة "ساقوهو" المحورية، فقد قال الطيب:
ساقوهو [أحمد]، وقالوا ليهو: "يا خي نحن ندخل العصاية، بتاعة الشرطة السوداء، في دُبْركْ".
فلهذا السبب، تحديدا، المتمثل في واقعة «ساقوهو»، لم يشهد كمال أو الطيب، بعينيه، عملية الاغتصاب الجنسي لأحمد الخير. لكن النص الكامل وفيه العبارة المحورية يتحدث عن نفسه بنفسه، أنهم ساقوه، تحديدا قصد اغتصابه جنسيا: « ساقوهو وقالوا ليهو: "يا خي نحن ندخل العصاية، بتاعة الشرطة السوداء، في دُبْركْ".
عليه، لا تعني عدم مشاهدة الشهود عملية الاغتصاب الجنسي أن أحمد الخير لم يتعرض للاغتصاب الجنسي. إذ تبين الوقائع المادِّيَّة، في جسد أحمد الخير، وهو في عربة الإسعاف، حيث فتش جسده عبد الرحيم حسن أحمد وصوره، ثم وهو أحمد الخير جسده على طاولة المشرحة على مرأى من ناظري شقيقه سعد الخير، أن فعل الاغتصاب لا يمكن استبعاده فقط بسبب عدم مشاهدته في وقته، من قبل الشهود الحاضرين عمليات التعذيب، أو بسبب أن أخصائي التشريح قرر، بعد دفن الجثة، بأثر رجعي، أنه لم يتم اغتصاب أحمد الخير، مما لم يكن هذا الطبيب تعرض له في تقريره الأولي الأصل من صفحتين بتاريخ 2/2/2019، وهو التقرير الذي كان تم تسريبه خاليا من أي ذكر لموضوع الاغتصاب نفيا أو إثباتا.
كذلك تبين وقائع ظرفية ترجيح اغتصاب أحمد الخير جنسيا، وليس مهما أن ذلك لا يرقى إلى معيار "دون حد الشك المعقول"، ففي سياق كذب الإسلاميين وتزويرهم وعدم شفافية ممارستهم القانونية والطبية، يتعين أن نعتمد نظرية العقل التي ترجح وقوع فعل الاغتصاب الجنسي.
ومن هذه الوقائع الظرفية:
(1)
تفاصيل عملية التعذيب من قِبل فرقة التعذيب، واستخدام المعذبين لغة اللواط تقنية للتشنيع بأحمد الخير وإهانة كرامته، وتهديدهم أحمد الخير بالاغتصاب الجنسي، وأمرهم أحمد الخير بملص ملابسه مما أعقبته مباشرة، بعد امتثاله، تعبئة لغة اللواط ضده؛
(2)
واقعة اغتصاب أمجد بابكر جنسيا، على مشهد من المعتقلين الآخرين، وبشهادة الطيب وكمال.
(3)
واقعة اغتصاب الطيب محمد سليمان جنسيا، والمعبر عنها في شهادة الطيب عن نفسه بعبارة "واستباحونا".
وقد حدد الشاهد الطيب محمد سليمان أن الشخص من فرقة التعذيب المبتعثة من مدينة كسلا، والذي سمعه الطيب يقول لأحمد الخير عبارة «ندخل العصاية بتاعة الشرطة السودا في دبرك»، كان المدعو أونور، أو هو أوشيك: «الراجل دا من الأمن بتاع كسلا، أسمو أونور، أو أوشيك». وحدد الطيب محمد سليمان أنه شخص «ملتحي».
وأضاف الطيب أنه هو أيضا، الطيب محمد سليمان، تعرض للإهانة بألفاظ مشابهة، أطلقها في اتجاهه رئيس فرقة التعذيب، النقيب فاروق، مما يسجل استخدام المعذبين تقنية اللغة المهينة للكرامة. إذ قال الطيب إن النقيب ميرغني فاروق، رئيس فرقة التعذيب المبتعثة، قال للطيب، إنه الطيب متعود على اللواط، «متعود على الشَّغَلَة دي»، وتعني عبارة «الشَّغَلَة دي»، في سياقها، وبمعناها الساري كذلك في السياق، ما يسمى بالعامية «اللَّواطَة»
أنا... الضابط بتاعهم، ود شاب صغير، قال لَيْ ألفاظ أكعب من دي، قال لي: «إنت راجل أصلا متعود على الشغلة دي [النيك/اللواط]، عشان كدة خليك هني [أو، هل هي العبارة غير الواضحة من التسجيل كانت «ننيكك هني»، والتي لم يسمعها جيدا السائل في الفيديو، فاسمع الفيديو غير الواضح وحاول تحديد العبارة].
وحين قدم الصحفي السائل، الذي لم يفهم جيدا كلام الشاهد الطيب، تفسيرا غريبا للعبارة، «إنت راجل أصلا متعود على الشغلة دي»، رد عليه الطيب برفض تفسيره، بالقول للصحفي إن الضابط بل كان قال للطيب إن جهاز الأمن لديه تحريات نتائجها هي أن الطيب محمد سليمان «زول كدا»، أي، لوطي.
وذكر الشاهد الطيب استخدام أفراد فرقة التعذيب «ألفاظ نابية يعف اللسان عن ذكرها»، وأشار إلى ما أسماه «ألفاظ تانية كثيرة جدا».
(4)
كان أحمد الخير المقصود الأول بأشد العذاب، بسبب نشاطه السياسي الراديكالي ضد نظام الإنقاذ، وهو كان أول المعتقلين، وهو الذي كان، من دون المعتقلين الآخرين، له موقعان في الفيسبوك كمنصتين للتعبير عن مقاومته نظام الإنقاذ وكتابته خطابه لكشف الفساد في حكومة ولاية كسلا، ونقابة المعلمين، والنيابة.
فيمكن أن نقرأ بصورة صحيحة من مجمل هذه الوقائع أعلاه، ومن مجمل الأحداث الأخرى ومنها حدث تشريح الجسد وتقريره الثابت تزويره، مما سآتي إليه، ومن السياق، ومن العلم العام، أن أحمد الخير يرجح ترجيحا قويا أنه كان تم فعلا اغتصابه جنسيا.
بل إن ترجيح حدوث الاغتصاب الجنسي مشدود كذلك إلى وضع العبارة المفصلية، "ساقوهو"، في موقعها بين الوقائع المادية القبلية والبعدية، والوقائع الظرفية التي أشرت إليها.
فقبليا، كان تم الإعداد لاغتصاب أحمد الخير بالتقنيات الثلاث: ملص ملابسه، وإسناد اللواط إليه، وتهديده بالاغتصاب الجنسي. مما كله شهد عليه الشاهدان، الطيب وكمال.
أما بعديا، فهو التغيير المادي الذي طرأ على أحمد الخير، بعد أن كانوا أصلا "ساقوهو" ثم أعادوه، وهو التغيير المتمثل في الحالة المأساوية التي كان أصبح عليها أحمد بعد أن كانوا ساقوهو ثم أعادوه، حالة فقدانه قدرته على الحركة، وفقدانه القدرة على الكلام، أو حتى القدرة على إصدار صوت، ومما لا يمكن تفسيره إلا بسبب هول ما لابد كان تعرض له بعد أن "ساقوهو"، وحيدا في قبضتهم.
لغة البذاء الإسلامي
قال الشاهد كمال قمش إنه، وبينما هو كان ملقى على الأرض تحت التعذيب، سمع أحد أفراد فرقة التعذيب التي كانت تعذب أحمد الخير يهدده بالعبارة التالية: «والله ندخل ليك حاجة في صلبك».
وهنا يتعين أن نقف مع اللغة، فأرى أن كلمة «صلبك»، التي استخدمها كمال، لم تكن إلا ترجمة كمال، التهذيبية، بعلة الاستحياء المجتمعي السليم، الترجمة للكلمة البذيئة، الموغلة في إسلاميتها، وحيث إن الإسلامية عقيدة سياسية ذات بذاء، الكلمة البذيئة التي تُستخدم أصلا في المجتمع التعليمي لهؤلاء الأمنجية الإسلاميين خريجي مدرسة جهاز الأمن والمخابرات الوطني، في مثل هذا السياق الروتيني ذي الإجراءات العملياتية المعيارية المتدرَّب عليها في تلك مدرسة الجهاز.
والكلمة لابد هي "قِنِّيطْتَكْ"، فظيعة النطق والمسمع، وهي الأشبه بحقيقية الإسلاميين الأنذال معذبي أحمد الخير.
هذه اللفظة أفظع من مقابلتها «كُسْ»، في تركيبة الأعضاء الجنسية للأنثى، والكُس مذكور بهذا اسمه في بعض الشعر العربي في مجال الشبق: «يا مسلمون أما تقوم أيورُكم، أما لهذا الكُسِّ من نَيَّاك؟»، وللكس جماليات ليست للفظة قِنِّيطْتَكْ، وكلاهما في الخطاب الإسلامي من "الفرج".
وكذا يمكن أن يكون المعذبون استخدموا لفظة أخرى أكثر قبحا من "قِنِّيطْتَكْ"، فالقصد هو إهانة كرامة الضحية وقد وقع بين أيدي هؤلاء الأنذال.
وكلمة قِنِّيطْتَكْ، تجنبها الشاهدان، الطيب وكمال، بذات علة الاستحياء المجتمعي السليم، حيث ترجمها كمال إلى «صُلبَكْ»، قصد عدم جرح مشاعرنا، وترجمها الطيب إلى «دبْرَك»، لذات السبب، حين قال الطيب:
ساقوه [أحمد] وقالوا ليهو يا خي نحن ندخل العصاية، بتاعة الشرطة السوداء، في دُبْركْ.
وهو من تجليات اللغة التي تُلغوِن، وتتحدث أصالة عن نفسها بلسان الشاهدين، رغما عن اجتهادهما في الترجمة، فمنذ متى كان الإسلامي النذل يستحي عن البذاء الصريح الصافي قبحه، ولعل الطيب وكمال أرادا أنسنة هذا الإسلامي المعذِّب الوحش العاجز عن التفكير باللغة.
الجدل حول الاغتصاب
أضاف الشاهد كمال أنه لم ير الآلة التي اغتصبوا بها أحمد الخير جنسيا: «والله، أنا ما شفت الحاجة الدخلوها دي. قال لي بِندَخِّل ليهو...»
لكن، وبالرغم من قول هذا الشاهد إنه لم ير «الحاجة الدَّخلوها ليهو دي شنو»، يرد في تقرير آخر (من الصحفي عبد المنعم سليمان) أن تلك "الحاجة" كانت الآلة الحديدية الصلبة التي جلبها أحد أفراد فرقة التعذيب من سيارة التاتشر الخاصة بالفرقة، والمتوقفة عندئذ في فناء مكتب وحدة الأمن بخشم القربة.
قال كمال، وهو ينفي رؤيته لأداة الاغتصاب الجنسي، ما كان سمعه من أفراد فرقة التعذيب بينما هو مرمي على الأرض:
والله ندخِّل ليك حاجة في صلبك. دي أنا قلتها، هو قالها، لكن أنا ما شفت الحاجة الدَّخَلوها ليهو دي شنو، بعيني ما شفتها، لأنو مرمي على الواطة كدة أنا، تراب، وكدة.
وكذا لم يكن كمال متأكدا، في تلك لحظات الإدلاء بأقواله، من تحديد طبيعة «الآلة» التي هددوا باستخدامها لاغتصاب أحمد جنسيا: «قالو لي [أحمد] ندخل ليك شنو كدة ما عارف، عصاية ولا ماسورة...»
ولابد أن أفراد مجموعة التعذيب كانوا يتحدثون أحيانا بمفردات متواطأ عليها فيما بينهم، فغير مفهومة لدى المعتقلين، تحديدا هنا بشأن طبيعة تلك «الآلة»، الخاصة، المخصوصة لتأديب مثل أحمد، انتقاما منه، على ملاحقته الإسلاميين الفاسدين في ولاية كسلا.
وكتب الصحفي عبد المنعم سلمان كتب في صفحته في الفيسبوك، دون تقديم دليل، ما يلي:
تأكَّد لنا تماما.. وبما لا يدع مجالا للشك.. ان الذي أدخل «السِّيخَة» في دبر شهيدنا الأستاذ «أحمد الخير» والتي أدت إلى مقتله هو «ميرغني فاروق»، الضابط الذي يعمل بهيئة العمليات في جهاز الأمن بمدينة كسلا.. وأن دور فرد الأمن «أونور» كان إحضار « السِّيخَة» من العربة وتسليمها لضابطه».
والذي أراه أن عبد المنعم ظل يتلقى هذه المعلومات من مصار في جهاز الأمن عليمة بجميع تفاصيل عملية خشم القربة، ولابد من التنويه هنا أن الصحفي عبد المنعم سلمان كان أول من قدم تقريرا تفصيليا عن الحدث، وقد بدا تقريره لأول وهلة غير قابل للتصديق، بسبب التفاصيل الدقيقة والمتسقة بصورة مذهلة، وقد كنت كتبت لبعض الأصدقاء أني لا أصدق عبد المنعم حتى أرد أدلة تعضيدية.
وفعلا، ظهرت بعد ذلك التسجيلات من المعتقلين الحاضرين عمليات التعذيب، ومن أفراد أسرة أحمد الخير، وظهر كذب مدير الشرطة بولاية كسلا، فتبين أن رواية عبد المنعم سليمان كانت صحيحة تماما في كل الوقائع الجوهرية.
ولم يظهر لاحقا أي تناقض، أو بيان خطأ، في أي من الوقائع التي كان أوردها عبد المنعم. لكنه عبد المنعم، ومع ذلك لم يقدم دليلا ماديا يعتد به، بسبب أن مصادره العليمة تظل محجوبة، بالمقارنة مع الشهود الآخرين الذين سجلوا شهاداتهم بالفيديو وقدموا أسماءهم علنا، بل منهم من أتاح رقم هاتفه وتلقى مكالمات: الطيب محمد سليمان؛ كمال قمش؛ سعد الخير؛ عبد الرحيم حسن أحمد (خال أحمد الخير).
وبسبب مصداقية الصحفي عبد المنعم سليمان، بشأن تعذيب أحمد الخير، أنقل كاملا النص الذي سجله في موقعه بشأن الكيفية التي تم بها اغتصاب أحمد الخير جنسيا:
كيف قُتل الشهيد؟
أثناء تعذيب المعتقلين، سقط الكثير منهم، وتم إدخال الشهيد ومعه خمسة من المعتقلين إلى "كورنر" غرفة، وتم ضربهم بقوة أكثر من قبل، كانوا يستخدمون العصي والهراوات و"البونية" على جميع أجزاء الجسم.
في لحظة معينة، والشهيد أحمد شبه فاقد للوعي، نادى الملازم أمن، ميرغني فاروق، نادى فرد أمن يدعى أونور. وكان أونور هذا أكثرهم وحشية وبذاءة، وقال له: "شوف شغلك معاهم".
