الثورة السودانية: نحو مجتمع سوداني انساني مستنير الى عقد اجتماعي جديد (2)
ما يحدث راهنا في السودان ليس مجرد انتفاضة شعبية تسعى لتغيير سياسي ضد النظام الشمولي الظلامي بل ثورة سياسية واجتماعية تنقل البلاد إلى سودان جديد وهي قطيعة حقيقية مع ماضي مثقل بالفشل والخيبة هذه حركة حديثة تتوق لسودان حديث حقيقة وليس مجرد شعار للاستهلاك السياسي .
حركة الشباب تريد فكرا جديدا ولغة جديدة بعيدة عن لغة الايديولوجيات الخشبية . ومن هنا كانت المواقف العديدة الرافضة لكل قديم، وليس صحيحا دائما المثل القائل “النسي قديمه تاه ” فالتاريخ يجب ان يكون عبرة وليس عبئا يثقل كاهل الجيل ومعوقا لسرعة حركته للأمام . وفي هذا السياق يمكن ان يفهم شعار”لا زعامة للقدامى ” وهناك اتجاه عام يرفض الاحزاب والحزبية .ولكن هذا موقف في شكله الخام لا ديمقراطي وشمولي أحادي . هناك مبدأ ثابت وشرط حيوي وجوهري أنه لا ديمقراطية بلا احزاب سياسية ” ولكن في السودان أي حزب يمكن أن يحقق الديمقراطية ويحرسها ويدافع عنها ؟ ولماذا نجح العسكريون ثلاث مرات في الاستيلاء على السلطة من حكومات منتخبة ؟ الحزب الحقيقي لابد أن يكون حديثا وديمقراطيا. وهذا مانفتقده في السودان : أحزاب لاتمارس الديمقراطية داخلها، لا تعقد مؤتمراتها دوريا والقيادة لايغيرها غير الموت وزعيم الحزب هوالإمام الحبيب أو الحبيب النسيب أوالرفيق المناضل .وفي كل الأحوال وداخل كل الاحزاب التقليدية والحديثة تسود علاقه أبوية تجعل من زعيم الحزب دكتاتورا مطلق الصلاحيات يمتلك الحزب ولا يديره . ومازلت اذكر بيانات الازهري : ” إلى من يهمه الامر سلام ” !
الشباب في حقيقتهم ضد الاحزاب الأبويه فاقدة الديمقراطية داخل صفوفها ويتوقون إلى أحزاب ديمقراطية حديثه ذات برامج عملية وفكر متجدد وأن تكون لهذه الأحزاب مراكز دراسات ومعلومات تجدد روحها وفكرها باستمرار.
علينا ألا نظلم الشباب فهم ليسوا ضد الحزبية والاحزاب مطلقا ولكن ضد هذا النوع من الأحزاب التي هي أقرب الى العشيرة أو القبيلة . بل إن الشباب أنفسهم يجب عليهم تكوين تنظيماتهم أوجبهاتهم أو احزاب ولكن على أسس ديمقراطية حديثة لأنه فعلا حسب المأثورالثاقب ” لا حركة ثوريه بدون تنظيم ثوري !”
ثانيا الشباب ضد الايدولوجيات الخشبية ولكن مع الأفكار العلمية الواقعية .لأن أغلب الايدلوجيات التي شغلت التاريخ السياسي السوداني هي ذات امتدادات خارجية وأفكار وتحليلات معلبة غير نابعة من الواقع السوداني بل تحاول تركيب الواقع داخل تلك الافكار عوضا عن أن ينتج الواقع تلك الأفكار لذلك ظلت أغلب هذا الأحزاب نخبوية ولم تمتد إلى الريف والى المستضعفين بل حصرت نفسها داخل الانتخابات الطلابية ونقابات المدن والقطاع الحديث . وظلت الأحزاب فوقية مجرد قيادات وزعامات لا تسندها أي شعبية أو جماهير : جنرالات بلا جنود تعمدت استعمال مفهوم مجتمع انساني (Humanist ) للابتعاد عن اللغه القديمة وتجنب مجتمع او دوله علمانية أو مدنية . وفي المجتمع الانساني يكون الانسان هو مرجعية كل شئ وهو المركز والمحور الذي يقوم عليه الموقف من الكون والانسان والمجتمع . وكما قال الشاعر محمد الفيتوري : ” الأعلى من قدر الانسان هو الإنسان ” المجتمع الانساني هو مجتمع واقعي يبدأ بالانسان وينتهي به وبالضرورة ان يكون المجتمع المدني مجتعما مستنيرا يقوم على العقلانية والعلم ولايلعن الظلام فقط، بل يوقد الشموع باستمرار طاردا الخفافيش، ويلاحقها حتى يقضي عليها تماما . وهذا هو الواجب في هذه المرحلة: القضاء على القوى الظلامية ماديا وفكريا . فهم مثل الاحاجي التي تروى عن دم الغول! فالفارس يضرب الغول بسيفه وتطير منه قطرة دم بعيدا ، ثم تنمو هذه القطره غولا جديدا. وهذا مايحدث الان في السودان تم إسقاط الغول الكبير ، تطاير دمه وظهرعدد من الغيلان على السطح وبأصوات عالية!
يحتاج المجتمع الانساني في الفترة الانتقالية الراهنة الى عدد من الاقلاعات وليس مجرد الإصلاحات وقد أقترحت بعضها في الحلقة الاولى من هذا المقال – واستعرت الاقلاع من الطيران لأن الخطوات لابد ان تكون سريعة ومتقنة بالاضافة إلى المتابعات والمثابرة والانجاز .
1- الاقلاع الاقتصادي : تطويرالبنية التحتيه والبدء بوسائل المواصلات والاتصالات والارتقاء ، وقف كل اشكال الصرف البذخي وتقشف الدولة وتقليص الانفاق على الامن والدفاع والدبلوماسية عدا الضروري.
التركيزعلى القطاع الزراعي والحيواني مع ضرورة تصنيع الزراعة وانتاج الغذاء
الارتقاء بقيم العمل والانتاج والبعد عن العقلية الاستهلاكيه في الحياة اليومية العامة.
2- الإقلاع في الخدمات : توفير العلاج داخل السودان والتقليل من السفر للعلاج في الخارج . دور نقابة الأطباء في إعادة تأهيل المستشفيات والعودة التدريجية للأطباء العاملين بالخارج . وتحفيز المنظمات العالمية لمساعدة السودان والتأثير عليها لدعم الخدمات في السودان .
التخلص التدريجي من خصخصة التعليم وعودة دور الدولة في التعليم وتأكيد المجانية الحقيقية وتحريم الدروس الخصوصية ومجموعات التقوية
3- الإقلاع الاجتماعي
تأكيد الجانب الإنساني السوداني في العلاقات الاجتماعية مثل التكافل وفي نفس الوقت نبذ الاتكالية واحترام الزمن وبالتالي التخلي عن العادات الاجتماعية الضارة الملازمة للأفراح والاحزان .مثل تقصير فترات العزاء وكذلك طقوس الزواج التفاخرية والمنافسة حول والمظاهر والشكلانيات .
هذه الثورة الشبابية خط فاصل في التاريخ والزمن السوداني ولاسبيل لأي تراجع أوتردد في المضي إلى الامام .