ويبدو أنها شفرة لممارسة الاغتصاب، فدخل فرد الأمن أونور، ومعه فرد أمن آخر يدعى عبد الله، على المعتقلين الذين كانوا يتعرضون للضرب، وقال للمعتقلين: "اقلعوا البنطلونات".
فقاوم المعتقلون بكل بسالة عناصر الأمن. لكنهم تمكنوا من الشهيد أحمد، والذي كان تحت الضرب المبرح، فرمى بحزام البنطلون لكي يوقفوا الضرب، تمكنوا منه، وأمسكوا به من الخلف، بينما قام فرد الأمن، عبد الله هاشم، بنزع بنطلونه عنه، وبعدها بدأ الضرب، وانهمرت سيول البذاءة التي لم يتحملها الشهيد، فسقط على الأرض.
بعدها ذهب أونور لعربة لاندكروزر كانت متوقفة بساحة المكاتب، وأتى منها بحديدة، سيخة، ودخل إلى المكتب وهو يحمل الحديدة، وسط قهقهة وضحك أفراد وحدة التعذيب.
أكد المصدر أنه شاهد أونور يحمل الحديدة من العربة، وبعدها شاهد دماء غزيزةً على بنطلون الشهيد من الخلف.
في العصر، وحوالي الساعة الرابعة والنصف عصراً، تم إفاقة المعتقلين الذين أغشى عليهم، برش ماء بارد عليهم، ومنهم الشهيد، ثم حُملوا على عربات الأمن، كل اتنين في عربة، ومعهم حوالي 8 أفراد، متجهين من خشم القربة إلى كسلا.
هل كان آدم جماع حاضرا اغتصاب أحمد الخير؟
فالذي أراه هو أن هذه الرواية تأتي متماسكة ومتسقة مع كل ما لدينا من بينات أخرى. ولا يبق إلا ظهور المصدر لتقديم الإثبات مباشرة، أمام الملأ وليتلقى الأسئلة ثم يقدم الأجوبة.
كان أحمد الخير هو المستهدف الأول بالتعذيب، أكثر من أي واحد آخر بين المعتقلين، فهو كان أول المعتقلين، وهو أصلا كان بالمقارنة مع المعتقلين العشرة الآخرين أخطرهم على النظام، بسبب انتقاده العلني المكتوب في صفحتيه في الفيسبوك «أحمد الخير»، و «أحمد الخير أحمد»، انتقاده كيانات الحكومة الولائية والمحلية المختلفة، وبسبب ملاحقته نقابة المعلمين الحكومية، والنيابة، وملاحقته الوالي شخصيا، آدم جماع، رئيس لجنة الأمن، والذي كان أحمد الخير يسميه "كَنْكَشة"، و"الطبَّال" الذي يطبل لـ "الراقصة"، عمر البشير، "بِشة"، كله في الخطاب اللاذع من أحمد الخير، في الفيسبوك.
والذي أراه هو أن مجموعة التعذيب المتخصصة كانت فعلا اقتادت أحمد الخير بعيدا عن المعتقلين الآخرين، قصد خصه بأشد العذاب، وقد كان أحمد على رأس ما كان تمت تسميته في الدائرة الأمنية «قائمة الهوس بخشم القربة»، وفق ما كان جاء في تنوير رئيس المكتب في خشم القربة لفرقة التعذيب المتخصصة والمبتعثة من مدينة كسلا. ونسجل مجددا أن ابتعاثها كان بأمر آدم جماع، والي الولاية، من موقعه كرئيس لجنة الأمن، وفي عضوية اللجنة العميد علم الدين آدم، رئيس جهاز الأمن بالولاية، ومدير الشرطة بالولاية اللواء يسن محمد حسن، ووكيل النيابة الأعلى التيجاني عباس.
وقد وردَني من مصدر أثق فيه، منقولا عن مصدر آخر، أن آدم جماع، والي الولاية، كان رافق فرقة التعذيب، من كسلا إلى خشم القربة، وأنه آدم جماع حضر شخصيا مشهد اغتصاب أحمد الخير جنسيا.
وبيَّن المصدرُ، الذي لم يكن على علم بموقف أحمد الخير المكتوب في الفيسبوك إزاء الوالي، أن الوالي يأخذ كل تحدٍ له في عمله الرسمي وكأنه إهانة شخصية، وأنه من نوع الموظف الذي يحمل الضغينة ويصمم على الانتقام من منتقديه.
هذه الواقعة عن حضور آدم جماع تعذيب أحمد الخير في خشم القربة يتعين التحقق من صحتها، بالرغم من عدم ورودها من قبل مصادر الصحفي عبد المنعم سلمان، والتي لابد كانت ستكون على علم بما إذا كان آدم جماع حضر مشهد اغتصاب أحمد الخير.
إلا إذا كان آدم جماع حضر إلى مكتب وحدة الأمن متخفيا، لكن بمعرفة الضابطين المسؤولين فاروق عثمان، وميرغني فاروق.
ويثور السؤال عما إذا كانت العربة "اللاندكروزر" المشار إليها بصورة مبهمة في تقرير عبد المنعم سليمان أعلاه، والتي تم جلب سيخة الاغتصاب منها، ما إذا كانت هي سيارة آدم جماع. لا ندري.
لكن من السهل تأكيد الوقائع بشأن حضور آدم جماع أو دحضها تماما. ولا أذكرها هنا إلا بسبب نذالة الإسلاميين، والسرية التي يحيطون بها افعالهم ذات البشاعة، فمتهمون بكل فعل إجرامي ذي نذالة، حتى يثبت العكس.
اغتصاب أمجد بابكر
ولدعم إثبات تعرض أحمد الخير للاغتصاب الجنسي، خذ مجددا شهادة الطيب محمد سليمان عن المعتقل أمجد بابكر الثابت أن فرقة التعذيب اغتصبته جنسيا أمام المعتقلين الآخرين، بعد أن قاوم أمجد اغتصابه، ورفض حل سرواله، ومما اضطر اثنين من العساكر من مجموعة التعذيب إلى الإمساك بأمجد ورفعه ليتسنى لأفراد فرقة التعذيب التمكن منه، في شكل جماعي، فاغتصبوه جنسيا، رغم تمسكه بسرواله في محله، «وبالملابس، لزوا ليهو العصاية دي»:
أمجد بابكر دا، أصَرَّ ومسك مَلابسو، لَمَّن قالوا لي الكلام دا، ورفعوه اِتنين عسكري، وبالملابس، لَزوا ليهو العصاية دي.
فإذا كانت فرقة التعذيب اغتصبت جنسيا أمجد بابكر بعصاة، مما هو ثابت، وعلى مرأى من الجميع، وإذا كانت هي «استباحت» بقية المعتقلين «بكل الأشكال»، مما قاله الشاهد الطيب محمد سليمان، فلابد أن هذه فرقة التعذيب كذلك اغتصبت أحمد الخير جنسيا، وإنها اغتصبته باستخدام ما هو أسوأ من عصاة، وبطريقة أشد إيلاما وفظاعة، مما أفضى إلى موته. وهم استهدفوه بالاغتصاب الجنسي الشنيع بسبب أن أحمد كان كما أسلفت المستهدَف الأول، وربما الوحيد، بأشد العذاب والتعذيب، باستخدام كيرنج في شكل سيخة.
وشناعة الاغتصاب هي التي تفسر اختفائية اغتصاب أحمد الخير، حيث كان الجناة قرروا خصه بروع غير متصور، في وحشيته، وفي قدرته على إحداث الألم والعذاب مما لا يطاق، لذا كان اغتصابه بآلة حديدية حادة، تلك "السيخة"، ولهذا السبب أيضا، الاغتصاب الجنسي، بهذه الآلة الحديدية الحادة، السيخة، لا "العصاية"، فارق أحمد الخير الحياة، وهو تحت التعذيب.
حالة أحمد الخير بعد اغتصابه
لم يكن تعذيب أحمد الخير، بعد اغتصابه جنسيا، ليضيف شيئا، فقد كان أحمد الخير أصلا قرر مفارقة الحياة، في تلك لحظات اغتصابه جنسيا. وبعد أن تمت إعادته إلى غرفة الحراسة، بعد ذلك اغتصابه، كان أحمد فقد القدرة على الحركة، وكذا لم يعد قادرا على الكلام أو إصدار صوت، وربما هي كانت أولى علامات الموت الدماغي بطيئا.
كذلك لم يكن ليؤثر في جسد أحمد شيء، حين كانوا «رفعوه» في التاشر، السيارة وفيها النقيب ميرغني فاروق رئيس وحدة التعذيب المتخصصة المبتعثة من مدينة كسلا، ولم يكن أحمد ليحس شيئا، حين كان أعضاء فرقة التعذيب المرافقينه في سيارة جهاز الأمن التاتشر يطأونه بأحذيتهم ويضربونه ويركلونه ويصفعون وجهه، لتعود إليه الحياة، قصد مواصلة تعذيبه، وهو تحت قبضتهم، فموته كان سيكون حرمانا لهم من استمرارية المتعة المتأتية من أدائيات التعذيب الإسلامي.
ثالثا، الإجبار على الأكل
قال الشاهد الطيب محمد سليمان، إنه، بعد كل تلك أفعال التعذيب، الوارد بيانها أعلاه، بعد الضرب، والإهانة بلغة اللواط، والتوجيه بخلع الملابس، والدحرجة على الأرض والأشواك، والطعام المتعفن، وبعد الاغتصاب الجنسي على مرأى من الآخرين لأمجد بابكر والاستباحة لجسد الشاهد الطيب محمد سيلمان ...
أي، بعد تعبئة واستخدام كل تلك تقنيات التعذيب الإسلامي الممكنة في الوضعية المحددة، جَلبت فرقة التعذيب إلى المعتقلين الأحد عشرة «صينية بتاعت فتة»، وهذه ليست تلك الوجبة المُخمِّرة الأولى، التي كانت قدمت إليهم قبل وصول فرقة التعذيب المبتعثة من مدينة كسلا، والتي كان المعتقلون رفضوا أكلها، لأنها كانت متعفنة، بل كانت هذه الأخيرة، كـ "صينية بتاعت فتة"، وجبة مختلفةً، ولم تكن مثل سابقتها متعفنة أو متخمرة.
لم يدرك الطيب، أو بقية المعتقلين، بصورة كاملة، عند الإدلاء بشهادتهما، أن تقديم الوجبة المتخمرة المتعفنة، الأولى، كان تقنية للتعذيب مقصودة، ابتدعها المهنيون الإسلاميون ذاتهم، في جهاز الأمن، ونفذها إسلاميون مدرَّبون، كتقنية مستقلة، من تقنيات التعذيب الإسلامي، لإهانة المعتقلين.
وذات هذه التقنية للتعذيب كان تحدث عنها أحمد معتقلي أحداث 2013، ووصف الوجبة المقدمة لهم في المعتقل بأنها كانت بها «ديدان»، مما أسلفت بيانه، لكني أظل أركز عليه، قصد التوكيد، على نمطية «إسلامية» أفعال التعذيب، للأسباب الظاهرة والباطنة من تأسيس الإسلاميين بيروقراطية متكاملة وإجراءات معيارية روتينية للتعذيب الإسلامي، وكامل وقائعها موجودة في الأرشيف.
فأما وقد تم، هذه المرة الحاضرة، جلب وجبة طعام غير متخمرة وغير متعفنة، "صينية بتاعت فتة"، يتعين أيضا أن نكيف هذا الفعل ذاته على أنه كذلك من أفعال التعذيب، بالرغم من أن وجبة الطعام لم تكن متخمرة أو متعفنة.
ذلك، من حيث إن هذا الفعل يَبسط سيطرة فرقة التعذيب، ويُظهِر قوتها، بأنها فرقة التعذيب إلهية، كإسلامية، تملك سلطة الحياة والموت، يمكن أن تقتلك بتجويعك، أو بإهانتك بوجبة طعام تعافها الحيوانات، قصد التأكيد لك أنك المقاوم العنيد لست من البشر، وقد نزع هذا الإسلامي الغريب عنك مقامية «الإنسان».
وهي الآن، هذه المرة، ذاتها فرقة التعذيب المالكة القدرة على حرمانك من الحياة جوعا أو بسبب التسمم من وجبة تعافها الحيوانات، تبين لك أنها قادرة الآن على منحك بسطةَ حياة، منحةً منها وصدقةً، وهي الآن، هذه المرة، تقدم لك وجبة طعام غير متخمرة وغير متعفنة.
هنا يزرع هذا الإسلامي، الحاذق بالدربة مهنة التعذيب، يزرع في دماغ المعتقل اليأس، وفقدان السيطرة على حياته، ويزرع فيه عدم القدرة على التنبؤ بما سيفعله به هذا الإسلامي النذل، الذي عزل هذا المقاوم المعتقل تماما عن ذوي القربي، ووضعه وجها لوجه مع حقيقية الشطن الإسلامي، فيه القدرة على تقتيلك والقدرة على السماح لك أن تعيش، بإرادة هذا إسلامي الشطن لا بإرادتك أنت.
انعدام القدرة على أكل الطعام المقدم
قال الشاهد الطيب، إنه لم يكن أي من المعتقلين قادرا حتى على الجلوس ليأكل ذلك الطعام الجديد غير المتخمر وغير المتعفن. وكان هذا عدم القدرة على الجلوس لتناول طعام بسبب التعذيب المستمر حتى بعد المغرب، يوم الجمعة 1/1/2019، بما فيه التعذيب بـ «ألفاظ تانية كثيرة جدا جدا؛ وضرب بمبالغة؛ ضرب في كل أجزاء الجسم».
بعد داك جابوا لينا صينية بتاعت فتة. بعد داك، جابوا لينا صينية بتاعت فتة. في وضع مأساوي زي دا، يقولوا ليك أُكُلْ.
مافي زول قِدِر ياكُل، لأنو زول بِيَقْدَر يَقعُد على حِيلو مافي.
ولم يكن ذلك الاكتشاف اكتشافا إلا للطيب محمد سليمان. أما الإسلامي المعذِّب، فقد كان على عِلم سبقي، اضربهم حتى لا يقدرون على الجلوس، ثم قدم لهم وجبة طعام طيبة!
فأي مشهد وأية روعة!
الإجبار على الأكل بالضرب
هنا، وبسبب عدم قدرة المعتقلين على الأكل، بدأت فرقة التعذيب في تنفيذ الإجراءات العملياتية المعيارية الروتينية، ضرب المعتقلين، لإجبارهم على الأكل.
وفعلا، انصاع المعتقلون، تحت الضرب، إلى جبروت هؤلاء الإسلاميين المعذِّبين مالكي قدرة الإماتة والإحياء: «الناس اضطرت، دَقُّوها عشان تأكل»، هكذا شهد الطيب محمد سليمان.
هكذا، كان هذا الإجبار على الأكل، أكل الوجبة غير المتخمرة غير المتعفنة، في ذاته، تقنية إضافية من تقنيات التعذيب الإسلامي.
ولأن المعتقل في قبضة الإسلاميين لا يملك قراره ولا إرادته إلا بمقدار، اضطر المعتقلون إلى مقاربة الأكل من تلك «صينية الفَتَّة» وتناوله، كذلك لأسباب ذاتية متعلقة بالمقاومة المستمرة حتى في أحلك الظروف، قصد مواصلة بقاء المقاوم حيا، ليقاوم مجددا بعد نهاية هذه المحنة.
ظهور تدهور حالة أحمد الخير
نعرف من الشاهد الطيب محمد سليمان أن المعذِّبين، بعد أن «ساقوه»، أحمد الخير، ولابد هناك اغتصبوه جنسيا، ثم أعادوه ليجلس في مكان في غرفة الحراسة متكئا لا يقوى على الحركة أو الكلام أو إصدار صوت، شرعوا في ضربه لقسره على أن يأكل.
هنا، وضع أحد المعتقلين لقمة من الفتة في فم أحمد الخير، ولابد كان معلوما وواضحا لدى جميع المعتقلين ما كان فعله الإسلاميون أعضاء فرقة التعذيب بأحمد الخير، بعد أن كانوا «ساقوه».
لكن أحمد الخير لم يقوَ حتى على بلع لقمة الفتة الطيبة المقدمة إليه، التي وضعها أحد المعتقلين في فمه، وكان أحمد الخير أصلا، تحت أثر تعذيبه، ولابد بسبب ذلك اغتصابه جنسيا، غير قادر حتى على تحريك يده إلى صينية الفتة أمامه.
هكذا، كان واضحا من أقوال الشاهد الطيب محمد سليمان أن أحمد الخير، في تلك اللحظات، كان يفقد سراعا قدرته على تفعيل الإرادة، القدرة الكامنة في الدماغ، وفي تقديري كان أحمد الخير بدأ رحلته في مسار موت دماغي، وحيدا، بدون عودة.
لم يكن أحمد الخير، عند إعادته إلى غرفة الحراسة، التي كانوا «ساقوه» منها، حيث خصوه في مكان آخر بأبشع أشكال الاغتصاب الجنسي، وهو مرجح بقوة البينات المادية والظرفية المشار إليها سبقا، ثم أعادوه، لم يكن أحمد، عندئذ، وهو بين المعتقلين الآخرين، قادرا على أي تعامل جسدي، برسائل من الدماغ، إلى اليد، لتمسك اليد باللقمة، أو لتتحرك اليد تحمل اللقمة لتضعها في فمه، ومن ثم لمضغها وبلعها.
وحتى حين ساعده المعتقل الآخر الآنف ذكره، وحمل اللقمة نيابة عن أحمد، ونيابة عن أحمد وضعها في فم أحمد، لم يتمكن دماغ أحمد من إرسال الرسالة المعتادة، أو أن الفم ذاته كانت تقطعت صِلاته بالدماغ، فلم يعد الدماغ قادرا على «فهم» اللقمة، أو التعامل معها، حتى إذا كان فهمها، فسقطت اللقمة، من تلقاء نفسها، من فم أحمد.
قال الشاهد، الطيب محمد سليمان:
فواحد من الناس خَتَّ للمرحوم لُقمة في خشمو، واللقمة دي وقعت من خَشْم المرحوم، ما بلعها.
وذلك المعتقل ربما كان مصطفى كير، الذي وضع لقمة من صينية الفتة في فم أحمد، وسيرد ذكر اسمه لاحقا بشأن تقنية تعذيب إضافية.
تتلخص هذه الواقعة فيما أسلفت أن أحمد الخير، والذي كان يلاقي الساعات الأخيرة، قبل مفارقته الحياة، متأثرا بروع الاغتصاب الجنسي الإسلامي الذي اقترفته في جسده فرقة التعذيب المتخصصة، لم يكن قادرا حتى على تحريك يده، بنفسه، لالتقاط لقمة من الصينية أمامه، وهو لابد كان ملقى على الأرض، أو متكئا على حائط غرفة الحراسة، بعد أن كانوا «ساقوه»، واغتصبوه جنسيا، وهو فعل الاغتصاب الجنسي الذي جرى في مكان لا يراه فيه، ولم يره فيه، أي من المعتقلين، قبل إعادته إليهم في غرفة الحراسة المشتركة، ورميه على أرضيتها.
التعذيب بإظهار الرأفة
عندئذ، قرر الضابط رئيس فرقة التعذيب، ميرغني فاروق، تجريب تقنية إسلامية أخرى لتعذيب هؤلاء المعتقلين المقاومين إرادةَ هذا المعذِّب إبقاءهم على قيد الحياة. وهي تقنية ظاهرها إظهار الرأفة بالمعتقلين، لكن المقاصد من ورائها شريرة، منها إهانة كرامة المعتقل المقاوم، رغم أن هيئتها جلب طعام أكثر مقبولية وتقديمه للمعتقلين غير القادرين على تناول طعام لا بأس به من صينية بتاعت فتة.
ومن مقاصد هذي تقنية إظهار الرأفة بالمعتقلين استمتاع الإسلامي المعذب، هنا الضابط رئيس فرقة التعذيب، بمشهد المعتقلين يعترفون ضمنا أو تصريحا بقدرة هذا الإسلامي معذبهم على منحهم الحياة، بتغذيتهم، مثلما كانت في البدء ملاقاتهم قدرته على حرمانهم من الحياة، بتجويعهم بمنع الغذاء والماء عنهم، أو بتقديمه لهم ما ليس بغذاء، تلك فتة الفول المخمرة المتعفنة.
قال الطيب:
الضابط قال خلوهم، جيبوا ليهم زبادي، جابوا الزبادي في كيس، كلو زي نص رطل نص رطل، وأدونا.
في مَن شِرب الزبادي، أنا واحد من الناس شِربتَ الزبادي.
هكذا، أمر ميرغني فاروق، الضابط رئيس فرقة التعذيب، أفراد قوته بالتخلي عن إجبار المعتقلين على أكل ذلك الطعام المتمثل في "صينية بتاعت فتة"، غير المخمرة وغير المتعفنة، والتي بالرغم من ذلك بدت غير مشتهاة في ظروف من ظل يتعرض للتعذيب على مدى ساعات طوال.
أمر ميرغني فاروق بإحضار طعام أكثر قابلية لتناوله، رأفة متصنعة منه بحالة المعتقلين غير القادرين أصلا على الجلوس أو على الأكل، وهي الرأفة المتصَنعةُ كذلك تقنيةٌ شريرة مستحضَرة من ذات ذلك "قِدر الشطن الإسلامي"، كما أسميه مخزون أدوات التعذيب ذا التأصيل في الشريعة الإسلامية، بعلة إخضاع معارضي الإسلامية، وهي الإسلامية عند الإسلاميين الإسلامُ ذاتُه، إخضاعهم للعذاب الشديد الأليم المهين.
وفعلا، تم إحضار «الزبادي» في أكياس معبئة بنصف رطل لكل منها. وكله حتى في هذا التفصيل كان كذلك من خصائص ذات تقنيات التعذيب المدروسة، ولم يكن فعل هذا الضابط إلا مِن وحي ما تعلمه بالتلقين أو بالاجتهاد من فقه التعذيب الإسلامي.
هنا اضطر بعض المعتقلين إلى شرب الزبادي، وهنالك إشارة إلى أن بعضهم أباه.
يبدو أن أحمد الخير كان ممسكا بكيس الزبادي في قبضة يده، بصورة لا إرادية، ربما بسبب تشنجات الجسد، وهو لم يقو على تناول شيء من ذلك كيس الزبادي.
عندئذ، فهم أحد المعتقلين، مصطفى كير، وربما هو ذاته الذي كان سبقا يسعى إلى إبقاء أحمد على قيد الحياة، حين كان وضع في فم أحمد لقمة الفتة التي لم يكن أحمد قادرا على تناولها ووقعت من فمه، فهم، هذه المرة، عند تقديم أكياس الزبادي، أن أحمد الخير كان عبر في مسار رحلته إلى انتقالية عالم آخر، عالم عدمية الكينونة.
عندئذ، أخد مصطفى كير ذلك كيس الزبادي المخصص لأحمد الخير، أخذه من قبضة يد أحمد الخير، وشربه، وكانت هذه لحظة مادية من لحظات المقاومة، من قبل مصطفى كير، المقاومة بالإصرار على البقاء حيا، في أقسى ظروف امتهان الكرامة الإنسانية، على يد إسلاميين أنذال:
المرحوم دا ماسك الزبادي في يَدُّو، اِتَّكَل على الحيطة؛ قام مصطفى كير شال الزبادي مِنُّو شِرْبُو.
فتؤرخ هذه الوقائع المايكروسكوبية الدقيقة الكيفية التي بها عبر أحمد الخير، في مسار انتقاليته إلى عالم آخر، عالم عدمية الكينونة، حتى قبل نهائية الحياة. والتأرخة هي للَّحظة التي حدث فيها الإدراك العام، الحاضر في لحظته، والمستقبلي برجعة إعادة تركيب الحدث، أن أحمد لم يعد يحتاج صدقة من معذبيه الإسلاميين الأنذال، الصدقة في هيئة كيس زبادي، عبوة نص رطل.
وأصلا لم يعد أحمد يحتاج مدد غذاء، وقد تحول الجسد الحي وفيه الدماغ محل القرار والمقاومة، تحول إلى كتلة صماء بدأت تتقطع صلتها بالعالم من حوله.
أكد الشاهد الطيب محمد سليمان أن أحمد الخير لم يتناول غير الماء، من لحظة اعتقاله مساء يوم الخميس 31/1/2019، إلى مساء يوم الجمعة 1/2/2019، لحظة رمي مجموعة التعذيب أحمدا في أرضية عربة جهاز الأمن، حيث ستكون مفارقة أحمد الحياة، على متن تلك السيارة الإسلامية اللعينة، التاتشر، في الطريق من خشم القربة إلى مدينة كسلا، عند «لفة حلفا»:
أنا أوكد من النقطة دي: إنو هو [أحمد الخير]، من يوم الخميس، الساعة عشرة ونص، لحظة التلاقي معاهو، لحدي يوم الجمعة، بعد صلاة المغرب، الزول [أحمد الخير] ما دخل جوفو إلا موية.
...
هكذا، يتضح، من جُمَّاع أقوال الشاهد الطيب محمد سليمان، أن أحمد الخير، الذي كان جرى اعتقاله، واستجوابه، وضربه، وتجويعه، وإهانته، واغتصابه جنسيا، بآلة حديدية، كان بدأ يموت، موتا دماغيا، وإن هي إلا بضع ساعات قليلة، ويفارق الحياةَ: أحمدُ الخير أحمد عوض الكريم، المعلم، السياسي الحركي الراديكالي، العاشق.
كان كل معتقل يعاني، بسبب التعذيب، وهنا في قبضة الإسلاميين الأنذال ملاقاة المعتقل وحدانيته وعزلته وتغريبه، كل معتقل على حدة في فردانيته، بالرغم من حضور المعتقلين الآخرين معه وبجانبه، وبالرغم من «العلاقة» القوية التي تنشأ بين المعتقلين، في محنتهم، في قبضة هؤلاء أوغاد الإسلاميين.
فلقد شهدنا، في الخيال، عبر ترجمتنا أقوال الشاهدين الحاضرين الطيب محمد سليمان وكمال قمش، عزلة أحمد الخير يواجه الموت وحيدا، وقد كان فقد القدرة على الحركة، وعلى الأكل، وقدرة اللغة، أو على إصدار صوت غير ناطق حتى.
ولم يكن في مقدور أي من المعتقلين مساعدة أحمد الخير، أو الموت معه، أو نيابة عنه (هايدجر). وهو الموت في العزلة الكاملة على أيدي الإسلاميين وبيدهم.
رابعا، استمرارية التعذيب
فقدان أحمد الخير القدرة على الكلام
أكد الشاهد الطيب محمد سليمان أن تعذيب أحمد الخير، والمعتقلين، بالضرب، استمر حتى بعد المغرب، أي إن أحمد الخير جرى تعذيبه مجددا بالضرب، حتى بعد ذلك اغتصابه جنسيا، واستمر الضرب حتى قبل تنقيل المعتقلين إلى كسلا، وقت العشاء.
وقال الطيب إن أحمد، في تلك اللحظات، فيما أركبه أنه كان مباشرة بعد اغتصابه، ومن بعد عند تعذيبه بالضرب مجددا، فقد قدرته على التواصل بالصوت:
هو كان ما قاعد يِتواصل بالصوت.
كان لحدي اللحظة ديك، بعد الضرب بتاع بعد المغرب، هو كان ما قاعد يتواصل بالصوت أصلا.
فيتعين أن ندرك أن فقدان القدرة على التواصل بالصوت، وعدم القدرة على الحركة، لا يكون إلا بسبب أمر جلل في دماغ أحمد الخير.
وسنعرف لاحقا عن ادعاء أخصائي التشريح بمستشفى القضارف، عبد الرحيم محمد صالح، بعد أن شق الدماغ، ادعائه الكاذب أن "المخ سليم من الإصابات الظاهرة". بينما الثابت هو أن الدماغ بل يسجلُ، بالكتابة المحفورة في العصبونات المتحالفة، حَدثَ توقفه عن إمداد ذاته بالحياة، وهو التوقف الذي لا يكون حدثا فجائيا قطعيا، أو دون أثر، بل له مسار يترك وراءه آثارا مكتوبة بالجراح الدامية في مناطق الدماغ، بما فيها منطقة اللغة.
رفض إسعاف أحمد الخير
يتضح من أقوال الشاهد الطيب محمد سليمان أنه بالرغم من ملاحظة الضابط ميرغني فاروق، رئيس فرقة التعذيب، وزميله الضابط الآخر النقيب عبد الله هاشم مهدي، ولابد من ملاحظة أفراد القوة الآخرين، تحت إشرافهما، ملاحظتهم تردي حالة أحمد الخير، خاصة بعد اغتصابه جنسيا، وعند مواصلة تعذيبه بالضرب بعد اغتصابه، «ما حاولوا يسعفوه نهائي»، رغم أن المستشفى كانت على بعد خمسين مترا من مكان التعذيب.
والتفسير واضح، فقد كان أحمد الخير، عند هؤلاء الإسلاميين، عدوا للدولة الإسلامية/نظام الإنقاذ، ومن ثم كان يجوز شرعا تعذيبه وقتله، ومثله مثل كل معارض مقاوم ضد الدولة الإسلامية، كان أحمد الخير معتمَدا لدى الإسلاميين الأنذال جسدا نافقا، فيمكن التخلص منه، وحتى لا يسجل أحمد الخير بمفارقته الحياة انتصارا سريعا على هؤلاء الإسلاميين، فهم عمدوا إلى تعذيبه أولا، قبل قتله، في تلك المسرحية الإسلامية الشيطانية ذات الفصول المتقطعة والمتمددة.
كذلك كانت فرقة التعذيب تخشى من أخذ أحمد إلى مستشفى خشم القربة، حيث أهل أحمد وأفراد مجتمعه المحلي موجودون، مما كان سيثير حفيظتهم، حتى إذا لم يكن أحمد مات تحت التعذيب.
وفاة أحمد الخير تحت التعذيب
في الساعة الثامنة مساء أو بعدها بقليل، بعد صلاة العشاء، كانت فرقة التعذيب المبتعثة من كسلا أنهت عمليتها لتعذيب المعتقلين في مدينة خشم القربة، وأخذت الفرقة أحمد الخير وبقية المعتقلين العشرة، إلى مدينة كسلا.
ولتنفيذ هذا الإجراء، تم تقسيم المعتقلين الأحد عشر على العربات الأربعة أو الخمسة المتجهة نحو مدينة كسلا. ولأن أحمد الخير كان في حالة خطيرة، نتيجة تعذيبه واغتصابه جنسيا، وبعد تعذيبه مجددا بالضرب، حتى بعد صلاة المغرب، وقبل العشاء، اضطر رجال الأمن إلى رفعه رفعا في السيارة، «بعد داك رفعوه»، في شهادة الطيب.
يتعين أن نعرف أن أحمد الخير، حتى في تلك حالة فقدانه القدرة على الحركة، أو الكلام، أو إصدار صوت، كان يُعتبر خطيرا لدى معذبيه، وكان مصدر قلق، عند فرقة التعذيب، لذا تم نقله في سيارة رئيس فرقة التعذيب، النقيب ميرغني فاروق، الذي كان يجلس في المقعد الأمامي، جنب السائق أوشيك أحمد، وكان أوشيك نفسه شارك في تعذيب أحمد الخير وبقية المعتقلين، في خشم القربة.
وحين رفعوا أحمدا، رموه على أرضية تلك سيارة رئيس فرقة التعذيب، النقيب ميرغني فاروق، وبجانبه كان مرميا، كما أسلفت، رفيقه المعتقل أمجد بابكر، الذي كذلك كان كذلك جرى اغتصابه في مكتب وحدة الأمن بخشم القربة، رغم مقاومته الشرسة.
وكان يحرسهما، ويعذبهما، حتى ذلك الوقت، في سيارة رئيس فرقة التعذيب، في الطريق من خشم القربة إلى كسلا، مجموعة من خمسة أو ستة أفراد من فرقة التعذيب. وهنا كان مستمرا دهس أحمد تحت أرجل أفراد المجموعة، مما ورد في تقرير الصحفي عبد العبد المنعم سليمان، من مصادره داخل جهاز الأمن:
تم رميهم على بطونهم في ظهر العربة، ووضع أرجلهم إلى أعلى، وكان أفراد القوة يطأونهم كل مرة وأخرى بأحذيتهم، على ظهورهم، في وضعية لا يتحملها «الحيوان»، بحسب وصف المصدر الموثوق.
قرر أحمد الخير أحمد عوض الكريم مفارقة الحياة، واكتشف زميله أمجد بابكر أن أحمد لم يعد يتنفس. في سيارة رئيس فرقة التعذيب، الملازم ميرغني فاروق، في الطريق بين خشم القربة ومدينة كسلا، وبينما كانت أفعال التعذيب مستمرة بواسطة المجموعة الصغيرة في السيارة التاتشر التي كانت تحمل أحمد الخير وأمجد بابكر.
جاء في تقرير عبد العبد المنعم سليمان، وهو تقرير أكدت أغلب تفاصيله الدقيقة أقوالٌ لاحقة من الشهود ومن الحكومة، ما يلي، عن اللحظات الأخيرة في حياة أحمد الخير:
في الطريق، وبعد (لَفَّة حلفا)، وهم في طريقهم إلى كسلا، شعر المعتقل أمجد بابكر الذي كان يرقد على بطنه، وكان وجهه مقابل وجه الشهيد، بأن أحمد قد توقف عن التنفس، فصرخ [أمجد] بأعلى صوته لأفراد الأمن: «أحمد مات».
لم يأبه أحدٌ من أفراد القوة بالصراخ، ولم تتوقف العربة المسرعة لتفقد حالة الشهيد. وعندما زاد صراخ أمجد، مطالباً بإنقاذ رفيقه من الموت، تم ضربه.
سمع الملازم [ميرغني فاروق]، من مقعده الأمامي في السيارة، الضجة في الخلفية، فأوقف العربة على يمين الطريق، وسأل أفراد الوحدة عن الأمر، وحكوا له ما قاله أمجد. فقال لهم: «كدي أدُّوهو عكاز عكازين، يمكن يصحا».
وبالفعل، قام أحدهم بضرب الشهيد، وهو ميت، بعصاة على قدمه. ولما لم يتحرك الشهيد، قال الملازم ميرغني فاروق لأحد عناصر الأمن «أديهو كف، يمكن غَمران»، وأيضاً قام هذا الفرد بضرب الشهيد بقوة على وجهه، وبعدها أيقن الملازم أمن ميرغني فاروق بأن المعتقل أحمد الخير قد فارق الحياة.
لحق الضابط ببقية العربات التي توقفت على يمين الشارع، وبدأ الضباط في إجراء الاتصالات....
يبين النص أعلاه أن ضابط جهاز الأمن، ميرغني فاروق، أدرك خطورة موقفه، فأجرى اتصالات يرجح أنها كانت مع العميد علم الدين آدم، مدير جهاز الأمن بكسلا، ومن ثم بدأ حبك الرواية الكاذبة، عن ظروف وفاة أحمد الخير، وفق أنموذج معتمد لدى جهاز الأمن والكيانات الإسلامية ذات العلاقة، دائما بتفعيل ذات الإجراءات العملياتية المعيارية، في مثل هذه الحالات الطارئة.
فتم نقل الجثمان أولا إلى مكتب جهاز الأمن، ومن بعد تمت إحالته إلى مستشفى كسلا التعليمي، في ذات ليلة الجمعة 1/1/2019، حيث كتب الطبيب محمد علي محمد الحسن تقريرا مزورا، فيها معلومة صحيحة وحيدة، أن أحمد الخير أحمد كان "المتوفي". وسآتي لاحقا إلى فعل التزوير في تقرير هذا الطبيب بدون تاريخ.
ومن ثم اتصل جهاز الأمن بذوي أحمد الخير، وأخبرهم بوفاته، وبوجود الجثمان بمستشفى كسلا التعليمي. فحضر أهل أحمد الخير من بينهم شقيقه سعد وابن عمه عبد الرحيم، من خشم القربة إلى المستشفى في مدينة كسلا. وبعد المعاينة، أصر سعد، شقيق أحمد الخير، وعبد الرحيم، خاله، على تشريح الجثة. فتقرر نقل الجثمان إلى مدينة القضارف، لتشريح الجثة. لكن رئيس النيابة قال إن وكيل النيابة الأعلى التجاني عباس في ولاية كسلا هو الذي وجه بإحالة الجثة إلى مشرحة مستشفى القضارف.
صاحب عبد الرحيم حسن أحمد، خال أحمد الخير وابن عمه، الجثمان في سيارة الإسعاف التي نقلته إلى مدينة القضارف لتشريحه، فجر السبت 2/2/2019. وكان سعد الخير في سيارة أخرى وراء سيارة الإسعاف.
وصل الإسعاف بالجثة إلى مشرحة مستشفى القضارف، صباح يوم السبت 2/2/2019.
أجرى الطبيب عبد الرحيم محمد صالح تشريح الجثة، في حضور سعد الخير، وحضور ممثلين لكافة الأجهزة الأمنية والشرطية والجيش.
ومن بعد، أخذ أهل أحمد الخير جثمانه، ودفنوه بخشم القربة في مساء ذات يوم السبت 2/2/2019.
أولا، التنقيل من خشم القربة
كانت لجنة الأمن برئاسة والي كسلا آدم جماع، وعضوية قيادات الحكومة الولائية، بما فيها مدير الأمن، العميد علم الدين آدم، ومدير الشرطة اللواء حسن محمد يسن، ووكيل النيابة الأعلى بولاية كسلا، التجاني عباس، اتخذت قرارا سبقيا باعتقال القادة المشاركين في المظاهرة، وتنقيلهم من خشم القربة إلى مدينة كسلا، التنقيل بواسطة فرقة متخصصة في التعذيب يتم ابتعاثها من مدينة كسلا إلى وحدة جهاز الأمن بخشم القربة. وكان من العلم العام لدى أعضاء لجنة الأمن أن تكنولوجيا التعذيب لها تأسيس في جهاز الأمن، وفي القوات النظامية المختلفة، وأن تعذيب المعارضين من التقنيات المعتمدة لدى لجنة الأمن بكامل عضويتها.
ومن ثم كان تعذيب المعتقلين الأحد عشرة في مدينة خشم القربة قبل ترحيلهم إلى كسلا تحصيل حاصل، في فهم لجنة الأمن، وكذا هو كان في تقدير اللجنة ضروريا، في ذاته، لكي يرى ويسمع أهل خشم القربة عن هذا التعذيب، وليدرك كل من تسول له نفسه مقاومة الدولة الإسلامية أن ذلك سيكون عقابه انتقاما منه على جرأته، وقد عرفنا من الشاهدين أن أفعال التعذيب دارت في حوش مبنى وحدة الأمن، وكان متاحا للجيران وللمارة مشاهدة تعذيب المعتقلين الأحد عشرة، ومشاهدة اغتصابهم جنسيا، أيضا، على أقل تقدير مشاهدة اغتصاب أمجد بابكر، وكذا «استباحة» الطيب محمد سليمان، وآخرين، «استباحة كاملة».
فبعد أن جاء وقت تنقيل المعتقلين من خشم القربة إلى مدينة كسلا، وفق قرار لجنة الأمن الولائية بقيادة آدم جماع، لم يكن أحمد الخير قادرا على الحركة، فرفعه معذِّبوه الإسلاميون في سيارة جهاز الأمن.
وبشأن هذه الواقعة، رفعُ أحمد في سيارة جهاز الأمن، قال الشاهد الطيب محمد سليمان إنه كان رافق أحمدا في المعتقل بمكتب الأمن في خشم القربة، حتى لحظة الخروج منها في عربات الأمن، في معية فرقة التعذيب من ثلاثين ويزيد من الأفراد، متجهين إلى كسلا، بعد وقت صلاة العشاء، ذلك باستثناء حدث الاغتصاب الجنسي، بعد أن كان المعذبون «ساقوه»، ثم أعادوه إلى غرفة الحراسة :
الزول [أحمد]، مما دخل المعتقل، أنا لقيتو في الحراسة، من الساعة عشرة ونص يوم الخميس. طلعنا من المعتقل بتاع القربة، متوجهين لمعتقل كسلا، يوم الجمعة بعد صلاة العشا.
أنا أوكد، في الفترة دي كلها، نحن ما افترقنا، اعتذبنا في مكان واحد، وقعدنا في مكان واحد.
....
كان لحدي اللحظة ديك، بعد الضرب بتاع بعد المغرب، هو كان ما قاعد يتواصل بالصوت أصلا...
بعد داك رفعوه.
بعد تلك اللحظة، لحظة وجد أحمد الخير، في وعيه أو لا وعيه، جسدَه مرفوعا بواسطة الإسلاميين، وقد رموه على أرضية سيارة جهاز الأمن، لم ير الشاهد الطيب محمد سليمان الشهيد أحمد الخير مرة أخرى، وسنعلم عن لحظة مفارقة أحمد الحياة من مرافقه الملقى بجانبه على أرضية سيارة جهاز الأمن، أمجد بابكر، الذي كذلك كان الإسلاميون اغتصبوه بعصاة، في فناء مبنى جهاز الأمن بخشم القربة.
...
بعد مفارقة أحمد الخير الحياة، متأثرا بجراح التعذيب، في الجسد والدماغ وفي الكرامة، بما في ذلك بمادية الاغتصاب الجنسي بآلة حديدة اخترق بها الإسلاميون جسده ودماغه وكرامته، وكينونته كإنسان، شرعت المؤسسات الإسلامية الحكومية، جميعها، في ترديد رواية إسلامية أن أحمد الخير مات مسموما، بسبب فتة الفول بالجبنة، التي تناولها أحمد مثلما كان تناولها «ضباط الأمن»، وأن ضابطين من هؤلاء ضباط جهاز الأمن من الذين شاركوه الوجبة «أصيبا كذلك بالتسمم ولزما المستشفى»، وهي الرواية التي كانت سارية.
لهذا السبب كان تركيز الشاهد الطيب محمد سليمان على الغذاء الذي تناوله المعتقلون، وشهد الطيب على أن أحمد الخير تحديدا، والذي تم خصه بأقسى أنواع التعذيب، لم يكن قادرا على تناول أي غذاء، ولم يتناول غير ماء، منذ ليلة الخميس حتى بعد المغرب مساء الجمعة:
أنا أوكد من النقطة دي إنو هو [أحمد]، من يوم الخميس الساعة عشرة ونص، لحظة التلاقي معاهو، لحدي يوم الجمعة بعد صلاة المغرب، الزول ما دخل جوفو إلا موية.
ثانيا، مصداقية الطيب بشأن حالة أحمد الخير
يتضح من أقوال الطيب محمد سليمان أنه بالرغم من ملاحظة الضابط ميرغني فاروق، والضابط عبد الله هاشم مهدي (فيتعين ألا ننسى دوره)، وأفراد فرقة التعذيب، ملاحظتهم تردي حالة أحمد، خاصة بعد اغتصابه جنسيا، وبعد تعرضه لتعذيب إضافي بالضرب، حتى بعد المغرب، إلا أنهم مجتمعين لم يحاولوا إسعافه، «ما حاولوا يسعفوه نهائي»، رغم أن المستشفى كانت على بعد خمسين مترا من مكان التعذيب.
ولأن شهادة الطيب محمد سليمان تظل أقوى الشهادات عما حدث لأحمد الخير، فقد أقسم الطيب على صحة أقواله أمام الصحفي الذي كان يسأله، «أقسم بالله العظيم، وكتابه الكريم، أي كلمة قلتها، كلمة حق أُسأل منها يوم القيامة».
لكن الأدخل في الإثبات ليس القسم في ذاته، فالإسلاميون يقسمون ليل نهار بالكذب، بل الإثبات متمثل في أن الطيب عزز مصداقية أقواله، بالإشارة إلى واقعتين ماديتين مهمتين:
الواقعة الأولى
هي أن النائب العام الأعلى بولاية كسلا، التجاني عباس، كان استجوب المعتقلين، ومنهم الطيب ذاته، وقال الطيب إن ذات أقواله للصحفي، مما ذكرته أعلاه، «مثبتة في النيابة العليا في كسلا».
إذ قال الشاهد الطيب إن النائب العام في كسلا استحضر المعتقلين، واستجوبهم بشأن وفاة أحمد الخير:
الكلام دا مُثبت في النيابة العليا، في كسلا. جابونا، و[النائب العام الأعلى] قال لينا: «أنا داير أتحري في جزئية صغيرة، موت الأستاذ أحمد».
أخد الإفادة على اليمين، جاب... أنا قلت نفس الكلام دا.
وقال الطيب إن مدير شرطة ولاية كسلا، حسن محمد يسن، والذي كان صرح رسميا أن أحمد الخير توفي بسبب تسمم، كان أصلا حاضرا مع النائب العام الأعلى أثناء أخذ الأقوال، وفي حضور مدير جهاز الأمن بالولاية، العميد علم الدين آدم. وكان ذلك تصريح مدير الشرطة الكاذب جاء بعد سماعه، شخصيا، أقوال الطيب، وأقوال بقية المعتقلين، لدى النائب العام بكسلا:
الكلام دا مُثبت في النيابة العليا، في كسلا. جابونا، وقال لينا «أنا داير أتحري في جزئية صغيرة، موت الأستاذ أحمد». أخد الإفادة على اليمين جاب... أنا قلت نفس الكلام دا.
كان مدير الشرطة، القال الكلام الهزيل دا، كان موجود معانا. المكتب كان فيهو ثلاثة: مدير عام جهاز الأمن في الولاية [علم الدين آدم]، مدير عام الشرطة [محمد حسن يسن]، ووكيل النيابة [التجاني عباس].
وهو [مدير الشرطة] سمع الإفادة. سمع الإفادات كلها، قريناها، [النائب العام قال:] راجعوا ليْ. قرينا الكلام القلناهو. وقَّعْنا أمام النائب العام. استلم الورق دا. وتفاجأنا بكلام مدير الشرطة.
الواقعة الثانية
التي قال الطيب إنها تؤكد صحة أقواله، فهي جسد أحمد الخير، بعد وفاته، وفيه آثار التعذيب: «دي [الحقيقة عن تعذيب أحمد] ما دايرة سَمَعْ، موجودة في جسدو [جسد أحمد الخير، جثمانه]».
3. مشاهدة سعد الخير في غرفة التشريح
ما التشريح؟
فبعد أن كان طبيب مستشفى كسلا قرر إعلانا صحيحا عن وفاة أحمد الخير، ما كان ممكنا أخذ الجثمان ودفنه، قبل تحديد سبب الوفاة، وهي وفاة حدثت وأحمد الخير كان في عهدة الحكومة.
هنا يأتي دور طبيب التشريح، الباثولوجي، الذي يقع عليه عبء تفكيك الجسد الميت، وفحصه، قصد تحديد أسباب الوفاة. علما أنه لا يوجد ضمان لتحديد الأسباب الفيزيولوجية الدقيقة التي أدت إلى الوفاة، وهنا نجدنا في مجال السببية، بين الطب والقانون، ومن ثم نسمع تعبير "الطبيب الشرعي"، ومعناه الدلالة القانونية في عملية التشريح، لأن تقرير الطبيب الشرعي سيكون بينة لإثبات سبب الوفاة، وربما تحديد خصائص المجرم.
أي، إننا في مستشفى القضارف الآن قصد إسهام تشريح الجثة في تحديد المسؤولية القانونية عن الجريمة. هنا يأتي دور الجثة كالجثمان المتحدث، و"كالمعلم، أو الناقل للمعرفة"، تصل أعلى مستواها التعليمي في التشريح.
فأهمية التشريح بواسطة الطبيب الباثولوجي، أو طبيب آخر، هي لتحديد أسباب الوفاة، ولزيادة المعرفة عن المرض، وقد كان أصلا للتشريح دور في زيادة المعرفة عن الطب والعلاج. لكن الإسلاميين حولوا فعل التشريح مصدرا للكذب الإسلامي وتزوير حقيقية سبب الوفاة.
وهو دور الجثة كشاهد، كجثمان يتكلم ويفضح كذب الإسلاميين.
تنقيل الجثة/الجثمان إلى مشرحة القضارف
وصل الإسعاف بالجثة إلى مشرحة مستشفى القضارف، وأجرى الطبيب عبد الرحيم محمد صالح تشريح الجثة في حضور سعد الخير، وممثلين لكافة الأجهزة الأمنية والشرطية.
أخذ أهل أحمد الخير جثمانه ودفنوه في ذات يوم السبت 2/2/2019.
لكن الأمر لم يكن عاديا، مما يدعونا إلى تسليط الضوء على عملية التشريح وتشريحها هي الأخرى، لكشف أسرار الجريمة، جريمة طبيب التشريح نفسه في مسرح جريمته وهو غرفة المشرحة وطاولة المشرحة عليها مسجى جثمان أحمد الخير.
وصول الجثمان إلى المشرحة
في الساعات الأولى من صباح السبت 2/2/2019، وصلت سيارة الإسعاف القادمة من كسلا تحمل جثمان أحمد الخير، إلى مشرحة مستشفى القضارف، وكان في معية الجثمان عبد الرحيم حسن أحمد، خال أحمد وابن عمه. ثم وصلت بعد ذلك بقليل، إلى المشرحة، سيارة أخرى من كسلا، وكان فيها سعد الخير، شقيق أحمد.
هنا قدم لنا سعد الخير توصيفا للوضعية في المشرحة قبل حضور الطبيب وتشريحه الجثة، وقد كان التشريح بين السادسة والسابعة صباحا، وفق ما جاء في التقرير الطبي أنه تمت كتابته في السابعة والربع صباحا، يوم السبت 2/2/2019.
قال سعد الخير إن المشرحة كانت مؤمنة تماما عندما وصل إليها، وإن القوات النظامية من الجيش والأمن والشرطة كانت موجودة لتأمين المشرحة.
نزلنا، ديل وصلوا قدامنا، الإسعاف اسرع، كانوا ماشين أسرع.
خشوا المشرحة قدامنا، المشرحة لقيناها مؤمنة شرطة الجيش الأمن المهم كلهم بأهم موجودين في المشرحة مؤمِّنين الموقف تماما.
ديل خشوا، أنا ما عارف هم الحصل شنو، بعدين يشوفوا عبد الرحيم، دا هو في فيديو، هو كان صوروه
هم وصلوا قدامنا
هنا خرج متحري شرطة يحمل أوراقا من المشرحة، حيث كان الجثمان ينتظر حضور طبيب التشريح، ونادى على أهل المتوفي، قصد أخذ بيانات عن المتوفي المسجى جثمانه على طاولة المشرحة:
في مُتَحرِّي مَرَق من المشرحة، شايِل أوراقو، قال: يا جماعة دايرين الزول المسؤول المباشر من الأسرة، أقرب زول للمتوفي.
قالوا ليهو الزول دا [سعد الخير]. ندهوا علَيْ.
خشيت المشرحة، شالوا مني البيانات، اسمو، عمرو، ... أديتهم البيانات.
وبعد دخول سعد الخير إلى غرفة المشرحة، وبعد اكتمال أخذ البيانات عن شقيقه أحمد، استمر سعد الخير باقيا في غرفة المشرحة، قصد معاينة جسد أخيه المتوفي للتعرف على ما حدث له.
لكن ضابط الشرطة المتحري، صاحب أوراق التحري، اتجه نحو سعد الخير، وأمسك بيده، ووجهه بمغادرة حجرة المشرحة: "طوالي الضابط المتحري، لابس زيْ ملَكي، من الشرطة، جا مسكني من يدي، قال لي أمرق!"
قدم سعد الخير توصيفا للمشادة بينه والضابط المتحري، وقال سعد الخير إنه أصر على حضور التشريح، وأصر الضابط المتحري أن ذلك ممنوع، فأمعن سعد الخير في إصراره على حضور التشريح، واستأنف إلى الطبيب المشرح ذاته والذي سمح لسعد الخير بالحضور، بعد أن بين سعد الخير أنه ممرض، ومن حيث إنه كادر طبي يجوز له أن يحضر التشريح:
طوالي الضابط المتحري، لابس زيْ ملَكي، من الشرطة، جا مسكني من يدي، قال لي أمرق!
قلت ليهو أنا داير أحضر التشريح.
ثم شرح سعد الخير في الفيديو المسجل إنه لم يكن يقصد حضور عملية التشريح ذاتها، لأنه أصلا لن يستطيع تحمل المشهد، لأن الجثة التي سيتم تشريحها هي لشقيقه، وإنما هو كان مصمما على معرفة شيء في جسد شقيقه أحمد.
وأنا ما قصدي أحضر التشريح، لأنو هو أخوي، ما بقدر أحضر التشريح.
لكن بس في حاجة داير أتأكد منها، داير أشوفها، داير أعرفها.
لكن الضابط المتحري كان مصمما على ألا يكون سعد الخير موجودا في غرفة المشرحة:
قال لَيْ ممنوع. قلتَ ليهو ياخي أنا ممرض، أنا كادر طبي، أنا زول مِديكال.
قام قال لي ما في طريقة، إلا تطلعْ.
قلت ليه ما تقول لي أطلع!
عندئذ رفع سعد الخير الأمر إلى الطبيب الذي كان وصل لتوه إلى غرفة المشرحة، وطلب من المتحري مصاحبته إلى الطبيب المشرح، والذي بدوره سمح لسعد الخير بحضور التشريح:
إنت أمشي ... نمشي نسأل الدكتور بتاع المشرحة.
مشينا الدكتور، قلت ليهو يا دكتور، أنا ممرض، أنا زميل ممرض، داير أحضر التشريح.
قال لَيْ خلاس اتفضل، اتفضل أقيف هناك أَحضَر.
مسار تشريح الجثة
هنا نسمع شهادة سعد الخير عن مسار إعداد الجثة للتشريح، ومن بعد توصيفه لبداية مسار التشريح، وهو سعد كان حاضرا:
أول حاجة، وكت كانوا بْشيلوا في البيانات [من سعد، بواسطة الضابط شرطة المتحري]، كانوا بشرِّطوا في الملابس بتاعتو، هو على الطاولة، كان بْشرِّطوا في الملابس بتاعتو، جردوهو تماما، غطوا المُنتصف بتاعو.
بقى شنو؟ بقى راقد، منتظرين الطبيب.
ثم حضر الطبيب، عبد الرحيم محمد صالح، لبدأ التشريح. وهنا يقدم سعد الخير توصيفا تفصيليا لـ “ضربة كبيرة ظاهرة ... فيها عمق للداخل" تحت الذراع الأيمن لأحمد الخير. ومن روع المشهد، قال سعد الخير إنه لم يكن قادرا على وضع يده على جسد شقيقه أحمد ليتعرف بصورة أكبر على طبيعة ذلك الجرح العميق تحت الذراع الأيمن.
علما أن هذا الجرح العميق، في ذلك الجزء من جسد أحمد الخير، لم يرد ذكره إطلاقا في تقرير الطبيب محمد علي محمد الحسن في مستشفى كسلا، أو في تقرير طبيب التشريح عبد الرحيم محمد صالح بمستشفى القضارف. فواضح أن الطبيبن كانا محتالَين كذابَين مزوِّرَين:
الدكتور بتاع التشريح بدا ... الطبيب بدا، أول حاجة، مشى بدا بالذراع اليمين، شاف الذراع اليمين.
وبعد داك، وكِت رفع بالذراع اليمين، هِنا فِيْ [بمعنى توجد] ضربة في الحتات دي [وأشار سعد إلى تحت ذراعه الأيمن]. ظاهرة. ضربة كبيرة ظاهرة، على وضعية بتاعة ريال، وفيها عُمق للداخل، في الحِتَّات دي.
وأنا ما قادر أخت يدي في جسد أخوي، ما قادر أخت يدي في جسدو، على الإطلاق. وكان يمكنني من الكلام دا، بالإمكان ألبس لي جِوِينْتي، أجي أشوف الحاصل شنو. لكن والله ما قادر نهائيا.
بعد ذلك قلب الطبيب جسد أحمد الخير، ليكون كامل الظهر واضحا. وهنا وصف سعد الخير ما اسماه بـ "الطامة الكبرى"، حيث رأى مباشرة آثار التعذيب الفظيع مكتوبا على الجثة:
بقت الطَّامَّة الكُبرى متين؟، لامِن قَلَبُوهو بجهة الضهر. في آثار بتاعت تعذيب كتيرة جدا، جروح كتيرة جدا، موجودة على الضهر، وجروح كبيرة، وآثار ظاهرة، وواضحة للعيان، ما تخطئها عين.
ولأن النصوص تتحادث فيما بينها وتتصارع أحيانا، استدعى سعد الخير نصوص خطاب احتيال الحكومة، التي كان جاء فيها أن وفاة أحمد الخير "كانت طبيعية"، وهو كان يشير إلى أقوال مدير الشرطة وأقوال حكومية أخرى أن الوفاة كانت طبيعية من حيث إنها كانت مضاعفات لحالة تسمم من وجبه أكلها أحمد الخير نفسه، وهي كانت من مطعم في المدينة، أي لم يطبخها جهاز الأمن الذي لم يفعل أكثر من تقديمه غذاء لأحمد، وأن حتى فردين من جهاز الأمن تأثرا بذات التسمم.
قال سعد الخير إنه سيحكي مواقف تبين "سوء ... المعاملة اللِّقاها" شقيقه، بحيث لا يتجرأ أحد من الحكومة على الكذب مجددا:
بعدين حأحكي ليكم موقف، عشان أوريكم إنو سوء بتاع المعاملة اللِّقاها، عشان ما في زول يجي يتاجر ويكذب، ويجي يقول ذوو المريض قالوا، والجثة ما فوقها حاجة، والموت موت طبيعي.
ما موت طبيعي.
زول يضربوا بالطريقة دي، بالكيفية دي، يكون موت طبيعي كيف؟
سواء أكان مسؤول أمن الولاية، ولا من غير أمن الولاية.
والتفت سعد الخير بقوة ليدحض القول الكاذب من قبل مدير شرطة كسلا، اللواء شرطة محمد حسن يسن، الذي أوكل إليه الوالي آدم جماع نشر الأكاذيب عن أسباب وفاة أحمد الخير، وأمره بالقول إن ذوي المتوفي أنفسهم قالوا إنه لا يوجد تعذيب وإن الوفاة كانت طبيعية:
أنِحنَ ذويه. ما في زول تاني ذويه. أنا ذويه. أنا أخوهو.
ما في زول تاني ذويه. أنا دا، أنا المسؤول من الحاجة دي [تحديد آثار التعذيب وسبب الوفاة].
ثم قدم سعد الخير توصيفا أكثر تفصيلا لآثار التعذيب على الظهر والإليتين، مما تمثل في الضرب الشديد، وهو أصلا ما كان أكده الشاهد المعتقل الطيب محمد سليمان والشاهد كمال قمش.
بعد داك، بعد ما قلبوه، شُفتَ، بعد دا ظهرت الإليتين، أو مؤخرة الظهر، أول حاجة مؤخرة الظهر لونها أسود كامل، ومؤخرة الظهر لونا أسود كامل.
واللون بتاعا الأسود، مِن آثار الضرب. أَعللوا من آثار الضرب، لأنو في نفس الـ ... في لون أسود تاني، موجود في الضهر، بنفس لون الإليتين، عشان أنا أقول مثلا بطول المسافة؟ لا بطول المسافة.
المهم هو، في النهاية، انضرب، وانضرب ضَرِب شديد، ودا الآثار بتاعة الضرب الموجود، أيا كان، ما عارف أنضرب بشنو، أنا دا الشي الواضح أمامي، ودا الشي الماثل أمامي.
وأخيرا أشار سعد الخير، بالألم الممض، المستدعي للاقتضاب، أشار إلى الاغتصاب الجنسي الذي اقترفه أفراد فرقة التعذيب في جهاز الأمن على شقيقه أحمد، واكتفى أحمد بالإشارة إلى "سيلان طالِع من الدُّبُر"، وكرر "في سيلان نازِل من الدبر".
ندرك أن اللغة تقف عاجزة لا تسعف الشقيق لتقديم توصيف لغوي تشريحي للأثر المكتوب بالتفصيل في جسد الشقيق وقد فارق الحياة، بسبب الاغتصاب الجنسي العنيف بآلة حديدية:
بعد داك جوا للتشريح التاني.
في سَيَلان، طالِع من الدُّبُر، في سيلان نازِل من الدُّبُر.
ودا كلام واضح، وكت اتصل علي الكودة، وَرِّيتو، قلتَ ليهو في سيلان من الدُّبُر.
تقرير طبيب التشريح
امتد مسرح الجريمة إلى مشرحة مستشفى القضارف، وفيها تم تقتيل إضافي للشهيد أحمد الخير، بعد مفارقته الحياة في ولاية كسلا، ذلك بتزوير الطبيب الشرعي د. عبد الرحيم محمد صالح وتوقيعه "تقرير طب شرعي"، في صفحتين، بتاريخ 2/2/201، عن أسباب الوفاة.
والدرس، الذي يتعين أن نعيه، مجددا، فهذي ليست المرة الأولى، هو أن مشارح المستشفيات في نظام الإنقاذ أصبحت هي ذاتها مسارح للجريمة، فيها يزوِّر الأطباء الإسلاميون تقارير أسباب الوفاة.
لكن الذي لم يدركه الطبيب الفاسد في مدينة القضارف هو أن اللغة تُلغوِن، أي، إنها تتحدث أصالة عن نفسها، بالرغم من مساعي صاحبها إلى ضبط الدماغ لكيلا يخرِّج الحقيقة المحفورة في دماغه، والتي سجلت نفسها في الدماغ، حين عاين الطبيب الجثة، بالكشف الظاهري، وبالتشريح الداخلي.
وهي الجثة، في ظاهرها وباطنها، شرَحت للطبيب روْع ما حدث لأحمد، مما بينه سعد الخير، لكن الطبيب، تحت الضغوط، انصاع للضغوط، وثبَّت، بالكذب الإسلامي، أن التشريح الداخلي، بشق الرأس، وبشق الصدر، وبشق البطن، لم يثبت شيئا طارئا على جسد أحمد، مثلما لم يثبت الكشف الظاهري إلا بعض تكدم.
ونعرف أنه توجد استحالة طبية أن يكون أحمد الخير، وبين أيدينا بينات موثوق بها عن عملية تعذيبه، نجا من كل إصابة داخلية، في أي عضو من أعضاء جسده. ولو هي كانت مجرد الكدمات تفضي إلى الموت، لكانت معدلات الوفيات بسبب التعذيب بالضرب، من قبل جهاز الأمن، في عداد الآلاف.
قرر الطبيب عبد الرحيم محمد صالح أن "الوجه والعنق سليم من الإصابات والكدم الظاهرة".
وأن "الأطراف سليمة من الإصابات ...".
وفي ذات الوقت، يبين التقرير، وهو يتحدث بلسانين، عن "تلوُّنات أشباه دماء" على قميص أحمد، وعن "تكدم بعموم الظهر متداخل مع سحيات أربعة، وحوالي خمسة عشر مسحية صغيرة، ... وبعض التكدم خطي ... وتكدم بخلفية العضدين متداخل مع سحية بخلفية الأيسر وحوالي أربعة بخلفية الأيمن ... تكدم متداخل بالإلية اليمين وشامل معظمها، ... مع تكدم بأعلى أمامية الفخذ الأيمن ... تكدم بأمامية الساقين متداخل بعضه خطي ....مه سحية بخلفية وسط الساق الأيمن ..."
فلدى الطبيب، يتلخص الأمر، بشأن الإصابات، في هذه "الكدمات" السطحية، وبالطبع هي كدمات لا تفضي إلى الوفاة لشخص في مقتبل العمر وفي صحية جيدة.
وهكذا اكتفى الطبيب بالعبارة حمالة الأوجه، "عنف جنائي". وفي القانون الجنائي يصب تعدد الاحتمالات في صالح الجاني.
مفردات تقنية في لغة التقرير
فلاحظ أولا أن جميع مفردات اللغة في التقرير هي عبارة عن مصطلحات طبية تقنية، ولكل منها دلالته القانونية. ومن ثم فإن كل قاض، فاسد أو غير فاسد، سيحكم ببراءة المتهمين، وفق هذا التقرير الشرعي لطبيب التشريح. والطبيب نفسه كان على علم بأن تقريره سيبرئ المتهمين من جريمة القتل، وهو أصلا شون لسبب التسمم، مما يعني أنه أصلا لم يجد في جسد أحمد ما يفضي إلى وفاة.
وسأبين لاحقا في الجزء عن رئيس النيابة العامة، والذي يشرف على تزوير تقارير النيابة، كيف أن تقرير التشريح ذاته سيتم إعدامه والاستعاضة عنه بنسخة أخرى منه ليتسق مع المستجدات التي لم تكن متوقعة في البداية.
كتب الطبيب عبد الرحيم محمد صالح في تقريره جميع الوقائع التي تبرئ الجناة من كل مسؤولية جنائية عن قتل أحمد، بأن ثبت الطبيب أنه لا يوجد من التشريح الداخلي، وهو الأهم، ما يشير إلى أية مشكلة، على النحو التالي:
"لم تَثبُت معالمُ تَجَمُّع دموي بالفروة [يقصد فروة الرأس]".
أي، إن الفروة ليس فيها أي تجمع لدماء، مما يلغي أية احتمالية لضربة حادة في الرأس.
ذلك رغم أن خال أحمد الخير، عبد الرحيم حسن أحمد، والذي صاحب الجثة إلى المشرحة، شهد بأن الجانب الأيسر في رأس أحمد، قبل التشريح، كان فيه ضربة ذات دماء. مما هو أمر متوقع، بسبب ضرب أحمد الخير على مدى يومين، الخميس والجمعة، في مكاتب الأمن بخشم القربة. وحيث لا يفرق الجناة من فرقة التعذيب بين أعضاء الجسم، وهم بالطبع لا يخصون رأس الضحية بالعناية ولا يتجنبون الضرب في الرأس، بل الرأس هو المقصود بالضرب، لأنه محل "الهوس" الذي يعذب الإسلاميين.
"والجمجمة خالية من الكسور"
والمقصود هنا هو القطع بأن أحمد الخير لم يتعرض لعنف مفض إلى موته، ومن ثم لم يكن سبب الوفاة متحدرا من نوع كسر في الجمجمة مما معروف أنه قد يفضي إلى الوفاة.
فالطبيب الفاسد مثل القاضي الفاسد، يدمر الوقائع، وعينه على "القرار النهائي" عن أسباب الوفاة.
وهو مثل وكيل النيابة الفاسد، أيضا يدمر الوقائع، تحديدا ليصل إلى مراده النهائي، في "تقريره المكتوب".
...
"والمخ سليم من الإصابات الظاهرة".
وهو قول تابع لمنع تكييف تعرض أحمد "لعنف جنائي" مفض إلى وفاته، فجميع العبارات السلبية في التقرير عن سلامة بقية أعضاء الجسد مقصود منها أن "العنف الجنائي"، المعترف به في التقرير، لم يشمل أي عنف يمكن أن يفضي إلى الوفاة، أي إن ذلك "العنف الجنائي" لم يكن "سبب الوفاة"، ومثلما قال النائب العام، فإن أسباب الوفاة المرغوبة من النظام الحاكم هي "المضاعفات".
أي، إن المهم للطبيب ولجهاز الأمن والشرطة في الولايتين، كسلا والقضارف، وللوالي آدم جماع، هو إبعاد "السبب المباشر" لوفاة أحمد، وهو التعذيب، بما فيه الاغتصاب الجنسي. ومن ثم يمكن لهم قبول "السبب غير المباشر"، وهذا الأخير أقل خطرا، قانونيا، من أن يكون الجاني قصد بضربته الضرر الفظيع على أحمد، دون اكتراث من هذا الجاني أن الضرب قد يقود إلى وفاة الضحية. وهنالك دائما التفسيرات القانونية المخادعة، المدعومة بتقارير أطباء التشريح، المزورة.
علما أن أحمد، وبعد تعذيبه، ولنترك جانبا الآن اغتصابه جنسيا بآلة حادة، فقد القدرة على الكلام، اللغة، لابد بسبب الضربة على رأسه، خاصة الجانب الأيسر الذي أشار إليه خاله، بيده اليسرى، واليمنى مرفوعة لأداء القسم، أن رأس أحمد كانت فيه ضربة دموية حادة.
وقد تحدث الشاهد الطيب محمد سليمان عن كيف أن أحمد كان فقد القدرة على الكلام، مباشرة بعد تعذيبه بواسطة سرية التعذيب، ولم يعد أحمد قادرا على إنتاج أي صوت، وهي علامة ممكنة لجرح في جانب الدماغ الأساس محل اللغة، واللغة أساسها في الجانب الأيسر من الدماغ، وإن كانت تتمدد إلى الجانب الآخر، الأيمن، باستثناء من كان "أشولا"، فهل كان أحمد أشولا؟
استباق الطبيب للحقيقة
هكذا نفهم تقرير الطبيب بأنه خطاب استباقي مقابل، ضد الحقيقة في الجثة بين يديه، لذا ركز الطبيب على كل ما حدث لأحمد، جراء التعذيب، بما في ذلك الاغتصاب الجنسي، لنفيه ضمنيا لا تصريحا، مما هو التصريح سيأتي لاحقا في التقرير المصطنع من قبل رئيس النيابة العامة باتفاق جنائي مع الطبيب، والاغتصاب الجنسي نعلم أنه تم إنفاذه، وهو كان عملية مخططا لها ومدربا عليها ولها اختصاصيون مثل أوشيك.
وكذا كتب هذا الطبيب أن "الوجه والعنق ... سليمة من الإصابات والكسور الظاهرة".
فلكأن الضرب على مدى يومين، بالآلات الصلبة والمرنة، وباللكمات، من خمسة أو ستة من الأنذال الإسلاميين المدربين على التعذيب، لم يترك أي أثر "إصابة" على "الوجه" أو "العنق"، خاصة ومثل هذه الإصابات قد تكون مميتة أو تتسبب إعاقة خطيرة!
كذلك ضمن الطبيب أن وقائع التشريح "بشق الصدر والبطن" أثبتت أن "الأحشاء سليمة"، وأن "تجويف الصدر والبطن خالية من الأنزفة الدموية"، وأن "عظام الحوض سليمة من الكسور الظاهرة."
بمعنى أن أحمد الخير خرج معافى كلية من عمليات التعذيب التي تبين لاحقا أنها ألحقت أضرارا صحية خطيرة وبالغة على آخرين معتقلين معه، وهم كانوا خُصُّوا بتعذيب أقل، بالمقارنة مع ما تعرض له أحمد الخير، ومنهم من تم نقله إلى المستشفى ليس بسبب "كدمات"، بل بسبب الفشل الكلوي، والذي يفضي إلى الموت إن لم يتم علاجه.
ثم كتب الطبيب في النقطة رقم 4 أن "الأطراف سليمة من الإصابات"، واستمر الطبيب في ذات الجملة: "الأطراف سليمة من الإصابات غير التي ذكرت عاليه بالكشف الظاهري ولم تثبت بها كسور ظاهرة"، وهو يقصد بالاستثناء الكدمات على الإلية، والظهر، والساقين، وكلها بالطبع لا تفضي إلى وفاة.
فالعبارة المحددة، "الإصابات غير التي ذُكرت عالِيهْ بالكشف الظاهري"، تفصح عن الكتابة الاستراتيجية للتقرير، حيث يعترف التقرير ببعض "العنف الجنائي" لكنه يسجل أن هذا العنف لا يمكن أن يكون سبب الوفاة، والفكرة الأولية بالطبع كانت أن تكون أسباب الوفاة هي "التسمم" كالرواية الرسمية وفق تقرير مزور من المختبر الحكومي.
فالذي فعله الطبيب الشرعي هو أنه قرر أن العنف الجنائي في جسد أحمد الخير لا يمكن أن يكون هو السبب للوفاة.
ولهذا السبب، كانت ظهرت مباشرة، بعد التشريح وتسريب تقريره، رواية مدير الشرطة أن المريض، وثلاثة من ضباط جهاز الأمن، تناولوا وجبة مجلوبة من ذات مطعم في مدينة كسلا، وأصيبوا جميعهم بالتسمم، لكن أحمد الخير كان تسمم أكثر من ضباط الأمن، فمات متأثرا ....!
وسنرى أن رئيس النيابة العامة سيزور هذا التقرير المزور ذاته، لأن المسألة قد تذهب إلى القضاء، وسيكون فيها محامون، وهي قضية شأن عام الآن. ذلك لأن التقرير الأول المسرب فضيحة مدوية، بسبب العجلة في التزوير، وبسبب الغباء في التزوير.
فكيف نفسر هذا التناقض في التقرير؟
ظهر التقرير الطبي المسرب في ظروف معينة، وهي ظروف كان من مكوناتها قرار حكومة كسلا، والحكومة المركزية، التغطية على جريمة تقتيل أحمد الخير بفبركة رواية "التسمم". لكن سرعان ما انهارت الرواية المفبركة، بسبب الشهود الذين كشفوا وقائع تعذيب أحمد الخير، وبسبب بروز شقيق أحمد الخير، سعد، وخاله، عبد الرحيم، ودخول مبارك الكودة في الموضوع. وبروز مسألة الاغتصاب الجنسي.
هنا، قررت الحكومة حبك رواية كاذبة أخرى أكثر قابلية للتصديق. وهي دائما مشكلة المفبرك حين يتم القبض عليه، فهو يحاول بشتى الطرق إيجاد تفسيرات جديدة، لكن الأرشيف لا يرحمه، فكل رواية جديدة مفبركة، مثل رواية عمار في النيابة العامة، ستدمرها وقائع الأرشيف السبقي.
إذ لا يمكن إعادة إنتاج تقرير طبي عن تشريح الجثة بعد انتهاء التشريح الأولي، والوحيد. وهي ورطة النيابة الفاسدة. فأقوال طبيب التشريح بعد دفن الجثة، أنه لم يكن هنالك أي اغتصاب لأحمد الخير، لا قيمة لها، لأنها تأتي بعد الحدث، من "ذاكرة الطبيب"، وذاكرته لا يعتد بها، بل البينة الوحيدة هي تقريره الوقتي. وحيث لا يعني خلو التقرير من الاغتصاب الجنسي أنه لم يقع، مثلما لا يعني خلو التقرير من كدمة في العين أنها لم تكن، فيتذكرها الطبيب لاحقا.
الآن استجدت تلك الظروف الجديدة، وهي الشهادات عن اغتصاب أحمد الخير جنسيا، واغتصاب أمجد أيضا، وفق رواية الشاهد الطيب محمد سليمان الذي قال إن عسكريَّيْن من الأمن رفعا أمجد، الذي كان يقاوم اغتصابه وقبض على تكة سرواله بأسنانه، ثم أدخل أحد الجناة من مجموعة التعذيب العصاة في دبر أمجد، خلال السروال.
والآن، بعد ظهور شهادات اغتصاب أحمد الخير جنسيا، يضطر رئيس النيابة أن يزور التقرير المسرب ذاته، وهو لم يقرأه كاملا في مؤتمره الصحفي، قصد فتح المجال واسعا للكذب المستقبلي.
وسيتم اكتشاف الخدعة أيا كان نوعها أو شكلها، وسيكون اكتشافها عند النظر في الفرق بين التقرير القديم، المسرب في صفحتين، من جهة، والتقرير المزور حديثا، بواسطة عمار رئيس النيابة العامة. وقد قرأ عمار من تقريره الجديد المزور.
وسأعود إلى التزوير بواسطة عمار رئيس لجنة التحقيقات، في الفصل التالي في هذا المقال
4. احتيال رئيس النيابة عامر محمد ابراهيم
https://www.youtube.com/watch?v=nDW1OU9hA4M
يجد القارئ في نهاية هذا المقال النص المكتوب الكامل للفيديو عن المؤتمر الصحفي الذي تحدث فيه عامر محمد إبراهيم، رئيس النيابة العامة، ورئيس اللجنة العليا للتحقيقات. وكان موضوع أقواله حيثيات موت المعلم أحمد الخير أحمد عوض الكريم.
هذه باختصار النقاط التي أريد إثارتها، وأطلب من القارئ أن يحقق بنفسه فيما أراه احتيال رئيس النيابة العامة، عامر محمد إبراهيم، وهو الاحتيال الذي يتلخص في الآتي:
أولا، يدلس رئيس النيابة العامة على حقيقة الاغتصاب الجنسي لأحمد الخير، بواسطة أفراد فرقة التعذيب المبتعثة من كسلا، والنقيب ميرغني فاروق، والنقيب عبد الله هاشم مهدي.
ثانيا، يخفي رئيس النيابة العامة حقيقية الممارسة البيروقراطية الروتينية لأفعال التعذيب المنتظمة في جهاز الأمن والمخابرات الوطني، وهي الممارسة المعتمدة رسميا، والمؤصلة شرعيا، والمحمية بالتدابير والإجراءات الاحتيالية مثل سلوك رئيس النيابة العامة. فحدث تعذيب أحمد الخير لم يكن فعلا استثنائيا أو من تخريجات فرقة التعذيب التي ابتعثها الوالي آدم جماع ومدير جهاز الأمن بالولاية إلى خشم القربة للاعتداء على المعتقلين الأحد عشرة واغتصابهم جنسيا، وفق إجراءات عملياتية مدروسة ومتدرب عليها.
فلتحقيق هذه عمليات التدليس والإخفاء، اقترف رئيس النيابة العامة جريمة تزوير نص تقرير التشريح الصادر بتاريخ 2/2/2019، مما هو تزوير أبين وقائعه فيما يلي، بقراءة تفكيكية لنص الفيديو المنشور وفيه حديث رئيس النيابة العامة.
وأكتفي بتقديم مؤشرات للقارئ ليجري القارئ وحده، أو مع مجموعة صغيرة، مسارا لاكتشاف وتحديد مواطن التزوير في نص الفيديو الحامل خطاب رئيس النيابة العامة.
وكل ما يتطلبه الأمر من القارئ هو قراءة نص تقرير التشريح من صفحتين المسرب في البداية، ومتابعة النص المكتوب لأقوال عامر والاستماع إليه يتحدث في الفيديو، وتوقف القارئ في لحظات استراتيجية، لمراجعة الأقوال، قصد القبض على رئيس النيابة متلبسا بأفعال التزوير التي يمكن تلخيصها فيما يلي:
يخلط رئيس النيابة العامة، قاصدا، بين "التقرير الأولي" للتشريح، وهو التقرير الذي لم يرد فيه أي ذكر لفعل الاغتصاب الجنسي إثباتا أو نفيا، وبين تقرير تم توجيه الطبيب عبد الرحيم محمد صالح بفبركته، لاحقا، وفيه أنه لا يوجد اغتصاب جنسي، رغم أن الطبيب لم يكن بمقدوره تحديد هذا الأمر عن الاغتصاب الجنسي بصورة بعدية، بعد دفن الجثمان، وبعد أن كان الطبيب أصلا أصدر تقريره الأولي خاليا مما يقحمه الآن إقحاما فيما يسميه عامر محمد إبراهيم، رئيس النيابة العامة، "التقرير النهائي".
وفي هذه النقطة مقتل كامل خطاب وكيل النيابة. وسأبينها تفصيلا أثناء متابعة متن النص وفيه أقوال رئيس النيابة العامة.
فأقدم نص الفيديو المكتوب كاملا فيما يلي، وأتدخل في نقاط في النص محددة لأرشد القارئ لملاحظة وقائع التزوير والغش والكذب والخداع التي شادها رئيس النيابة العامة في نص حديثه.
ويجد القارئ تدخلاتي مرقمة بين قوسين معقوفين، في كل نقطة.
أما متن التقرير فأتركه كما هو يتحدث بالكذب عن نفسه.
أقوال عامر محمد إبراهيم في المؤتمر الصحفي 7/3/2019
[فتابع النص المكتوب أدناه بتشغيل الفيديو في ذات الأوان، وتوقيفه لدراسة النقاط التي أثيرها]
بسم الله ....
اللجنة العليا للإشراف على التحقيقات، الأحداث الأخيرة، تُوالي تحقيقاتَها وتقاريرها الدورية، من كل ولايات السودان عن الأحداث، والآن نقدم هذا التقرير عن آخر مستجدات التحقيقات، التي تتولاها النيابة العامة، ولجان التحقيق الولائية، على مستوى على مستوى كل الولايات، في آخر مستجدات في الأحداث.
تَلقَّت اللجنة العليا بالنيابة العامة، سير التحقيقات من مختلف ولايات السودان.
في البدء، بنقول إنو مختلف ولايات السودان شهدت هدوء تام. آآآآ كل الولايات التي شهدت أحداث في البيدان من تاريخ تستعطاشر وعشرين واحد وعشرين اتناشر الفين وتمتناتشر إلى اليوم، لم تسجِّل أي بلاغات، سواء كان في الوفيات أو الأرواح أو كدا،
ما عدا ولاية كسلا، محلية خشم القربة، هي التي حدثت فيها مستجِدات في التحقيقات التي تولتها النيابة بكل مستويات السودان.
أما بقية الولايات عامة، كل ولايات السودان شهدت هدوء نسبي. لا توجد أي بلاغات وفاة أو إتلاف أو حرق آآآ في كل الولايات.
ولاية كسلا، آآآ تلقت النيابة العامة، إفادة من مستشفى كسلا، بتاريخ الجمعة واحد فبراير 2019، بوصول حالة بتاعت وفاة، للمواطن المعلم، أحمد الخير عوض الكريم، بمستشفى كسلا.
تحرك فورا وكيل النيابة الأعلى لولاية كسلا، إلى مستشفى كسلا. وصل المِساء [الجمعة]. وجد [وكيل النيابة الأعلى] أنَّ المرحوم المعلم أحمد الخير عوض الكريم وصل المستشفى متوفيا.
توَلَّى طوالي التحقيق، وأخد إفادات.
توصل بتحقيقاته واستجواباته، بأن المعلم أحمد الخير عوض الكريم تم احتجازه بتاريخ 31 يناير 2019 بمحلية خشم القربة، لدى جهاز الأمن بوحدة خشم القربة.
تم ترحيله يوم الجمعة، بعد الصلاة، إلى ولاية كسلا، رئاسة أمن محلية كسلا.
في الطريق، حدثت عملية الوفاة، وحُرِّكَ، وانتقل طوالي مباشرة إلى مستشفى كسلا.
وصل وكيل النيابة الأعلى لمستشفى كسلا. [ليلة الجمعة]
قام بالتوجيه بإحالة جثة المعلم أحمد الخير إلى المشرحة إلى الطبيب الشرعي، لمعرفة أسباب الوفاة.
ولاية كسلا لا يوجد بها طبيب شرعي.
تم توجيه من وكيل النيابة الأعلى لولاية كسلا بإحالة الجثة إلى ولاية القضارف، لوجود طبيب شرعي بولاية القضارف.
اللي هو يوم الجمعة الِمساء، من يوم السبت [2/2] الصباح تم تحويل المشرحة الجثمان إلى مشرحة ولاية القضارف.
...
استجوبت النيابة، وصولها مستشفى كسلا [ليلة الجمعة]، استجوبت الطبيب الذي تلقى الحالة [محمد علي محمد الحسن، طبيب عمومي]، وقام بإسعافها المبدئي، وأفاد بأن الحالة وصلت إلى المستشفى بحالة وفاة.
كان مع المرحوم بعض المحتجزين [11 محتجزا، منهم البعض في المستشفى، والبقية ربما في جهاز الأمن].
تم استجواب المدير الطبي لمستشفى كسلا.
تم استجواب عدد اتنين من الأفراد المواطنين الذين كانوا محتجزين مع المرحوم، بوحدة محلية خشم القربة، والذين تم ترحيلهم إلى ولاية كسلا، تم استجوابهم بمحضر التحقيقات بواسطة وكيل النيابة الأعلى.
بعد ذلك، أحيل الجثمان إلى مشرحة القضارف.
بتاريخ اتنين اتنين، استلم وكيل النيابة الأعلى لولاية كسلا، التقرير الأولي، للطبيب الشرعي.
الذي أشار فيه إلى وجود كدمات بالظهر، وكدمات بالإليتين، وكدمات بخلفية الساقين.
-
[حتى هذه النقطة لا يوجد شيء جوهري يستحق الوقوف عنده. لكن عملية الاحتيال تبدأ بتلاعب رئيس النيابة بعبارة "التقرير الأولي"، وهو يستخدمها لأكثر من تقرير مختلف، وهو فعل مقصود، لأن رئيس النيابة يريد أن يكذب وأن يسحب الكذبة في ذات الأوان، ثم أن يُثبِّتها مجددا. وسنرى كيف هو سينفذ هذا الاحتيال. قصدُه الدمجُ بين التقرير الأولي للتشريح، من صفحتين، والذي كان تم تسريبه أصلا، وبين تقرير جديد وجهوا ذات طبيب التشريح بكتابته، ويطلق رئيس النيابة على هذا التقرير التشريحي الجديد نفس عبارة "التقرير الأولي". فكن حذرا، لأن رئيس النيابة محتال ماكر يعرف أنه يقترف جريمة، ومن ثم يريد إخفاءها بإزلاق حركات للمخارجة]
التقرير الأولي: تم أخذ عينات من جثة المرحوم، من المعدة، ومن دم المرحوم، ومن الكِلية.
تم إرسال هذه العينات إلى المعمل الجنائي بالخرطوم.
تم أخذها بتاريخ 2/2 وتم تحويلها إلى المعمل الجنائي بالخرطوم لفحصها، إذا كانت هناك تحتوي على أي مواد سامة أو غيرها.
-
[الحديث أعلاه صحيح. فتذكرْه. لأن رئيس النيابة سيحاول لاحقا تخليط التاريخ بشأن موعد إرسال العينات إلى المعمل الجنائي. وهو سيقول لاحقا إن إرسال العينات تم "بعد ذلك"، ويقصد أنه تم بعد إصدار طبيب التشريح "التقرير الأولي" وفيه عدم وجود اغتصاب جنسي. لكنا نعرف أن مسألة الاغتصاب الجنسي برزت بعد أن كان تم أصلا إرسال العينات إلى المعمل الجنائي. وسبب تخليط رئيس النيابة هو مشكلته التزويرية المتعلقة بتزويره مع طبيب التشريح تقريرا أوليا خاصا، بعد دفن الجثمان، أنه بالتشريح لم يجد الطبيب آثار اغتصاب جنسي!]
انتقل وكيل النيابة الأعلى المحقق إلى محلية خشم القربة، وقام باستجواب ذوي المرحوم، شقيق المرحوم وخاله، حول إفاداتهم، وهذا ديدن ونهج النيابة العامة بأنها في كل التحقيقات تصل إلى أولياء الدم ويتم التحقيق معاهم عن أي معلومات تثار لذلك.
استجواب بعض الأفراد الكانوا محتجزين مع المرحوم، أيضا بمحضر التحقيقات.
[من هنا يتحدث رئيس النيابة مواجها الكاميرات بدون قراءة من ورقة]
-
[لاحظ أن وكيل النيابة، ومشكلته الأساس هي التقرير الجديد المصطنع من قبل الطبيب عن عدم وجود اعتداء جنسي، يشير إلى التقرير الأولي، المسرب، بعبارة "التقرير المبدئي"، نقطة صغيرة تبدو، لكنها مهمة في سياقها ومقاصدها. لأن جوهر عملية الخداع تتلخص في اصطناع رئيس النيابة بالاتفاق الجنائي مع الطبيب اخصائي التشريح تقريرا تشريحيا جديدا فيه أن "الكشف على الدبر والقولون، بين عدم وجود اعتداء جنسي"، مما يبين كذبه التقرير الأولي المسرب، من صفحتين وفيه توقيع الطبيب الشرعي وتاريخه 2/2/2019]
النيابة حققت مع الطبيب الشرعي، بعد استلام التقرير المبدئي، حول واقعة ... تم : هل هناك أي اعتداءات ظاهرية أخرى على جثة المرحوم؟ [السبب وراء السؤال هو الأقوال التي سرت بعد التقرير عن التشريح]
وتم استجواب الطبيب الشرعي مباشرةً، بواسطة وكيل النيابة الأعلى، لولاية كسلا، للطبيب الشرعي: هل من الكشف الظاهري، ومن التقرير الأولي: هل تعرض المرحوم لأي عملية بتاعة اعتداء جنسي، بآلة حادة، أو غيرها؟
-
[فلاحظ أن هذا السؤال "هل تعرض المرحوم لأي عملية بتاعة اعتداء جنسي، بآلة حادة، أو غيرها"، لا يمكن الإجابة عنه بصورة بعدية لاحقة بعد الكشف الذي كان حدث وكتب تقريره، لأن الطبيب لم يذكر في تقريره الأولي هذا الأمر عن الاغتصاب الجنسي، وهو واقعة طبية محددة وليست من عموميات الملاحظة الاستنباطية العامة، بل كان تقريره الأولي المسرب مقصودا به التدليس على واقعة الاغتصاب الجنسي التي كان الطبيب يعرفها وكان جهاز الأمن قرر التدليس عليها بالاتفاق مع الطبيب الشرعي، ومن ثم الترويج لرواية التسمم كسبب الوفاة، ولهذا السبب لم يسجل الطبيب من تشريحه الأولي أي سبب للوفاة، بل كان يقول إن كل ما وجده بالكشف الظاهري والتشريح الباطني لا يسبب الوفاة، وكان يعول على أن يأتي تقرير المعمل الجنائي مزورا بوجود تسمم. لكن تغيرت الأحداث، بسبب سريان رواية الاغتصاب الجنسي، فأوقع في يد النيابة التي قررت عندئذ قبول أن التعذيب الجسدي، لا الجنسي الاغتصابي، كان سبب الوفاة، خاصة وقد تبين أصلا من الشهود كذب رواية التسمم]
فكان "التقرير الأولي" من الطبيب الشرعي، آ...
-
[لاحظ العبارة أعلاه، وفيها "التقرير الأولي"، بينما ليس هذا بالتقرير الأولي، تحت، بل هو التقرير الغرضي المصطنع الذي طلبت النيابة من الطبيب الشرعي إنتاجه لاحقا لتعزيز رواية تقول بعدم وجود اغتصاب جنسي]
تقرير طب،
نحن نقراه ليكم، كما ورد من الطبيب الشرعي، الذي عاين الجثمان، وقام بعملية التشريح الظاهري، والداخلي، وأخذ العينات.
-
[يريد رئيس النيابة العامة الإيهام أن هذا التقرير الطبي الجديد تحت هو نفسه التقرير الأولي، الذي كان تم تسريبه، اقرأ العبارة أعلاه قبل المواصلة]
فيما يتعلق بواقعة هل تعرض المرحوم لأية عملية بتاعة اعتداء جنسي، بأي حالة بأي آدَّة حالة،
كان التقرير:
التقرير الطبي لجثة أحمد الخير أحمد عوض الكريم
اربعين سنة
السكن خشم القربة
ذكر
الجنسية سوداني
النيابة العامة كسلا، القسم الأوسط.
تاريخ: آآ
-
·[لاحظ كيف نقبض على رئيس النيابة متلبسا بالكذب، فوق في عبارة "تاريخ: آآ". فحين كان رئيس النيابة جاء لقراءة التاريخ توقف، ولم يذكره، يجب أن تتابع في الفيديو لتفهم احتياله في هذه النقطة. لأن التاريخ يكشف أن هذا التقرير مصطنع، وحدث إنتاجه بعد التقرير الأولي المسرب والصادر 2/2/2019. والتقرير الأولي المسرب هو الذي يريد رئيس النيابة تدميره وإعدامه من الوجود، وإحلال التقرير الجديد، "النهائي"، المفبرك وفيه أنه لا يوجد اعتداء جنسي، ومن ثم يتم إلغاء مسار إنتاج المستند وتاريخيته، لأنا لا نفهم تزوير المستند إلا بفهم كيف كان تطوره من مستندات ذات علاقة سابقة له.
-
وقد تعرفت على هذه الخدعة من دراستي احتيال المحامي علي أحمد السيد والمحامية إيمان المك اللذين كانا يزوران المستندات بوقاحة، حتى ألقيت القبض عليهما بعد أن أعدت بالهندسة الاسترجاعية العكسية كيف تطور المستند المزور عندهما المقدم للقاضي من لحظة طباعته في مكتب المحامي علي أحمد السيد، كبير مفسدي القضاة والقضاء السوداني، في مسار تزويره المستمر عدة مرات]
الزمن: الساعة اتناشر تناشر ونص
"بالكشف على دبْر المذكور أعلاه، لم تثبِت معالم إصابية، أو معالم لاتصال جنسي، ولا يوجد تهتك أو معالم إصابية، بالقولون النازل للمستقيم، من خلال التشريح البطني.
-
[لاحظ التزوير أعلاه في عبارة "بالكشف على دبر المذكور أعلاه"، بعد دفن الجثة، خاصة وأن التقرير الأولى المسرب لم يكن فيه هذه التفاصيل الدقيقة عن الدبر، وواضح أنه تم توجيه الطبيب بكتابتها بعديا لنفي الإسناد الخطير عن اغتصاب أحمد الخير جنسيا.
-
ولو كان الطبيب الشرعي أصلا كشف على الدبر، وعلى القولون النازل للمستقيم، عند الكشف الظاهري والتشريح الباطني، مما قد يظهر منه وجود اغتصاب جنسي أو عدمه، لكان الطبيب الشرعي ذكره في تقريره الأولي المسرب. لكن التقرير المسرب يقول: "بالشق على الصدر والبطن الأحشاء سليمة، وتجويف الصدر والبطن خالية من الأنزفة الدموية..."، ولا يعرض البتة لمسألة الاغتصاب الجنسي أو للكشف على الدبر، في الصفحة الأولى عن الكشف الظاهري]
لم يثبت بالشورت تي [هي قَطعة التشريح مثل حرف التي] آثار دماء ظاهرة.
د. أخصائي الطب الشرعي عبد الرحيم محمد صالح.
هذا التقرير الاولي الذي استلمناه عن: "هل هناك أي حالة بتاعت اعتداء جنسي على المرحوم من خلال الكشف الظاهري والكشف التشريحي للمرحوم".
-
[لاحظ أعلاه التلاعب مجددا بعبارة "التقرير الأولي"، مع الإيحاء التحتي عن وجود تقريرين، للمخارجة. ثم لاحظ العبارة المفتاحية تحت، "بعد ذلك"، أي أنه تم إرسال العينات للفحص بعد هذا التقرير الأولي، المصطنع لاحقا، بدون تاريخ، والمصطنع قصد تثبيت عدم وجود اغتصاب جنسي، بعد دفن الجثة:]
بعد ذلك، تم إرسال العينات التي أخذت من جثة المرحوم المعلم أحمد الخير إلى المعمل الجنائي.
-
[على العكس، أرسلت العينات قبل استلام هذا التقرير الجديد عن عدم وجود اعتداء جنسي]، وعبارة "بعد ذلك" كاذبة]
بالأمس [6/2/2019] تم تسليم نتيجة العينات للمعمل الجنائي، وهذه النتيجة تسلم مباشرة، تم استلامها بواسطة النيابة، وسلمت للطبيب الشرعي لإصدار التقرير التشريحي النهائي.
-
[لاحظ التلخيص تحت، وكيف يلغي ذكر التقرير المصطنع وفيه عدم وجود اعتداء جنسي. لاحظ أن الكلام تحت يبدو سليما، وهي سمة الاحتيال بالتزوير لأنه يستحيل إنجاز الاحتيال صافيا من تناقضات في النص المضطرب أصلا]
زي ما ذكرنا إنو التقرير الأول بتاع اتنين اتنين كان هو تقرير أولي، بوجود كدمات ووجود ضربات، [لا ذكر لعدم وجود اعتداء جنسي]
بعد ذلك تم أخذ العينات، والآن جات النتيجة بتاعت المعمل الجنائي عن المختبرات لثلاثة عينات أللي هي تم أخذ عينة من المعدة، وأخذ عينة من دم المرحوم، وأخذ عينة من الكلية.
جاءت نتيجة المختبرات الجنائية:
تقرير
بيان المعروضات المرسلة
تم الفحص عن السموم والمخدرات العضوية الشائعة بواسطة الجهاز جي سي فاصلة إم إيس
وكانت نتيجة الفحص المعملي: لم تتبين العينات أعلاه على أي أنواع من السموم والمخدرات المذكورة في العمل الفني أعلاه."
بالتالي نتيجة المعمل الجنائي أوضحت إنو العينات التي أخذت من تشريح المرحوم المعلم لم تحتوي على أي نوع من السموم والمخدرات المذكورة.
تم إحالة هذا التقرير إلى الطبيب الشرعي لإصدار التقرير النهائي.
وباليوم الخميس 7 فبراير 12 ظهرا، استلمت النيابة العامة، وكيل النيابة الأعلى المحقق، التقرير النهائي والتشريحي، للمرحوم أحمد الخير حمد عوض الكريم 40 سنة خشم القربة ذكر
جاء في التقرير
"بعد فحص وتشريح جثة المتوفي أحمد الخير أحمد عوض الكريم، تبين وجود إصابات حيوية وحديثة في شكل كدمات وسجمات منتشرة بالظهر وخلفية العضدين، والإلية اليمن بالأعلى، والفخذ الأيمن، ومنتصف الساقين.
-
[أعلاه هو نفس ما كان ورد التقرير المسرب. لكن العبارات التالية، تحت، أن الإصابة كانت بآلة حادة أو صلبة مرنة، مزورة لأنها تصب في الرواية الجديدة عن التعذيب، والطبيب لم يذكر ذلك في وقته، بل كان كامل تقريره يدحض ضمنا وجود لاستخدام آلة صلبة. والفكرة الاحتيالية الجديدة عن الألة الصلبة الحادة مسببة المضاعفات سببها أن رواية التعذيب الجسدي بآلة حادة صلبة كسبب الوفاة تحل الآن محل الرواية الأولية المشونة في السابق من قبل الطبيب الماكر وهي رواية التسمم التي كان المعمل الجنائي سيزور التقرير عن الفحص ليكون التسمم سبب الوفاة]
ونتجت هذه الإصابة بألة حادة أو آلة صلبة أو آلة صلبة مرنة، أيا كان...
-
[مجددا، لم يتم ذكر ما ورد أعلاه في التقرير المسرب، وهو أمر جديد، بعد دفن الجثة، وجاء ليتسق مع الرواية الجديدة المرغوبة]
لم تُبيَّن معالم إصابية، أو معالم لأي اعتداء جنسي في منطقة الشرج.
-
[لم يكن أعلاه مذكورا في التقرير المسرب، بل إن فكرة الاغتصاب الجنسي كانت أصلا منكورة من البداية، ولهذا تم تفاديها تماما في التقرير المسرب]
تُعزى وفاة المذكور عاليه للإصابات المتفرقة بالجسم وما نتج عنها من مضاعفات....حيوية أدت للوفاة"
-
[فلنلاحظ في أعلاه أن التقرير الأولي كان أصلا يعني ألا إصابة في الجسم ثبتت من الكشف الظاهري أو التشريح كانت سببا للوفاة، لعلة تشوين سبب الوفاة ليكون مشدودا إلى تقرير الفحص المعملي المزور]
مرفق مع التقرير نتيجة العينات والفحص والسموم.
استلمت النيابة العامة التقرير النهائي لتشريح جثة الاستاذ أحمد الخير أحمد الخير.
ثبت لينا عدم وجود أي آثار لاعتداء جنسي، بأي آلة حادة أو غيره.
ثبت تقرير المعمل الجنائي، عدم وجود سموم أو مواد مخدرة، في العينات التي أخذت، من جثة المرحوم من المعدة والكلية والدم.
التقرير النهائي عزا الوفاة إلى الإصابات المتفرقة بالجسم، وما نتج عنها من مضاعفات، سببت الوفاة.
فور ذلك، اليوم الاستلمنا هذا التقرير الساعة اتناشر ونص، قام وكيل النيابة العامة الأعلى المحقق بمخاطبة مدير أمن كسلا لإفادتو بأسماء القوة التي كانت تتولى التحقيق مع المرحوم، في وحدة أمن خشم القربة، والقوة التي أرسلت لإحضاره لولاية كسلا.
فور استلام التقرير سيتم اتخاذ الإجراءات القانونية حيال هذه الإجراءات...."
-
[بقية الكلام مجرد هراء]
... انتهى
5. ما معنى استشهاد أحمد الخير؟
مساء السبت 2 فبراير 2019، شيعت جماهير غفيرة في خشم القربة جثمان أحمد الخير، إلى مثواه الأخير. ومن ثم، من تلك لحظات نهاية كينونة أحمد، معنا، في هذه الحياة، بدأت لأحمد الخير حياة جديدة، في وجدان شباب السودان.
فأهم دلالات استشهاد أحمد الخير، هي أنه أزال الغشاوة من أعين الشباب، ومن أعين جميع السودانيين، باستثناء الإسلاميين أصحاب الإنقاذ ومثقفي النظام العارفين أصلا، وهي الغشاوة التي كانت منعت من النفاذ إلى حقيقة مؤسسة التعذيب الإسلامي، وجودها ابتداء، كمؤسسة قارة في السياسة الإسلامية، وفي الإسلام السياسي، في نظام الإنقاذ، في جهاز الأمن والمخابرات الوطني، وكيفية عملها، وتقنياتها للتعذيب، ودور الاغتصاب الجنسي تقنية رئيسة فيها، وكيفية أدائية الاغتصاب الجنسي لواطا من قبل إسلاميين متخصصين مكلفين بتعذيب الناشطين السياسيين، والوحدات المسؤولة عن التعذيب وقياداتها، والتنسيق بين الكيانات الحكومية لاستخدام التعذيب، عبر عضوية من الكيانات الحكومية المحورية في "لجنة الأمن".
وهنالك دور الأطباء الإسلاميين، أو المتعاونين مع الإسلاميين، لقاء الرشوة، أو بسبب الجبن، دورهم في تزوير التقارير الطبية عن أسباب الوفاة؛ ودور النيابة العامة في تزوير التقارير ووأد التحقيقات في إجرام الدولة؛ ودور الشرطة في الكذب؛ ومشاركة جهاز الأمن في أخذ شهادات الشهود في مكتب النائب العام، في جرائم اقترفها جهاز الأمن ذاته، ومنه تصنع جهاز الأمن أنه يحاسب منسوبيه على جرائمهم، وغيره كثير.
عشاري أحمد محمود خليل
ushari@outlook.com
سياتيل، ولاية واشنطون، أمريكا
29/3/2019
تحصل على نسخة المقال منسقة بي دي إيف من الرابط التالي:
file:///C:/Users/Hassan/Desktop/ahmedkhair.pdf